في أقل من شهر، أنهت الاحتجاجات الشعبية في تونس الشوط الأول والرئيسي في تفكيك نظام سياسي عرف بالظلم والفساد وبالطبيعة البوليسية. وتؤكد الأحداث أن تكنولوجيا الإعلام والاتصال نجحت في إسناد أول ثورة شعبية عربية، حيث حالت دون كتم أنفاسها أو طمس حقيقتها الثورية على الخوف المستحكم والوضع السياسي والاجتماعي المنسحق تحت وطأة الاستبداد السياسي والفساد المالي والاقتصادي للطبقة الحاكمة في تونس منذ الاستقلال. عبقرية ثورة التكنولوجيا أيضا مكنت من تداول معلومة الانتفاضة بالصوت والصورة في ازدراء شنيع لتدابير ''الحصار الإعلامي الإلكتروني'' المضروب على تونس، والذي لم يخجل الرئيس التونسي المطاح به أن يعطي التعليمات برفعه (كذا!) في إحدى خطبه وهو يترنح في ارتباك وتلعثم ظاهرين. وأعتقد أن هذه الخطبة، وأخواتها اللواتي يؤرخن لانهيار نظام الحزب السلطوي في تونس، ستكون تحفا ثمينة تعرض بالصوت والصورة في ''متحف الثورة التونسية'' الذي سيكون من أهم المعالم السياحية لدولة تونسالجديدة بعد إنجاز استقلالها الثاني! هذه الثورة التكنولوجية أيضا مكنت المعارضة التونسية، بتنوع عائلاتها السياسية في الداخل وفي المنافي، من إيصال صوتها لشعبها وللعالم وتأكيد إجماعها على وصف النظام التونسي بالنظام البوليسي الفاسد والفئوي والمتخصص في التدليس على المجتمع الدولي من خلال تسويق مؤشرات وأرقام التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تصور تونس بحبوحة للعيش وجنة شمال إفريقيا وجنوب المتوسط وكانت تمنحها أرقاما متقدمة في مختلف سلالم النجاعة الاستثمارية والحكامة الاقتصادية والاجتماعية. مؤرخو ''أول ثورة شعبية في القرن الواحد والعشرين و''أول ثورة شعبية عربية'' يسجلون للتاريخ أن مفجرين رئيسيين أطلقا مارد الغضب التونسي من عقاله ونقلا حالة الخوف من مربع الشعب إلى مربع الطبقة الحاكمة وفي زمن قياسي جدا: - المفجر الأول أطلق شرارته موقع ''ويكيليكس'' الذي سرب برقية قصيرة لتقرير بعث به السفير الأمريكي في تونس إلى رؤسائه في الخارجية الأمريكية يؤكد أن ''الأوضاع في تونس متعفنة والفساد مستشر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نتيجة تحكم زوجة الرئيس التونسي وأصهاره في دفة هذا الفساد واستئثارهم الشخصي بالاقتصاد والأعمال والثروات الوطنية''. طبعا، وكما أسلفنا، بعد إفادة ''الشيخ ويكيليكس'' تَوَلَّتْ ''الفاضلة الأنترنيت'' تعميم هذا الخبر حتى تَنَذَّرَ التونسيون وسَخِروا ضجَراً من واقعهم بقولهم: ظهر الفساد في البر والبحر.. وعند ويكيليكس أيضا!! - المفجر الثاني والمباشر جدا، هي حالات الانتحار التي دشنها الشاب محمد البوعزيزي رحمه الله يوم 16 دجنبر 2010 في ولاية سيدي بوزيد معلنة باندلاع الانتفاضة الشعبية حالة تنفيس سريع وجارف لمكبوت جماعي ومجتمعي تجسد في شعارات غزيرة بحمولتها الثورية على ''عصابة السراق!'' أسقطت حاجز الخوف بسرعة البرق وقلبت وضع النظام التونسي من حالة ''المعجزة التنموية'' و''التحكم الأمني الشامل'' إلى حالة ''العجز التنموي'' و''الفشل الأمني الشامل''. طبعا هذه مجرد مُفَجرات.. أما برميل البارود، فهو بلا شك الوضع التونسي المحتقن والمأزوم سياسيا وحقوقيا والجاهز للانفجار لأتفه الأسباب التي قد لا يخطر على بال أحد أن تكون صفعة من شُرطية لشاب كريم النفس. أشعلت الصفعة المهينة حريقا في جسد ثائر وامتدت لنظام سياسي انتحرت جمهوريته المستبدة انتحارا فاجأ الجميع! أجل، لقد سوق النظام التونسي لفترة تزيد على العقدين من الزمن، بتغطية غربية مالية وإعلامية مطلقة، تجربته كنموذج لنجاح الفصل الحاسم بين الحرية والحياة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة وبين تحقيق الرفاه للشعب من جهة أخرى. ولسنا نبالغ إذا زعمنا بأن الكثيرين من ذوي النزوع التسلطي في عالمنا العربي راودتهم هذه التجربة عن نفوسهم وأغرتهم بسحرها، وظل الكثيرون منهم يعتقدون بأن أوراش توفير الخبز والزفت والإسمنت المسلح ومناصب الشغل أهم وأولى من ورش الديمقراطية بما تعنيه من إنتاج دساتير جديرة بكرامة الشعوب وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وبناء مؤسسات منتخبة ذات مصداقية شعبية وتأسيس قضاء عادل ومستقل وإعلام حر وتكريس الحق في التعبير والتنظيم والتجمع.. وما إلى ذلك من سائر الحقوق التي لم يعد ممكنا حجبها عن شعوب القرن الواحد والعشرين. ولإنعاش ذاكرة القراء ومن يعنيهم الأمر، نؤكد أن بعض المسؤولين الأمنيين في بلدنا جاهروا بالتنويه بالنموذج التونسي في مناسبات متكررة، كما أن بعض صحافتنا الوطنية المعروفة بتصريفها لوجهات نظر بعض مراكز النفوذ المتهورة في الدولة كتبت بمناسبة ميلاد الحزب السلطوي الجديد، فيما يشبه التهديد والوعيد بمن يحلم بديمقراطية ذات مصداقية، عناوين بارزة تفيد جدية دراسة ''الخيار/النموذج التونسي'' من قبل صناع هذا الوافد الجديد واحتمال اللجوء إلى وصفته لعلاج ''الانفلات الديمقراطي'' الذي يعرفه المغرب والذي قد يرشح حزبا ذو مرجعية إسلامية في بلد مسلم لاحتلال الرتبة الأولى في أي تنافس انتخابي نزيه! إن انتفاضة الشعب التونسي التي جعلته يقدم عشرات الشهداء في مواجهة آلة أمنية وصفت دائما بالقمعية والخادمة لطبقة حاكمة فاسدة هي ذاتها الانتفاضة التي أرسلت لكل من يعنيه الأمر في البلاد العربية تحديدا رسائل واضحة، وجددت التأكيد على الآتي: - إن أي نظام سياسي يقوم على الاستبداد والاستخفاف بمنظومة الكرامة الإنسانية لمواطنيه، والتي ليس الخبز والشغل والبُنى التحتية إلا جزءها المادي المحسوس، لن ينجح في بناء ''الدولة الآمنة'' والمطمئنة التي لا يتوطد أمنها واطمئنانها إلا على قاعدة الشعور المشترك بالمساواة والمسؤولية المتقاسمة بين أبناء الوطن الواحد تجاه وطن موحد يضمن الحرية والعيش الكريم لأبنائه. أجل، لقد بنى الاستبداد السياسي في تونس ''دولة أمنية'' تقاس فيها درجة الاستقرار أساسا بنسبة عدد رجال المخابرات وأعوان الأمن بمختلف تشكيلاته إلى عدد السكان (يوجد في تونس اليوم رجل ''أمن'' واحد لكل مائة مواطن تقريبا!!)، ولذلك فإن ما جرى اليوم في تونس، البلد الصغير مساحة وساكنة، يؤكد أن التفكير الأمني حين يخرج عن وظيفته الطبيعية القائمة على حفظ أمن الدولة والشعب على السواء، ويصير الأمن جهازا وظيفيا قمعيا تمارس به الدولة أو بعض دوائر نفوذها الخارجة عن السيطرة ورقابة المؤسسات، فسادا سياسيا واقتصاديا وماليا وثقافيا على حساب الشعب المغلوب على أمره.. فلا يمكن التعويل على هذا الجهاز مهما تضخمت أعداده وتجهيزاته في هزيمة الإرادة الشعبية المنتفضة عندما تكتمل الشروط الموضوعية لانتفاضتها. - إن أحداث تونس أكدت أيضا على أن النظام السياسي الذي يفلس في تأمين الحرية واحترام حقوق المواطنين السياسية والمدنية بالأساس أعجز ما يكون عن تأمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. فلائحة الحقوق السياسية والمدنية تحتاج إلى مجرد القناعة بضرورتها لبناء مجتمع كريم بالنظر إلى كونها متأصلة في الكرامة الإنسانية، ثم امتلاك إرادة جادة وصادقة لإنفاذها في واقع الناس، ولذلك فهي أقل كلفة بمنطق الميزانيات والاعتمادات المالية والمجهود الاستثماري.. وما إلى ذلك من مفردات قاموس المال والأعمال. فالنص الصريح عليها في الدستور ومجموع القوانين المنظمة لمجالاتها، ثم عمل الدولة على احترامها والتصدي لمن ينتهكها يرفع قدر الدولة والمجتمع في سلم الرقي والتقدم والتحضر. أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات واضحا أن احترامها في مناخ سياسي مثخن بالاستبداد والفساد وضعف أو انعدام دولة المؤسسات الضامنة لتوازن السلط والرقابة الناجعة على المال العام وخيرات الشعب، ادعاء كاذب وتسويق غادر لأرقام مصطنعة تخفي حقيقة أوضاع اجتماعية تستحق معها تونس اليوم لقب ''جمهورية الاستبداد المنتحر'' بعد أن اختار شبابها اليائس والبائس نَحْرَها بالانتحار كأسلوب مؤلم قاسي وتراجيدي للتعبير عن فقدان الأمل في ظل وضع مأزوم وآفاق مسدودة. - إن أي نظام سياسي يرتكب حماقة اغتيال أو إضعاف الديمقراطية أو تهميش قوى المعارضة الديمقراطية الحقيقية وهيآت المجتمع المدني الحرة والإعلام المستقل ويخير المواطنين بين الانسحاب من دائرة التفكير والمشاركة المسؤولة في تدبير الشأن العام أو الاصطفاف داخل وخلف كائنات صورية يصنعها وينفخ فيها أسباب الحياة ويسندها بأسباب الوجود الوهمي، يجد نفسه مع مرور الزمن كمن قطع الغُصْن الذي يجلس عليه أو كمن حفر خندقا سحيقا وفاصلا مع سديم الجماهير المحيطة به، لا قبل له بالتواصل الحقيقي معها. هذا الأمر أكده سفير تونس السابق لدى الأممالمتحدة، أحمد ونيس، مع بداية الانتفاضة بقوله ''إن أسباب الاحتجاجات تكمن أساسا في وجود قطيعة بين القمة والقاعدة، واتساع رقعة الفراغ السياسي في البلاد''. ليس هذا فحسب، بل إن ثورة تونس أكدت مجددا أن قُوى الفساد سرعان ما تملأ شبكاتها المافيوزية هذا الفراغ الرهيب الذي ينشئه الاستبداد بين مؤسسات الدولة وجماهير الشعب. إن هذه القوى المفسدة بطبيعة اشتغالها وانشغالها، كما تؤكد دروس التاريخ وعبره، تأكل من خبز وكرامة الشعب وتأكل من مشروعية الحاكم سواء بسواء، خصوصا عندما تكون للحاكم مشروعية مزعجة لقوى الفساد، فتسير الأمور في اتجاه قطيعة محكمة تُنتج الانفجار الذي تابع العالم أطواره الدرامية في تونس. إن الرئيس بنعلي فاخر دائما في كل المحافل بقهره لقوى المعارضة الديمقراطية الحقيقية، معتمدا قاموس مكافحة الإرهاب لتبرير إرهاب الدولة، فلم يُبْقِ منها غير من يختاره لتأثيث المشهد ولعب دور ''الكومبارس'' في إخراج بعض المسرحيات الانتخابية التي كانت تُبَوِّئُ الحزب السلطوي دائما مقعد الرئاسة والهيمنة الشاملة وتُعِدُّه لذلك مدى الحياة. لكنني أعتقد اليوم جازما أن الرئيس ''المخلوع'' بنعلي الذي ظل يتابع جحافل التونسيين الثائرين على نظامه بدون لافتة ولا عنوان سياسي معلوم، ربما يكون اكتشف حجم الحماقة التي ارتكبها يوم أجهز على مؤسسات سياسية ومدنية وظيفتها الدستورية في كل ديمقراطية محترمة تنظيم التدافع الاجتماعي وإعطاؤه بعدا حضاريا يرقى بالممارسة الاحتجاجية ولا يخرج بها عن دائرة المسؤولية العامة والمشتركة عن أمن وسلامة وكرامة الوطن والمواطنين. - إن النظام التونسي، منذ مؤسسه الراحل بورقيبة، تفرد من بين كافة الأنظمة العربية باختياراته العلمانية/اللادينية المتطرفة، وقد سوق دائما نموذجه في مواجهة المعارضة عموما، والإسلامية خصوصا، بِنَحْتِ مجموعة من التعابير التي تُكثف وتجاهر برؤيته الاستبدادية الرافضة للتعايش مع المخالفين. ومن بين هذه التعابير المشهورة ''تجفيف منابع التدين'' التي تم اعتمادها كسياسة عمومية أفقية شملت كافة تفاصيل حياة التونسيين، بدءا بضبط الحقل الديني والتضييق على الممارسة الدينية بتهميش دور المساجد ورسالتها التربوية والإصلاحية ومنع الأذان في وسائل الإعلام والتضييق على حجاب المرأة التونسية في المؤسسات العمومية (يسمونه الزي الطائفي!)، وإحصاء أنفاس المصلين في المساجد باعتماد بطائق ممغنطة، واعتماد التحقيق الاستخباراتي الممنهج مع المواظبين منهم على صلاة الصبح (أنظر نموذج تقرير معتمد من طرف الأجهزة الأمنية!)، والمنتهكة لحرمة شهر رمضان بشرعنة إفطاره العلني.. وما إلى ذلك من ممارسات يصعب تصديق أنها تقع في بلد مسلم لولا أن واقع تونس شاهد عليها وسارت بذكرها الركبان. وبالطبع فإن هذه الممارسات التحكمية المتطرفة ذاتها امتدت لحقل السياسة والثقافة والإعلام والأسرة وغيرها بهدف ثابت ومعلن هو اجتثاث منظومة القيم الإسلامية وما يمكن أن ينبت في تربتها، سواء كان فكرا سياسيا تنظيميا جماعيا وسطيا ديمقراطيا يؤمن بالتعدد والاختلاف (حالة النهضة نموذجا) أو حتى قيما إيمانية فردية تحصن الفرد المسلم أن يقع تحت طائلة اليأس القاتل ويقدم على الانتحار مثلا. إن وقائع الانتحار المتتالية وعلاقتها التفجيرية بانتفاضة الشعب التونسي تضيف بعدا خطيرا لمفاعيل الاستبداد الذي عمل على تكريس سياسة ''تجفيف منابع التدين'' في كافة مناحي الحياة، وهو ما أدى لاتساع تأثيرها الثقافي المدمر ليشمل تخريب مقومات الهوية الإيمانية وأساسات المعتقد الديني الضامن لمقاومة الظروف الصعبة والتسليم بالمشيئة الإلهية بعد أن يستفرغ المرء المسلم جهده في طلب تحسين أوضاعه المعيشية بكافة أشكال المقاومة المشروعة. لقد أراد الاستبداد أن يقتل الإيمان في النفوس لتنقاد له ويفعل بها ما يريد، لكن مكر الله جعل المدخل لتجفيف منابع التدين هو ذاته المدخل لتجفيف منابع الاستبداد..! بكلمة، لقد سقط بسقوط تجربة نظام بورقيبة/بنعلي على وقع وإيقاع الثورة التاريخية للشعب التونسي، نموذج تنموي قام على جعل ''الدولة الأمنية'' خيارا ناجحا ومدخلا مضمونا لتحقيق ''دولة آمنة'' ما دام هذا الخيار قادرا على توفير الخبز والشغل والرفاه الاجتماعي دونما حاجة للديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان. إنه، وبعد حوالي عقدين من الزمن فقط، ورغم الاحتضان والتزكية والتسويق الأوروبي والأمريكي المنافق لهذا النموذج التونسي، يؤكد هذا السقوط المدوي على جملة حقائق صارمة، نذكر منها: - إن الشعوب المظلومة كالبركان.. واهم من يحتقر خمولها الظاهري..! فبين سكونها القبوري أو استسلامها المخادع ولحظة انفجارها المدمر زمن قد لا يتسع لمن يجثم عليها ظلما أن يتحسس مكانه.. أمحمول هو فوق أكتافها أم قد هوت به ريح غضبتها في مكان سحيق؟! - إن التلازم بين الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والاستقرار الاجتماعي والسياسي تلازم عضوي وغير قابل للتبعيض أو التلاعب، وهو ليس من حق شعوب الغرب فقط، ولكن من حق شعوبنا أيضا في العالم العربي والإسلامي.. ومن الآن فصاعدا! * إن الشعب هو الأصل، وإن الانحياز له وخدمة مصالحه بصدق عنوان الرشد وعين الذكاء. أما التعويل على العمالة للغرب أو التطبيع مع الكيان الصهيوني أو سرقة الثروات لتحصين المستقبل وضمان النجاة، فَوَهْمٌ ما بعده وهم.. وغباء ما بعده غباء! إن هذه الممارسات المشينة لا تمنح للطاغية عند سقوطه مجرد الحق في نزول طائرته في مطارات كانت تفرش له البساط الأحمر وتعزف له ألحان الفرح باستقباله. - إن إجرام النخب الفكرية والإعلامية والفنية في الأنظمة الاستبدادية أسوأ من إجرام النخب السياسية الفاسدة. فهذه النخب هي التي تساهم في الترسيخ التدريجي لثقافة التزلف للمستبد وتبرير انحرافاته وتوفير التغطية لجرائمه. لقد استطاع بنعلي بالترغيب والترهيب أن يحشد جيشا من أصحاب الأقلام وباعة الأوهام المأجورين، خصوصا من شلة اليسار الانتهازي الذي سوغ تحالفه مع الاستبداد بالعداء للإسلاميين، فزينوا له كل قبيح وسوغوا له كل فاسد. هؤلاء المغبونون اليوم رهائن في يد شعب منتفض لأن طائرة الزعيم ''المخلوع'' الهائم ليلا على وجهه لا يمكن أن تنوب عن الوطن فتسعهم جميعا! - إن فرنسا تحديدا في هذه الحالة الثورية المغاربية، بمساهمتها في محنة الشعب التونسي زمن الاستبداد والموقف المتآمر على ثورتها وتضحياتها الجسيمة، تشكل معيقا موضوعيا لاستكمال شعوبنا المغاربية لاستقلالها الثقافي والاقتصادي وبنائها الديمقراطي، وبالتالي بناءَ وحدتها وتكاملها وسيادتها المشتركة على أمنها وثرواتها ومصير شعوبها، وهو ما يجب أن يَعِيَهُ الجميع حكاما ومحكومين. لقد آن الأوان لفتح نقاش عمومي مغاربي بشأن أدوار فرنسا وسياساتها الإمبريالية الخطيرة والمعادية لتطورنا الديمقراطي ومواجهتها بما يناسب درجة هذه الخطورة. إن الفرصة اليوم سانحة للجميع، حكاما ومحكومين، أن يقوموا بالمراجعات العميقة والضرورية للمساهمة في بناء فضاء مغاربي ديمقراطي آمن ومتضامن على قاعدة العدل والمساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان ونبذ الاستبداد المؤدي حتما للانتحار ثم الانفجار!