تلقى رئيس جماعة الرباط ردًّا قويا من والي جهة الرباطسلاالقنيطرة بخصوص إدراج نقطة تتعلق بإحداث مرائب تحت أرضية بجدول أعمال الدورة الاستثنائية، وبغض النظر عن حيثيات هذه المراسلة، فإن لغة الخطاب كانت قاسية وآمرة، وتنتقي بعض مفرداتها من الحقل الديني لرمزيته وقدسيته، ولأن المرسل إليه ينتمي إلى حزب له مرجعية إسلامية، وهي لغة يستعملها في العادة الأستاذ المشرف والمؤطر مع تلميذه المشاغب والمتهاون والمتمرد أحيانا عن منهجية أستاذه وخطته، فتَنَبَّه أيها المنتخب؟. ورغم أن المشرع البرلماني منتخب، والحكومة منتخبة، فإنهم لم يستطيعوا لحدود الساعة أن يضعوا قوانين واضحة لضبط الحدود الفاصلة بين الولاة والعمال وبين رؤساء الجماعات الترابية، فأين يكمن الخلل يا سادة؟ والجواب ينحصر في ضعف المنتخبين من الناحية الأكاديمية في بعض الأحيان، أو لانبطاحهم أمام المناصب والمغريات المادية، أو خوفا من كشف ملفاتهم الفاسدة وبعثها من رقدتها، أو لعدم اتحادهم وتكتلهم لفرض شروطهم على الآخر، أو لأسباب قانونية وسياسية، وبالتالي فهم يستحقون هذه الصفعات بين الفينة والأخرى لردهم إلى جادة الصواب، وهذا ما فعلته السلطة المعينة مع السلطة المنتخبة. ومن المعلوم أيضا أن اختيار الولاة والعمال لم يعد منحصراً في أطر وزارة الداخلية من المتصرفين الممتازين والمتصرفين المساعدين، بل فُتح باب التعيين في هذا المنصب السامي لكل الأشخاص المتوفرين على تجربة معينة أو خبرة عالية، ولذلك رأينا بعد حكومة التناوب في التسعينات من القرن الماضي تسمية بعض الولاة والعمال من بين الأساتذة الجامعيين والوزراء السابقين أو السياسيين وغيرهم. وبما أن هؤلاء العمال والولاة يتحملون مهامهم بدون برنامج وأهداف واضحة، ولا يمكن محاسبتهم عند مغادرتهم لمناصبهم، فإن سؤال دمقرطة هذا المنصب الهام يبقى مشروعاً وراهنياً. وفي هذا الإطار، يمكن أن يترشح لهذا المنصب الرفيع كل مواطن تتوفر فيه الشروط الضرورية، من علم وخبرة ونزاهة، وأن يكون من أبناء المنطقة المعنية، حيث يعرف همومها ومشاكلها ومواردها، وأن يكون ترشحه مبنياً على برنامج يتحمل فيه مسؤوليته ويحاسب عليه عند انتهاء ولايته. ولعل العوامل التي أدت إلى هذا الاقتراح، تكمن في كثرة الصلاحيات المخولة للوالي أو العامل، فهو يمثل الدولة أو الإدارة المركزية، ويتوفر على سلطة مهمة إزاء الموظفين التابعين لمصالح الوزارات، ويمارس سلطات الضبط والبوليس، ويمارس الوصاية على الجماعات الترابية. وهذا يجعل من الوالي الرئيس الفعلي للمجالس المنتخبة وأميرها عليها، بينما يبقى رئيس المجلس المنتخب رئيساً لنفسه وليس رئيساً للمجلس، ولا يصل حتى إلى درجة خليفة الوالي. وهذا يتجسد بوضوح في البروتوكول خلال المناسبات الرسمية، حيث نجد الوالي هو الذي يستدعي ويترأس، ورئيس المجلس المنتخب ما هو إلا أحد المدعوين. وهنا نتساءل، هل من الديمقراطية والحكامة أن يبقى في عصرنا هذا، ممثل الشعب (رئيس المجلس) تحت سلطة موظف ولو كان من درجة الوالي؟. إن الحفاظ على هذا التنظيم بشكله الحالي يجعل رئيس المجلس الجماعي وسائر رؤساء الجماعات الترابية الأخرى يتوددون إليه خوفاً منه وطمعاً فيه، وهذا لا يخدم هيبتهم ومنصبهم ومسؤولياتهم. وبالتالي كان يجب على المشرع في حالة اختيار الإبقاء على هذه الوضعية الحالية للولاة، أن يحدد الحالات التي تكون فيها الصدارة أو الأسبقية لكل واحد منهما، والعلاقات التراتبية بينهما، إذا كان المراد من الإصلاح هو تحويل المغرب إلى دولة ديمقراطية حداثية، متقدمة ومنفتحة.