يتوفر المغرب على موقع جيواستراتيجي متميز في الشمال الغربي للقارة الافريقية حيث يشكل حلقة وصل بين افريقيا و القارة الاوروبية عبر مضيق جبل طريق ,كما يطل على واجهتين بحريتين حيث الواجهة الأطلسية بامتداد يصل 3000 كلم والواجهة المتوسطة حوالي 500 كلم وتلعب هذه العلاقة الجوهرية مع البحر دورا بارزا في التنظيم المجال المغربي أولا وفي البنيات الاقتصادية وكذا العلاقات الوثيقة التي تربطه مع البلدان الساحلية بفضل موانئه المتعددة وأهمية قطاع الصيد البحري على وجه الخصوص في الاقتصاد المغربي مع بلدان الجوار ,هذا التميز الذي طبع أرض المغرب جعله محط أطماع وأنظار القوى الخارجية دائما وكذا لتأثيره وتأثره بمختلف المؤثرات الخارجية ,ولقد شكلت القصبة المهدية احدى هذه المناطق الساحلية التي حظيت باهتمام بالغ لدى القراصنة الأجانب عبر مراحل مختلفة في تاريخ المغرب ومن الغزاة وكذا عند بعد السلاطين المغاربة الذين جعلوا منها حصنا عسكريا بحريا وقصرا سلطانيا ,وعلى الرغم من محاولتنا الاحاطة ببعض من جوانب هذه المنطقة الا أن ندرة المصادر والمراجع التي تطرقت لهذا الموضوع تظل عائقا أمام أقلام الباحثين في تاريخ بعض المأثر التاريخية. تطل قصبة المهدية على مصب نهر سبو الذي ينبع من جبال الريف والأطلس المتوسط ويمر من سهل الغرب ويصب في المحيط الأطلسي على طول يصل الى 458 كلم ,وترتفع القصبة مهدية عن سطح الحر ب 70 متر وتبعد عن مدينة القنيطرة ب 8 كلم ,كما تعتبر القصبة من أهم المأثر في الجهة الغربية نظرا لتاريخها العريق ,فقد أشارت الوثائق الى أن مهدية القصبة عرفت تسميات عديدة خصوصا في عهد الفينيقيين ابان رحلة حانون الشهيرة الى ساحل افريقيا الغربي فأطلق عليها اسم تيماتريونtimateryion شأنها شأن نهر سبو الدي عرف بعد الاحتلال الروماني باسم سبور subur وورد فيما بعد عند العلامة الجغرافي الكبير الشريف الادريسي بعد الفتح الاسلامي باسم المعمورة في اشارة منه الى المنطقة العامرة على ضفاف نهر سبو, غير أن في عهد الدولة المرابطية ستحظى القصبة المهدية بأهمية بالغة لكونها شكلت مرسى لسفن القادمة الى الاندلس واعتبرت كدلك قاعدة عسكرية وورش لبناء السفن ونقطة انطلاق الحملات العسكرية على الاندلس خلال فترة حكم الموحدين, وفي الفترة الحديثة سقطت القصبة المهدية في قبضة الاحتلال الغاشم لما لها من أهمية جيواستراتيجية استهدفت من خلالها البرتغال مع سنة 1515م استغلال ثروات المنطقة على الرغم من المقاومة الباسلة للمقاومين الاشاوس الذين عملوا على تحرير والدفاع عن ثغر المهدية. ومع سنة 1614م عادت جارتها اسبانيا لتحتل المهدية بعد أن كانت ملجأ للقراصنة الاوروبيين ورغم محاولات الزعيم سيدي محمد العياشي كذلك بعض زعماء الزاوية الدلائية تحرير ثغر المهدية الا انهم فشلوا نظرا لتعزيزات العسكرية الاسبانية لتظل القصبة المهدية في يد الاسبان حتى عهد السلطان المولى اسماعيل الذي استعاد المنطقة بعد حصار دام بضعة أشهر ,وبعد أن حرر المنطقة حولها من قلعة الى قصبة عززها بأسوار وبنى فيها مسجدا ودار المخزن وحمام وعددا من المساكن والمخازن ,ولعل ما يدل على أهمية حصن القصبة مهدية في هذه الفترة عدد العساكر الذين كانوا فيها ,أما خلال فترة حكم السلطان المولى اسليمان الذي اشتهر بسياسته الاحترازية فقد قرر اغلاق ميناء مهدية القصبة لصد الباب أمام أطماع القوى الاستعمارية ,ومع مطلع القرن العشرين 1911م اتخذت القوت الفرنسية ميناء قصبة مهدية محطة لاستقبال الاسلحة والعتاد الحربي قبل أن تغيره بسبب رياح المحيط القوية وصعوبة الملاحة بميناء القنيطرة بأمر من الماريشال ليوطي والذي حملت القنيطرة لقبه فيما بعد PORT LYAUTEY. انه لمن العبث حقا اهمال معلمة تاريخية ضاربة جدورها في أطناب التاريخ ,اهمال يهدد باندثار هذه الرقعة الأثرية المهمة فعلى الرغم من الاهتمام الخاص الذي يوليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس لحماية التراث حيث يقول في احدى رسائله [ووعيا من المغرب بهذا الأمر فقد سعى مند استقلاله الى سن سياسة نشيطة في مجال الحفاظ على المأثر… ] فالحفاظ اذن على التراث هو تمسك بالهوية الحضارية الضاربة في أعماق التاريخ لذلك فالجميع ملزم ومن مكانه من مؤسسات وأفراد ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية بوضع برنامج لحماية التراث بشكل عام والقصبة مهدية على وجه الخصوص المصادر و المراجع : ألبير عياش: المغرب والاستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية ابرهيم حركات :المغرب عبر التاريخ محمد القبلي: تاريخ المغرب تحيين وتركيب الدليل السياحي لجهة الرباطسلاالقنيطرة الرسالة الملكية الى المشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي 26 نونبر 1999 *باحث في تاريخ