(التوصيات العشر) بالرغم من إصدار المشرع المغربي لثلاثة قوانين تنظم شؤون الجماعات الترابية من جهات وعمالات وأقاليم وجماعات، وكذا الميثاق الوطني للاتمركز. مازالت التنمية الجهوية والمحلية وبالنتيجة على المستوى الوطني، جد متعثرة. لذلك، ترى بعض المؤسسات العلمية الوطنية الخبيرة في التنمية والتدبير العمومي أن السؤال الذي يفرض البحث عن إجابات واقعية له والتي يتعين ترجمتها إلى نتائج ملموسة ومرئية من لدن المواطنات والمواطنين هو: سؤال الحكامة الترابية. في هذا السياق، صادقت الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإجماع، على التقرير الذي يحمل عنوان: " الحكامة الترابية: رافعة للتنمية المنصفة والمستدامة ". وذلك خلال دورتها العادية 104، المنعقدة بتاريخ 28 نونبر 2019. ومنه استخلص رأيه، المجلس المعني باعتباره هيئة علمية استشارية عليا في البلد، وجمعه في وثيقة في غاية من الأهمية، تستحق أكثر من قراءة متأنية، خاصة من لدن ذوي القرار السياسي والاقتصادي في بلدنا، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الوحدات الترابية جهويا وإقليميا ومحليا. سنحاول في هذه القراءة المتواضعة، التقاسم مع القارئ والقارئة أهم مضامين هذا الرأي العلمي بامتياز. وقد حاولنا تجميع ما جاء فيه حول مداخل التحول الأساسية والتوصيات، في 10 نقاط أسميناها التوصيات العشر، باعتبارها - في نظرنا - أهم المداخل للحكامة الترابية. بداية، ما المقصود بالحكامة الترابية؟ تعرف الحكامة الترابية في منظور رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بأنها " ممارسة السلطة السياسية والإدارية والاقتصادية لأغراض تدبير الشأن العام في مجال ترابي جهوي معين". وتستند الحكامة الترابية على مجموعة من الآليات والعمليات والمؤسسات التي تتفاعل من خلالها مصالح المواطنين والمجموعات الاجتماعية، ويمارسون حقوقهم، ويضطلعون بالتزاماتهم، ويعملون على تسوية خلافاتهم. الحكامة الترابية السارية المفعول: أي واقع؟ مما جاء في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنه بعد أربع سنوات (الآن 5 سنوات) من دخول القوانين التنظيمية الثلاثة المتعلقة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ، وعلى إثر صدور المراسيم التطبيقية ذات الصلة والبالغ عددها 68، وكذا الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، فقد تبين من خلال التحليل والوقوف عند تقييم مختلف الفاعلين والخبراء الذين تم الإنصات إليهم: أن نموذج الحكامة الترابية القائم حاليا يظل دون الطموح المنشود في بداية هذا المسار. وأن هناك أوجه قصور تتعلق بتملك وتنزيل وتفعيل آليات القيادة والإشراف والتنسيق على المستوى الوطني والترابي. ولعلنا نتفق على أن السؤال الذي يفرض طرحه لنفهم ما تقدم هو: لماذا الوضع هكذا في بلدنا؟ في رأي المجلس المعني، يعزى هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل وقد لخصها فيما يلي: ضعف دقة النصوص التشريعية والتنظيمية. ولا سيما المقتضيات المتعلقة باختصاصات الجماعات الترابية. وللتذكير، فالجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات حسب الفصل 135 من دستور المملكة لسنة 2011. ضعف الموارد المالية المخصصة للجماعات الترابية. مما يجعل هذه الأخيرة مرتهنة بالموارد المرصودة لها من لدن الدولة. وما يتأتى عن ذلك بالنتيجة، تبعية أكثر للدولة. وهو ما يجعل في نظر العديد من المحللين، مبدأ التدبير الحر الذي ينص عليه الدستور المغربي في الفصل 136 منه، موضع تساؤلات عدة من حيث التنزيل السليم. ضعف جاذبية منظومة تدبير الموارد البشرية. ضعف الإعمال الفعلي لآليات الديمقراطية التشاركية. ولنا أن نذكر بهذا الصدد، بأن الديمقراطية التشاركية تعني عمليا المشاركة الواسعة للمواطنات والمواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الأولوية بالنسبة إليهم، عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمستشارين المحليين، وطرح المشاكل التي يعيشها المواطن في كل مستوى ترابي من تراب البلد. غياب نظام موحد للمعلومات الترابية، خاصة على مستوى الجهة. غياب آلية للتبع والتقييم المستقل على المستوى الترابي. وقد قام المجلس بتوسيع الشروح والتوضيحات فيما يخص هذه النقائص المنبثقة عن تشخيص علمي لواقع حال الحكامة الترابية ببلدنا، وتحليلها. واقترح كما سبقت الإشارة، مجموعة من المداخل الأساسية وقدم توصيات هامة. إن قراءة متمعنة في رأي المجلس المعني فيما يتعلق بهذه المداخل والتوصيات لتجسيد الحكامة الترابية على أرض الواقع المغربي، تمكن من تجميعها في التوصيات العشر التالية: التوصيات العشر: 1- الجهة، هي المخاطب الرئيسي بالنسبة للدولة.، 2- إعادة هيكلة نموذج الحكامة الترابية الراهن، لأنه ما يزال دون الطموحات المنشودة. 3- ضرورة إصدار قانون تنظيمي واحد للجماعات الترابية، تكاملي، ومدقق لاختصاصات الجماعات الترابية، ومحترم لمبدأ صدارة الجهة. 4- ضرورة تملك المعرفة العلمية وآليات التدبير الحديثة، لتحمل مسؤوليات القيادة والإشراف والتنسيق، ليس فقط داخل كل جماعة ترابية على حدة. ولكن لتجسيد الالتقائية، والتشاركية، والقدرة على إنجاز برامج التنمية الترابية.، والحقيقة أننا نحتاج إلى ثقافة جديدة، ترتكز على الإيمان بالعمل الجمعي. 5- الجهوية المتقدمة هي المدخل الرئيسي للحكامة الترابية.، 6- تمكين الجماعات الترابية من الموارد الذاتية الكافية لتمويل برامجها ومشاريعها التنموية، باستقلالية عن الدولة. وهو ما يمكن من التجسيد الفعلي لمبدأ التدبير الحر الذي ينص عليه الدستور المغربي وكل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.، 7- ضرورة إصدار قانون، يبين كيفيات وآليات إشراك المجتمع المدني في مسلسل التنمية الترابية.، 8- تمكين جمعيات المجتمع المدني من الثقافة القانونية، وهو ما يدعو الدولة إلى التفكير الجاد في آليات التكوين والتثقيف في هذا الباب.، 9- الاهتمام أكثر بالموارد البشرية على المستوى الترابي، والرفع من جاذبيتها.، 10- التحول الرقمي ضرورة وليس خيارا، مما يدعو إلى إحداث مراصد ترابية جهوية للمعلومات والدراسات، يمكن الاعتماد عليها في تسطير برامج التنمية الترابية. مجمل القول، نستنتج من رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن هناك أربعة مداخل كبرى للحكامة الترابية وهي: قانون تنظيمي واحد للجماعات الترابية، يعيد النظر في اختصاصاتها ويحددها بدقة.، تملك المعرفة وآليات التدبير الحديثة، التي تمكن من إنجاح القيادة والإشراف والتنسيق على كل المستويات الترابية: الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات.، الموارد البشرية: اعتماد المعايير الموضوعية التي تفرضها تحديات ورهانات التنمية الترابية.، الموارد المالية: ضرورة رؤية جديدة للمساهمة في تجسيد التنمية الترابية. وستأتي بعد ذلك، الباقيات من الإصلاحات تباعا، إن نحن نريد فعلا رفع تحديات الحكامة الترابية. * إعلامي وباحث