إن الحكامة المالية المحلية كمفهوم يجب أن تكون لها مرجعية قانونية لدواعي الثبات والإستمرار، ذلك أن الإستناد إلى إطارقانوني يعطي الشرعية للحكامة بعدما كانت مشروعة أي عبارة عن نظريات وتطلعات للمواطنين. والمقصود بالمرجعية القانونية من خلال الإعتماد على مواثيق اللامركزية ﴿فقرة أولى﴾ أي القانون المنظم للجهة ثم بعده القانون التنظيمي المتعلق بالميثاق الجماعي الجديد كتعديل التنظيم الجماعي، و القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم ، وبذلك فهذه الوحدات الترابية ستكون في حاجة إلى تدبيرمعقلن وجيد كأساس للإستقلال المالي للجماعات الترابية ﴿فقرة ثانية﴾. الفقرة الأولى: المرجعية القانونية إن الحديث عن الإطار القانوني المنظم للحكامة المالية المحلية على مستوى الجماعات الترابية سيكون في حاجة للتعريف بدوره على مستوى الجهة ﴿أ﴾ وكذا العمالات والأقاليم ﴿ب﴾ ثم التطرق لأهمية المجالس الجماعية في تدعيم هذه الحكامة ﴿ج﴾. أ- دور الجهة في تدعيم الحكامة المالية المحلية لقد أصبحت الجهة فضاء لا يقتصر على كل ما هو اقتصادي محض، بل تعداه إلى ماهو سياسي أوإداري، بالإضافة إلى جوانب اجتماعية وثقافية تنبئ بأن الجهة بالفعل تلعب دورا كبيرا في تعزيزاللاتمركز الإداري والإقتصادي، وهذا دليل على الإتجاه نحو الحكامة المالية المحلية التي تلمسها عدة مجالات : ففي المجال السياسي تعتبر الجهة ذلك الفضاء الذي يتيح للسكان المشاركة في إتخاذ القرارات التي تهم شأنهم وذلك عبرمنتخبيهم الجهويين، إضافة إلى أن المجالس الجهوية تمد مجلس المستشارين بالأطر اللازمة وجعله أداة لإنعاش الممارسة الشرعية. أما في المجالين الإقتصادي والإجتماعي، فقد أسند القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14 إختصاصات مهمة وذات أبعاد إقتصادية وإجتماعية وثقافية للمجالس الجهوية، فمن خلال المادة 82 من القانون المتعلق بتنظيم الجهات الجديد التي تقربأن المجلس الجهوي يبث بمداولاته في قضايا الجهة ويتخذ لهذه الغاية تدابيرلضمان التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والقروية والبيئة، مع مراعاة الإختصاصات المسندة إلى الجماعات الترابية الأخرى. فالملاحظ كذلك، أن الإختصاصات سواء الخاصة أوالمنقولة والمشتركة يتقاسمها عدة جوانب تنم عن الرقي بالجهة كفاعل في الحكامة المالية المحلية، ومن أمثلة ذلك صلاحيتها في خلق الأنشطة الإقتصادية، توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الإقتصادية بالجهة، إنعاش أسواق جملة الجهوية، جدب الإستثمار، إنعاش الإقتصاد الإجتماعي والمنتجات الجهوية، والمؤسسات الجماعية أولتقديم الإقتراحات في ميادين تتعلق بالتنمية الجهوية خاصة الجانب المتعلق بتدبيرالإستثمارحيث تم خلق المراكزالجهوية للإستثمار لمهمتين : الأولى تتعلق بإحداث شباك لتقديم المساعدة على إنشاء المقاولات والثانية تتعلق بشباك خاص لمساعدة المستثمرين، فهذا لينم عن وعي بضرورة التدبيرالمحلي الجهوي كقاطرة للتقدم الوطني. ومن المنتظرأن تساهم الجهوية المتقدمة بشكل كبير في التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد عبر تعزيزروح المبادرة لدى المواطنين والمواطنات ولدى منتخبيهم في الحد من الإكراهات والعراقيل البيروقراطية، وكذا نهج سياسة القرب وتظافر الجهود بين القطاعات، وأخذ البعد الترابي بعين الإعتبار في السياسات العمومية وفي تدخلات الدولة والجماعات الترابية. ولقد أفرد الدستورالباب التاسع منه للجهات والجماعات الترابية المتمثلة في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، حيث يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبيرالحر وعلى التعاون والتعاضد، كما يؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. وفي هذا الإطار، ينص الفصل146من الدستورعلى قانون تنظيمي سينظم شروط تدبيرالجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية. ومن ضمن روافد الحكامة الجيدة التي ستضمن نجاح تجربة الجهوية الموسعة والتي جاءت في تقريراللجنة الملكية الإستشارية للجهوية، توسيع اختصاصات المجلس الجهوي، إحداث وكالة لتنفيذ المشاريع، تحديث أنماط التدبير، تطويرنظام المعلومات، تعزيز آليات المحاسبة وتنوع آليات التمويل. ويعتبرالرفع التدريجي للمحاسبة القبلية للدولة على الجهات في إدارة وإنجاز المشاريع جهويا، انتقالا نوعيا من مبدأ الوصاية إلى مبدأ الشراكة، كما أن تعزيز ليات المراقبة البعدية من خلال إفتحاصات داخلية وخارجية على المجلس الجهوي وعلى الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع سيجعل الجهة أداة الإطلاع في المجال الديمقراطي والحكامة الجيدة والتنمية. كما يعتبرإحداث صندوق للتأهيل الإجتماعي للجهات، خطوة هامة من أجل سد مظاهرالعجزالكبرى في الجوانب المرتبطة مباشرة بالتنمية البشرية، حيث ستخصص الدولة اعتمادات مالية مهمة بغية الإرتقاء بالجهات إلى المعدل الوطني وإلى مستوى المعايير الوطنية والدولية، كما سيشكل تأهيل الموارد الجبائية الخاصة للجهات في أفق مضاعفتها، بالإضافة إلى خلق صندوق للتضامن الجهوي تقدما هاما يهدف إلى الحد من التفاوتات الناجمة عن تركيزالثروات والنمو غيرالمتكافئ لمجالاتها الترابية، والفوارق الجغرافية والديمغرافية بينها. فإحداث صندوق التضامن بين الجهات، سيعمل على تحقيق توزيع عادل للموارد بالنظر إلى حاجيات الجهات، وطبقا لمقتضيات النص الدستوري الجديد فإنه جعل الجهات والجماعات الترابية الأخرى تتوفر على موارد مالية ذاتية التي يمكن تنميتها وفقا للمتطلبات التي حددها تقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية في العناصر التالية : تعزز الموارد الإفتراضية للمجالس الجهوية بتوسيع طاقات صندوق التجهيز الجماعي وإشراك القطاع البنكي بإقامة" كونسرسيومات" معه خاصة في المشاريع القابلة للتمويل البنكي. يرخص للمجالس الجهوية في مرحلة أولى باللجوء إلى سوق المسندات الداخلية وفي مرحلة لاحقة إلى السوق الخارجية شريطة أن تستعد لإعتماد نظام التنقيط بالنسبة لإصداراتها على غرارما تقوم به الدولة. بالإضافة إلى ذلك، كرس نص الدستوراستفادة الجهات من موارد مالية مرصودة من قبل الدولة، بحيث تستوجب الجهوية المتقدمة الزيادة في الموارد المرصودة للمجالس الجهوية من قبل الدولة بشكل ملموس لكي تتمكن من إنجازأعمال هامة في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، لذلك ينبغي الرفع من حصة عائدات الضرائب والرسوم المرصودة حاليا من طرف الدولة للمجالس الجهوية خصوصا بما يلي : الرفع من الحصة المرصودة لها من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل من 1% إلى 5%، إلى جانب تخويل الجهات أهلية الاستفادة من عائدات الضريبة على القيمة المضافة على أن يصرف نصيبها من ذلك في الإستثمار، مع الإقتسام المتساوي بين الدولة والمجالس الجهوية لعائدات ورسوم التسجيل والضريبة السنوية الخاصة على العربات ذات المحرك. وتدرج الحكومة في القوانين المالية المبالغ المرصودة للمجالس الجهوية وباقي المجالس الترابية، على أن تقدم للبرلمان تقارير خاصة ترافق مشاريع قوانين المالية وقوانين التصفية استعمال هذه الموارد. وعليه، إذا كانت الإستراتيجية المقترحة والمستشفة من خلال التقرير تستهدف تكريس تنمية جهوية متكاملة، تجعل من المجالس الجهوية مراكزلإتخاذ القرارات التنموية والإبتعاد ما أمكن عن التدبيرالعملي المباشر لتفصيلي بإحداث مؤسسات وهياكل تتكلف بإنجاز البرامج، وتحصيل الموارد لفائدة هذه الوحدات، فإن تكريس هذه الإستراتيجية يتطلب مواكبة هذه الأخيرة من أجل تأهيل أمثل وتدبيرمحكم يتجلى في تطوير نظام الاستشارة المالية لفائدة الجماعات الترابية عموما والجهات على الخصوص بما يساهم في تفعيل الدورالتنموي لهذه الأخيرة، وجعلها تستفيد من الأنظمة المعلوماتية التدبيرية المندمجة التي أبانت عن فعاليتها في تدبيرالمداخيل والنفقات، وتفعيل المقاربة التي تستهدف الحد من الفوارق بين الجهات وداخل الجهات نفسها. فبدون حكامة مالية جيدة تعتمد المحاسبة والمساءلة، فإن تجسيد النمو على أرض الواقع لن يتحقق من خلال أرقام الإنفاق والإحصائيات وحدها، إذ ينبغي أن يترجم هذا المجهود بتحقيق حاجيات المواطن التي تظل الهدف الأول والأخير من كل تنمية. ب - دور العمالات والأقاليم في تدعيم الحكامة المالية المحلية مما لاشك فيه أن تنظيم العمالات والأقاليم أحد العوامل الأساسية لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وفي خضم التحولات العميقة التي يعرفها تدبيرالشأن المحلي ولإرساء سياسة جديدة للتدبيرتم إعطاء اختصاصات مفصلة ومهمة لمجالس العمالات والأقاليم. فمن خلال المادة 78 من القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم، فإن المجلس يتكلف بالشؤون الإقتصادية والإجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في المجالات الحضرية كما تتمثل هذه المهام في تعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين الجماعات المتواجدة بترابها ولهذه الغاية تعمل على توفير التجهيزات والخدمات الأساسية بالوسط القروي، تفعيل مبدأ التعاضد بين الجماعات، وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقر والهشاشة، تشخيص الحاجيات في مجال الرياضة والثقافة، إنجاز وصيانة المسالك القروية، كما يتم إحداث شركات التنمية المشار إليها في المادة 122 من هذا القانون التنظيمي أو المساهمة في رأسمالها أوتغييرعرضها أوالزيادة في رأسمالها أوتخفيضه، كما يلاحظ تشابه قريب بين هذه الإختصاصات واختصاصات المجالس الجهوية، مما يفسرإرادة الدولة في جعل توافقات حول الرؤى في التدبيرالمحلي لا تكون موضوع تنازع في التدبير، مما يؤدي إلى فشل الحكامة الجيدة. إلى جانب مجلس الجماعة أوالإقليم، يلعب العامل دورا محوريا في التدبيرالمحلي سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي، حيث لا تكون مقررات قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشيرعليها من طرف عامل العمالة أوالإقليم داخل أجل 20 يوما من تاريخ التوصل بها. وهذا ليوحي بوجود حكامة إدارية تعطي لرئيس مجلس العمالة أوالإقليم مراقبة قرارات وتوصيات العامل. ج- دور المجالس الجماعية في الحكامة المالية لقد تضمن القانون التنظيمي للجماعات الذي يحمل رقم 113.14عدة مميزات سواء فيما يتعلق باختصاصات المجلس الجماعي أورئيسه، حيث تنشط هذه المجالس في عدة مجالات هي أساس التدبيرالمحلي الجيد. ففي المجال السياسي يتكون المجلس من أعضاء منتخبين يمثلون الساكنة لإدارة شؤونهم المحلية، فهؤلاء الأعضاء يمكن أن يشكلوا فيما بعد تركيبة مجلس المستشارين مما يؤدي إلى حكامة سياسية. أما في المجالين الإقتصادي أوالإجتماعي مثله مثل مجلس الجهة أومجلس العمالة أوالإقليم، له اختصاصات ذاتية منقولة وأخرى مشتركة، مع اعتماد مبدأي التدرج والتمايز لبلورة الاختصاصات المشتركة والمنقولة واعتماد التعاقد كقاعدة لممارستها، وقاسمها المشترك يكمن في التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وتقوية التعاون والشركات مع الإدارة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام، وشركات الإقتصاديين والإجتماعيين الخواص. وتهدف التعديلات المحدثة على مستوى الميثاق الجماعي الجديد إلى معالجة الثغرات والنقائص وكذا سوء التدبير سواء في جانبه المالي أوالإداري، التي برزت من خلال التشخيص الذي أنجزته المصالح المختصة من أجل تحسين الأداء الجماعي مع إضافة مستجدات أخرى تسير في نفس الاتجاه، ويمكن القول بشكل أكثر دقة، أن الغاية الأساسية لإصلاح الميثاق الجماعي ل2009 هي تركيز مبادئ الحكامة المحلية الجيدة، سواء على مستوى الأجهزة المنتخبة أوعلى مستوى الإدارة الجماعية، ودعم قدرات الجماعات على القيام بمهامها ولاسيما التنمية المحلية، بالإضافة إلى مقتضيات ترمي إلى تحسين سير المدن الكبرى. بناءا على ما سبق، يمكن تصنيف المستجدات المذكورة بحسب غايتها وبشكل تركيبي كما يلي : - المستجدات الخاصة بالأجهزة المسيرة المنتخبة- الأجهزة الإدارية الجماعية وتحقيق الفعالية،- تقوية أدوات التنمية المحلية،- تدبير أفضل للمرافق العمومية،- تحسين العلاقة بين الجماعة والسكان،- إحداث نظام جديد للمنازعات الجماعية،- منح القضاء الإداري وحده اختصاص عزل رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم ورؤساء مجالس وأعضاء هذه المجالس وكذا إلغاء مقررات هذه مجالس أو حلها. وعليه، تبقى أهداف الميثاق الجماعي الجديد بالخصوص في تطوير نظام اللامركزية الترابية كهدف إداري يتبعها هدف سياسي يتمثل في تثبيت ديمقراطية القرب بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، والإرتقاء بالمؤسسة الجماعية إلى درجة فاعل اقتصادي حقيقي ينخرط بنجاعة في النسيج الاقتصادي الوطني، مكرسا مبادئ الحكامة المالية الجيدة، كما عمل الميثاق الجماعي على تقوية وتطوير وضعية رئيس المجلس الجماعي في عدة ميادين إقتصادية وإجتماعية وثقافية، لها علاقة بالتنمية المحلية للجماعة. * دكتور في العلوم القانونية والسياسية