على حكومة عبد الإلاه بن كيران: التوفيق بين تكريس الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية الترابية في ظل التنزيل الدستوري لمؤسسات الجماعات الترابية بالمغرب الدكتور: عمر العسري* تواجه حكومة عبد الإله بن كيران مجموعة من الملفات الكبرى في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية، التي تحتاج تأطيرا تشريعيا ضخما لتنزيل مقتضيات الدستور عبر إصدار مجموعة كبيرة من القوانين التنظيمية المعتبرة في إطار تدرج القوانين مكملة للدستور لتنظيم المؤسسات والمجالات. وسنعمل في هذه الورقة للتطرق للآليات الموضوعية الواجب اعتمادها لإصدار القانون التنظيمي للجهات والجماعات الترابية. فقد خصص الدستور المغربي المعدل لسنة 2011 للجهات والجماعات المحلية الباب التاسع، ونص على تكريس الطابع الديمقراطي لهذه الجماعات، كما وضع الآليات القانونية والمادية لتمكينها من تحقيق التنمية المبنية على مقاربات التخطيط التشاركي والحكامة الجيدة. وتكمن هذه الآليات فيما يلي: 1- العمل على تكريس الطابع الديمقراطي لتدبير الشأن المحلي بالجماعات الترابية بالمغرب 2- تعزيز آليات الحكامة في التدبير التشاركي للتخطيط التنموي المحلي
1-العمل على تكريس الطابع الديمقراطي في تدبير الشأن المحلي بالجماعات الترابية بالمغرب لقد حدد دستور 2011 بموجب الفصل 135 منه أنواع الجماعات الترابية للمملكة في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. واعتبرها أشخاصا اعتبارية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية. كما نص على أن جميع مجالس هذه الوحدات تنتخب بالاقتراع العام المباشر. فتبعا لذلك، فقد أصبحت كل من مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم على غرار نظيرتها على مستوى الجماعات الحضرية والقروية تنتخب بشكل مباشر من طرف الناخبين المسجلين باللوائح الانتخابية على المستوى الجهوي والإقليمي والجماعي. إن تعزيز المسلسل الديمقراطي المحلي وإقرار دولة المؤسسات والقانون بالمغرب، يقتضي من حكومة عبد الإله بن كيران العمل على تنزيل وأجرأة مقتضيات الدستور التي نصت على تكريس وتعميم مبدأ الانتخاب بالاقتراع العام المباشر على مستوى مختلف الوحدات الترابية. كما يقتضي العمل على تمكين هذه الوحدات من التمتع باستقلالية حقيقية دون ضغط من سلطات الوصاية الإدارية التي تفرضها الدولة على الجماعات الترابية، بهدف الانتقال من مرحلة الدولة الحارسة للجماعات الترابية، إلى مرحلة الدولة المشاركة والمواكبة لهذه الجماعات. استنادا إلى مقتضيات الفصل 136 من الدستور الذي أقر أن التنظيم الجهوي والترابي يجب أن يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. إن تنزيل مقتضيات الدستور على المستوى الترابي تقتضي إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للجماعات الترابية، وإخراجها في صيغة جديدة بناء على مقتضيات الفصل 146 الذي فعل المفهوم الدستوري لهذه الجماعات لكي تصبح مؤطرة بموجب قانون تنظيمي يحدد بصفة خاصة: - شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛ - شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها؛ - شروط تقديم العرائض من قبل المواطنين والجمعيات؛ - الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة؛ - النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى؛ - مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى؛ - موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات؛ - شروط وكيفيات تأسيس المجموعات ؛ - المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه؛ - قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة. إن تطبيق هذه الإجراءات ليس صعبا لكون المغرب قطع أشواطا مهمة في هذا المجال خاصة وأن الهندسة القانونية والتنظيمية للجماعات المحلية بالمغرب قد أعطت للجماعات المحلية مكانة مهمة بالتنصيص عليها في الدستور وبتنظيمها بموجب مجموعة من القوانين التي حظيت باهتمام كبير بالرغم من كونها قوانين عادية كالميثاق الجماعي والتنظيم الإقليمي والقانون المنظم للجهات. 2 - العمل على تعزيز آليات الحكامة في التدبير التشاركي للتخطيط المحلي : لقد أسند الدستور الجديد للجماعات الترابية مسؤوليات شاملة وهامة في تدبير الشأن العام المحلي من خلال التنصيص على: - مساهمة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين(الفصل 137)؛ - وضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها(الفصل 139)؛ - تمكين الجماعات الترابية، بناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة (الفصل 140)؛ - تمكين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، من سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها (الفصل 140)؛ - تمكين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، من موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة. وكل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له(الفصل 141). - يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية(الفصل 145). - يُحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات. - يُحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها (الفصل 142). إن المقتضيات الواردة أعلاه في دستور 2011 قد أقرت بسمو مؤسسة الجماعة الترابية من خلال إقرارها لتعزيز استقلالية الجماعات الترابية في مجال التدبير والحكامة؛ وإقرارها لتقوية روابط الشراكة والتعاون على المستوى المحلي. كما أن النصوص القانونية والتعديلات الواردة عليها على المستوى المحلي ما بين 1976 و 2009 من شأنها أن تمهد الطريق لتعزيز آليات التدبير الجماعي الواردة في القوانين الحالية من خلال تقوية وتوسيع صلاحيات الأجهزة التقريرية والتنفيذية لتطوير تسيير الشأن المحلي، وتوزيعها بشكل دقيق فيما بين الأجهزة المنتخبة والأجهزة الإدارية في إطار التنسيق والتعاون، عبر التمييز بين مجموعة من الاختصاصات التي يقوم بها المجلس التداولي بما في ذلك الاختصاصات الذاتية والاختصاصات القابلة للتحويل والاختصاصات الاستشارية. وتبقى الاختصاصات الذاتية من أهم المهام المنوطة بالمجلس التداولي، حيث تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمالية والجبايات والأملاك الجماعية والتعمير وإعداد التراب والمرافق والتجهيزات العمومية المحلية والوقاية الصحية والنظافة والبيئة والتجهيزات والأعمال الاجتماعية والثقافية والشراكة والتعاون وتلك التي تدخل في اختصاص رئيس المجلس الجماعي، بالإضافة إلى دور اللجان الدائمة في دراسة ومناقشة كل المقررات التي في تدخل مجال اختصاصاتها. نفس الشيء على مستوى الشراكة والتعاون فقد تم تأطيرهما بموجب الدستور الجديد وكذا بموجب القوانين المنظمة للجماعات الترابية التي أصبحت تعتبر مرجعا أساسيا للقانون التنظيمي المنصوص عليه في الدستور والتي وضعت اللبنات الأساسية لهما وعملت على توضيح مختلف الأساليب والأشكال التي يمكن أن تتخذها سواء في إطار: - الشراكة على المستوى الوطني، وذلك إذا كانت تستهدف إنجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة فهي لا تقتضي اللجوء إلى إحداث شخص معنوي خاضع للقانون العام والخاص، أو من خلال تلك التي تؤدي إحداث شخص معنوي عام أو خاص مثل مجموعات الجماعات المحليةٌ، ومجموعات التجمعات الحضرية، وشركات التنميةٌ المحليةٌ المحدثة من طرف الجماعات المحليةٌ؛ -أو في إطار التعاون الدولي اللامركزي بهدف الاستفادة من التجارب الدولية كالتوأمة أو في إطار اتفاقيات التعاون المتعددة الأطراف بين الجماعات في دول أخرى أو من خلال الانخراط في المنظمات الدولية المهتمة بالشؤون المحلية. أما بخصوص الحكامة في التدبير العمومي فقد تم إقرارها لأول مرة في الدستور الحالي في إطار عام من خلال جعل كل المرافق العمومية ترتكز في تدبيرها على معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية، التي أقرها الدستور. وإلزام الساهرين على الوظائف العمومية باحترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة، على اعتبار أن الحكامة تمثل أسلوبا لتدبير السلطة وأسلوبا لتدبير التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي أيضا مقاربة جديدة لتدبير التغيير في المرافق العمومية والخصوصية، وكذا في إطار هيئات المجتمع المدني. فالحكامة تقتضي إقامة علاقات بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، في إطار التشارك والتعاون والتوافق والالتقائية بين مختلف المتدخلين والشركاء. وعلى مستوى التخطيط الاستراتيجي فقد عمل الدستور على تكريس هذا المفهوم بشكل ضمني بحيث نص في الفصل 139 على أن مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، كما نص في الفصل 143 على أن الجهة تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. فتدبير التخطيط الترابي للتنمية، بالرغم من وروده الضمني في الدستور إلا أنه أصبح ممارسة وتقوى بموجب القوانين المحلية القائمة. فالتخطيط الجماعي يعتبر مسلسلا ديناميكيا تلعب من خلاله الجماعات دورا مركزيا من مرحلة التشخيص إلى مرحلة المصادقة على الأعمال المبرمجة وإنجازها. إن المقتضيات الواردة في الميثاق الجماعي من خلال تعديلات 2008 المتعلقة بالبعد الاستراتيجي في تدبير المخطط الجماعي للتنمية تعتبر أرضية متميزة يجب تطويرها وتفعيلها ضمن قانون تنظيمي، حيث يجب أن يعطى فيه المشرع أهمية كبرى للتخطيط الاستراتيجي بصفة خاصة، وأن يضع له مجموعة من المرتكزات المتمثلة في السعي لتحقيق التنمية المستدامة واعتماد المقاربة التشاركية والأخذ بعين الاعتبار حاجيات النوع الاجتماعي وضرورة ربط المخطط الجماعي للتنمية بمختلف أنواع ومستويات التخطيط على المستوى الوطني والجهوي. للتخطيط أهمية استراتيجيه من أجل التنمية الشاملة، لأن الأهداف المسطرة فيه تكون نابعة من القرار السياسي المحلي الذي يتخذ خيارات ذات طبيعة هيكلية ترهن مستقبل الجماعة، وتحدد السبل الواجب إتباعها والوسائل الواجب إعمالها لتحقيق تلك الأهداف. وتتجلى أهميته كذلك في المقاربة التشاركية التي يتأسس عليها، لأنه يشرك كافة الحساسيات السياسية المحلية، والفاعلين الاجتماعيين-الاقتصاديين، والنسيج الجمعوي المحلي، والهياكل التقليدية... من أجل وضع صورة عن الوضعية الحالية للجماعة وتقديم تصور للوضع المستقبلي المرغوب فيه، كما يعمل على أن يكونوا عناصر فاعلة في إنجاز هذه الرؤيا وتتبعها وتقييمها. أما مراحل تدبير المخطط الجماعي للتنمية فتتم منذ صياغة المخطط الجماعي للتنمية، ووضع هيكلة وبرمجة دقيقة لمختلف البرامج حسب القطاعات وطبقا لما تتضمنة استراتيجيه مخطط التهيئة العمرانية للجماعة، وفيما يخص التنفيذ والمتابعة والتقييم فيجب العمل على تكريس دور الجماعة المحلية كمنشط وفاعل في التنمية المحلية، و تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن، وضع الآليات المتعلقة بتفعيل المخطط الجماعي للتنمية من خلال الدعم التقني والمالي من أجل إعداد وإنجاز برامج التأهيل الحضري وكذا من أجل وضع برامج التجهيزات والخدمات الأساسية المندمجة بالمجال القروي. إن المتتبع للتشريعات القانونية التي قام المغرب بوضعها على المستوى المحلي منذ الستينات، وخاصة الإصلاحات الهامة التي تمت سنة 1976 وتلك التي تمت ما بين 2003 و 2008 فيما يخص الميثاق الجماعي على الخصوص وكذا التنظيم الإقليمي، تبين له، أنها قد عملت بشكل فعال في بناء المنظومة القانونية لهيكلة هذه المؤسسات، وأن كل قصور في هذه التجربة لا يمكن إرجاعه إلى القانون بل إلى الساهرين على تدبير الشأن العام بالجماعات الترابية. وبالتالي فإن الترسانة القانونية القائمة في المغرب منذ سنة 2008 الواردة في ميثاق الجماعات المحلية على الخصوص تحتاج فقط للصيانة والترميم لكي تعمم على مجموع الجماعات الترابية طبقا للمفهوم الدستوري الجديد لكي يتم تجميعها وإصدارها في إطار قانون تنظيمي طبقا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور"القانون التنظيمي للجهات والجماعات الترابية".
*أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط