هاجر شريد -صحفية متدربة "عندما أقرأ تعليقا يسخر من شكلي أو جسدي يؤثر على نفسيتي ويعكر مزاجي"، بهذه الكلمات تحكي أمل "اسم مستعار" عن معاناتها مع التنمر الإلكتروني الذي تتعرض له باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي. أمل، هي فتاة في العشرينيات من عمرها، مدونة على مواقع التواصل الاجتماعي، ذنبها أنها تحاول مشاركة متابعها يومياتها، وتتقاسم معهم فرحتها من خلال نشرها لصورها على حسابها الشخصي، فإذا بها تتلقى رسائل جارحة وتعليقات قاسية، تفسد يومها وتذمر نفسيتها. رسائل سب وتهديد وتقول في حديث مع جريدة "العمق"، إنها تعرضت لأنواع مختلفة من الهجوم، أحيانا يتم سبها من خلال رسائل على الخاص تصل أحيانا إلى تهديد ووعيد، وذلك بحكم لباسها وطريقة وضعها للماكياج وأحيانا يتم توجيه الشتائم إلى عائلتها الذين لا دخل لهم في الموضوع، وهذا هو أكثر ما يحزنها. تظن أمل أنها أصبحت تتمتع بمناعة ضد هذا النوع من الرسائل والتعليقات، وضد المتنمرين بصفة عامة، ولكن في كل مرة تتعرض فيه للتنمر بسبب صورة أو تدوينة دبجتها على صفحته تتأكد بأنها فشلت في ذلك. مرارة "كثيرة هي اللحظات التي ذرفت فيها الدموع بسبب ما أتعرض له من مضايقات"، تضيف أمل، التي تمنت لو أنها لم تكن تفهم ما يكتب هؤلاء المتنمرين كي لا تتذوق مرارة ألم نفسي. وتضيف قائلة: "لقد أصبح التنمر جزء من حياتي، لكن ألا يعلم هؤلاء المتنمرين أننا بشر ولدينا أحاسيس ومشاعر مثلهم تماما، وأن تلك التعليقات والرسائل المؤذية قد تتسبب لأي شخص في مشاكل نفسية خطيرة كما حدث معي عدة مرات". تنمر بسبب الحجاب رغم مرور مدة على تعرضها للتنمر، إلا أنه مازال هنالك أثر لم يستطع الزمن أن يمحوه من ذهن سارة، وهي طالبة صحفية، وتقول ل"العمق"، "بدأ كل شيء عندما نشرت صورة لي على حسابي بفايسبوك، وأنا أضع الحجاب، وبعدها بدقائق تلقيت تعليقا يضرب في عرضي وكرامتي". كان مجهول الاسم والهوية، لم يكتف بتعليق واحد، بل انهال عليها بسيل من التعليقات المسيئة التي وصلت حد السب والقذف بحجة أن طريقة ارتدائها للحجاب غير صحيحة، ومنافية لشريعة للإسلامية. نفسية محطمة وأوضحت سارة، أن هذه كانت أول تجربة لها مع التنمر الالكتروني، "لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لي فأنا لم أتعود على مثل هذه التعليقات على صفحتي، وهو الأمر الذي أثر علي وحطم نفسيتي"، تضيف المتحدثة. وتوضح قائلة: "المشكل هو أنني لم ألحظ في تلك الصورة أي إساءة، أو أي شيء قد يدفع بذلك الشخص المتنمر ليقوم بردة فعل كهاته، كما أن اللباس الذي كنت أرتديه محترم وملتزم ولا يناقض ما أوصت به الشريعة". كان بالنسبة للمتنمر مجرد تعليق، لكنه لم يدرك أنه ممكن أن يتسبب في أذى نفسي لسارة، ويكسر للإنسان ثقته بنفسه. وتستغرب سارة من كون المتنمرين يصدرون أحكاما مسبقة على أشخاصا لم يكن لهم معرفة مسبقة بهم ولم يتلقوا بهم. رعب وهلع يرى الطبيب والمحلل النفساني، جواد مبروكي أن ظاهرة التنمر الإلكتروني أصبحت منتشرة في المجتمع المغربي، وأن لها مخاطر وأثار نفسية قد تكون وخيمة، لذا لا يجب الاستهانة بها. وتابع مبروكي في تصريح لجريدة "العمق"، أنه "يجب أولا فهم هذه الظاهرة، فهي نوع من العنف المعنوي، كما هو معلوم، فهو يشكل خطرا على الضحية، لكونه يتسبب في اضطرابات نفسية مختلفة، فقد يترك للشخص قلقا مزمنا ممكن أن يتحول في أي لحظة إلى هلع ورعب". اكتئاب ثم انتحار وأكد مبروكي أن هذه الظاهرة تؤثر أيضا على الحياة الاجتماعية للشخص، ناهيك عن التقلبات المزاجية، والعجز، والعزلة، والغضب، والتقليل من الذات، حتى الشعور بالذنب أحيانا، وبالتالي يكون ضحية التنمر أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الذي قد يتحول إلى انتحار. وتابع أن التنمر الإلكتروني أحيانا قد يكون أكثر إيلاما من الحديث مع الشخص وجها لوجه، وأن أثاره ممكن أن تظل لمدى البعيد ولسنوات، كظهور صعوبات في صنع القرار، واضطرابات على مستوى الأكل والنوم. شخصية سادية واعتبر الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الناس يتنمرون، حيث ممكن أن يكون السبب هو تصفية حسابات، أو أنهم يعانون من اضطرابات في الشخصية. وقدم مثلا على ذلك بالشخصية السادية التي تجد المتعة في تعذيب الآخرين، لكونه متسلط يسعى بكل الطرق إلى إذلال وإهانة الآخرين وجرح كرامتهم، أو أنهم يتعرضون لمشاكل نفسية أو يشعرون بالغيرة وغيرها.