التنمر ليس ظاهرة جديدة، فهو موجود منذ القدم سواء كان لفظيا أو جسديا، ولكن مع انتشار التكنولوجيا الرقمية أصبح من السهل على المتنمر القيام بمهمته دون التعرض لأي عقوبة على أفعاله. وقد يكون من الصعب عليك كأم ملاحظة تعرض طفلك إلى التنمر الإلكتروني الذي قد يكون له عواقب نفسية خطيرة عليه، لذا من المهم جدا أن تكوني على دراية بمفهوم التنمر الإلكتروني على الطفل ومخاطره وطرق تمييزه وكيفية حماية الطفل من التنمر الإلكتروني. ما هو التنمر الإلكتروني؟ التنمر الإلكتروني أو الرقمي هو الذي يستخدم الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكمبيوتر المتصلة بالإنترنت لإلحاق الأذى بأحد الأشخاص، عن طريق إرسال الرسائل أو الصور والفيديوهات المسيئة، أو نشر معلومات شخصية عن الضحية لإهانتها وتهديدها عبر العديد من الوسائل الإلكترونية، مثل: الرسائل النصية القصيرة، البريد الإلكتروني، وسائل التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وسناب شات وواتساب وصراحة… وغيرها)، ومواقع الألعاب التي تحتوي على غرف للدردشة. الأسباب لوضع حد لظاهرة التنمر الإلكتروني، علينا أولا معرفة الأسباب التي تدفع الأطفال للتنمر. الرغبة في الانتقام: عندما يتعرض الأطفال للتنمر غالبا ما يسعون للانتقام عوضا عن التعامل مع الأمر بطريقة صحية، فهم يطمحون لأن يشعر الآخرون بالأذى والآلام التي تعرضوا له، وعادة ما يستهدفون أشخاصا أضعف منهم. الاعتقاد بأن الضحية تستحق ذلك: يتعلق التنمر الإلكتروني بالوضع الاجتماعي للضحية في محيطه، فالمتنمر ربما تحركه الغيرة من تفوق زميله أو محبة الآخرين له، وفي كل الأحوال يعتقد الأطفال المتنمرون أن أفعالهم لها ما يبررها. الشعور بالملل: الكثير من الأطفال يلجؤون إلى التنمر الإلكتروني للتسلية وإضفاء بعض الإثارة على حياتهم، كما أن الكثيرين منهم يفعلون ذلك نتيجة لنقص اهتمام الأهل بهم ورغبتهم في لفت أنظارهم إليهم. الشعور بالقبول بين الرفقاء: بعض الأطفال يقومون بالتنمر عبر الإنترنت حتى يتم قبولهم بين مجموعة من الأصدقاء أو زملائهم في المدرسة، حتى ولو كان هذا السلوك ضد قيمهم الأخلاقية. الاعتقاد بأن الجميع يتنمرون: يعتقد بعض الأطفال أن الجميع يتنمرون عبر الإنترنت لذا لا توجد مشكلة من قيامهم بذلك، خاصة إذا كان ذلك سيؤدي لقبولهم في محيطهم الاجتماعي. الرغبة في فرض القوة والسيطرة: يقوم الأطفال الذين يتمتعون بشعبية كبيرة في المدرسة وفي محيطهم الاجتماعي باستخدام التنمر والسخرية من الآخرين لفرض قوتهم وسيطرتهم، كما أن الأطفال الذين يرغبون في تغيير وضعهم الاجتماعي واكتساب بعض القوة يلجؤون للتنمر الإلكتروني لجذب الانتباه والتقليل من أهمية شخص آخر. عدم كشف هوية المتنمر: يشعر الأطفال الذين لا يكشفون عن هويتهم خلال تنمرهم الإلكتروني بالأمان الزائف لعدم كشف هوية المتنمر، كما أنهم لا يرون تأثير مضايقاتهم على الضحية في الواقع، لذا نادرا ما يتوقف هؤلاء الأطفال عن التنمر عبر الإنترنت. عدم الشعور بالندم: نظرا لأن المتنمرين لا يشعرون بمدى الألم الذي يسببونه للضحية، فهم لا يشعرون بالندم على أفعالهم، بل إن البعض منهم يشعر بالسرور والقوة. أشكال التنمر الإلكتروني المضايقة: مثل إرسال رسائل متكررة مهينة أو مؤذية أو رسائل تهديد، أو عن طريق التعليقات المسيئة على الصور والمنشورات بغرض إلحاق الأذى بأحد الأطفال، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق حسابات مزيفة تستخدم لهذا الغرض فقط. الإقصاء والتهميش: يقوم مجموعة من الأطفال بإقصاء طفل خارج الجروبات أو مجموعات الدردشة المغلقة عن عمد، أو تهميشه داخل هذه المجموعات، وإرسال رسائل جماعية واضحة عن سبب إقصائهم له. التهديد والابتزاز: يهدد أحد الأشخاص الطفل الضحية بفضح معلومات عنه لا يرغب في أن يعرفها الآخرون، أو يهدده بنشر صور له غير لائقة سواء كانت حقيقية أو مفبركة بغرض ابتزازه والتلاعب به للرضوخ لرغباته، وقد تكون التهديدات أكثر جدية، كأن يحصل الضحية على تهديد بالإيذاء له ولأفراد عائلته. انتحال الشخصية: سواء عن طريق سرقة حساب الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر وإرسال رسائل مسيئة من خلاله، أو التلاعب بمعلومات الضحية الموجودة به، أو من خلال انتحال شخصية الضحية وإنشاء حساب وهمي باستخدام المعلومات الشخصية له بغرض تشويه سمعته والإساءة له. تشويه السمعة: يقوم المتنمر بإفشاء أسرار الضحية أو معلومات وصور مزيفة عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال المنشورات العامة أو الرسائل الجماعية، بهدف السخرية منه وإهانته وإفساد سمعته. التأثيرات على الطفل الضحية فيما يلي بعض المشاعر التي يشعر بها الطفل والمراهق الذي تعرض للتنمر عبر الإنترنت. الشعور بالإرهاق: لكونه مستهدفا من قبل الأطفال الآخرين عبر الإنترنت، خاصة إذا كان هناك الكثير من الأطفال المشاركين في التنمر عليه، وقد يشعر في بعض الأحيان بأن العالم كله يعرف ما يحدث له ما يزيد من شعوره بالضغط والعجز عن التعامل مع الموقف برمته. + الشعور بالضعف وعدم الأمان: بسبب أن طبيعة التنمر الإلكتروني تجعله يصل إليه في أي زمان ومكان من خلال الأجهزة الإلكترونية. وتزيد مشاعر الخوف والقلق عند الطفل الضحية عندما يكون المتنمرون مجهولي الهوية، فهو لا يعرف الأشخاص الذين يسببون له الألم تحديدا. الشعور بالإهانة: لأن التنمر يحدث في العالم الرقمي يصعب وقف تداوله، وغالبا ما يظل موجودا للأبد، خاصة إذا تمت مشاركته مع الكثير من الأشخاص، ما يشعر الطفل بالإذلال والمهانة الشديدة. عدم الإحساس بالرضا عن نفسه: غالبا ما يتعرض الطفل الحساس وسريع التأثر بالنقد للتنمر، ويبدأ التشكيك في قيمة نفسه، وقد يتجه لإيذاء نفسه بطريقة ما أو تغيير شيء في مظهره وتصرفاته، معتقدا أن ذلك سيوقف التنمر الإلكتروني الذي يتعرض له. الرغبة في الانتقام: في بعض الأحيان يشعر الطفل الضحية بالغضب الشديد نحو المتنمرين، ما يدفعه للتخطيط للانتقام وقد ينفذه بالفعل، وهذا الغضب يبقيه محصورًا في دائرة “الضحية- المتنمر. العزلة والشعور بالوحدة: قد يؤدي التنمر الإلكتروني إلى نبذ الطفل في المدرسة، ما يعني عدم وجود أصدقاء لديه وشعوره بالعزلة والوحدة. انعدام الشعور بقيمة الحياة: في بعض الأحيان يؤدي التعرض الدائم للتنمر الإلكتروني إلى شعور الطفل بأن الحياة بلا معنى وميؤوس منها، ويفقد الاهتمام بالأشياء التي كان يستمتع بها، ويقضي وقتًا أقل مع الأصدقاء والعائلة. وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق، وربما التفكير في الانتحار لإنهاء معاناته. الشعور بالمرض: غالبا ما يعاني الطفل الذي تعرض للتنمر من الصداع وآلام المعدة، وقد يؤدي الضغط النفسي الناتج عن التنمر إلى إصابته بتقرحات المعدة والأمراض الجلدية. علامات تعرض الطفل للتنمر يظهر عليه الانزعاج في أثناء أو بعد استخدام الهاتف أو الإنترنت، تعامل بسرية شديدة وحذر مع أجهزته المحمولة في وجود الآخرين، يتجنب المناقشات حول أنشطته على الكمبيوتر والهاتف المحمول، يغلق حسابات التواصل الاجتماعي دون مقدمات، وينشيء أخرى جديدة، ينسحب من الحياة الاجتماعية مع الأهل والأصدقاء، ويتجنب حضور أغلب المناسبات الاجتماعية، يظهر عليه التأخر الدراسي ويتصرف بغضب في المنزل، تبدو عليه تغيرات في المزاج والسلوك والشهية والنوم، ويصبح كثير التوتر والانزعاج عند تلقي رسالة نصية أو بريد إلكتروني. كيف نحمي أطفالنا؟ اشرحي لأطفالك مفهوم التنمر الإلكتروني والتنمر عموما بكل أشكاله، وشجعيهم على التحدث معك إذا تعرضوا إلى أي نوع من أنواع التنمر في أي وقت، وتأكدي أيضا أنهم لا يقومون بالتنمر على الآخرين، ووضحي لهم عقبات ذلكِ عليهم وعلى الضحية. كوني دوما على دراية بكل الأنشطة التي يمارسها أطفالك بعد المدرسة وعلى معرفة جيدة بأصدقائهم، فمن المهم أن يمتد إشرافك إلى أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وتأكدي من معرفتك لكل الحسابات الشخصية لهم، وأن تكوني أحد المتابعين لها حتى لو رفضوا ذلك. وبالنسبة للأطفال الصغار، فمن المهم أن تصري على معرفة كلمات المرور لأي مواقع يستخدمونها حرصا على سلامتهم. احترمي أطفالك، وعلميهم احترام وتقدير ذاتهم ما يجعلهم أقل عرضة للتنمر. تأكدي أن المدرسة التي يلتحق بها أطفالك مهتمة بقضية التنمر، وتقوم بتوعية التلاميذ حول هذه الظاهرة الخطيرة. ضعي ضوابط صارمة لاستخدام أطفالك للإنترنت، فكلما زادت فرص وصولهم للإنترنت بسهولة كلما زادت فرص التعرض للتنمر. حددي وقتا لاستخدام أطفالك للإنترنت، واحرصي على أن يتم ذلك بمرأى منك، وفي بعض الأحيان قد تحتاجين لوضع برامج مراقبة الوالدين على أجهزة صغارك. كيفية التعامل مع طفل تعرض للتنمر في حالة تعرض طفلك للتنمر اتبعي الخطوات التالية لمواجهة هذه المشكلة وعلاج تبعاتها. شجعي طفلك على عدم الرد، لأن هذا يمنح المتنمرين القوة ويشجعهم على الاستمرار. اطلبي منه حظر المتنمرين. شجعيه على التحدث معك باطمئنان عن شعوره نحو ما حدث له، حتى يشعر بالثقة والأمان لإخبارك بكل ما تعرض له. وضحي له أن المتنمرين ليسوا أقوياء، وأنهم يقومون بالتنمر من أجل لفت الانتباه والحصول على السلطة. انصحي طفلك بالتفكير قبل نشر أي شيء يمكن أن يستغله الآخرون لمضايقته. اشرحي لطفلك الطرق الصحيحة والمناسبة لتكوين علاقات الصداقة، وساعديه في تكوين صداقات، واحرصي على عدم قبوله طلبات الصداقة من الأشخاص المجهولين. لا تقومي بمصادرة الأجهزة الشخصية لطفلكِ أو منعه من استخدام الإنترنت أو إلقاء اللوم عليه بأي شكل من الأشكال، لأن هذا يشعره بأنه معاقب وسيدفعه لإخفاء ما يحدث معه عنك. أبلغي إدارة المدرسة، في حالة كان المتنمر أحد زملاء ابنك في المدرسة.