كثيرة هي الدروس والعبر التي تعلمناها من جائحة كوفيد19 التي أرعبت العالم وشلّت حركة البلاد والعباد. ومن جملة ما تعلمناه واستوعبناه على مضض،أن هناك دوما من يحسن الاصطياد في المياه العكرة والركوب على أمواج الأزمات ومآسي الشعوب لضرب الديمقراطية وتكريس السلطوية والنكوص طمعا في مصالح يتيمة ستزول بزوال الجاه والسلطة،حينها لن يخلد غير المبادئ والأخلاق و "المعقول". مناسبة هذا القول، هو ترويج البعض -بل حرصه- على إسقاط حكومة العثماني المنتخبة وتشكيل حكومة تكنوقراطية تحكم لمدة سنتين كحل مزعوم لإنقاذ الاقتصاد من الإفلاس والأسر من الجوع والفقر في مرحلة ما بعد رفع الحجر الصحي بالبلاد.والحال أن الدستور لا يوجد فيه ما يسمح لملك البلاد بإقالة رئيس الحكومة وتعيين حكومة "كفاءات".وحتى في حالة ما إذا استقال العثماني فإن ذلك لن يفرز سوى حكومة تصريف الأعمال ستستمر حتى تعيين شخص آخر من نفس الحزب أو إعادة تنظيم الانتخابات التشريعية. إن الدعوة إلى حكومة "وحدة وطنية" هي دعوة إلى الخروج عن المنهجية الديمقراطية والانقلاب على الإرادة الشعبية،وتشجيع للحجر على العمل السياسي والحزبي وتبخيس الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة. وبينما يواصل ادريس لشكر (وهو صاحب الفكرة) حشد الدعم والتأييد لأطروحته من حاشيته ومريديه ،اختارت المعارضة أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ، بعيدا عن أية مصالح سياسوية وانتخابية ضيقة،معربة عن رفضها المطلق لمقترح تشكيل حكومة "إنقاذ".إذ وصف زعيم أكبر حزب معارض عبد اللطيف وهبي من يدعون العثماني إلى التنحي ويفضلون المقاربة والتدبير التقني الصرف للمرحلة المقبلة، ب"الرجعيين الجدد" الذين يحنّون إلى زمن الشمولية والقهر.وهو نفس الموقف الذي صدر عن حزبي "الميزان" و"الكتاب". لطالما أكدت الدوائر العليا للدولة على دور الأحزاب السياسية في تدبير الشأن العام وتأطير المواطنين وتنزيل الأوراش الكبرى للتنمية،وهو ما يظهر جليا في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش،حيث دعا "الأحزاب السياسية إلى ضخ دماء جديدة في هياكلها وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي لتطوير أدائها وآليات اشتغالها في أفق الاستجابة للتطلعات الملحة للمجتمع".غير أن البعض مصر على أن يضرب كل هذه التنبيهات والتوجيهات عرض الحائط حتى وإن صدرت من أعلى هرم السلطة في البلاد. الواضح للعيان، أن هذه الفكرة إفصاح مفضوح لتخوف أصحابها من اكتساح الإسلاميين للمعركة الانتخابية لسنة 2021، في ظل غياب بديل قوي في الساحة السياسية. وفي ظل إشادة شعبية ودولية بجهود الحكومة في تجنيب البلاد لكارثة صحية واقتصادية على حد سواء ،وتحكّمها لحد الساعة في انتشار الوباء الفتاك تحت قيادة الملك محمد السادس.وأيضا في ظل تقارب متواصل ومستمر بين البيجيدي والبام،خاصة بعد أن غيّر هذا الأخير جلده بانتخاب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما جديدا له وتغيّر خطابه متوعدا بحزب جديد يقطع مع التعليمات الفوقية ويتخلص من "خطيئة الولادة" ويتسع لعموم الشعب المغربي، وهو ما يجعل من التحالف بين الطرفين الذي كان مستحيلا بالأمس القريب،أمرا من الممكن ومن الممكن جدا تحقّقه على أرض الواقع يوم غد. صحيح أننا غاضبون أشد الغضب عن حكومة الإسلاميين سواء الأولى أو الثانية،والتي تنكرت للشعب واستأسدت على فقرائه وصعفائه،فلاهي نجحت في "خنق التحكم" كما وعدت بذلك،ولا هي ترجلت عن المشهد السياسي بعدما فشلت في تنفيذ برنامجها الانتخابي وتنزيل دستور يوليوز2011.وصحيح أن حكم "الجماعة الإسلامية" -الذي قارب عقدا من الزمن- لم يحمل للطبقات المسحوقة والمتوسطة غير المزيد من التفقير والتحقير ومواجهة مطالب واحتجاجات فئات شعبية عريضة بالقمع المادي والمعنوي وبسياسة الآذان الصماء والهروب إلى الأمام وهلم جرا. على أن تحويل الغضب من شعور إلى فعل ومعاقبة "الإخوان" وباقي حلفائهم في الأغلبية الحكومة لن يتأتى سوى بواسطة الصندوق وفي سنة 2021 دون غيرها. إن تشكيل حكومة التكنوقراط لن يقودنا سوى نحو اغتيال الفصل الأول من الدستور وإجهاض مسلسل الانتقال الديمقراطي وإقبار آمال المغاربة في وطن حر يتسع للجميع.