تعد مهنة الطب من أشرف وأنبل المهن التي شهدتها البشرية على مر العصور، وفي الماضي كان لفظ الطبيب مرادفا للحكيم، وهي تسمية ليست اعتباطية على اعتبار أن الحكيم يستحضر إلى جانب العلاج البدني للمريض، أخلاقيات العمل الطبي التي تظهر في الطبيب/ الإنسان. فكيف يمكن أن نجعل شبابنا يستشعر ويتمثل القيم التي برزت جليا في محنة كوفيد من خلال السلوكات الإيجابية للطبيبات والأطباء المغاربة في معركة الصمود، بتقديمهم صورة مشرقة عن نبل المهنة؟ مبدئيا مهنة الطب حمالة كل القيم الإنسانية الكونية الرفيعة: الصدق، الأمانة، الرفق، حفظ الأسرار، العدل والمساواة، النصح والإرشاد، الصبر، الإخلاص، المسؤولية، التضحية، التواصل، العطف، الرحمة، الرعاية… وسنتناول بعضا منها التي برزت خلال هذا الوباء ببلادنا. قيمة التضحية: لاحظنا وتابعنا كيف يخوض أطباؤنا المغاربة الأبطال كفاحا مستمرا دون خوف أو تردد للقضاء على وباء كورونا المستجد، بمعدات وقائية وعلاجية محدودة لا يمكن أن تضاهي المعدات الطبية في الدول المتقدمة. لكن بكفاءاتهم وروحهم المعنوية واستبسالهم يوما بعد يوم لعلاج المصابين، معرضين حياتهم للخطر بغية الحفاظ على حياة الآخرين، فأظهروا بذلك أن هاجسهم الإنساني يسكن داخل مهنتهم مهما كانت العواقب، بل إن بعضهم سقط شهيدا على جبهات مستشفياتنا في مواجهة الفيروس اللعين. هذا درس للتضحية من أجل استمرار الحياة ومن أجل أن يحيا الوطن. لقيمة التضحية آثار فسيولوجية، فلا شك أن عمل الطبيبات والأطباء المغاربة المستمر أياما وليال يرسم على ملامحهم التعب والإرهاق والإجهاد في سبيل بث الأمل داخل نفوس مرضى كورونا. وقد لا يبدو سهلا ارتداء ألبسة وكمامات ونظارات واقية لمدة طويلة وما تحدثه من آثار على وجوههم ومحياهم. فضلا عن الآثار الاجتماعية النفسية لهذه القيمة، حيث اضطر أطباؤنا للتخلي عن الالتحاق اليومي بمنازلهم والكف عن لقاء أفراد أسرهم وأبنائهم، وما يرافق ذلك من التعرض لمختلف أنواع الضغط النفسي بسبب العزلة الاجتماعية عن أفراد العائلة. أضف إلى ذلك أن الطبيب المغربي أصبح متعدد المهن داخل مهنته المعتادة، فهو المساعد الاجتماعي والنفسي الذي يساعد مرضى كوفيد ويقدم النصح لعائلاتهم، وهو الصحافي الذي يدلي بتصريحات متلفزة وإذاعية ينور الرأي العام حول الحالات الموجودة في المستشفى الذي يعمل فيه. إن حضور قيمة التضحية ونكران الذات لم تقتصر على أطباء القطاع العام، بل برزت أيضا مع انخراط الأطباء العسكريين وأطباء القطاع الخاص، وأيضا الروح التطوعية العالية التي أبان عنها الأطباء المتقاعدون للعمل بمستشفياتنا لمجابهة الوباء. كذلك مساهمتهم في حملة التبرع بالدم وما أظهروه من حس وطني وإنساني بكل تفان وإخلاص. ويكفي أن ننظر إلى مقدار الفرح الذي يعم أطباءنا لحظة تعافي مريض بالتصفيقات والزغاريد. قيمة المسؤولية: إن أطباءنا المغاربة تحملوا المسؤولية المهنية والأخلاقية في مواجهة كوفيد بحس وطني، وتصرفوا على قدر المسؤولية التي يتطلبها علاج المصابين بكوفيد 19 وإنقاذ أبدانهم من الألم والمرض، فقدموا أفضل رعاية صحية ممكنة له. وهذه المسؤولية التي يستشعرها أطباؤنا هي التي تعطيهم شحنة إيجابية في سبيل راحة الناس، مما جعل ثقة الناس تزداد في أطبائنا أكثر في فترة الوباء، وتغير الكثير من بعض التمثلات السلبية التي انقدحت في أذهان البعض عنهم. صحيح أن الطبيب المغربي في النهاية إنسان كالمريض، يحزن ويفرح ويمر بظروف صعبة، وقد يكون مريضا بما هو أشد من مرض زواره، إلا أن تحمله لهذه المسؤولية العظيمة، جعلته يتجاهل جراحه البدنية والنفسية وينضبط للروح المسؤولية الملقاة على عاتقه. قيمة الرحمة: من الطبيعي أن الإنسان دائما بحاجة إلى رعاية وبشاشة سمحة وقلب كبير يعطيه ولا ينتظر الرد، ويحمل همومه ويجد الرعاية والاهتمام والعطف، ويزداد هذا الإحساس عند الأزمات المرضية. ويمكن أن نعتبر البروتوكول العلاجي الذي نفذه الأطباء المغاربة رحمة من رحمات الله أرسلها للبشر، ولذلك فإن الطبيب المغربي بعلاجه للناس إنما هو رسول يحمل الرحمة الربانية. وفي الرحمة أيضا تبرز قيمة حسن التواصل الذي أبان عنه أطباؤنا بأدب إنساني رفيع، دلت عليها تصريحات المتعافين وإشادتهم بمجهودات الأطباء المغاربة وتعاملهم الإنساني معهم. نتمنى من خلال هذا المقال المركز الذي هو في عمقه التفاتة إلى فئة مناضلة عظيمة مرابطة في الصفوف الأمامية، والتي أبلت البلاء الحسن ولازالت لمواجهة الفيروس اللعين ببلادنا. يستحقون فعلا تكريما من كل مواطن، ولو بصيغته الرمزية اعترافا وتقديرا لمجهوداتهم سواء العلمية من خلال السنوات الطويلة التي قضوها في التحصيل الشاق بين مدرجات كليات الطب والمختبرات التطبيقية وهذا جهد عظيم لا يستهان به. وأيضا المهنية، فكلنا واعون بحجم التضحية التي يقدمونها من خلال العمل المضني بمستشفياتنا رغم قساوة الظروف، وخصوصا في هذه الفترة العصيبة التي يمر منها المغرب والعالم. هي إذن قيم راقية من مهنة إنسانية نبيلة ينبغي أن نتمثلها ونربي عليها أجيالنا الحاضرة والقادمة. * باحث في التربية وعلم الاجتماع بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية