لا يمكن أن نتجاهل الجدل الخفي المكشوف، من قبل البعض، بخصوص احداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية! ولعل الكثير من الوجوه تندس، وتدعي أنها حريصة على الدفاع عن الهوية. بل ومنحت لنفسها، وبدعم من قبل بعض الأحزاب والجمعيات حقا، مفاده أننا فقط ولوحدنا، نعد حماة للغات الدستورية، والثقافة المغربية. الثقافة الوطنية هي في الأصل أصيلة بتنوعها المتجدر في وجدان الشعب، و آثار تاريخ تراب هذا الوطن. فالأفكار المشجعة على التفرقة بين المغاربة، بدافع مؤسس على اللغة أو العرق أوالدين، أوالانتماء الاجتماعي، أو الميول السياسي الثقافي، ماهي إلا أفكار مسمومة لاغير. إذ أن العمل على احياء النعرات، الاثنية أو العرقية أو الدينية، بين شعب مغربي متنوع أمر لا يستقيم. فقاعدة المصير الواحد المشترك، الذي يجمع بين مختلف الثقافات والروافد المنصهرة محليا واقيميا وجهويا ثابتة، وهي الأصل والجوهر في كل شي. تلك الروافد تنصهر بأبعادها المفعمة بتاريخ عريق، ثقيل برزنامة من المفاهيم، و مجموعة من الأسس المهيكلة للخطاب الثقافي، المغربي الوطني الأصيل. إذ أن الادعاء بسمو عرق عن عرق آخر، هو اجحاف في حق التعايش السليم . ومن تم نقول ونؤكد، أنه من باب الحكمة أن لا تخضع التعيينات في مجلس اللغات، للمحاصصة الحزبية أو الجمعوية أو النقابية. لأن هوية الشعب، وتعدد الألسنة، تدبيره مرتبط بشكل أساسي و وثيق بالتبصر، وذلك لكي لا تنفلت الأمور في بيئة بعيدة كل البعد عن المنطق، وميالة لتصديق الخرافات، واللعب على وتر التهميش والاقصاء وغير ذلك. فإذا كان الانصهار خاصية من خاصيات الثقافة المغربية، فمن المؤسف، أن نرى ونسمع بعض الوجوه، تعطي لنفسها حق الدفاع عن لغات الشعب، التي نالت جميعها التوافق دستوريا. بل تحول الأمر عند البعض إلى حق، بموجبه تم شرعنة الاحتكار في قضية الدفاع عن اللغات الدستورية(العربية والأمازيغية). وهذا، إن نم ينم عن جهل عميق، بطبيعة الشعب المغربي بملايينه العددية، هذا الشعب يفكر بأفكار متنوعة ،قد تكون متضاربة أحيانا! لذا، من يراوغ بهدف الحصول على العضوية، في هذا المجلس المرتقب، يفضح نفسه بتصريحاته المتناقضة، وخرجاته الاعلامية الموسمية. فعمل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، اشتغاله العقلاني، مرتبط بثقافة الاجماع لا الصراع، والنفور من ثقافة ما أو لغة ما. فالثقافة المغربية حمولة متنوعة من التعبيرات الكتابية والشفهية المتشعبة الأصول والمصادر. التوجيه المنطقي للمجلس المرتقب، عليه أن ينصب في اتجاه التأكيد على الولاء والاجماع، لراية وطنية واحدة، معبرة عن وطن واحد، ترفع في المناسبات المختلفة أو الاحتجاجات المشروعة ! مع السهر على الضغط في اتجاه اصدار قوانين، تجرم الانجرار، وراء الادعاء بسمو مكون ثقافي عن مكونات ثقافية أخرى للثقافات المغربية المتنوعة. مع العمل على صد، ومواجهة المواقف السياسية، العرقية، الدينية أو المذهبية المتطرفة. وذلك بهدف اشاعة ثقافة التسامع والتعايش بين مختلف اللغات والثقافات الأصيلة، والمتجدرة في في وطن واحد اسمه المغرب وكفى. اذ كيف يعقل لمن اتهم اللغة العربية بالقصور العلمي! أن يصبح بقدرة قادر بعد ذلك يناقض نفسه، ويتحول إلى أسلوب الدعوة للاهتمام باللغتين الرسميتين للبلاد، عوض التمكين فقط للغة الفرنسية! وهذا بعدما أدرك وتأكد بالملموس أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغة سيتحول إلى خبر في زمن اسمه كان! فاللغات الدستورية ليست حكرا على الأشحاص ولا الهيئات. اللغات الوطنية ملك لجميع المغاربة دون استثناء. كما أن أفكار الاسلام السياسي، والأبعاد العرقية المقيتة التي تغير المواقف ،حسب الأمواج السياسية المبهمة في الكثير من الأحيان، علاوة مع الأنانية المصلحية، ما هي إلا أفكار مهددة للتماسك الأخوي بين السكان. فمثلا هناك من يتكلم ثارة، ويعود للصمت المطبق ثارة أخرى بحسب الأهواء، والمصالح بداعي الدفاع عن الهوية. عمل مجلس اللغات يقتضي الارتباط الوثيق بالوطن، والولاء للأرض أولا وأخير ! لا الولاء للأجانب والأهواء، والمصالح الضيقة الآنية. أو الجماعات التي تحمل اديدلوجية الفكر المدمر، لمبدأ التعاش بين الشعوب والقبائل، والمحتقرة للمفاهيم القيمية للاخوة الإنسانية، عوض التأكيد على مبدأ المساواة بين الجميع، على أساس عدم الاستهزاء بالثقافات الأخرى. فهذا المجلس من باب العقل عليه التركيز كذلك يبقى على الترجمة، ومواكبة مستجدات التحديث اللغوي، وخلق مفاهيم مبتكرة مواكبة للعصر، والتعامل مع التعبيرات اللغوية الجديدة والمحدثة. كما أنه ومن باب الحكمة في حالة خروج هذا المجلس الدستوري للوجود، ضرورة الدفع بعجلة الاستعمال المكثف للغات الدستوية في الحياة العامة، مع رد المكانة الاعتبارية للغة الضاد، باعتبارها قائمة الذات وشامخة بدون أحقاد عرقية أو جهوية.