تعد الفضائيات من أهم الوسائل الفعالة للاتصال الجماهيري والتي أصبحت تلعب دورا أساسيا ومهما في حياة كل الناس، وخاصة بعد الثورة الكبيرة الذي عرفه عالم الاتصال، بحيث بتنا نعيش غزوا ثقافيا؛ اخترق بيوت المجال القروي عبر برامج ومواد وافدة بشتى أشكالها وأنواعها عبر وسائل الإعلام؛ لما لها من أدوار تتراوح بين الإيجابي والسلبي في حياة أفراد المجتمع المحلي. هنا يمكن القول أنها وسائل تسهم في تشكيل الاتجاهات، ومن بينها نجد التلفزيون كإذاعة سمعية-بصرية؛ ترتكز على الصوت والصورة في ذات الآن، هنا وجب الحذر؛ نظرا لخطورة الرسائل المنبعثة، التي تلعب بشكل رهيب على وتري؛ شد الانتباه من جهة والتفاعل القسري عن طريق مثيرات تجعل حواس الإنسان في وضعية طاعة. لهذا الأساس فأغلب المهتمين يقرون بتفوق تأثير التلفزيون عن باقي وسائل الإعلام، كونه يجمع بين الصوت والصورة وكذا الحركة واللون، كلها عناصر تتدخل في تلميع المادة الموجهة لكل الأسر، سواء كانت برنامجا أو فيلما أو مسلسلا… باعتبارها خطابا قد يؤثر بالإيجاب أو السلب على السلوكيات والأفكار. إن معظم المواد التلفزيونية التي تتم متابعاتها من طرف أطفال وشباب الأسر القروية، مواد تتصف بتيمة الترفيهية؛ تقدم على شكل دراما من مسلسلات وأفلام، إضافة إلى الأغاني والمنوعات الفنية؛ وبرامج تهم المسابقات التي تحضى باهتمام الأطفال والشباب المتعلمين أو بالأحرى المتمدرسين، إلا أنه في الأونة الأخيرة تراجعت المحطات التلفزيونية في المغرب بخصوص بثها لبرامج ومواد مفيدة مما دفع بالعديد من المتتبعين إلى الهروب لمشاهدة برامج وأعمال مستوردة، من قبيل المسلسلات الأجنبية على مدار السنة؛ والتي كان لها أثر على الإنتاجات الوطنية وخاصة في شهر رمضان، ومن خلال مساءلتنا لغالبية الناس عن أسباب نفورهم؛ كان الجواب كالآتي :” لم تعد إنتاجاتنا المحلية ترقنا؛ بوصفها إنتاجات الحريرة “. فالأعمال الدرامية من المواد المحورية التي يقدمها التلفزيون إضافة إلى الأخبار وباقي البرامج، فتأثيرها يصل مناطق: الهوية والثقافة والقيم والإتجاهات. فموضوع” التأثيروالتأثرالاجتماعي” في علاقته بالأفلام المدبلجة يتضح لنا بجلاء في مسألة فقدان الأسر القروية في العصر الراهن لأشياء من هويتها الأصيلة، لذا كانت من بين المواضيع التي أخذت اهتماما بالغا من قبل علم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع وعلم الاتصال نظرا لدرجات خطورة الأثار التي تخلفها المسلسلات المدبلجة على الأفراد والجماعات من خلال المشاهد والأحداث والمظاهر الإجتماعية التي توظفها؛ للتأثير على المتلقي وجعله متابعا وفيا، هذا المتتبع الذي تمرر إليه إيديولوجيات ومرجعيات ثقافية استهلاكية وهو في غفلة عن أمره.فعلا إنها ظاهرة تغري بالدرس والتحليل والتفكيك والمساءلة والنقاش العمومي، فهناك من الباحثين والمهتمين بالشؤون الاجتماعية والإعلامية، من يرفضها جملة وتفصيلا، ودليلهم في ذلك تناقض الأعمال الدرامية الوافدة مع مجموعة من القواعد والأعراف والمعايير الاجتماعية المحلية، فخلصوا على أنها عدو لثقافتنا الأصلية، وتيار آخر يرى أن سرعة التحولات وعولمة العالم تقتضي التفاعل مع هذه المسلسلات والتعاطي معها بشكل إيجابي، في إطار الإنفتاح على حضارات وثقافات الضفة الأخرى، وفريق التزم الصمت والتحفظ. وهنا نبادر بطرح التساؤلات التالية: من يتحمل مسؤولية غزو الدراما المدبلجة قنواتنا المغربية ؟ وكيف تؤثر هذه الدراما في الهوية القروية ؟ ما درجات استدماج واستبطان الاسر لهذه الدراما المتعددة كما والمتنوعة على عادات وسلوكات المجتمع القروي؟ ما خلفيات اختيار الدبلجة بالدارجة المغربية؟ مستويات التأثير الاجتماعي الذي تمارسه الدراما المدبلجة على هوية الأسر القروية. يعتبر التأثير الاجتماعي هو تلك النتيجة الهامة التي تتم بعد مرحلتي المواجهة والتبادل، أي أن الحديث عن التأثير الاجتماعي يفترض مرحلة أساسية وإستراتجية وهي التفاعل الاجتماعي الذي يتم بين طرفين أو جماعتين وبعد هذه المرحلة والعلاقة الاجتماعية الضرورية يحصل التأثير الاجتماعي، بحيث نتكلم عن مؤثر ومؤثر، فالأول هو ذالك الفرد أو تلك الجماعة التي اعتمدت القدرة على إثبات الصواب لديها عن طريق المهارة والبرهان، وأما الثاني فهو ذلك الشخص أو تلك الجماعة المغيرة لسلوكها حيث انبهارها بصواب الطرف الأخر الذي أثر في سلوكها وجعلها تغير موقفها. 1. على مستوى التأثير بين الأفراد. 2. على مستوى الترابطات الاجتماعية. 3. على مستوى النسق الإجتماعي. 4. على مستوى القيم. 5. على مستوى اللغة. من هنا لابد الإشارة إلى أن صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني في الغرب لا يمكن أن تقع بعيدا عن الأهداف السياسية والفكرية والاقتصادية المرسومة للمنطقة العربية والإسلامية والتي من الجائز أن تقع ضمنها مؤسسات الإنتاج التلفزيوني التركي التي لا يبتعد نظامها الاقتصادي والثقافي كثيرا عن النظم الأوربية. بل قد يكون ذا تأثير أكبر في المنظومة العربية والإسلامية بحكم الخلفية الثقافية والدينية للمجتمع التركي. والتساؤل الذي يفرض نفسه على ضوء ما شغلته الدراما المدبلجة من اهتمامات الجمهور العربي والمغربي خصوصا، هو ما الحل؟ وكيف السبيل لإيجاد البدائل الصحيحة والمناسبة للحفاظ على ما تبقى من الموروث القيمي والاجتماعي للأمة؟ وهنا يأتي دور القيادات السياسية والإعلامية الوطنية الممثلة في الأجهزة الرسمية والمؤسسات الإعلامية والمفكرين والكتاب في مختلف الشؤون الوطنية، في الانفتاح الحقيقي على الجمهور العربي والوقوف على مشاكله الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية والنفسية وبناء استراتجيات عمل قادرة على تحقيق قدر أكبر من العلاقة مع الجمهور في معرفة احتياجاته ودوافعه، ودعم الإنتاج الإعلامي التلفزيوني بالقدرات البشرية والفنية و المالية التي تناسب الأهداف الوطنية والقومية في مجال الإنتاج التلفزيوني العربي، وفقا لإستراتجية قومية شاملة فوق جميع الاعتبارات . ففي الوقت الذي يجب السعي فيه وراء الحضر وتعلم لغات أجنبية، يقف أشخاص لا يدركون حتى ما هي الدارجة وراء سياسة نشر الجهل واللامبالاة. أما إذا كان الغرض من هذه الدراما هو نشر اللهجة المغربية فاختيار أعمال ذات مستوى وكلمات ترقى بالمتفرج كفيل بذلك. إن قيمة العمل الدرامي تأتي في كونه يعكس حياة المشاهد الاجتماعية وبيئة استقراره ونمط وأسلوب عيشه وقضاياه الأساسية. وأمام الحساسيات الفكرية وضعف الرؤى، فالجهات الوصية على قطاع التيليفزيون لم تعد تؤمن إلا بالجاهز الذي لن يكلفها غير تركيب الصوت العربي القريب من وجداننا؛ على المضمون الغريب عن مجتمعاتنا، وهذا ما ترك مخلفات سلبية على أبنائنا . وفي ظل تحكم الإعلام فيما يعرض على الشاشة الصغيرة؛ صار للدراما المدبلجة الحظوة التامة. والحقيقة أن الدراما المحلية في صراع مختلق مع دراما أجنبية، هذه الأخيرة التي أغرقت بها قنواتنا، فهي صناعة تبعث بمنتوجات حاملة لقيم ليست كقيمنا؛ وثقافة لا تمت بصلة لثقافتنا؛ وسلوكات شاردة عن سلوكات أفراد مجتمعنا، فلهذا قد حان الوقت لأخذ الحيطة في ما يخص فقدان الهوية. عموما يبقى الإعلام ووسائل الاتصال من أهم المؤسسات العصرية تأثيرا واختراقا للثقافات والهويات الاجتماعية فهي صارت توظف من لدن أصحاب القرار للتنشئة الاجتماعية وضبط الاتجاهات والسلوكيات وتبني مفاهيم وقيم جديدة وهذا ما يسمى الضبط الاجتماعي، داخل المجتمعات بغية الاتجاه العام والرأي العم للدولة، غير أن التأثير الاجتماعي للدرما المدبلجة على المجتمع القروي نفسيا واجتماعيا وثقافيا وحتى اقتصاديا يبقى تأثيرا خطيرا يهدد المنظومة العلائقية داخل القرية ويهدد هوياتها كثقافة مميزة لها، إن المجتمع المغربي يعيش حياة منقسمة بين مجتمع الآباء ومجتمع الأبناء وغياب التواصل والحوار بين هذين الفئتين، مما يجعل هناك شرخ واضح وكبير في علاقة الأسر بأفرادها، وأثرت على الأنشطة اليومية وخلخلت البنيات التقليدية. * طالبة باحثة بماستر سوسيولوجيا المجالات القروية و التنمية في فاس جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة