هاجر زهير في ليلة باردة من ليالي الشتاء.. ليلة تعانقت فيها السحب وأمطرت فيها السماء.. كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف، الوجهة مستعجلات مستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية، أول ما يسترعي انتباهك سيارات الإسعاف المصطفة عند بابها المؤدي إلى الطابق تحت الأرضي. بعد هنيهة تجد نفسك بساحة يكسوها ظلام جزئي وأرض مبللة بمياه الأمطار، ثم قاعة انتظار على اليسار يعمها ضجيج لا ينقطع، واكتظاظ ملفت وكراسي ممتلئة مما يضطر المرضى للاصطفاف بكل أرجاء القاعة وافتراش الأرض، هو مشهد يشبه إلى حد كبير، طابور متسولين يفترشون أرضية شارع وأبواب مساجد ينتظرون من يجود عليهم بعطفه. مشاهد العياء، الألم، الحزن والإحباط بادية على وجوه المواطنين الذين طال بهم الانتظار وكسرهم المرض والتعب، حزنهم يُفهم من تعابير وتقاسيم وجوههم دونما حاجة إلى الكلام، فلا ديكور في المكان، ولا نظافة ولا عناية، طلاء قديم أكل عليه الدهر وشرب، ضجيج ومكان متزاحم.. تلك هي النظرة الأولى. “انتظر دورك” إلى غاية اللحظة كل شيء يبدو على ما يرام إلى حد ما، حتى وصول حالة تستصعبها العين، شخص مصاب بجرح على مستوى رأسه رفقة عائلته التي تعلو محياها ملامح الهلع والخوف، تستنجد بالأطباء والحاضرين بصوت صارخ.. لكن ما من جدوى ولا من يلبي النداء سوى نظرات أسف من مرضى قد لا يقل وضعهم سوء عن وضعه. فالكل هنا مضطر كغيره إلى تدوين اسمه وحالته ودفع رسوم المشفى، ثم الانتظار لمدة غير محددة لرؤية الطبيبة الوحيدة بقسم المستعجلات تحت عنوان “انتظر دورك ولا يهم وضعك الصحي مهما فاقت خطورة إصابتك وحدة مرضك”، هي قوانين تسري على الجميع فالرقم الذي يمنح لك هو من يحدد وقت كشفك أو إسعافك. حالة تلوى الأخرى، تتعدد وضعياتهم وتختلف، لكن النتيجة واحدة: “معاناة”. فهذا يشكو حالة تسمم، والآخر مجروح ينزف، والبعض يجد صعوبة في التنفس، ناهيك عن العدد المهول للأطفال المرتفعة حرارتهم، وبكاؤهم المستمر، هم جميعهم مرضى يبحثون عن الشفاء بشق الأنفس. فجأة، وسط هذا الجو الذي لا يبعث على الراحة، صوت عال يخطف أنظار الجالسين والواقفين، شخص يصرخ في وجه حارس الأمن الخاص بالمستشفى بعد منعه من ولوج القاعة الداخلية رفقة والدته المريضة، مشادات كلامية، سب وقذف متبادل، ليتطور النزاع لتشابك بالأيادي، ما جعل المرضى يتدخلون لفض النزاع بين الابن وحارس الأمن. “بزنسة وتجارة مربحة” لقطاع الصحة مشاكل بالجملة، تستوقفك عند الزيارة الأولى لمستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية، من تقادم البنية التحتية والتجهيزات وانعدام الأطباء الاختصاصيين وافتقار المعدات الطبية الحديثة، لكن من زاوية أخرى أصبح “الفساد” عنوان الخدمة العمومية، في ظل غياب أطر وقوانين تؤطر وتحكم قطاع الصحة. وبلا رقابة، تدخل الرشوة، المحسوبية أو ما يعرف ب”المعرفة” و “باك صاحبي” على الخط، حيث يؤكد عدد من المواطنين أن “الغش والتلاعب بات شيئا لا مفر منه”، فتمرير أسماء بدل الأخرى والتي قد لا تكون مسجلة بقائمة الانتظار أساسا، ودون أن يسلكوا طابور الإنتظار الطويل، يتم تسبيقهم فقط لأنهم من معارف العاملين بالمشفى، أو بمقابل ثمن زهيد يمنح لحارس الأمن الخاص بقسم المستعجلات لأجل استبدال دورهم البعيد بدور أقرب. هي ممارسات تمر أمام أعين كثيرة والصمت مفروض عليهم لأنه لا حيلة ولا قدرة لهم على دخول نزاعات هم في غنى عنها، حسب رأيهم، فرجاؤهم الأوحد هو الشفاء من أسقامهم والعودة إلى ديارهم سالمين. شهادات لعل كل من اضطرته أوضاعه الصحية إلى الذهاب إلى مستشفى مولاي عبد الله له حكاية مع المرض والمعاملة والخدمة التي تلقاها، فقد تكاثرت الشهادات لكن كلها تكاد تتسم بقاسم مشترك عنوانه التشكي من سلوك الموظفين العاملين بالمستشفى، وسوء الخدمة ورداءة المعاملة، ناهيك عن طول الانتظار الذي يستنزف طاقتهم ووقتهم ويزيد من تعبهم. أحدهم عبر عن استيائه التام بالقول: “واش هاذي حالة مستشفى هاذي”، مشيرا بأصبعه إلى القطط التي تتجول بينهم وعيناه تنظر للبناء المهترئ، وهو يضيف “بلاصة باش تجلس ماكيناش”، هذه شهادة من شهادات كثيرة، أحدهم يفتتح الكلام والآخر يكمله، فهم لا يعرفون بعضهم البعض لكن صوتهم واحد ورغبتهم واحدة “العناية والرأفة بحالهم”. وفي رأي غاضب آخر، تروي سيدة قصتها مع المستشفى التي تزوره بين الحين والآخر، كلما ساءت حالتها كونها “أزماتيك” يضيق تنفسها أو تغيب عن الوعي في مرات عدة، تقول إنها في كل مرة تأتي إلى المستشفى لا تجد استقبالا لحالتها بشكل مسرع كما هو مفترض. وتضيف: “بما أن القسم اسمه المستعجلات فلابد من استعجال الحالات الأكثر خطورة، إننا لا نشعر بالأمان والراحة المفترضة، يعاملوننا كأننا دومى لا نشعر ولا نحس، تعب نجلبه معنا وتعب آخر نحمله عند عودتنا إلى بيوتنا”. “على أمل” يبقى الأمل الوحيد لهؤلاء ولسكان مدينة الزهور هو إعادة النظر في الوضع المزري للمستشفى العمومي مولاي عبد الله، والنظر بعين الرأفة لأحوالهم، وحسب كل من قابلناهم وجب التدخل السريع لوضع حل لمشاكل مؤسستهم الصحية، وإلا سيدفعم الوضع إلى السفر مسافات ليست بالهينة نحو الرباط و الدارالبيضاء للتطبيب وتلقي العلاج اللازم نتيجة فقدانهم الثقة بالمستشفى المحلي. في انتظار البحث جاري عن الإجابة عن العديد من الأسئلة، يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: “ما موقف المسؤولين من كل هذا؟ أين الرقابة على قطاع الصحة؟ ومن يتحمل مسؤولية التقصير؟”. هي زيارة واحدة كانت كفيلة بإظهار واقع مرير يعيشه مواطنون خانتهم صحتهم وخذلتهم قطاعاتهم العمومية على أمل تغيير الحال بما هو أفضل. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة 1. المغرب 2. مرضى 3. مستشفى 4. مستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية