الفساد في دولة ما كمثل السرطان في جسم إنسان أو كڤيروس خطير في حاسوب أو كمثل "السوسة " في ثمرة أو فاكهة، فالفساد ينخر الدولة ويقوض النظام والعلاقة بين أطراف المجتمع فتختل الموازين وتحل معه الفوضى واللانظام فتضيع الدولة ويضيع الوطن ويضيع الإنسان ولو بعد حين. الفساد إذن حالة مرضية يجب معالجتها في قسم المستعجلات بإجراء عمليات جراحية دقيقة لإنقاذ البلاد والعباد، وأي تأخير في ظل الأمن والإستقرار لن يزيد الطين إلا بلة مما سيصعب مهمة الأجيال القادمة. الفساد إذن كڤيروس أو كمنظومة ڤيروسات لا بد له من نظام حماية من أجل تقوية مناعة الدولة وأجهزتها، وهنا نتحدث عن منظومة القوانين التي تنظم العلاقة بين الناس وتبتدئ من دستور عادل ديمقراطي تعاقدي وتنتهي بقوانين الشغل التي تنظم العلاقة بين المشغل والموظف. لا بد أن نشدد هنا على ضرورة تطبيق هذه القوانين على الجميع بدون استثناء أو تمييز وإلا ستصبح المنظومة كلها في خبر كان. فعندما لا يطبق القانون على فلان فهو حتما لن يسري على شركاته وأصدقائه وأقربائه وكل من هو مقرب منه، نفس الشيء سينطبق على أصدقاء وأقرباء هؤلاء المحظوظين، وبذلك تعم الفوضى واللاقانون. فالڤيروس عندما يخترق أي نظام فحتما سيحاول الإنتشار حتى يسود ويستأسد. منظومة القوانين العادلة والتي تحمي مصالح المظلومين هي إذن نظام الحماية الأنجع ضد ڤيروس الفساد، لكن يحق لنا أن نتساءل: هل هذه المنظومة كافية باعتبار الإنسان أناني بطبعه وباستطاعته التحايل على القانون عبر البحث عن الثغرات؟. وحتى نعطي مشروعية لسؤالنا نسوق المثال التالي. عندما يكون مسؤول في مهمة تسيير ميزانية من المال العام فهو متابع ومراقب بالضرورة من طرف بعض الأجهزة، يمكن لهذا المسؤول أن يتحايل ويصرف بعضا من الميزانية في أغراضه الخاصة، وحتى ينجو من سيف مجلس الرقابة، فباستطاعته أن يحصل على وثيقة أو توصيل يبرر به هذه الإختلاسات أو الاتفاق حتى مع البائع أو الممون أو بائع الخدمة. يمكن له أيضا أن يقوم بإرشاء المراقب و"مريضنا ما عندو باس". يمكن أن نعزز أيضا بالمثال الآخر في مجال التعليم، فقد تجد أستاذا يحترم القانون وأوقات الدخول والخروج لكن ضميره المهني قد يغيب داخل الفصل وقد لا يبلغ الرسالة إلى طلبته كما يجب تقصيرا منه. هذا مثال حي على أن القانون، ونسميه أيضا سلطة الأمير، مهما كان متطورا يبقى عاجزا عن كبح أنانية الإنسان ونزواته، وهنا لا بد أن نلجأ إلى منظومة التربية وإلى المنظومة الأخلاقية والتي تسمى بسلطة الضمير. فالإنسان الذي يملك ضميرا حيا لا يمكن أن يسقط دائما في خرق القانون والتحايل عليه. هنا مثلا يمكن أن يكون استغلال الدين في التسيير واجبا ومطلوبا عوض أن يكون مطية لشرعنة الاستبداد أو لاستمالة أصوات الناخبين عبر دغدغة مشاعرهم بقال الله وقال الرسول، فالقيم الدينية في المثال أعلاه تجعل المرء يفكر بأن السرقة والإختلاس أمران محرمان وأن خيانة الأمانة خطب جلل وأن الكذب حرام وبأنه مهما تحايل على القانون الدنيوي، فهناك قانون أخروي متابع به وأن الله هو الرقيب العليم. صحيح بأن الإنسان يبقى إنسانا ولكل هفواته وسقطاته وإلا أصبح ملكا يمشي على الأرض، لكن لا يمكن إلا لجاحد أن ينكر فضل هذه المنظومة الأخلاقية في بناء المواطن الصالح. تجب الإشارة إلى أن المنظومة الأخلاقية غير مرتبطة فقط بالدين، بل بالتربية على المواطنة وعلى كل ما تقتضيه، وهذا دور الحركات الدعوية والفكرية التي يجب أن تساهم في تكوين هذا المواطن الذي يغلب المصلحة العامة على مصلحته الخاصة، وهو أيضا دور الأسرة والمدرسة والإعلام وهذا ما يميز المجتمعات الغربية حيث تعتبر الرشوة والتهرب الضريبي والفساد جرائم لا يمكن السكوت عليها لأنها تقوض العلاقة بين أطراف المجتمع فيعم الظلم ويسري قانون الغاب حيث يستأسد الكبير على الصغير. سلطة الأمير إذن أمر ضروري لا يمكن لنظام أن يكون نظاما إلا بها، فبها تنظم العلاقات ويعرف كل مواطن حقه وواجباته، لكنه شرط غير كاف لأن من وضع القانون يمكن أن يتحايل عليه أو أن يرشي من هو مخول له بمراقبة تطبيقه، لذا لا بد لسلطة الضمير أن تتدخل لتساعد سلطة الأمير لكبح أنانية الإنسان وغرائزه الطبيعية.