يثير استثناء المغرب من جولة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تساؤلات عن احتمال وجود “أزمة صامتة” بين الرباط والرياض تعكسها مؤشرات عديدة. خبير مغربي اعتبر أن هذا الاستثناء يعكس “حالة فراغ وفتور ملحوظة” في العلاقات الثنائية، فيما رأى آخر أن الأمر يتعلق ب”أزمة صامتة”. وبدأ ابن سلمان، في 22 نونبر ثاني الماضي، جولة خارجية شملت حتى الآن: الإمارات، البحرين، مصر، تونس، الأرجنتين، موريتانيا، والجزائر. وبينما التزم مسؤولو البلدين الصمت، فقد احتفى نشطاء مغاربة على منصات التواصل الاجتماعية، بعدم زيارة ابن سلمان لبلدهم، ضمن أول جولة خارجية له منذ مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي. واختتم ابن سلمان، الاثنين، زيارة للجزائر استغرقت يومين، وسط انتقادات من شخصيات وأحزاب جزائرية. ووصف المنتقدون توقيت الزيارة ب”غير المناسب”؛ بسبب أزمة مقتل خاشقجي (59 عامًا) على أيدي مسؤولين سعوديين في قنصلية بلده بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر أول الماضي. مؤشرات عديدة خلال العقود الأخيرة ارتبط المغرب والسعودية بعلاقات وصفت ب”المتميزة”، وتجمع البلدين اتفاقيات تعاون كثيرة في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية. لكن قضايا عديدة أظهرت اتساع الهوة بين البلدين، لاسيما موقف الرباط من أزمة الخليج الراهنة، بعد قطع السعودية والإماراتوالبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، منذ يونيو 2017. اختار المغرب التزام الحياد، وعرض القيام بوساطة بين أطراف النزاع، ووصل الأمر إلى حد فرض “إجراءات عقابية” على قطر؛ بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة. وأرسل المغرب طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي، محمد السادس، الدوحة، والتقى أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأحدث مؤشر على توتر العلاقات بين الرباط والرياض هو ما حدث إثر أزمة مقتل خاشقجي، إذ لم يصدر عن الرباط أي موقف متضامن مع السعودية، عكس دول عربية كثيرة. وخلافًا للمعتاد في السنوات الأخيرة، فإنه لم يتوجه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، الصيف الماضي، في إجازته المعتادة إلى مدينة طنجة المغربية، وزار محلها منطقة نيوم شمال غرب السعودية. وظهر الفتور جليًا، بعدما صوتت السعودية لصالح الملف الثلاثي (الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا والمكسيك) لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2026، على حساب الملف المغربي. فتور ملحوظ قال محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، إن “غموضا كبيرا يلف العلاقات الثنائية، وإن كانت ملفات يصعب معها فك الترابط بين البلدين”. ورأى بوخيزة، في حديث للأناضول، أن “الأمر يتعلق بحالة فراغ وفتور ملحوظة في العلاقات تتم ترجمتها في سلوكيات، منها عدم التصويت لصالح الملف المغربي لاحتضان مونديال 2026”. وكذلك “عدم قضاء العاهل السعودي إجازته في طنجة، ثم استثناء الرباط من جولة ولي العهد السعودي، بغض النظر عن ما إذا كان ولي العهد هو من استثنى أم إن المغرب من تحفظ”، بحسب بوخبزة. وأضاف أنه “توجد إشكالات بين البلدين انطلاقًا من أحداث سابقة”. وأوضح أن “المغرب يحاول النأي بنفسه عن بعض الملفات والقضايا ويتفادى الخوض فيها”. أزمة صامتة أما سلمان بونعمان، الكاتب والباحث المغربي في العلاقات الدولية، فاعتبر أن العلاقات بين البلدين “تمر بأزمة صامتة اختار فيها المغرب أسلوبًا وسطًا لا يقوم على التصعيد ولا على المقاطعة”. وأضاف بونعمان للأناضول أن “مؤشرات عديدة تؤكد وجود فتور يصل إلى حد التوتر، منها توقيع المغرب 11 اتفاقية مع قطر في مجالات عديدة، وعدم إبداء المغرب أي موقف تجاه أزمة السعودية مع كندا”. وأوضح بونعمان أن “للمغرب تصوره الخاص لتدبير العلاقات العربية والخليجية، القائم على التضامن والتعاون والمصلحة المشتركة في ظل احترام السيادة دون تبعية لأي طرف مهما كان وكيفما كان”. وأردف بأن “المغرب يرفض الابتزاز والوصاية من أي طرف أو توجه في الأزمات العربية والدولية الراهنة”. وشدد بونعمان على أن “المغرب ينبني خياره لتكريس سياسة خارجية متوازنة ومحايدة ومستقلة تدعم الاستقرار والأمن، وتبتعد ما أمكن عن المغامرات والمقامرات”.