في البداية وقبل الغوص في الموضوع، لابد من الحسم في المفاهيم ،كي لا يبقى الالتباس قائما بين الدين والتدين ،فالأول هو نظام ثقافي ونظرة للكون ونسق من المعايير والمعتقدات والطقوس.اما الثاني هو الطريقة التي نمارس بها الدين. اما بالنسبة للمجتمع فهو كوحدة قياس، فنجد التدين في المغرب اشبه بسوق دينية تتنوع منتوجاتها ،اي نجد حتى من داخل نفس الاسرة ،المتدين المعتدل،المتدين المتشدد، وهناك من يركز على المعتقد وأخر يركز على الطقوس. ولضمان استمرارية الدين والتدين ،يعتمد المجتمع التنشئة الدينية من اجل تمهيد الاجيال على تقبل فكرة الاستعداد النفسي للإيمان بشيء ما ، وحسب الباحث محمد العيادي، فإن التدين عند الشباب المغربي في تقدم وإرتفاع ،عكس ذلك في الغرب نوع من التراجع لانه تم احداث القطيعة على ماهو موروث واقامة القطيعة مع الكنيسة ومأسسة الدولة على الديموقراطية وحقوق الانسان وقبول الاختلاف ،فعبر السيرورة التاريخية لم تكن هناك تنشئة اجتماعية تربوية اعلامية تشجع على التدين،فالتدين بالنسبة لهم لم يرتبط بالممارسة بل بالاعتقاد فقط، ان العلاقة الاساسية التي تربط اذن الاجيال هي الايصال والتبليغ بالارث الثقافي والديني في المنظومة التعليمية والاعلامية والاجتماعية، وحينما نفحص هته العلاقة ونسقطها على الواقع المغربي نجد انه في تنشئته الدينية يركز على الجانب الشكلي لا المضموني، وهذا راجع بالاساس الى غياب المعرفة العلمية الدقيقة للدين ، مما جعلته عن طريق الايصال والتبليغ يترسخ في الناس شكلا فقط،وغياب المضمون والجوهر والسلوكيات والضمير المهني،مما ادى اذن الى مفارقات كبيرة وهوة شاسعة بين القيم الانسانية الكبرى والتدين . فما احوجنا اليوم الى المصالحة مع هته القيم الانسانية ،سواء كفرد او كمجتمع او كدين وخطاب ديني نفسه، وبما انا المجتمع غالبيته مازالت تستمد معرفتها من الدين (هل هذا حلال ؟ ام حرام ؟) بالتالي تسربت لنا مجموعة من الرواسب التي جعلتنا نعيش مفارقة مع ان نكون وفق مايتطلبه عصرنا او ندخل كهوفنا وكلابنا معنا ،جعلتنا ضد الانسانية والتقدم والتطور . فإذن الخطاب الديني لم يتصالح بعد مع قيمة الحياة ومازال يفضل الموت على الحياة، لم يتصالح ايضا مع المرأة بل ظل يعتبرها فتنة و ينعتها بحطب جهنم بحجة انهم الجنس الاكثر الذي ستمتلئ به جهنم ، كما انه يؤثم الذات الانسانية والجسد ،بحيث يعتبر ان الاذن تزني ..والانف يزني..والرجل تزني..واليد كذلك ، وفي الاخير ظل الخطاب الديني حبيس ثقافته محصور بها غير قابل لثقافات اخرى ، لانه لم يتصالح مع الاقليات الدينية والعرقية والجنسية . وهذا لايمنعنا ان نطرح السؤال : ما الذيي يحققه الدين للإنسان بالضبط؟ فالدين عموما ظاهرة مفيدة، ويشاع ايضا ان الايمان له كثير من الفوائد النفسية والجسدية ايضا، اي ان الدين يعطي معنى للحياة و هدفا، كما يجعل الانسان اكثر تفاؤلا واملا تجاه الغذ،ويعطي الانسان ذلك الشعور الغريزي بأنه قادر على التحكم في الاشياء الخارجة عن سيطرته في هذه الحياة،فالواحد منا لما يدعوا و يصلي الله القادر على كل شيء يقل احساسه بالعجز والحيلة وانعدام المعنى، فيزداد اطمئنانا وثقة وتفاؤلا . ولكي نكون جديين ولو مرة واحدة في حياتنا ، كيف لبشر ان يعيشوا معا علئ الارض وكل منهم يعتقد ان الله يأمره بكره وبغض المختلفين عنه ؟! في اوروبا قتل المسيحيون بعضهم بالملايين في حرب الثلاثين عاما حول خلافات مذهبية وفي دين اساسه التسامح ،وفي السنوات الاخيرة شكل المسلمون نحو 97℅ من ضحايا ارهاب الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تدعي انها تدافع عن الاسلام والمسلمين ،والبوذية تحرم قتل اي كائن حتى الحشرات،لكن هذا لم يمنع رجال الدين في بورما في التورط في جرائم ضد اقلية الروهينجا المسلمة، فالارهابي يفعل فعلته باسم دين حقا،لكن السبب يكون سياسيا في النهاية،اي ان الاراء السياسية هي السبب في لجوئه للعنف وليس الدين نفسه، والمفارقة التي نعيشها اليوم ،هي ان الدين الذي وجد ليضع السلام والتآلف بين البشر ،اصبح يستخدم كمبرر للبغض والكراهية والتحريض. * طالب وباحث في علم الاجتماع