ماهوالتدين ؟ ما علاقته بالمجتمع ؟كيف نفهمه في ظل تغير حركية المجتمع وتغير المفاهيم وتصادم المصالح والمفاسد ؟ وما علاقته بالثابت و المتغير؟ حين نتحدث عن التدين، هل نتحدث عن نوع واحد من التدين؟ أم هناك أنواع متنوعة وأشكال مختلفة يستعملها الشباب للتعبير عن انتماءاتهم و اقتناعاتهم الدينية؟
من البداهات التي يعيها العقل الإنساني ويسلك بموجبها في مناحيه الفكرية،أن الدين والتدين يطابق العقل الإنساني في تاريخه الطويل ،ولم يشذ عن ذلك دين من الأديان أو فرقة من الفرق أو مذهب من المذاهب. نفهم ذلك بالنسبة للمؤمن، فالحقيقة واحدة ووحيدة، لا تقبل أن تتوزع على طرفين ،لذلك يجب أن نعرف مفهوم الدين سواءً عند الغرب أو عند المسلمين. - نأخذ مثالاً واحداً للتعريف عند الغرب وهو تعريف الأب (شاتل) (أن الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق). - أما المسلمون فقد اشتهر عندهم تعريف الدين (بأنه وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل). وهذا الفرق واضح وعظيم بين مفهومي الدين والتدين، من أبرزها ما يلي: : 1 –الدين هديٌ إلهي يتصف بالمثالية والكمال. 2 –: أما التدين فإنه كسب إنساني يتصف بالمحدودية والنسبية، وذلك لأن الإنسان في كسبه الديني يتصارع مع شهوات نفسه بين شد وجذب، فالتدين جهاد للنفس البشرية وكرحاً لها لتصل لدرجة التغلب على هوى النفس 3 – :الدين صالح لكل زمان ومكان، وللدين فقه خاص لا يتحصل به إلا عن طريق القرآن الكريم والسنة الشريفة. فالدين هو مجموعة الأفكار والقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الدينيون، أما التدين فهو مجموعة الطقوس والممارسات والعبادات والشعائر والمظاهر المتعلقة بالدين والتي يتمسك بها المتدينون. والديانات مهما تعددت فان جوهرها واحد، لذلك فأن الدينيون متشابهون، أما المتدينون فهم مختلفون، وذلك لأن الممارسات الدينية مختلفة من دين إلى آخر. وبهذا يتضح أن هناك دين وتدين، وهناك أيضاً دينيون ومتدينون. الدينيون مؤمنون بعقيدة ما هي جوهر تعاليم الدين الذي ينتمون إليه. أما المتدينون فهم ممارسون لطقوس هذا الدين متمسكين بمظاهره. وعلينا أن نعترف أن المتدينون في كل عصرٍ هم أكثر من الدينيين، وذلك لأن ممارسة طقوس وعبادات أي دين هي أسهل بكثير من الإيمان بأفكار ومعتقدات هذا الدين أما الخلل الحاصل في هذا المصطلح إننا صرنا نسمع لفظ التدين وهو الممارسة الشخصية للدين بديلا عن لفظ الدين ذاته أحيانا. البعض من الناس يحصر التدين في جانب العبادات فقط..، والمشكلة تكمن هنا في مفهومهم للعبادة..، أو يحصره في الشكل فقط.. (والذي قد يصل إلى البذاذة المنهية..)، أو في الحماس والغيرة فقط.. فيرى أنه مطالب ومسؤول رئيس عن إصلاح الكون بأسره..، أو يحصر التدين في التحريم والمنع وهذا الذي يولد )التشدد والتكفير)..، أو في حصر التدين بأناس دون آخرين..، فيظن أن المتدين من أخذ بمظاهر الدين فقط. لعل من المناسب القول أنه من واجبنا قبل أن نكون متدينين أن نكوُن دينيين، بمعنى قبل أن نبحث عن الممارسة والعمل نقوم بالبحث عن العقيدة والفكر، فعمل دون عقيدة واضحة هو تخبط وضياع. فقد نجد في الدين الواحد اتجاهات فكرية عديدة فأيها نختار؟ أرى أنه من الضروري أن نختار دائماً ما يسمو بعقولنا وأرواحنا ويوجهنا للمحبة والسلام والخير ونبذ العنف والعصبية والتعصب . إن دراسة أي دين، إسلامي أو مسيحي أو يهودي أو بوذي أو زرادشتي أو هندوسي.. ألخ، هي أحد سبل الإجابة عن الأسئلة الجوهرية التي يسألها كل إنسان والمتعلقة بأصل الوجود وسببه وغايته، وهي: من أوجدني؟ ولماذا أنا موجود؟ وماذا بعد موتي؟. هذه الأسئلة يسألها كل فرد لنفسه، ولعله يقضي فترة طويلة من حياته، وأحياناً كل حياته، وهو يسألها ويحاول أن يجد الإجابة عليها. والكثير من المذاهب الفلسفية والفكرية اهتمت بإيجاد الإجابة عن هذه الأسئلة، فالوجودية والماركسية بحثت في هذه الموضوعات، وقدمت إجابات عنها، آمن بها معتنقوها وجعلوها دينهم الذي يؤمنون به، لأنه لا يمكن لإنسان أن يحيا بدون دين، ولا يمكن له أن يحيا بسعادة دون أن يجيب عن تساؤلات الوجود هذه، وهو إذا لم يجدها في الديانات التقليدية بحث عنها في المذاهب الفلسفية والفكرية. لذلك قيل إن إنساناً بلا دين هو إنسان بلا شرف، ومعنى الشرف هنا هو شرف العقيدة والفكر والهدف في هذه الحياة. إن الدين نزعة فطرية لدى البشرية و الإنسان بطبعه كائن متدين، إذ تؤكد الأبحاث والدراسات الأنثربولوجية أن ظاهرة التدين ظاهرة غريزية، وبمعنى آخر وجود غريزة دينية لدى الإنسان من بين الغرائز أو الدوافع الفطرية التي يولد بها. (كما أثبتت أبحاث التحليل النفسي أن التدين من النزعات الأساسية في الإنسان التي تكمن في اللاواعي، فالدين مصدر استكمال النزعة الفطرية للاعتقاد وإشباع الميول الطبيعية للتدين، والدين يؤدي إلى تحقيق التكامل النفسي لدى الناشئ بالإيمان واليقين في العقيدة. والدين يولِّد التفاؤل والسكينة والطمأنينة، والسلام والأمن النفسي لدى الشباب، والدين مصدر الفضائل والقيم والمبادئ والمُثُل العليا، التي تُغرس في نفس الشاب منذ فجر حياته الأولى وتنمو معه شخصيته. والدين يقوي لدى الفرد الشعور بالمسئولية والالتزام النابع من نفسه، سواء أكان ذلك في حفرة السلطة الخارجية أم أثناء غيابها، لذلك كله كانت نزعة الإنسان للتدين نزعة فطرية وقوية. وبغير الدين والإيمان لا تستقيم للفرد حياته ولا يهنأ باله، ولا تتوفر له أسباب الأمن النفسي، فيشعر بالضياع والتمزق النفسي والاضطراب العصبي والعقلي، ولا يكون قادرًا على أن يعيش حياة سوية هادئة، وكثيرًا ما يؤدي الشك والإلحاد بالمرء إلى الانتحار، وترك الدنيا التي يشعر ببؤسه وعذابه فيها، ولو كان مؤمنًا لكانت نظرته إلى الحياة نظرة التفاؤل والاستبشار فيسعد لسرائها ولذائذها ويغالب مشاكلها ومصاعبها. إن الإيمان هو نبع السعادة الحقيقية والأمن والطمأنينة النفسية) بهذه الأفكار نستطيع أن نكون دينين وليس متدينين فحسب ، فسعادة الإنسان وقوته و إرادته وأهدافه تعتمد على دينه وليس على تدينه . فالدين هو الجوهر أما التدين فهو المظهر . والدين هو اختيار محض ، يعتنقه الإنسان بإرادته واقتناعه، لذلك لا يجوز فيه التقليد والإتباع ، أما التدين فهو مفروض ، لذلك يجوز ، وأحيانا يجب فيه التقليد والإتباع ، والتدين هو مرحلة لاحقة للدين ، فالبداية هي الإيمان والإعتقاد ومن ثم الولاء والطاعة ، وكلاهما الدين والتدين مطلوبا ومهما ، ولكن دين بلا تدين عصيان ، وتدين بلا دين غباء. أخلص بالقول أن التديّن الصحيح هو: التدين الإيجابي - سواء للمجتمع أو للأفراد – الذي كان عليه حبيبنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، فالتدين ليس مجموعةَ قيودٍ وأغلال تقضي على حريّة الإنسان كما يصوّره من لا يفقَه حقيقةَ الإسلام، إنّما هو سموٌّ بالنّفس، وطهارةٌ للقلب، ومكارِم أخلاق، وبناء وعطاء إن الدين مطلب إنساني وفطري ، وهو باعث حضارتنا الأول ، لكن المشكلة التي تعوقه من صور وأنماط اختزلت في (التدين).. طفا على ساحتنا من سلوكات تصور أصحابها أنهم ملكوا زمام الدين.. وهم أبعد ما يكونون عنه. ترى.. هل نحتاج الى فقه جديد (للتدين) يردم الفجوة بين ما جاء به الدين السمح ، وبين ما انتهى اليه (تديننا) من أحوال وأشكال؟.