خبر عاجل : رفعت السجون المغربية لافتات موحدة تحمل بلون اسود قاتم شعار : ( ملآن … ) اذا افترضنا أن الخبر صحيح، فما مآل أفواج المعتقلين المتزايدة يوما بعد يوم ؟ هل سيكفي الرفع من ميزانية بناء السجون وتمويلها لاحتواء تلك الاعداد الهائلة؟ ام ان الامر يقتضي التنبه للصيحات الداعية إلى إعادة النظر بجدية في”سياسة العقاب “وطرقه وظروفه وحيثياته وملابساته والنتائج المتوخاة منه .أوالبحث عن ” عقوبات بديلة، دات نفع عام وخاص “تشكل افتراضا عامل ردع حقيقي وفعال ؟ ام ان الأمر وبكل بساطة يقتضي النظر في شريعة الله بعين المؤمن بفعالية العدالة الإلهية الرادعة. إن من مرتكزات السياسة العقابية ببلادنا ” الردع والإصلاح والادماج ” فهل يرتدع و يكف ويمتنع السجين عن القيام بالفعل المخالف للقانون بعد مغادرة السجن ؟ هل حققت سياسة الإصلاح داخل السجون أهدافها؟ هل يستطيع السجين الاندماج الفعلي في مجتمعه بعد قضاء العقوبة السجنية؟ كم هي إعداد البرامج التي سطرت ومولت وقيمت بعد مجهودات مضنية وميزانية ثقيلة فلم يحقق منها إلا ما نراه على أرض الواقع ؟ جنح وجرائم وأفعال مخالفة للقانون يرتكب أغلبها من طرف ذوي السوابق الدين ارتووا حقدا وغلا داخل السجون ليعودوا بعد انقضاء العقوبة السجنية إلى مجتمع منتج لشروط الجنح والجرائم بكل ضروبها، مكرسا لدواعي الغل والحقد والانتقام. مجتمع مفتقد للعدالة الاجتماعية، تحكمه عقلية الإقصاء والتهميش بكل المقاييس. فلا يجد لنفسه شروط الاندماج الطبيعي وان حصل خلال فترة عقوبته شواهد أودبلومات قد تؤهله لتحقيق الذات ونيل مكانة اجتماعية محترمة كسائر أفراد مجتمعه. اللهم إلا اذا تعلق الأمر ببعض ذوي النفود المادي والاجتماعي أو بعض سجناء الرأي الذين تحتويهم انتماءاتهم الحزبية أو النقابية أو غيرها فتنتشلهم من غياهب الضياع والإقصاء الاجتماعي. فالسجن كمؤسسة عقابية، والتي تكاد تكون النموذج الوحيد في مجتمع، اذا غابت عنه النزاهة و العدالة والانصاف في جميع مراحل التقاضي وحل الظلم باشكاله خاصة ظلم من اوكل اليهم امر “جمرة القضاء” ،تتحول إلى رحم تفرخ الإجرام. فالسجن ليس العقوبة المناسبة ولا العادلة في ظل ما يرزح تحت وطاته المجتمع من ضروب الفساد الأخلاقي والمخدرات والرشوة والتحايل والتزوير والإقصاء والتهميش والتآمر والانتقام… فلا يمكن الحديث عن ردع دون توعية وتعبئة وتثقيف، ولا عن إصلاح دون تربية وتعليم وتأهيل نفسي، ولا عن إدماج دون مصاحبة وتتبع ومواكبة. يفترض انتماءنا لمجتمع إسلامي يستقي قوانينه وشرائعه من الدين الإسلامي الدي عطلت أحكامه ليحل محلها قانون وضعي كسراب الماء بالنسبة للعطشان في يوم الحر، ظاهره رحمة وباطنه عذاب ومعاناة لا تنقضي بانقضاء الأجل المحدد بقانون السماء والأرض، يفترض أن نقف مع الدات وقفة المتأمل في مسار ماضيه وحاضره لاستشراف مستقبله، فإلى أين تمضي بنا و بأجيالنا تلك القوانين؟ أن العقاب سنة كونية مثلها مثل الجزاء، كلاهما مسطران ضمن أحكام القانون الالاهي الذي لا يطاله التبديل ولا التغيير. فالله عز وجل خلق النفس الإنسانية وهو المطلع على خباياها، والعالم بأساليب ردعها واصلاحها وتقويمها، ولم يجعل السجن الوسيلة العقابية الرادعة الوحيدة المناسبة والفعالية في جل الحالات. فحينما وضع الحدود والقصاص اخذ بعين الاعتبار كرامة الإنسان وجوهر ه وتوازنه النفسي والعقلي. فيعاقب بما يناسب الجرم في المدة الزمنية والظرف المناسبين وتستمر حياته حرا دون نقمة ولا حقد ولا انتقام. فالحد لغة، كما في جل التفاسير : الحاجز. و إصطلاحا : تأديب المدنب بما يمنعه وغيره عن الذنب. وهو حق الله على العبد. كقطع يد السارق مالم تجبره الحاجة إلى ذلك، كالجوع. أما القصاص، حسب التفاسير فهو : الأخد. واصطلاحا : معاملة المعتدي بمثل ما اعتدى به، وهو حق الإنسان على الإنسان. كأن يقتل القاتل الظالم بنفس الطريقة والإداة. ان حكما الحد والقصاص حين يطبقان أمام الملأ، سيفكر المعتدي مليا قبل ارتكاب الجرم او الاعتداء. ولن يعود السارق إلى السرقة ادا ضاعت منه أصابع يديه على التوالي .. أويده اليسرى، مادامت يده اليمنى لا تزال تحمل اللقمة إلى فمه. ولن يعود قطعا ادا ضاعت منه اليسرى واليمنى… فبهما ارتكب فعل السرقة. وما دام المقتص منه قد عوقب بمثل ما اعتدى به، فلن يشعر بالذنب ولا بوخز الضمير لأنه لم يؤد سوى ثمن خطإه. فيقتنع بعدم العود. وبذلك يزول الاحساس لدى المعتدى علية بالظلم والحكرة اللدان يولدان الحقد والرغبة في الانتقام. ولا مجال للحديث عن الرحمة وحقوق الإنسان لأن المعتدي الدي لم تأخذه رحمة بالمعتدى عليه لا يستحق أن يرحم، من لا يقبل أن يعتدى على احد أفراد اسرته فلا يجب أن يقبل دلك بالنسبة للغير. ومن سلب حياة إنسان بريئ ولسبب تافه، ألا يستحق أن تسلب حياته وبنفس التفاهة؟ ومن تسبب لشخص في عاهة مستديمة، إلا يستحق أن تستدام عاهته؟ أن كل اعتداء، حسب العلماء، يعتبر اختيارا وليس خطأ. والسجن عقاب لا يرقى الى مستوى الجرم والاعتداء، فالعقاب العدل يوازي الذنب، ولايفوقه أو يقل عنه.فلا مبرر لاحتراف الاجرام الذي يهدد أمننا ويحد من حريتنا جميعا، سوى غياب الردع الالاهي الحقيقي، حيث تكمن الرحمة والحياة التي يقصدها الله بقوله : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) اد لا يفقد الإنسان حريته وكرامته بل يعالج عنفه وعدوانيته وظلمه. و يتحمل عبء التعويض في حالة التسامح والتنازل الطوعي لقوله عز وجل : ( فمن عفي له من أخيه شيئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ). وأخيرا، ألم يحن الوقت لتحويل ميزانيات بناء السجون وتمويلها إلى بناء الإنسان !الى تمويل مشاريع تنميته تربويا واجتماعيا ! إلى محاربة البطالة والفراغ ! الى بناء المستشفيات والمدارس والطرق ودورالشباب والمسنين والأطفال المتخلى عنهم ! الى تأهيل مؤسسات المجتمع المدني ودعمها لاحتضان أفراده وتأطيرهم دينيا وعلميا وتربويا وثقافيا وفنيا ورياضيا ! الى خلق تعليم واعلام هادف إلى زرع القيم الدينية والوطنية من أجل تغيير مجتمع منتج للجنح والجرائم إلى مجتمع منتج للفضيلة والاستقامة ! وللذكرى فقط : السجن يهدر الجهد والمال والوقت … ولا ينتج سوى المزيد من الاجرام