في السعودية كما في إيران تنتصب المقاصل وتشحذ السيوف لقطع الرقاب في أبشع عمليات القتل التي يتم تنفيذها باسم القانون . في الرياض كما في طهران يدعى النظام السياسي بأنه ينفذ شرع الله وستند على كتاب العلي القدير في إصدار الأحكام . والحقيقة أن الإلتجاء أو الإختباء وراء النص الديني ماهو إلا تبرير لتصفية الحساب مع المعارضين . عقوبة الإعدام في السعودية وفي إيران وغيرها وضعت بالاساس لقطع رؤوس المعارضين وإسكات أصواتهم . لكن يتم نسيان بأن طبيعة أنظمة شمولية قمعية هي التي تولد عنفا وإرهابا وتنشر في المجتمع أساليب دموية في معالجة القضايا المجتمعية . قبل أسبوع أقدمت السعودية على تنفيذ أحكام إعدام ضد 47 شخصا من بينهم شخصية شيعية تحمل رتبة آية الله . في إحدى ساحات العاصمة جاء رجل يحمل سيفا وأطاح برؤوس تدحرجت في برك دم . بهمجية فصل الرأس عن الجسد منتشيا بمهمته ناقلا للعالم صورا في غاية البشاعة . وفي طهران كان رد الفعل عنيفا ضد إعدام نمر النمر وكأن بقية المعدومين يستحقون القتل . مناهضة الإعدام قضية مبدأ. قضية حقوق الإنسان . هكذا انتفضت منظمات وهيآت بل وحكومات منددة بماقامت به السعودية التي تعد إلى جانب دول أخرى مثل العراقوإيران والصين وكوريا الشمالية والولاياتالمتحدة التي من أكثر الدول التي تقتل الناس بإسم القانون وتتفنن في طرق تنفيذ الإعدام . في المقال التالي سنتناول 10أسباب توجب إلغاء عقوبة الإعدام في العالمين العربي والإسلامي. فقد أبرز الفقهاء والمفكرون الاسلاميون عددا من الحجج وقدموا قراءات للنص الديني بينوا من خلالها امكانية إلغاء عقوبة الإعدام . مدعمين مواقفهم ب»سوابق» في التاريخ الاسلامي وبقراءة متجددة لمقاصد الشريعة الاسلامية . وكذلك بالنظر للتحولات التي يعرفها العالم الاسلامي في مخاضاته السياسية ومطلب شعوبه وضمن محيطه الدولي . وقدم بعض هؤلاء المفكرين والفقهاء مرافعات أمام منظمات ومؤتمرات يدافعون فيها على أطروحة : « إمكانية إلغاء عقوبة الاعدام . أو على الاقل تجميدها» . ونستعرض عناصر هذه المرافعات التي وردت في كتابات وندوات ومؤلفات ومن أبرزها ما أورده المفكر محمد حبش في دراسة قدمها أمام المنظمة الدولية لإصلاح العدالة الجنائية. والاستاذ الجليل أحمد عبادي رئيس الرابطة المحمدية لعلماء المغرب والأستاذ الأردني حمدي مراد .... خلاصات ما كتب هؤلاء الاساتذة ندرجها فيما يلي : 1 التوجه العام تشريعا وسياسة قبل ربع قرن لم يكن ثلثا دول العالمين العربي والاسلامي قد صادقت على الاتفاقيات الدولية الاساسية لحقوق الانسان . أما اليوم فإن أغلب هذه الدول قد وضعت وثائق التصديق لدى الاممالمتحدة وشرعت في إصدار تقارير دورية تقدمها أمام اللجان المعنية المنبثقة عن هذه الاتفاقيات..وقبل عقد من الزمن كانت وثائق التصديق تتضمن تحفظات على مواد من هذه الاتفاقيات بدعوى أنها تتعارض مع الشريعة الاسلامية . أما اليوم وانطلاقا من اجتهادات عملت العقل وانحازت لكُنه الشريعة الاسلامية ، فان عددا من عواصم العالمين العربي والاسلامي قد شرع في رفع تحفظاته . بل إن بلدا كالمغرب قد أعلن قبل ثلاث سنوات بأن النصوص الاممية الثمانية الاساسية قد أسقط عنها كل تحفظاته ..وهذا التوجه هو في الحقيقة انسجام مع التطور المجتمعي ودعم للاجتهاد الذي يجعل من حقوق الانسان أحد أركان سياسات الدولة في علاقاتها بمواطنيها.. وبقدر ما تتأسس الانظمة الحاكمة على العملية الديمقراطية تتعزز قيم الكرامة والمساواة وعدم التمييز واحترام الحق في الحياة . في العالم الاسلامي المعاصر ألغت عدة دول عقوبة الاعدام من قوانينها الوضعية ..مثل غينيا بيساو (1993) وجيبوتي (1995) والبوسنة (2001) والسنغال (2004) وتركيا (2004) وألبانيا (2007) . وشرعت عدة دول في تقليص هذه العقوبة من قوانينها الجنائية مثل الاردن الذي ألغى أكثر من عشر مواد تقضي بالاعدام من ترسانته التشريعية..وجمدت دول تنفيذ هذه العقوبة وهي تونس منذ 1991 والمغرب والجزائر منذ 1993 والاردن منذ 2006 وموريتانيا ومالي . بل إن بلدا مثل المغرب ضمن دستوره الجديد الذي تمت المصادقة عليه في يوليوز 2011 فصلا ينص على أن « الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق « وعندما طرحت الجمعية العمومية للامم المتحدة في دجنبر 2012 و2014قرارها الذي يدعو دول العالم الى تجميد عقوبة الاعدام صوتت لصالحه كل من الجزائروتونس وجيبوتي وامتنعت عن التصويت دون أن تعارضه كل من المغرب وموريتانيا والاردن .. إن هذه الخريطة التشخيصية تؤكد انه بإمكان الدول العربية والاسلامية إلغاء عقوبة الاعدام من قوانينها الوضعية . 2 الغلوفي العقوبة تغالي بعض الدول الاسلامية لدى سنها لقوانينها الجنائية أو تعديلها في توسيع دائرة الافعال التي تعد حسب مصالح سلطاتها جرائم يعاقب عليها بالاعدام . وأصبحت هذه التشريعات مثقلة ب»المشانق والمقاصل» تستخدمها الأنظمة في تصفية حساباتها السياسية وإزهاق أرواح المعارضين الذين يعبرون عن رأي سياسي مخالف. وهذه التشريعات هي في مبناها ومرجعياتها مستمدة من قوانين وضعية غالب الامر من قوانين غربية خاصة النظام القانوني اللاتيني وبالاخص المجموعات القانونية الفرنسية . وهي قوانين معتمدة عموما في العديد من دول العالم.في الولاياتالمتحدةالامريكية والصين وكوبا وكوريا... لكن روحها العقابية في أغلب الدول الأسلامية تتميز بجرعة كبيرة من الاعدام .إذ هي قوانين لاعلاقة لها بالإسلام تشريعا والتزاما ، ولاترى في مبدإ العقوبة إلا وجها دنيويا بحثا..ففي القانون اليمني 81 جريمة يعاقب عليها بالاعدام.. وفي القانون السوري 46 جريمة ..وفي القوانين المصرية 105..ونص القانون الجنائي المغربي على عقوبة الاعدام في 283 ..وفي القانون الأردنى 25 حالة يعاقب عليها بالإعدام، يتضمنها قانون العقوبات ، وقانون العقوبات العسكرى، وقانون حماية أسرار وثائق الدولة ..بل إن دولا عربية اعتمدت قوانين طوارئ أطلقت يد الدولة في إنزال ماتشاء من العقوبات في حق مواطنيها .والعديد من هذه العقوبات إعدام للحفاظ على النظام السياسي .. وحتى الدول العربية التي تدعي أنها تطبق الشريعة الاسلامية فإنها جعلت من أحكام الاعدام أحد مرتكزات قوانينها الجنائية التي تشمل عقوبات هي في الحقيقة الهدف منها حماية استمرار الانظمة لاإقرار العدل والانصاف.. بل أنشأت في أنظمتها القضائية محاكم استثنائية مؤقتة أو دائمة ..ومحاكم عسكرية تتميز أحكامها بالغلو في إصدار أحكام الاعدام.. واتضح من الاحكام التي صدرت أن أغلبها ذات خلفيات سياسية ..ففي العراق مثلا تم تنفيذ أكثر من 120 حكم بالاعدام سنة 2012.و86 سنة 2011 وفقا لأرقام صادرة عن وزارة العدل العراقية..وفي سنة 2011 نفذت إيران مالايقل عن 360 حكما..و في باكستان 8310 شخصا محكوما بهذه العقوبة.ومنذ 2007 نفذت السلطات السعودية أكثر من 360 حكما من بينهم حوالي 160 من الرعايا الاجانب.وتنتظر 25 خادمة أندونيسية هذه العقوبة في السجون السعودية..وحسب منظمة العفو الدولية هناك معدل 75 حكم بالاعدام سنويا في مصر بين 1991 و 2000 ونفذ خلال نفس العقد 213 حكما ..ومنذ 1993 السنة التي تم فيها تجميد عقوبة الاعدام بالجزائر، أصدرت محاكم هذا البلد المغاربي حوالي 2000 حكم ..ويوجد في حي الاعدام بالمغرب أكثر من 100 سجين صدرت ضدهم هذه العقوبة..ولم ينج الاطفال من هذه العقوبة .. فقد ذكر تقرير يمني أصدره تحالف منظمات مهتمة بالطفولة أن هناك أزيد من 200 طفل يواجهون عقوبة الاعدام.وأن القضاء أصدر أحكامه بإعدام 26 منهم . إن قوانين الدول العربية والاسلامية قوانين وضعية .. وقد ذهب المشرع فيها الى اعتماد عقوبة الاعدام ليس استنادا إلى نص ديني بل إلى «استيراد» فصول من قوانين غربية عرفتها دول عديدة في مراحل تاريخية ..كم أن هذه القوانين وضعت لترهيب المعارضة السياسية والسعي الى ايقاف عملها حتى لاتطيح بالنظام القائم. ونذكر هنا عمليات الاعدام التي تم تنفيذها خلال الخمسين سنة الماضية والتي استهدفت قيادات وزعماء أحزاب وتيارات وعسكريين وفقهاء في العالمين العربي والاسلامي.. وفي هذا السياق يقول الطيب البكوش الرئيس السابق للمعهد العربي لحقوق الانسان « إن عقوبة الاعدام في الواقع ليس لها علاقة بجرائم الحق العام وحدها، وإنما لها في كثير من الاحيان علاقة بالسياسة التي تضفي عليها مسحة لاإنسانية أبشع وأشنع . فكثيرا مااستصدرت أحكام بالاعدام من طرف محاكم عسكرية أو بصفة عامة استثنائية ، لتصفية حسابات سياسية سواء نفذ الحكم أو لم ينفذ، فاستحال الإعدام حينئد أدات قمع وقهر». ويتضح من هذا أن مشرع عقوبة الإعدام يمكنه أن يلغيها. 3القصاص والاعدام : تعارض المعنى واختلاف الدلالة بين «القصاص»و «الاعدام» بون شاسع في المعنى واختلاف حد التناقض في الدلالة. مسار كل منهما مثل خطين متوازيين لايلتقيان.ولكل منهما عمق تاريخي تختلف حمولته الدينية والقانونية عن الاخر. ولتبيان ذلك نشير أولا إلى العقوبة في الشريعة . اسسها ومجالاتها : القصاص في الشرع:عقوبة مقدرة تجُب حقاً للفرد.على عكس الحدود التي تجُب حقاً لله تعالى..ومعنى «أنه حق للأفراد» أن للمجني عليه أو ولي الدم العفو إذا شاءوا، فبالعفو تسقط هذه العقوبة كما سنرى لاحقا. وردت كلمة القصاص مرتين في القرآن الكريم في آيتين متتاليتن» يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم «(178 سورة البقرة) « والآية» وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «(الآية 179 سورة البقرة)..بينما لم يذكر القرآن الكريم كلمة الإعدام .إذن مصطلح الإعدام ليس مصطلحاً إسلامياً ولا قرآنياً، والعديد من الفقهاء يعتبرونه اصطلاحا فاسدا اعتقاداً .. وبين القصاص والاعدام فرق شاسع .. فالقصاص معناه العدالة والمقاصة، أي المساواة والمكافأة . يقال: اقتص أثره أي سلك سبيلاً في المشي يكافئ ما كان قد سلكه من قبله السالك، وفي القرآن الكريم: فارتدا على آثارهما قصصا أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر.. معناه تحقيق العدالة والمماثلة بين الجرم والجزاء، وهو قد يكون بالقتل وقد يكون بغيره من العقوبات أو الغرامات أو المصالحات.. أما الإعدام فمعناه القتل الذي هو إلغاء الحياة، ووسائله معروفة من قتل أو خنق أو صعق أو حرق أو شنق، أو غير ذلك..ثم ان عقوبة الإعدام هي «إحالة وجود موجود إلى العدم أي إبطال وجوده بإزهاق روحه عن طريق وسائل مختلفة باختلاف القوانين والأعراف. وهي العقوبة القصوى في حقّ الجاني الذي يرتكب جرما يستوجب هذه العقوبة وفق القانون المتّبع في دولة من الدّول وهي عبارة عن استئصال الجاني من المجتمع على نحو قطعيّ ونهائيّ». الإعدام والإيجاد شأن الله وحده عز وجل .و لا يصح في الاعتقاد القول بأن الخلق أو الإعدام شأن البشر..لأن هناك اختلافا في الدلالة بين القصاص والاعدام .فعقوبة الإعدام تنضوي ضمن عقوبات الحقّ العام التي تنص عليها القوانين الجنائية (قوانين العقوبات) والتي تنوب فيها الدّولة عن الضّحايا والمتضرّرين فرادى أو جماعات ؛ ذاتيين أو معنويين ، في القيام بالحقّ من مرحلة الدّعوى العموميّة إلى التّنفيذ .. والقصاص في الشريعة هو عقوبة على جريمة . وهو حق شخصيّ لا تنوب فيه أيّ جهة عن أصحاب الحقّ المسمّين أولياء الدّم ولهم وحدهم حقّ إيقاع العقوبة وحقّ إسقاطها بمقتضي العفو أو الديّة وهي على سبيل العوض أو التّرضية . قبل مجيئ الاسلام كان القصاص ، مصطلحا وتطبيقا ، موجودا في اللغة وفي الاديان السماوية والشرائع التي وضعتها الحضارات قبل أن ينزل الوحي على خير المرسلين محمد صلى لله عليه وسلم.فالفقهاء والمفسرون يعتقدون أن أكثر من تسعين بالمائة من الاحكام الاسلامية ، هي أحكام تأييد (امضائية) ، أي أنها كانت شائعة قبل الاسلام، فأبقاها الاسلام وأمضى عليها ، وتبقى هناك نسبة قليلة من الاحكام الاسلامية هي «أحكام تأسيسية» وإنشائية وضعت من قبل الشارع الاسلامي في الدين الجديد. وتكمن في هذه القضية نقطة هامة ، تبين لنا أن الدين الالهي يمكن أن يوافق على القوانين والأعراف التي وضعها وأسسها الانسان.. وحتى لانطيل في سرد قوانين حضارات عرفتها مرحلة ماقبل الاسلام(بابل والاشورية والسومرية...)، نشير إلى شريعة حمورابي التي تعد تجميعا منقحا لمواد الشرائع التي سبقتها . اذ ان حمورابي قد حذف من مواد الشرائع السابقة ما كان لايتفق وطبيعة العصر الذي يعيش فيه واضاف الى شريعته مواد اقتضتها مصلحة الدولة آنذاك ولا سيما المواد القانونية الصارمة الخاصة بعقوبة الموت ومبدأ القصاص بالمثل،( نشير الى أن التشريع السومري كان يتجنب مبدأ القصاص بالمثل ويرجح التعويض والغرامات المادية . في الديانات السماوية ورد القصاص.ورد في الديانة اليهودية في سفر العدد الإصحاح 35 مايلي:»إن ضربه بأداة حديد فمات فهو قاتل. إن القاتل يقتل. وإن ضربه بحجر يد مما يقتل به فمات فهو قاتل.. إن القاتل يقتل أو ضربه بأداة يد من خشب مما يقتل به فهو قاتل.. إن القاتل يقتل.. ولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه يقتله وإن دفعه ببغض أو ألقى عليه شيئاً بتعمد فمات أو ضربه بيده بعداوة فمات فإنه يقتل الضارب لأنه قاتل.. ولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه ولكن إن دفعه بغتة بلا عداوة أو ألقى عليه أداة ما بلا تعمد أو حجراً ما مما يقتل به بلا رؤية أسقطه عليه فمات وهو ليس عدواً له ولا طالباً أذيته... « 4 ) - ...الشبهات ، والخطأ في العفو أولت الشريعة الاسلامية اهتماما كبيرا بمسائل الاثبات ، ووضعت شروطا وقواعد لإقرار التهمة مستندة على قاعدة :» الاصل براءة الذمة» . وتطبيقا لها يتفرع عنها قاعدتان تعدان الركن وحجر الاساس في هذه الشريعة وهما : - درء الحدود بالشبهات. - الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة. وهاتان القاعدتان أملاهما الحرص على تحقيق العَدالَة والخوف من الشطط في تطبيق النُّصُوص الجزائية الذي قد يؤدي إلى إلصاق تهمة هو برئ منها، كما تساعدان على إيجاد جو من الأمن والطمأنينة في نفس كل إنسان من أن تلصق به تهمة أو فعل لا يدَ له فيه. « ولا شكّ أن إقامة الحدّ بالتهم إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلاً وشرعاً، فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشَّارِع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، لأن مجرد الحدس والتهمة مظنة للخطأ والغلط وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف» . أ) - درء الحدود بالشبهات: أصل هذه القاعدة ما ورد في السنّة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم :« ادرؤوا الحدود بالشبهات ». وقد عرّف الفقهاء الشبهة بقولهم: « هي ما يشبه الثابت وليس بثابت » أو « هي وجود المبيح صورة مع انعدام حكمه أو حقيقته » «و معناها إنشاء خلل في التأكد المطلق من المسألة، فإذا دخلت الشبهة توجّب إيقاف العقوبة المحددة تجاه هذا الموضوع أو هذه الجناية والنزول إلى عقوبات أدنى وهذه يقدرها القضاء العادل عادةً»..« وهذا الحديث وإن كان موقوفاً، فله حكم المرفوع ولأن الحدّ عقوبة كاملة، فتستدعي جناية كاملة ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية ». وعن أبي هريرة قَالَ : قَالَ رسول الله : «ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً ». وعن عائشة ري الله عنها قَالَت : قَالَ رسول الله : « ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً، فخلوا سبيله » . إن درء الحدود بالشبهات يؤكد أن الأصل هو براءة المتهم وأن إدانته تحتاج إلى إثبات قوي لأنها خلاف الأصل، ولذلك تنهار التهمة لأدنى شبهة « ولذلك قرر الأصوليون قاعدة « البراءة الأصلية » إعمالاً لاستصحاب الحال، فالأصل بقاء ما كان حتى يثبت ما يغيره والأصل ما يغيره والأصل في الإنسان البراءة ومهما قيل في تأصيل « الاستصحاب» وما إذا كان مصدراً شرعياً أو مجرد حجة وأنه حجة دفع لا حجة إثبات كما قرر الأحناف لأنه حجة بقاء ما كان على ما كان ودفع ما يخالفه حتى يقوم دليل على المخالفة وأن الحجة في الحقيقة هي ما ثبت بها الحكم السابق لأن الاستصحاب هو استبقاء دلالة هذه الحجة على الحكم المستند إليهافإن البراءة الأصلية تبقى قاعدة لها أهميتها سواء استندت إلى مصدر شرعي أو كانت مجرد حجة وسواء أكانت الحجة حجة إثبات أو لمجرد الدفع ». يقول عالم الدين حمدي مراد : «الإسلام دائماً يسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل ما استطاع، وذلك من خلال الشروط المشددة التي تمنع أي عقوبة مهما دنت، تحقيقاً للعدالة الإلهية النسبية في الدنيا والمطلقة في الآخرة، ولأنها نسبية في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد أكد على درء الحدود بالشبهات، وهذا ما قال به الرسول عليه الصلاة والسلام (ادرأوا الحدود بالشبهات)، والشبهة تعني أن أي جناية ينزل مستوى التأكد منها عن المئة بالمئة إذا جاز التعبير، فيجب أن يسعى لدرئها، هذا هو المقصود الشرعي الذي للأسف قد لا يفهم أحياناً حتى عند بعض المشرعين الإسلاميين، الذين يوسعون دائرة ضبط الأحكام الشرعية في مثل هذه المسائل. ب)- الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة: ومن القواعد المقررة في الشَّرِيعَة الإسْلاميَّة أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، وأصل هذه القاعدة قول الرسول قوله صلى الله عليه وسلم : « ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة ». ومعناها : « أنه لا يصح الحكم بالعقوبة إلا بعد التثبت من أنّ الجاني ارتكب الجريمة، وأنّ النّص المحرم منطبق على الجريمة، فإذا كان ثمّة شكّ في أنّ الجاني ارتكب الجريمة أو في انطباق النّص المحرم على الفعل المنسوب للجاني وجب العفو عن الجاني، أي: الحكم ببراءته لأن براءة المجرم في حال الشكّ خير للجماعة وأدعى إلى تحقيق العَدالَة من عقاب البريء مع الشكّ ». وإذ نورد هذين الركنين فلتبيان أن الشريعة الاسلامية اتجهت بكل وضوح الى اعتماد مبادئ وقواعد بقدر ماتتوخى العدل والانصاف بقدر ما تمنح خيارات تتراوح مابين العفو والعقوبة المخففة وتمتع المتهم بكل ضمانات المحاكمة العادلة إلى درجة أن شبهة بسيطة تسقط العقوبة الاصلية وتتجه إلى العقوبات البديلة . ونجد أن من حكمة الآيتين الكريمتين ماأورده عز وجل من تخيير في الايتين : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» و» إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..وفي الايتين أعلاه هناك تذكير بصفة من صفات الله . في الاية الاولى «ذلك تخفيف من ربكم ورحمة « وفي الثانية أن «الله غفور رحيم» . وهو تأكيد أن الدين الاسلامي الحنيف هو دين الرحمة ، الرحمة بالانسان حتى في العقوبات. 5 الدية .. التوبة ومن وسائل الشريعة لمناهضة عقوبة الإعدام تشريع الدية، واعتبارها حقاً ثابتاً لأولياء الدم تشجيعاً لهم على العفو والمرحمة، وتجاوز ما كان. والأصل في تشريع الدية قوله تعالى: » وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عظيما.. وكما هو واضح في الآية فإن الأمر بأداء الديات هو حق شخصي، ويجب أداؤه على الجاني ولو كان الضحية من قوم عدو لكم، كما عبرت الآية الكريمة..ولاشك أن تشريع الدية فيه حافز قوي ليمضي أولياء المقتول في العفو، خاصة أن هذه الدية لم تعد هنا مجرد عفو أو صدقة بل صارت حقاً تنزل به القرآن، وحثت عليه نصوص الوحي، وألزمت المحاكم بتحصيله بصفة الدين الممتاز المقدم على ما سواه من الديون.. عرف ابن عابدين (الحنفي) الدية بأنها «اسم المال الذي هو بدل النفس، أما المال الواجب فيما دون النفس من الأعضاء فيسمي «الأرش» وعرفها الإمام النووي بأنها» المال الواجب بجناية علي الحر في نفس أو في ما دونها، وأصلها «ودية» بوزن فعلة ومشتقة من الودي وهو دفع الدية. وقال عنها فقهاء الحنابلة بأنها «المال المؤدي إلي مجني عليه أو وليه بسبب جناية». ولم يعرف فقهاء المذهب المالكي الدية كباقي المذاهب الأخري بل يطلقون عليها اسم (العقل) دون تعريف محدد لها وقد سمي بدل النفس عقلا إذ كان يؤتي بالإبل كدية ويتوجه بها إلي فناء أولياء المقتول فيجدها أولياء المقتول، صباحاً معقولة بفنائهم ولذلك سميت عقلا. أما تعريف الدية لدي الفقهاء المعاصرين، فقد عرفها الامام محمد عبده بأنها «ما يعطي إلي ورثة المقتول عوضا عن دمه أو عن حقهم فيه»..وعرفهاالشيخ محمد أبوزهرة بأنها «القصاص في المعني دون الصورة». والدية فرضتها الشريعة ديناً حالاً على القاتل العمد إذا عفا أولياء الدم، ومعنى أنه دين حال أي لازم الأداء على الفور ولا يصح تأخيره، وهي واجبة في مال القاتل فإن كان له مال حجز عليه حتى يؤدى حق أولياء المقتول، وإن لم يكن له مال فإنه يعان من الزكاة، ويتوجب هنا دفع الديات من مال الزكاة )مصرف الغارمين (.. ورد الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي لله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة». فدلت الآية والحديث على قبول توبة من قتل نفساً بغير حق، وعليه مع التوبة كفارة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. ودليل وجوب الكفارة في قتل العمد هو: ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن واثلة بن الأسقع رضي لله عنه قال: أتينا رسول لله صلى لله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب (استحق دخول النار لقتله عمداً) فقال: أعتقوا عنه، يعتق لله بكل عضو منه عضواً منه من النار«. قال الامام الشافعي : «إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب في العمد أولى»، وتجب الدية في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء القتيل، وفي حالة موت الأولياء، أو عدم معرفتهم... تؤدى الدية لبيت مال المسلمين، فعن المقدام بن معد يكرب رضي لله عنه أن رسول لله صلى لله عليه وسلم قال: «أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه» رواه ابن ماجه، وحسنه أبو زرعة كما في التلخيص الجبير. في القتل العمد يجوز أخذ الدية من القاتل عمدا مقابل ترك المطالبة بالقصاص لقول لله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْه ابِإِحْسَانٍ .. قال ابن عباس: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فأنزل الله هذه الآية.فالعفو أن تقبل في العمد الدية فاتباع بالمعروف يتبع الطالب بالمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كتب على من قبلكم. أخرجه البخاري. وفي الصحيحين: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدى وإما أن يقاد. وهذه نصوص صريحة تدل على التخيير بين القصاص والعفو على أخذ الدية وإذا لم يثبت القتل القصد والعمد فإن الشريعة شرعت الدية رعاية لأولياء الدم ، وتشجيعاً لهم لإسقاط حقهم في طلب القصاص. وتختلف دية القتل الخطأ عن دية القتل العمد بأنها مخففة من ثلاثة وجوه: الأول: أن دية قتل العمد واجبة حالة بدون أي إبطاء أو تأخير أما دية القتل الخطأ فهي مقسطة إلى ثلاث سنين الثاني: إن دية القتل العمد واجبة في مال الجاني أما دية قتل الخطأ فهي واجبة في مال عاقلته، أي القبيلة أو الأسرة الكبيرة التي ينتمي إليها . الثالث: أن الدية في القتل العمد مقررة في الشرع بالنوق البالغات فيما تقبل الدية في القتل الخطأ بالنوق الصغار ، وهو ما يعني نصف القيمة. 6 الشفاعة الحدود لا ينفع فيها شفاعة أحد إذا رفعت إلى القضاء..أما القصاص قي القتل العمد فإن الشفاعة فيه مقبولة.. عن أبي موسى قول النبي صلى لله عليه وسلم-: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه صلى لله عليه وسلم ما شاء» رواه الشيخان، وعلى ذلك فإن الشفاعة عند أهل المقتول من مقاصد الشرع الحنيف، ومن أعظم القرب عند لله إذ يقع به عتق رقبة مؤمن من القتل، وصون لنفسه من التلف، وعون لأهل المقتول باحتساب الأجر والثواب عند الله بالعفو، وهذا عين تحقيق قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى» ثبت في الحديث الصحيح أن رسول لله صلى لله عليه وسلم تأخر عن الصلاة مع الجماعة من أجل أن يصلح بين حيين من بني عوف . في القصاص يشرع العفو عنه والشفاعة فيه، سواء كان في النفس أو فيما دونها، وهذا بخلاف الحدود فلا يقبل فيها العفو ولا تصحُّ فيها الشفاعة بعد بلوغها الحاكم إلا في حد القذف عند غير الحنفية الشفاعة عند ولي الدم بطلب العفو أو قبول الدية بدلا من القصاص جائزة؛ لقوله تعالى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ 7 ) - الدولة والعدالة.. اﻹعدام ليس حقا للدولة عقوبة اﻹعدام عقوبة غير شرعية. فالمجتمع شأنه شأن الدولة ، لم يهب الفرد الحياة، إن الحياة والوجود هبة من الخالق. ومن ثم فﻼ يجوز للدولة أن تلجأ إليها. إن أساس حق الدولة في العقاب وفي تشريعه وتنفيذه هو العقد اﻻجتماعي، وإنه من غير الممكن أن يكون الفرد قد تنازل في هذا العقد عن حقه في الحياة فهو ﻻ يملك هذا الحق أصﻼ. وكيف للدولة أن تجرم القتل، وعليها أن تحترم قبل غيرها هذا اﻻلتزام فﻼ تخرقه بتنفيذها لعقوبة اﻹعدام. إن عقوبة الإعدام هي الاسم الحكومي لكلمة القتل الذي وظفته لتصفية حساباتها مع معارضيها اولا الذين يخالفونها الراي أو يطالبونها بحكم رشيد وبإقرار حقوق الانسان والديمقراطية . بل إن عقوبة الاعدام أصبحت وطيلة الخمسة عقود الاخيرة أداة في يد الحاكم ينفذها من أجل بقاء نظامه قيد الحياة. ينفذها استنادا على تشريعات وضعها أو خارج هذه التشريعات وهومايسمى «الاعدام خارج القانون».وبإجراء إحصائيات في العديد من دول العالمين العربي والاسلامي يتضح أن حايا عقوبة الاعدام حصدت من المعارضين أضعاف أضعاف ما استهدفت من المتابعين من الحق العام. 8 ) - اﻹعدام عقوبة ﻻ يمكن تداركها عقوبة اﻹعدام عقوبة يستحيل تداركها أو حتى إصﻼح آثارها . فقد تظهر براءة شخص تم إعدامه فكيف إذن سيتم جبر هذا الضرر الفظيع المقترف ؟ إن العدالة الانسانية نسبية وليست كاملة تامة . ولله عز وجل قال في كتابه العزيز: « وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ» وروى أبو داود الطيالسي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها ذكر عندها القضاة فقالت :» سمعت رسول لله صلى لله عليه وسلم يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط». إن الأحكام القضائية صادرة عن بشر هم عرضة لإرتكاب الخطإ أو التعسف في السلطة التقديرية أوالتأثر بالمناخ العام أو الإنخداع بشهادة زورأو وجود أدلة ملفقةأو ماشابه . إن»إقرار العقوبة القصوى هو نتاج عدالة بشرية هي بالضّرورة نسبية مثل كلّ جهد بشري ولا يمكن فيها القطع بقصد العمد و إضماره الذين يعبّران عن امتلاء عقل الجاني و قلبه و كلّ جوارحه في غير حالات الانفعال بإرادة استئصال إنسان من الوجود و تكون هذه العقوبة القصوى عادلة حقّا إذا ثبت بالقطع أنّ لدى الجاني حرية الاختيار المطلقة و القصد الذي لا تشوبه شائبة في القيام بالفعل أو تركه.. 9 عقوبة اﻹعدام ﻻ تحقق الردع العام إن الدول التي ألغيت فيها عقوبة اﻹعدام لم تزد فيها نسبة الجرائم التي كانت مقررة لها هذه العقوبة. كما أن الدول التي تبقي على عقوبة اﻹعدام لم تقل فيها نسبة الجرائم المقررة لها هذه العقوبة. وإنما العكس هوالصحيح. وهناك إحصائيات كثيرة تمت في ظروف متعددة تشير إلى أن تشديد العقاب، بوجه عام، لم يؤد، بالضرورة، إلى تخفيف حدة الجريمة، كما أن تخفيفه لم يؤد، بالضرورة، إلى زيادتها، لكن ازدياد نسبة الإجرام أو نقصها أمر يمكن أن يرجع إلى جملة عوامل وظروف شخصية واجتماعية، لعل من أقلها شأناً تأثير العقاب في النفوس مقداراً أو نوعاً ولو وصلت إلى حد الإعدام. ولعل هذا الاعتبار كان – بالإضافة إلى العوامل الإنسانية والحضارية والعلمية المتنوعة- من أقوى الاعتبارات التي أدت إلى إلغاء عقوبة الإعدام في دول كثيرة متزايدة خصوصاً منذ منتصف القرن الماضي . 10 الاعدام ..عقوبة لاتحظى باجماع علماء الدين لا تحظى عقوبة الاعدام اليوم بإجماع علماء الدين الاسلامي . إن العديد من الكتابات والندوات والمحاضرات انكبت عى تبيان وابراز تناقض هذه العقوبة مع القصاص من جهة , ومن جهة ثانية التأكيد على أن القرآن الكريم المرجع الاساسي والاول والحاسم ، لم ينص سوى على عقوبة واحدة يعمل فيها القصاص وهي القتل العمد . فالاية واضحة كل اوضوح : « ولا تقتلوا النفس التي حرم لله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا». . في الوقت الذي ذهبت فيه التشريعات التي تتباناها هذه الدولة أو تلك إلى تفريخ عدد من الحالات التي تكون العقوبة فيها هي الاعدام . وعلى مر التاريخ الاسلامي كما هو الشأن اليوم ، قرأ عدد من الفقهاء وعلماء الدين الاسلامي النصوص قراءة ابرزوا فيها كم هو رحيم الاسلام ومنحاز إلى العفو وإصلاح ذات البين واعتبار أن الحسنة تمحو السيئات . فالايات القرآنية المتعلقة بالعقاب عددت الخيارات ومالت الى التخفيف . واحاديث الرسول صلى لله عليه وسلم ، الاحاديث الصحيحة، ذات حمولة من التسامح ووالمصالحة مايؤكد ان النبي محمد لم يكن فظا غليظ القلب . نشير هنا إلى قصة ابن أبي سلول الرجل الذي آذى رسول لله في عرضه يوم حادثة الإفك ؛ ومع ذلك زاره لما مرض ، وصلى عليه لما مات ، ونزل على قبره ، وألبسه قميصه . ولما جاء رجل ورفع السيف على النبي وقال : من يمنعك مني بامحمد ؟ قال : لله . ثم سقط السيف من يده ، ثم أخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : من يمنعك مني ؟ ثم أخذه غلى أصحابه وأخبرهم الخب ، فتعهد للنبي أن لا يحاربه، ولا يكون مع قوم يحاربونه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول لله صلى لله عليه وسلم قال :» ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»( متفق عليه). وفي كل القضايا التي تستهدف الانسان وتجعله في قفص الاتهام حددت الشريعة الاسلامية عددا من الشروط لصالح «المتهم» . ففي القتل العمد مثلا هناك عصمة المقتول . وأن يكون القاتل بالغاً عاقلاً متعمداً، فلا قصاص على صغير، ومجنون، ومخطئ. وأن يكون المقتول مكافئاً للقاتل حال الجناية .و أن لا يكون المقتول ولداً للقاتل ... وفي الزنا هناك البينة والتي تتلخص في الزامية شهادة أربعة رجال، ذكور، عدول، أحرار، مسلمين، على الزنا بأن يقولوا: رأيناه وطئها في فرجها، كالميل في المُكحُلة، على حد تعبير الفقهاء.