ازدادت بحدة ردود فعل أحزاب سياسية مغربية و منظمات حقوقية مغربية حول رفض الحكومة المغربية المصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام في التشريع الجنائي المغربي. و في الآونة الأخيرة انضمت إليها مجموعة برلمانية مغربية تنادي بدورها بإلغاء العقوبة في نفس القانون ,كما أن مسألة الإعدام قد استأثرت نقاشا عميقا و متباينا في صفوف القضاة و المحامين و رجالات القانون , لكن الغريب في الأمر أن الحكومة المغربية التي يرأسها حزب العدالة و التنمية الذي يعتمد في نهجه على المرجعية الدينية لم يقدم أي تبرير لموقفه في إطار مرجعيته خاصة أحكام الشريعة الإسلامية و أهل السنة و الجماعة التي تنتمي إليها الحركة الوهابية الذي يتبناها الحزب , للحيلولة دون المصادقة على الاتفاقية المذكورة وهذا يعد خروجا عن مرجعيتها المذهبية رغم المؤاخذات التي تلقتها من طرف منظمات دولية في شأن موقفها . أما بالنسبة لمجموعة القانون الجنائي المغربي تتضمن عدة نصوص قانونية تقضي بالإعدام بسبب ارتكاب جرائم معينة كالقتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و التسميم و قتل الأصول و الإحراق و المؤامرة ضد شخص الملك و المس بأمن الدولة الداخلي و الإرهاب الناتج عنه القتل و غيرها و يتعلق الأمر بالمقتضيات المنصوص عليها في الفصول الآتية : 163 165 167 181 182 186 190 396 398 399 الخ . و يبدو أن عقوبة الإعدام وردت في المجموعة الجنائية باعتباره قانونا وضعيا في حين أن الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية لم تشر إطلاقا إلى إعدام الإنسان بسبب ارتكابه الأفعال الجرمية المنصوص عليها في الحالات المشار إليها ، كما أن هذه الأفعال لم يشر إليها لا في القرآن و لا في الحديث كالمؤامرة و المس بأمن الدولة و الإرهاب أما الجزاء المشار إليه في القران هو القصاص و جاء اتفاق علماء البيان خاصة ما جاء في سورة البقرة((و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )) بالغة أعلى درجات البلاغة , و نقل عن العرب قولهم القتل أنفى للقتل , و لكن لورود الحكمة في القران فضل من ناحية حسن البيان و هو إعجاز حيث يظهر الفرق بين كلام الخالق و كلام المخلوق و هنا يجب التمييز بين القصاص و الإعدام أما الحكمة القرآنية فقد جعلت سبب الحياة القصاص و هو القتل عقوبة على وجه التماثل و المثل العربي جعل سبب الحياة القتل , و من القتل ما يكون ظلما يكون سببا للقتال و تصحيح القصاص سببا للحياة و المثل جعل القتل سببا لنفي القتل و هو لا يستلزم الحياة و في هذا الصدد فقد عد العلماء عشرين وجها من وجوه التفريق بين الآية القرآنية و اللفظة العربية , و جاء في تفسير الصابوني أن ذكر الأخوة في الآية تعطف داع إلى العفو فقد سمى الله القاتل أخا لولي المقتول لقوله ((فمن عفي له من أخيه شيء)) و يعني الطباق بين إتباع بمعروف و أداء بإحسان و بين الحر و العبيد. ذلك أن بني إسرائيل فقد كان فيهم القصاص أي القتل و لم يكن بينهم الدية و كان في النصارى الدية و لم يكن فيهم القصاص, لكن الله سبحانه أكرم الأمة المحمدية و خيرها بين القصاص و الدية و العفو و هذا من يسر الشريعة التي جاء بها سيد الأنبياء محمد (ص). أما بخصوص سبب نزول الآية(( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص الحر بالحر و الأنثى بالأنثى ....فمن اعتدى عليكم بعد ذلك فله عذاب أليم )) اية178 فقد أشار إليها جلال الدين السيوطي في كتابه أسباب النزول إلى إن سبب نزول الآية هو ما جاء به ابن أبي حاتم عن سعيد ابن خبير قال : ((إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد والمال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم فنزلت فيهم الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى)) أما الشيخ الألباني فقد أشار في كتابه الكبائر أن القتل قد جاء في الدرجة الثانية للكبائر بعد الشرك بالله , كان اتجاهه في هذا الإطار هو ما جاء في الآيات التي ستأتي بتحريم قتل النفس تحريما مطلقا, و اكتفى بدوره بالجزاء الذي سيلقاه القاتل عمدا و بغير حق أو فساد و يتعلق الأمر بالعذاب الشديد يوم الحساب في الدار الآخرة كما أشار إلى الصنف الذي يعفي من هذا العقاب الأخروي كمن قتل مرتدا أو باغيا أو كافرا أو شخصا محصنا و الدفاع عن النفس و المال و هو ما أشار إليه الفصلين 124 و 125 من القانون الجنائي خاصة في الحالات الممتازة , و هو ما يسمى بالدفاع الشرعي أشارت إليه أيضا أحاديث نبوية كثيرة , ثم أضاف الألباني أن جزاء من قتل المؤمن عمدا فيتعلق بثلاث حقوق حق الله-حق المقتول-حق أولياء المقتول- و هكذا و لإزالة كل لبس أو خلط أو سوء فهم فان الموضوع يتعلق بالأحكام القضائية التي تقضي بإعدام مرتكب الجرائم المنصوص عليها في فصول مجموعة القانون الجنائي أعلاه و هو المطلوب إلغاؤه . أما بالنسبة لأحكام الشريعة الذي أشرت إليها و الواردة في الآيات القرآنية فإنها تتعلق بالعقاب الإلهي في الدار الآخرة حيث يخضع القاتل لمشيئة الله إن شاء عذبه و إن شاء غفر له باستثناء الشرك الذي ليس من موضوع النقاش استأثر به الله وحده مع ذلك إن باب التوبة و المغفرة مفتوح و عليه فان المقصود في الأمر هو مسألة الحكم قضائيا بإعدام الشخص الذي أشارت إليه بمقتضى النصوص القانونية و هي لا تتضمن إلا القصاص وحده الذي يعني إعدام كل من أتى أحد الأفعال الجرمية في القانون الوضعي ليس فيها دية و إنما تعويض عن الضرر المادي و المعنوي لذوي الحقوق أما في العقاب يمكن تمتيع المتهم بظروف التخفيف ليس إلا و المشرع الجنائي لم ينص على الدية و العفو و الصلح من طرف ذوي الحقوق و أولياء الضحية و هذا وجه المفارقة بين أحكام الشريعة و مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بعقوبة الإعدام , إلا أن القانون الخاص بالعفو كما هو الشأن بالنسبة لما جاء في الشريعة الإسلامية يدخل ضمن صلاحية شخص الملك الذي يملك حق العفو عن القاتل لمومن عمدا أو استبدال عقوبة الإعدام إما بالسجن المؤبد أو المحدد , و إذا أصدر الملك العفو الشامل عن المجرم كيف ما كان الفعل المدان من أجله فانه يسقط العقوبة بحكم القانون طبقا للفصل 4 من قانون المسطرة الجنائية كموت المتهم و التقادم و الصلح إذا كان شرطا في المتابعة و كذلك العقوبة المحكوم بها كالخيانة الزوجية و السرقة بين الأقارب إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أن الملك يصدر عفوا على كثير من المجرمين في مناسبات عديدة. و مما لا شك فيه أن ممارسة الملك لحق العفو مستمد من أحكام الشريعة المشار إليها خاصة المذهب المالكي الذي تبناه منذ قرون لأن مذهب الإمام مالك إمام دار الهجرة و الذي يتسم بالاعتدال و الوسطية و التسامح بنبذ التطرف و الغلو و التعصب و يدعوا إلى الاجتماع على الدين و ينبذ الخلاف و التفرقة في الأصول أسوة بالنبي و السلف الصالح. و من تم فقد جاء الإعدام كعقوبة سنها الإنسان كمخلوق في حين أن القصاص هو حكم الله أتت به آيات قرآنية بالأساس و أحاديث دون أن تشير إلى إعدام الإنسان. أما بصدد القتل المعاقب عليه بالإعدام في إطار النصوص القانونية المشار إليها فهو الذي يرتكب عمدا و هو القصد الخاص بالأساس و الجرائم الذي يصدر في شأنه أحكام قضائية. أما الجرائم التي ترتكب خطأ و بغير عمد فلا إعدام فيها ، و هكذا فيقصد بالقتل العمد العدوان المباشر على حياة إنسان بأية وسيلة أو أي شيء من شأنه إحداث الموت ثم أن إزهاق روح الإنسان هو من أكبر الكبائر و هو انتهاك سافر لأول حق من حقوق الإنسان و يتعلق الأمر بالحق في الحياة و أنه محرم مطلقا بالكتاب و السنة و معاقب عليه قانونا أشد عقاب في الدنيا ، أما في الآخرة فجزاؤه العذاب الشديد متى حدث بغير حق أو فساد طبقا لما جاء في كتاب الله . كما أنه تجاوز لحدود الله الذي يحيي و يميت بعدما حدد أجله منذ نشأته و هو في بطن أمه . أما الإعدام فقد جاءت به التشريعات الوضعية خلافا لما جاء في الكتاب و السنة, أما الجهات التي يجوز فيها القتال على سبيل الحصر و كذالك الأشخاص القتلة المعفون من العقاب و يسمون بالمعصومين من العقاب رغم ارتكاب القتل. و مصدر الجدل الحاد الذي استأتر النقاش هو عقوبة الإعدام التي يقضي بها القضاء المغربي في إطار المجموعة الجنائية في الفصول المذكورة أعلاه ، و هنا يطرح التساؤل للسيد وزير العدل المعني الموكول إليه للمصادقة عن السند الشرعي الذي يستند إليه في الكتاب و السنة و الإجماع و هي من مرجعيته الدينية وهو مازال مصرا على إبقاء عقوبة الإعدام و المغرب بصدد تعديلات في القانون الجنائي و التي اصطدمت باستياء عميق من طرف القضاة و المحامين و كل هذا ناتج عن طبيعة الاستعلاء و رفض الحوار و التشاور في جميع الأمور بالتواضع أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث يشاور الصحابة في الشادة و الفادة , ثم أنه متواضع و أحسن خلقا و لو كان فظا غليظ القلب لانفض منه المجاهدون في غزوة أحد رغم الهزيمة . و في نظري فإن على السيد وزير العدل الأستاذ الرميد زميلي العزيز في المهنة و أحترمه لذلك أرى من وجهة النظر أنه إن كان حديث العهد في المسؤولية السياسية فكان عليه المطالبة بالفتوى من الجهة الموكول إليها الإفتاء أو يسأل أهل الذكر لحسم النقاش في اللجوء إلى ما ذكر و إلى كتاب الله الذي جاء فيه : ( و إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ) و آنذاك يأتي بالبرهان إن كان على صواب . و من تم فكيف تفسر الحكومة عدم تطبيق أحكام الشريعة في السرقة و الزنا الخ ، لأنه لو تم تطبيقها لأصبح أغلبية أبناء هذا الوطن معوقين من بتر اليد الخ ، و كيف يمكن للسيد وزير العدل قوله أن محاربة جرائم الأموال تتطلب وقتا طويلا و يضيف ما هو أخطر بأنها مجرد شعارات حيث تصطدم بدوي النفوذ. لكن الملاحظ في الظرف الراهن ظهور جرائم خطيرة في المجتمع تستحق الاستئصال من المجتمع في التكفير و التعصب و التطرف و على رأسها مسألة الظلم الذي يعاني منه المواطنين من أحكام قضائية غير المقبولة و عدم إنصافه للناس و كذلك تفشي جميع مظاهر الفساد. أما بالنسبة لمسألة الغاء الإعدام سيتم إلغاؤها سواء طال الزمان أو قصر لأن المغرب يتجه نحو الانفتاح و التطور لمسايرة العصر و ليس من مصلحته الرجوع إلى الوراء رغم الاختيارات التي تسنها الحكومة التي أوشكت على الزوال فتسعى عودة المغرب إلى عصر الانحطاط ، و برز في عهدها شبكات إرهابية تعمل على زعزعة العقيدة و تهديد الأمن و الاستقرار . لكن المغاربة رغم معاناتهم من الحكومة فهم يقظون و واعون بمصلحة بلدهم فوق كل اعتبار . و على كل حال فسوف أعود لمسألة الإعدام في أحكام الشريعة و أسرد في هذا الإطار آيات بينات من الذكر الحكيم مع تفسير بعضها حسب الاستطاعة ، بعد بسم الله الرحمان الرحيم : يقول الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص من القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف و أداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم و رحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم و لكم في القصاص حياة يا أولوا الألباب لعلكم تتقون ) آيتي 178 و 179 من سورة البقرة . و يستفاد من الآية أخد القصاص من القاتل أي الجاني أي اقتلوه افده من غير الجاني فليس بقصاص بل ظلم و اعتداء أما قوله فمن يعفى له من أخيه شيء فإتباع بمعروف و أداء إليه بإحسان معناه أنه من ترك له من دم أخيه المقتول شيء بأن ترك وليه و أسقط القصاص راضيا بقبول الدية فعلى العافي إتباع للقاتل بالمعروف بأن يطالبه بالدية بلا عنف و لا إرهاق . و هذا هو الجزاء الذي جاءت به الآية و ليس إعدام القاتل بواسطة القضاء أو قتله من طرف ولي المقتول أو دوي حقوقه أما في الآخرة فجزاء القاتل جهنم مصداقا لقوله تعالى : ( و من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) ( ... من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) آية 32 من سورة المائدة و تجدر الإشارة إلى أن هذه أول جريمة قتل في التاريخ و تتعلق بقتل ابن آدم لأخيه إلا أن التوبة لم تنفعه حيث أن ندمه لم يكن من أجل القتل بل كانت حول عدم قيامه بستر جثة أخيه المقتول لأن باب التوبة مفتوحة و يخضع صاحب الذنب لمشيئة الله إن شاء غفر له و إن شاء عذبه باستثناء الشرك بطبيعة الحال . و قد نزلت الآية في بني إسرائيل لتشديد العقاب في الدنيا و الآخرة لأنهم يفسدون في الأرض و يسرفون في القتل للأنبياء و الرسل و الأولياء و في هذا الصدد قال الرازي أن ذكر هذه القصة هو تسلية للرسول (ص) لأن بني إسرائيل عزموا على الفتك به و بأصحابه و تضمنت نفس السورة جزاءات أخرى بدلا من أن يقتلوا أو يصلبوا كالنفي و الإبعاد و قطع أيديهم و أرجلهم إلا أنهم سينالوا الخزي في الدنيا و العذاب في الآخرة ( راجع صفوة التفاسير للصابوني ) حيث توجد التفاصيل . أما الآية 33 من سورة الإسراء فقد جاء فيها : ( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) و تفيد الآية كما هو الشأن بالنسبة للآيات السابقة فقد خير الله سبحانه ورثته و أولياءه بين القصاص منه أو أخد الدية أو العفو و لم تكتفي الآية بالقصاص و هو قتل المجرم و إزهاق روحه بل أجاز له أخد الدية أو العفو خلافا لما جاءت به النصوص القانونية التي تقتصر على الإعدام دون تخيير القاضي في سن عقوبات بديلة . و هذا هو السر في المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام و تعويضه بعقوبات أخرى بديلة ، الأمر الذي يناسب معه التنصيص عليها في القانون الجنائي المغربي الذي ما زال النقاش جاريا حول التعديلات المرتقبة دون أن يرد فيها أي اقتراح حول إلغاء عقوبة الإعدام . 1. و أخيرا جاءت الآيتين 70 و 71 من سورة الفرقان لتبين للناس الحالة التي لا تنفع معها الندامة و التوبة و المغفرة و الشرك بالله وحده أما ما دون ذلك من المعاصي و الكبائر و الأوزار و الذنوب فكلها قابلة للتوبة ، ليلتجأ إليها الإنسان و يستفيد من حظ وافر و تواب عظيم و يتعلق الأمر باستبدال السيئات بالحسنات مصداقا لقوله تعالى : ( و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلقى آثاما و يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيها مهانا إلا من تاب و عمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما و من تاب و عمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) و جاء في أغلبية التفاسير لقوله تعالى : ( و لاتقتلوا النفس إلى حرم الله إلا بالحق). و هكذا القضاء الزجري إلا إعمال ظروف التخفيف دون العقوبات البديلة , و للإنصاف لابد من الإشارة أنه قلما يحكم بالإعدام و حتى إن حكم به يبقى عالقا لا ينفذ و حسب علمنا فقد نفذ في حالة واحدة هي حالة الكومسير تابت بالبيضاء و هذا ما سار عليها القضاء في هذا الاتجاه ، لذلك ما هو المانع لدى الحكومة من المصادقة على إلغاء عقوبة الإعدام ، و كيف و الحالة هاته أن يكون الله الواحد القهار غفورا رحيما بعباده ، و كيف و الحالة هاته أيضا يمكن أن يفلت من العقاب أولئك الذين يشنوا حرب الإبادة الجماعية بتفقير أزيد من ثمانين في المائة من المواطنين باختلاس ثروات الشعب و باتوا يعانون من غلاء المعيشة ، لذلك فإن قطع الأعناق أفضل من قطع الأرزاق حسب ما جاء على لسان الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين الذي أعدم ظلما لأن قطع الأرزاق هي التي تضمن الحق في الحياة. هذا و الملفت للانتباه أن أولئك الذين فقروا الشعب ما زالوا يتمادون في الفساد جهارا و نهارا و ها هم الآن يتهافتون على شراء أصوات الفقراء للفوز بها في الانتخابات التي سيعرفها المغرب في شهر شتنبر المقبل و لن تستطيع الحكومة قط أن تضع حدا لها و كل المؤشرات لا توحي على نزاهتها. إذن ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاربة الفساد و من أولويتها في الظرف الراهن و كيف إذن لم يقع إعمال قاعدة ربط المحاسبة بالمسؤولية . و هكذا يبدو مما سبق ذكره أن هناك مفارقة غريبة بين أحكام الشريعة و القانون الجنائي حول عقوبة الإعدام، فأحكام الشريعة تميل إلى الرأفة و القانون يميل إلى تشديد العقوبة. هذا و إذا كانت الحكومة تسعى في رفضها المصادقة على اتفاقية إلغاء عقوبة الإعدام إلى الحد من ظاهرة الإجرام ، إلا أن الواقع يكشف بالملموس على تناميها و ازديادها خاصة في صفوف الشباب العاطل و الحامل للشواهد الدراسية العليا كما برزت أساليب متطورة في ارتكاب جرائم خطيرة كشبكات إرهابية تنتمي إلى تنظيمات إسلاموية إرهابية تعد مخططات لاغتيال بعض رجالات الدولة و رموز الأحزاب و كل ما يخالفهم الرأي ، مخططات لنسف منشآت حيوية تابعة للدولة. و يبدو أن الحد من الجريمة لا يتأتى إلا بإقامة العدل و العدالة الاجتماعية و تلبية متطلبات المجتمع ، و لا يتأتى كذلك إلا بالتصفية و التربية و التأطير السياسي و الحد من الفساد الذي اتخذ منحى خطيرا في مختلف القطاعات إما الظلم و الفساد و الفقر و الجهل و عدم تجديد الفكر الديني و تأهيله ، و من المؤكد أن الوضعية الاجتماعية في البلاد تعرف ترديا خطيرا بسبب تعميق الأزمة في البلاد اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و ليس إبقاء عقوبة الإعدام هي الحل لمشاكل البلاد ، بل الحل يكمن بالأساس في إيجاد الأسباب التي أدت إلى تنامي الإجرام ، فيجب أخذ العبرة مما يجري في الشرق العربي لتجنب البلاد من أي منزلق لا تحمد عقباه .