«هل أنت مسلم؟! إذا كنت مسلما لماذا تعارض تطبيق شرع الله؟! إن من يرفضون تطبيق الشريعة ليبراليون وشيوعيون، عملاء الغرب وأعداء الإسلام، فهل أنت منهم؟!».. هذه الأسئلة هي التي يتوجه بها الإخوان والسلفيون إلى الناس (خصوصا البسطاء منهم) لكي يؤثروا في عواطفهم الدينية ويحشدوهم في مظاهرات ويدفعوهم إلى اتخاذ المواقف التي تحقق المكاسب السياسية لجماعات الإسلام السياسي.. والحق أن هذه الطريقة في مناقشة الشريعة غير أمينة، إذ إن أي مسلم قطعا يحب أن يطبق شريعة الإسلام. لكن يجب، أولا، أن نشرح للناس الفرق بين الشريعة والفقه. الشريعة هي المبادئ الثابتة التي أنزلها الله علينا. الفقه هو العلم الذي يمكّننا من فهم الشريعة وتطبيقها على حياتنا اليومية. الشريعة إلهية ثابتة لا تتغير أبدا، لكن الفقه إنجاز بشرى يتغير بتغير الزمان والمكان. شريعة الإسلام بالتأكيد تدعو إلى الحق والخير والعدل والمساواة. إن ما يدعو الإخوانُ والسلفيون إلى تطبيقه ليس مبادئ الشريعة التي أنزلها الله، وإنما أحكاما فقهية كتبها بشر مثلنا، يصيبون ويخطئون، وكثير من هذه الأحكام كانت مناسبة للمجتمع في القرن العاشر لكنها لم تعد ملائمة للمجتمع في القرن الحادى والعشرين. إن الإخوان والسلفيين يسيطرون على لجنة كتابة الدستور من أجل تطبيق الأحكام الفقهية القديمة بأي وسيلة. بعد أن اتفق الليبراليون والأقباط والإسلاميون على المادة الثانية التي تؤكد أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.. عاد الإخوان والسلفيون ووضعوا مادة في مسودة الدستور تقول: «مبادئ الشريعة تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة». هذه المادة ببساطة تحيل مبادئ الشريعة إلى الأحكام الفقهية وتدفع بمصر إلى خطر محقق. ولقد بحثت عن أحد المصادر المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة، فلم أجد خيرا من كتاب «فقه السنة» للمرحوم الشيخ سيد سابق (1915 – 2000)، «صادر عن دار الفتح للإعلام العربي في ثلاثة أجزاء». هذا الكتاب، باعتراف الجميع، من أهم كتب الفقه وأرفعها مكانة، أضف إلى ذلك أن الشيخ سيد سابق كان من القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين، حتى إن كتاب «فقه السنة» قد صدر بمقدمة كتبها المرحوم الشيخ حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) أشاد فيها بالكتاب واعتبره إنجازا عظيما يستحق به مؤلفه ثوابا من الله. فلا يستطيع أحد من الإخوان أو السلفيين أن يجرح في كتاب «فقه السنة»... عرض الشيخ سيد سابق في كتابه لمذهب الجمهور من أهل السنة والجماعة في شتى نواحي الحياة. أعتذر هنا لأنني سوف أستعمل كلمة كافر للإشارة إلى المواطن القبطي، فهكذا فعل معظم الفقهاء، وهكذا فعل الشيخ سيد سابق نفسه.. في ما يلي بعض الأمثلة من الكتاب: أولا: إذا افترضنا أن لصا مسلما سرق صيدلية مملوكة لصيدلي قبطي.. في هذه الحالة، إذا كان الشهود على واقعة السرقة أقباطا فإنه لا تجوز شهادتهم لأن رأي جمهور الفقهاء يؤكد أنه لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم... يقول الشيخ سابق (الجزء الثالث، صفحة 380): «يشترط في قبول الشهادة أن يكون الشاهد مسلما، فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا في الوصية أثناء السفر (عند الإمام أبي حنيفة)».. أي أنه إذا كان المسلم مسافرا وحضره الموت ولم يجد إلا قبطيا ليبلغه بوصيته، فهذه تكون الحالة الوحيدة التي تقبل فيها شهادة القبطي على المسلم، وفي ما عدا ذلك لا تقبل شهادة القبطي على المسلم إطلاقا.. نستطيع أن نتخيل الفوضى التي سوف يحدثها هذا الحكم الفقهي إذا طبق في مصر.. سيكون بإمكان أي مسلم أن يعتدي على أملاك الأقباط وكنائسهم وهو مطمئن إلى أن كل الذين سيشهدون على ارتكابه الجريمة من الأقباط الكفار، طبقا لرأي جمهور الفقهاء، لا يجوز قبول شهاداتهم على المسلم حتى لو ارتكب جريمة. ثانيا: شرب الخمر محرم على المسلمين وعقوبته الجلد ثمانين جلدة «بعض الفقهاء قال أربعين جلدة فقط».. هذا الحكم معروف إلا أن الفقهاء يذهبون إلى وجوب تطبيق حد الخمر على غير المسلمين أيضا.. يكتب الشيخ سابق (الجزء الثاني صفحة 493): «لا يشترط الإسلام في تطبيق حد الخمر، فالكتابيون الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة.. مثل الأقباط في مصر.. وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين (مؤقتا) مثل الأجانب.. هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الإسلام...». لنا أن نتخيل ماذا سيحدث إذا طبقنا هذا الحكم.. فالقبطي الذي يشرب البيرة سوف يقبض عليه ويجلد ثمانين جلدة. هل لنا أن نتفاءل بمستقبل السياحة في مصر؟! عندما ندعو السائح الأوربي أو الأمريكي لزيارة مصر يجب أن نحذره لأنه لو أحضر زجاجة نبيذ معه إلى مصر وشرب منها مع الأكل مثلما يفعل في بلاده قد يقبض عليه ويجرد من ثيابه ويتم جلده وفقا لهذا الحكم الفقهي. كم من الأجانب على استعداد لخوض هذه المخاطرة من أجل قضاء إجازتهم في مصر؟! ثالثا: القذف هو الاتهام بالزنى والخوض في الأعراض بالسوء.. هذه جريمة في الفقه الإسلامي وعقوبتها الجلد ثمانين جلدة، لكن الغريب أن جمهور الفقهاء اعتبروا إسلام المجني عليه شرطا أساسيا لإقامة الحد على من قذف في حقه.. يقول الشيخ سابق في كتابه (الجزء الثاني، صفحة 535): «الإسلام شرط في المقذوف (المجني عليه) فلو كان المقذوف من غير المسلمين لم يقر الحد على قاذفه عند جمهور العلماء، وإذا كان العكس فقذف النصراني أو اليهودي المسلم فعليه ما على المسلم: ثمانون جلدة». من يستطيع أن يتحدث بعد ذلك عن حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون. إذا سب القبطي المسلم يتم جلده ثمانين جلدة، وإذا سب المسلم القبطي لا يجوز جلده، وكأن الكرامة الإنسانية حكر على المسلمين فقط، أما الأقباط فهم مخلوقات بلا عرض ولا كرامة.. رابعا: الدية غرامة مالية على من ارتكب القتل الخطأ أو شبه العمد.. لكن هذه الدية، طبقا لرأي جمهور الفقهاء، تختلف باختلاف الجنس والدين.. دية المرأة المسلمة المقتولة نصف دية الرجل المسلم المقتول ودية القبطي المقتول نصف دية الرجل المسلم المقتول، أما دية المرأة القبطية المقتولة فتبلغ نصف دية المرأة المسلمة المقتولة «أي ربع دية الرجل المسلم المقتول».. هذا حكم جمهور الفقهاء كما يؤكد الشيخ سابق في كتابه (الجزء الثالث، صفحة 60 و61).. ونحن إذا طبقنا هذا الحكم الفقهي نكون قد اعترفنا بأن الحياة الإنسانية ليست لها القيمة ذاتها عند الناس جميعا، فحياة الرجل المسلم أغلى من حياة المرأة المسلمة، وحياة القبطي أرخص من حياة المسلم، وحياة المرأة القبطية أرخص من الجميع (لأن بها العيبين فهي امرأة وقبطية). هل يمكن قبول هذا المفهوم ونحن في القرن الواحد والعشرين.. وهل تتحمل الدولة المصرية العقوبات الدولية التي ستنهال عليها إذا طبقت هذا الحكم الذي يخالف كل معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة؟! خامسا: في جريمة القتل يجب تطبيق القصاص على القاتل، وبالتالي ينفذ فيه حكم الإعدام.. إلا أن من شروط القصاص أن يكون المقتول مسلما، أما إذا كان المقتول كافرا قبطيا، فإن القاتل لا يطبق عليه القصاص.. يقول الشيخ سابق في (الجزء الثالث، صفحة 25): «من شروط القصاص أن يكون المقتول مكافئا للقاتل حال جنايته، بأن يساويه في الدين والحرية، فلا قصاص على مسلم قتل كافرا أو حر قتل عبدا، لأنه لا تكافؤ بين القاتل والمقتول.. بخلاف ما إذا قتل الكافر مسلما أو قتل العبد حرا فإنه يقتص منهما».. بعض الفقهاء خالفوا هذا الرأي، لكن الرأي الغالب عند جمهور الفقهاء من أهل السنة والجماعة أن المسلم لا يقتل بغير المسلم، ولو أننا طبقنا هذا الحكم الفقهي فإن المصري المسلم إذا قتل قبطيا بالرصاص أو ضربه حتى مات، لا يجوز في هذه الحالة إعدام القاتل المسلم، لأن القاعدة أنه لا يقتل المسلم إذا قتل غير المسلم.. ماذا تكون حالة المجتمع إذا تم تطبيق هذا الحكم الفقهي، وكيف ندعي بعد ذلك أننا نعيش في دولة يتساوى فيها المواطنون إذا كان المسلم لا يجوز إعدامه إذا قتل قبطيا، بينما يعدم القبطي إذا قتل مسلما؟! هذه بعض نماذج من أحكام فقهية، يريد الإخوان والسلفيون أن يطبقوها في مصر. وكلها من صنع فقهاء عاشوا واجتهدوا لاستنباط هذه الأحكام لتوافق المجتمعات القديمة، لكنها لو طبقت اليوم في مصر لقضت على المجتمع قضاء مبرما لا رجعة فيه ولقامت في مصر حرب أهلية أو لتم تقسيم مصر بين المسلمين والأقباط كما حدث في السودان.... أكرر أننا لسنا ضد الشريعة الإسلامية، لأن شريعة الله هي العدل والحق، لكننا ضد تطبيق أحكام فقهية قديمة كانت مناسبة من ألف سنة لمسلمين عاشوا في مجتمعات تختلف ظروفها تماما عن ظروفنا اليوم. إذا أردنا أن نطبق الشريعة الإسلامية بشكل صحيح، يجب أن يجتهد فقهاؤنا أولا من أجل استنباط أحكام فقهية جديدة تناسب عصرنا الحديث، أما أن نتعسف في الدين وعلى أنفسنا، ونطبق أحكاما فقهية قديمة، فنحن نسعى بذلك إلى تمزيق المجتمع وتدمير بلادنا وندفع مصر إلى الوراء عدة قرون.. فيا أيها المتطرفون المتلهفون على قطع الأيدي والرجم والجلد.. أتمنى أن تراجعوا أنفسكم وتفكروا مرة واحدة في أن تطبيق الشريعة هدفنا جميعا، لكن الأحكام الفقهية القديمة لم تعد تناسب العصر الذي نعيش فيه. إنكم بتطرفكم وجمود أفكاركم تسيئون إلى الإسلام وتدفعون بنا إلى كارثة محققة، وواجبنا، مسلمين وأقباطا، أن نمنعكم من ذلك. وسوف نمنعكم بإذن الله ونحمي بلادنا من تطرفكم. لن نعترف بالدستور المشوه الذي تفرضونه على المصريين. الثورة مستمرة حتى تتحقق الدولة المدنية الحديثة. سوف نتقدم نحو المستقبل ولن نعود أبدا إلى ظلام الماضي. الديمقراطية هي الحل.