تتحفظ المصالح المركزية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن إعطاء النسبة الحقيقية لحالة العود وسط السجناء، على اعتبار أن نشر تلك النسبة قد يكون مؤشرا على «فشل محتمل» للسياسة العقابية التي حولت المؤسسات السجنية من فضاء لإعادة التربية والتأهيل إلى أشبه ب«معاهد عليا» يلقن فيها السجين دروسا تكميلية في العمل الإجرامي، حتى أن حالة العود أصبحت إحدى السمات الأساسية التي تميز وضعية السجون في المغرب، حسب بعض العارفين. فعلى الرغم من الوسائل البشرية واللوجيستيكية والاعتمادات المالية الهامة التي وضعت رهن إشارة قطاع السجون منذ إخراجه من جبة وزارة العدل ووضعه تحت وصاية الوزير الأول بإحداث المندوبية العامة للسجون، ورغم البرامج والمشاريع والإمكانيات المالية التي تصرفها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء سنويا لتأهيل النزلاء أخلاقيا ومعرفيا ومهنيا ليندمجوا في المجتمع من جديد وبشكل سليم بعد انقضاء مددهم الحبسية فإن كل المؤشرات تفيد بأن نسبة حالة العود في ارتفاع، وهو ما يفرض إعادة النظر في السياسة المعتمدة بشكل قادر على أن يحقق الدور المنوط بالسجون، حيث مازلنا نرصد حالات عود لسجناء تجاوزت ال50 مرة. فالحد من الجريمة يقضي قبل كل شيء التصدي للأسباب العميقة والبنيوية التي تنتج الجريمة كالتهميش والفقر والبطالة، يقول متخصصون في المجال. ومن جهة ثانية، فإن التطور المتسارع الذي عرفته الجريمة في المغرب لا من حيث طرقها ولا دوافع تكرارها أو حتى الغاية المتوخاة في بعض الأحيان من الفعل الإجرامي، جعلها تتصدر اهتمامات المتخصصين سواء النفسيين أو الاجتماعيين، الذين يرجعون بعض أسبابها إلى القرية الزجاجية التي بات العالم يعيش فيها، والتي انعكست تحولاتها على معظم الشباب المغربي فغيرت مفاهيمه وبدلت قناعاته، هذا التغير أدى في كثير من الأحيان إلى ظهور جرائم غير معهودة وأدى أيضا إلى تلاشي ذلك الخوف الذي كان يطغى على مقترف الفعل الإجرامي، الأمر الذي جعل هؤلاء المتخصصين يتساءلون عن نجاعة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، وهل هي قادرة بالفعل على ردع المجرمين حتى لا يعودوا إليه مرة أخرى. وبحسب المعطيات التي أدلت بها المديرية العامة للأمن الوطني، والتي تم عرضها خلال ندوة علمية نظمتها محكمة الاستئناف سنة 2014 في الرباط حول «تطور الجريمة بالمغرب وآليات حماية الأمن المجتمعي» فقد بلغ عدد القضايا المسجلة في إطار مكافحة مختلف مظاهر الجريمة الحضرية خلال سنة 2013 ما مجموعه 477 ألف و759 قضية، أنجز منها 440 ألف و348، بمعدل زجر بلغ، 92.17 في المائة، فيما بلغ عدد الموقوفين 466 ألف و311 من بينهم 19 ألف و363 قاصرا. كما سجلت المصالح الأمنية بالنسبة للجرائم المتسمة بالعنف، خلال سنة 2013، ما مجموعه 47 ألف و936 جريمة، وبلغت نسبة جرائم القتل ومحاولة القتل والضرب والجرح المؤدي للوفاة 0.29 في المائة لكل ألف نسمة، فيما بلغت نسبة الجرائم الجنسية المرتكبة بالعنف 0.17 في المائة لكل ألف نسمة. ورغم أن الإحصائيات الأمنية تذهب إلى وجود تراجع نسبي في معدل الجريمة ببعض المناطق الأمنية بالدارالبيضاء رغم خطورة بعضها وقياسا عليها تم التأكيد على تراجع حالات العود، إلا أن لا أحد يمكنه أن ينفي الارتفاع المسجل في حالات العود عموما بدليل الاكتظاظ الكبير الذي تشهده أغلب سجون المملكة إذ يشكل الاحتياطيون 45 إلى 50 في المائة من مجموع النزلاء، وهذا راجع إلى عدم تفعيل العقوبات البديلة من قبيل، الإفراج المقيد بشروط، إيقاف التنفيذ، تغيير التدبير بالنسبة للأحداث، التدابير الوقائية الشخصية، الإفراج المؤقت التلقائي السراح المؤقت بموجب كفالة عينية أو شخصية، ثم إن السجن هو الملاذ الأول في القضاء. ورغم أن برنامج إعادة إدماج نزلاء المؤسسات السجنية حد كثيرا من ظاهرة العود لدى النزلاء الذين تم تتبعهم واستفادتهم من هذا البرنامج، إذ أن آخر دراسة قامت بها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء أوضحت أن حالات العود في صفوف النزلاء الذين استفادوا من التتبع لا يتجاوز عددهم 3 في المائة من المستفيدين، فإن بعض المتتبعين يؤكدون أن اندماج ذوي السوابق العدلية يحتاج إلى مقاربة أكثر شمولية، ولعل دليل ذلك ما جاء به الخطاب الملكي الذي اعتبر بمثابة ثورة حقوقية أحدثت تغييرا هيكليا في رؤية المسؤولين لوظيفة السجن التي كانت محصورة في التحفظ على المعتقلين إلى حين إنهاء العقوبات الحبسية المحكوم بها عليهم من قبل محاكم المملكة، «معلوم أن للمواطنين حقوقا وحتى من أدينوا من قبل المحاكم يجب أن يكونوا بمنأى عن الجوع والمرض والتعسفات، بل يجب على النظام القضائي وعلى الدولة أن توفر لهم ما من شأنه أن يمكنهم من الكرامة». ومن خلال هذا الملف تحاول «المساء» البحث عن مكامن الخلل في هذه المنظومة بسبب ارتفاع حالة العود التي عزته مصادر أمنية إلى أنه مرتبط بقطاع السجون ولا علاقة للجهاز الأمني به، فيما تربطه أخرى بالأخير والقضاء الذي يصدر أحكاما متساهلة مع المجرمين والخارجين عن القانون والحكم عليهم بأحكام بسيطة، كما سنحاول الكشف عن المجهودات التي تقوم بها المندوبية ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء للحد من هذه الظاهرة. وسنعرض نماذج لسجناء تولدت لهم الرغبة في الولوج إلى السجن وألفوا التردد عليه بين الفينة والأخرى دون أن تقوى البرامج التربوية والتأهيلية التي تكلف الدولة مبالغ مالية طائلة على إعادة تقويم هذه الفئة وتربيتها بشكل يجعلها قادرة على الانصهار في المجتمع من جديد. المغرب، حسب مختصين، مطالب بالبحث عن عقوبات بديلة رادعة، خاصة أن دولا أخرى عديدة تعرف ارتفاعا مهولا في تفشي الجريمة نجحت في سن عقوبات بديلة توفر على الخزينة الملايين وتحد من مشاكل الاكتظاظ وحالات العود، وهو المجال الذي مازال المغرب متأخرا فيه، والدليل أن سجوننا مازالت تعيش تحت وطأة الاكتظاظ الذي يساهم في تفريخ المجرمين ويقلل من فرص استفادتهم من الإدماج والتأهيل. «المساء» اتصلت بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل الحصول على إحصائيات دقيقة-إن توفرت- لحالات العود في المغرب، غير أنه لم يتم مدها إلى حدود كتابة هذه الأسطر بأي معطى بهذا الخصوص أو غيره. حالة العود.. أو عندما يتحول السجن إلى بيت ثان للمعتقلين مختصون يطالبون بسن عقوبات بديلة لكبح الظاهرة هي أشهر تاجرة مخدرات ذاع صيتها بمدينة البهجة مراكش. سيدة مكتنزة في عقدها الخامس بشخصية قوية ونفوذ وجبروت جعل الجميع يحسب لها ألف حساب. بقلب المدينة الحمراء وبالقرب من أحد المستشفيات تجلس كبشونة بوثوق زائد لتشرف بنفسها على تجارة منظمة للخمور. يصطف الزبائن بترتيب وبينما يتولى صبيان تصريف البضاعة تتولى هي عملية القبض واستخلاص النقود من زبنائها فتجدها تنهر هذا وتقطب حاجبيها لذاك في إشارة لنهيه عن فعل ما أو لمطالبته بالتزام النظام والدخول إلى الصف وعدم إثارة أي فوضى إلى حين بلوغ دوره وتسلم بضاعته. لا أحد من سكان الحي الذي كانت «كبشونة» تمارس به نشاطها يقوى على رفع شكاية ضدها أو إعلان تذمره لأنها ببساطة قادرة على تكميم كل الأفواه التي تضر بمصالحها إما بالإغراء المادي أو بالقوة والتسلط. كلما راكمت عددا محترما من «النوتات» أي المذكرة الاستنادية تقتاد «كبشونة» صوب مقر الشرطة القضائية بعد أن يتم إلقاء القبض عليها في إطار «مسرحية» سيئة الإخراج ما دام نشاطها لا يخفى على أحد. داخل سجن بولمهارز بمراكش تستقبل «كبشونة» بحفاوة الكبار ببوابة مكتب تنفيذ العقوبة الذي يستقبل الوافدين الجدد. لا تتردد في الجود على محبيها بكل سخاء ينضاف إلى إكرامها لبعضهم عند زيارة مقر عملها سواء نقدية أو على شكل قنينات الجعة. وسط حي النساء يعلن نفير وسط النزيلات ويتهافت ويتسارع الجميع لتهييء مكان المرأة باستعمال مواد التنظيف التي غالبا ما لا يتم استعمالها بانتظام، فيما السجينات الجدد يصدمن بهذا المشهد ويستمعن بتمعن لما تحكيه «الكابرنات» عن «كبشونة»، وما يجب أن يبدينه من احترام لها والحرص على تلبية كل طلباتها التي هي بمثابة أوامر واجبة الطاعة والتنفيذ دون أدنى نقاش. داخل غرفة بعينها هي أشبه بجناح أبو ظبي بسجن عكاشة بالبيضاء تستحوذ كبشونة على حيز مكاني يفوق نصف الغرفة، والمرأة لا تحتاج إلى جلب أغطية أو وسادات فكل حاجياتها والأغراض التي تخصها موجودة في حي النساء ويتم التحضير لاستقبال المرأة التي هي رئيسة حي النساء. تصطف السجينات في طابور واحد للتحية والسلام على «كبشونة» في انتظام تام لأنها تملك القدرة على تأديب كل مخالفة، فلا قدرة لإحداهن على إثارة الفوضى في حضرة الوافدة الجديدة/القديمة. تمطر السجينات يدي المرأة بقبلات حارة وكأنها صاحبة نعمة عليهن لما لا وهي التي توفر الأدوية والألبسة للمحتاجات وتعطف على الأطفال الصغار المرافقين للأمهات المعتقلات بالسجن. عادة ما تقضي «كبشونة» شهرا ونصف الشهر رهن الاعتقال وفي أقصى الحالات شهرين وتغادر بعدها المرأة أسوار السجن وتعانق الحرية لتستأنف الإشراف على تسيير تجارتها التي لا تتوقف أثناء فترة الاعتقال. تجر كبشونة من ورائها أزيد من 50 سابقة قضائية في مجال الاتجار في الخمور بدون رخصة. طول المدة التي قضتها داخل السجن لم تشكل رادعا أمامها للإقلاع عن التعاطي لهذه التجارة التي هي النشاط الوحيد الذي تتقنه، وعادة ما تستخف بالنزيلات اللواتي يستفدن من برامج التكوين المهني بالمؤسسة السجنية في مجال الصناعة التقليدية من زرابي وطرز.. ورغم أن «كبشونة» راكمت ثروة مالية مهمة وأضحت جدة وبات منزلها الذي كان يستغل في تجارة الخمور وتخزينها فضاء لتصوير أعمال تلفزيونية، فالمرأة مازالت تحن إلى ماضيها وتعتبر السجن بيتها الثاني الذي لا تتردد في العودة إليه ولو طواعية كلما هزها الحنين إلى أجوائه. «الخبيزات» عائلة ألفت السجن لما عين الحضرمي واليا على جهة الشاوية ورديغة عاملا لإقليم سطات اعتمد سياسة القرب للتعرف على هموم السكان وملامسة مشاكلهم عن قرب. كان الرجل يتجول على متن دراجته الهوائية في أحياء المدينة وأزقتها لتسوقه خرجاته اليومية إلى أحد أزقة حي سيدي عبد الكريم الشهير بدالاس، حيث أثار انتباهه تحلق العشرات من الشباب حول نافذة أحد المنازل. اقترب من الجمع لاستقصاء الأسباب ليكتشف شباكا أوتوماتيكيا لبيع المخدرات بمختلف أصنافها(شيرا، سنابل الكيف..) كان يديره أحد أفراد عائلة مشهورة بلقب الخبيزة. اكتشف الحضرمي أحد أوجه عاصمة جهة الشاوية ورديغة التي لا تبدو للعيان، فعلى عهد إدريس البصري وفي غياب أي متجر لبيع المشروبات الروحية تواطأت بعض الجهات المسؤولة مع مافيا المخدرات لفتح شبابيك أوتوماتيكية لبيع الخمور والمخدرات ليعهد إلى العائلة المعنية بإدارة هذا الشباك بحي دالاس الشعبي. كانت المتابعة القضائية تطال كل أفراد العائلة سواء تعلق الأمر بالأزواج أو الزوجات وحتى الأصهار والأبناء. بحي لبريفني(حي بالطابق الأرضي للباطيما بالسجن الفلاحي عين علي مومن بسطات) كانت هناك زنزانة خاصة بعائلة «الخبيزات» تضم أغراضهم الشخصية من أغطية وأواني طبخ وحتى ملابس، فقواعد اللعبة -وقتها- تقتضي أن يتم إيداع أحد أفراد العائلة السجن لتستمر التجارة بالشكل العادي، وذلك «ذرا للرماد في الأعين» وعادة ما كان أفراد العائلة يستأنفون نشاطهم داخل السجن، فمن أصل 2400 نزيل هناك قرابة الثلثين يقبلون على التخدير للهروب من بؤس السجن وفقدان الحرية ومشاكل اجتماعية أخرى. في السنة الواحدة يتردد كل فرد من عائلة «الخبيزة» لأكثر من مرة، ولم يفكر أي واحد منهم في تطليق الجريمة والقطع مع عالم السجن إلى أن عين والي أمن جديد على رأس ولاية أمن سطات، والذي بادر إلى إغلاق الشبابيك الأوتوماتيكية ولاحق تجار المخدرات ونقل بعض المسؤولين الأمنيين المتورطين معهم نحو دوائر أمنية بعيدة، حيث وجدت العائلة نفسها مرغمة على التخلي عن أنشطتها والإقلاع عن المتاجرة في المخدرات. الأخ الأكبر رحل إلى الدارالبيضاء حيث يدير أعمالا تجارية فيما رفيق دربه استفاد من دراجة ثلاثية العجلات يستغلها في نقل الخضر من سوق الجملة، أما شقيقه فقد أمسى مختصا في بيع السندويتشات. هكذا أفِل نجم عائلة كانت «نجمة» في ترويج المخدرات وتردد أفرادها عشرات المرات على السجن إذ لا يغادرونه إلا ليعودوا إليه مرة أخرى. من مستهلك مخدرات إلى مروج كثيرا ما كنا نسمع على ألسنة بعض المنحرفين عبارات من قبيل «اللهم الحبس» أو «أنا باغي نمشي غير الحبس» في إشارة إلى أن هذا الشخص يفضل حياة السجن على الحرية والعيش إلى جانب عائلته، غير أن هذه الفكرة ستتضح أكثر على لسان بعض السجناء الذين اعتادوا التردد على السجون وألفوا حياة السجن وأصبحت تستهويهم خاصة في فصول معينة، بل إن بعضهم أصبحوا يضربون موعدا للقاء به بعد مدة معينة من الإفراج عنهم. بعض هؤلاء السجناء صرحوا ل»المساء» بأن حياة السجن أرحم من أن يعيشوا أحرارا فهم في جميع الحالات مسلوبو شيء ما، وإن لم تكن الحرية فهم بلا حقوق ولا عمل ولا مال ومحرومون من العيش بكرامة وأسرهم تعيش تحت الصفر ف»اللهم الحبس ونبقى بعيد على صداع الراس والهم»، يقول سعيد الذي تردد 19 مرة على السجن بتهمة التجارة في المخدرات. «أنا لا أخرج من السجن إلا لأعود إليه لكني أحرس على أن أكون رفقة أطفالي في كل الأعياد الدينية خاصة عيد الأضحى وعيد الفطر». كانت أول مرة أدخل فيها إلى السجن مجرد «خطأ» سنة 1983 خاصة أني كنت في البداية مجرد مستهلك مخدرات ومع ذلك اعتقلت لحيازتي لكمية قليلة لا تتعدى بضع غرامات، وبعدها أصبحت أتاجر في غرامات قليلة أيضا وأضحيت أتردد على السجن مرة ثانية فثالثة فرابعة إلى الآن، وأكيد أني سأغادر السجن وأعود إليه مرات أخرى «مادمت حيا ولم أجد بديلا غير تجارة المخدرات» لأني الآن أمارس ترويج المخدرات كمهنة لا بديل لي عنها، يقول سعيد وهو يتأسف على حاله وحال أسرته الصغيرة، نظرا لغياب أي بدائل مهنية فهو لا يتقن أي حرفة وبالتالي يجد أسهل طريقة للربح وكسب لقمة العيش في تجارة المخدرات. سعيد الذي يتجاوز سنة ال60 سنة(أب لأربعة أطفال) كلهم يتابعون دراستهم بمستويات مختلفة يقول إن والده كان مقاوما معروفا لكنه حرم من جميع حقوقه حتى أنه تم حرمان عائلته من مأذونيات كان يمكن أن تكون سندا له في أزماته المالية وأن تساعده في إعالة أفراد أسرته وحتى عائلته الكبيرة التي يتحمل مسؤولية بعضها الآن. يقول سعيد»أنا مسؤول عن أسرة هي في أمس الحاجة إلي وكذا عن أفراد من عائلتي الكبيرة منهم بعض أخواتي، وبما أنني لا أمتهن أي حرفة وفي ظل غياب أي بدائل أجدني مضطرا كل مرة لمعاودة التجارة. فأنا أغادر السجن فقط لأؤمن مصروف أسرتي لعدة شهور في انتظار أن أغادر من جديد السجن وأوفر لهم مصروفهم لشهور أخرى وهكذا»..وهو يبكي حاله في ظل ظروف قال إنها «جد قاسية» ووضع اجتماعي «جد قاهر» إلى حد أن أسرته لا تجد أحيانا ما تسد به رمقها، فهو يختصر الطريق على نفسه لسد جميع حاجياتهم من خلال التجارة في المخدرات التي يكسب بها كثيرا، وسريعا وبسرعة أكبر يزج به في السجن من جديد. عبد الرحيم (سجين 58 سنة) دخل أول مرة إلى السجن بتهمة استهلاك الخمور بعدما اعتقل في حالة سكر طافح، وقد تسبب في جرح أحد الأشخاص، غير أنه خرج من السجن وقد تلقن «دروسا» في تجارتها بداخل السجن بعدما عاشر «متخصصين» في المجال فأصبح بدوره لا يخرج من السجن إلا ليعود له مرة ثانية، لكن التهمة اختلفت من الاستهلاك إلى الترويج. أحصى الرجل 13 مرة تردد فيها على السجن ومازال يجزم قاطعا أن لا مخلص له من هذه المهنة إلا الموت مادام يعيل بها عائلته على الرغم من أنه قضى جزءا كبيرا من حياته سليب الحرية. السجن بالنسبة لعبد الرحيم لا يختلف كثيرا عن خارجه وأحيانا يكون السجن ملاذا للهروب من مشاكل عائلية والتخفي وراء القضبان والانصهار في جو خاص اعتاده مع أصدقاء له بالسجن نسج معهم علاقات خاصة. سألنا سعيد إن كان قد اكتسب حرفة معينة بالسجن من خلال برامج إعادة الإدماج التي تهدف أساسا إلى إعادة تربية السجناء –حرفيا- وتأهيلهم مهنيا حتى يندمجوا في المجتمع ويقلعوا عن كل الممارسات التي تجعلهم ضمن خانة المجرمين لكن جوابه كان صادما، إذ أكد أنه لم يسبق أن تمت المناداة عليه للاستفادة من التكوين في أي حرفة، علما أنه يتمنى فعلا، رغم تقدمه في السن، أن يمتهن التجارة أو على الأقل أن يتم منحه دراجة ثلاثية العجلات لنقل البضائع أو ما شابه هذا حتى يقلع عن التجارة في المخدرات، لكن كل أحلامه البسيطة لم تتحقق. سعيد قال إن السجين يجب أن يؤهل أولا أخلاقيا، لكن، يقول، «من هذا الذي سيؤهله أخلاقيا ويصلح قاموسه اللفظي وهو يسب ويقذف بكلام نابي يندى له الجبين وعلى لسان قائمين على شأنه بداخل السجن يفترض أن يكونوا أكثر الحريصين على إعادة إدماجه. هؤلاء أنفسهم يحتاجون إلى إعادة تربية وإعادة إدماج وليس نحن السجناء». يضيف سعيد الذي خلص إلى القول «كون لقينا البديل كون ما نبيعوش المخدرات». وأضاف أنه حتى برامج التكوين المهني ومحاربة الأمية لا تشمل جميع المعتقلين» بل يتم المناداة على أشخاص معينين يستغلون هذه البرامج للترفيه عن أنفسهم»، يضيف سعيد وهو يتنهد بعمق « ما حاس بالمزود غير المضروب به». «الزعرة « اعتداء.. فشذوذ جنسي مراد(26 سنة) تحولت وسامته إلى قبح بعد أن عبث سجناء «مهووسون بالجنس» بجسده. عبث أفقده حتى رجولته وفحولته وتغيرت ملامحه واسود وجهه وأصبح أشبه بأبكم أصم في سن الخمسين من عمره فيما مازال في أوج شبابه. ينزوي الشاب في ركن بالغرفة التي ينزل بها وهو شارد الذهن كأنه لا يدري ما يدور في فلك الغرفة وبعض الأعين تتغامز عليه وتذكره بماضيه «المؤلم». دخل مراد السجن وهو قاصر، لكن جرمه عندما اعتدى على زوج أمه وعمره لا يتجاوز 17 سنة جعله يقبع وراء القضبان، بل إنه وضع في جناح الكبار لمسؤوليته الجنائية. كان الزوج يعنف والدته باستمرار وطالما التزم الصمت والألم يعتصر قلبه، لكنه قرر يومها أن يدافع عنها حيث وجه له ضربات متتالية فكان مصيره السجن بعدما تسلم زوج الأم شهادة طبية كانت كافية لتنتهي بمراد وراء أسوار السجن. هنا سيصدم القاصر بحياة «جهنمية» أخرى خلف القضبان سيتجرع فيها مرارة البؤس والحرمان من كل شيء حتى من القفة، حيث لم يكن يسأل أحد عنه لذلك كان لقمة سائغة في أفواه سجناء تجردوا من آدميتهم وأخذوا يستغلونه في الجنس لإشباع رغباتهم الحيوانية واغتصبوا براءته ومعها أحلامه ومستقبله وكذا صحته. استسلم الشاب لقضائه وقدره وكان لا يرفض أي طلب لممارسة الجنس عليه، حيث استغل في «القوادة» من طرف أشخاص معينين أخذوا يتلقون عنه مبالغ مالية تتراوح ما بين 300 و500 درهم واتسعت دائرة استغلال الشاب الذي اشتهر بلقب «الزعرة»، حيث كان أشقر الشعر ووسيما حتى من غير السجناء، وكان أشبه بدمية تتقاذفها أيادي طينة معينة من السجناء وغيرهم إلى أن أصبح «سلعة بور». قضى مراد سنة ونصف من السجن وخرج وهو يجهل ماذا يفعل وأين سيلجأ. توجه إلى والده الذي كان قد تزوج وكون أسرة أخرى فصده وطرده لذلك اختار زاوية بشارع محمد الخامس بالبيضاء بعد أن تحول من شاب وسيم إلى «شاذ جنسيا» وهو يعرض نفسه على زبنائه بمقابل مادي كان يقتات على مداخيله. اعتقل الشاب «الزعرة» بعدها وكل مرة يدخل إلى السجن ويخرج منه ويعاد إليه إلى الآن بتهمة الفساد وهو في ال26 من عمره حيث يقبع بسجن عكاشة. مل الجميع من جسد الشاب وما عاد يحرك غريزتهم إلى حد أن الشاب الذي كان في قمة الوسامة أصبح اليوم في قمة «القبح» وملامحه توحي بأنه مسن في الخمسين من عمره وليست ملامح شاب. حال مراد لا يختلف عن «سامر»(اسم مستعار 30 سنة) وهو الذي تم اقتياده إلى مخفر الشرطة بتهمة الفساد ومنه إلى السجن. دخل الشاب أول مرة بتهمة استهلاك المخدرات غير أنه أخذ يتردد على السجن بين الفينة والأخرى بتهمة الفساد بعدما تم استغلاله جنسيا من طرف بعض السجناء وتحول إلى شاذ جنسيا. نسبة عود تقدر ب99 في المائة يلقب السجن المحلي بابن جرير ب»دار مي اهنية» غرف صغيرة بداخلها مراحيض دون نوافذ للتهوية، سجناء يفترشون أغطية متسخة تعج بالقمل في ظل اكتظاظ يحرم النزلاء حتى من الحق في الفسحة، ليس هناك فصل دراسي ولا مركز للتكوين المهني، بل لا فرق هناك بين السجناء والموظفين الكل حبيس أجواء لا إنسانية تتعارض مع أبسط القواعد الدنيا للسجناء. نسبة العود ب»دار مي هنية» تقدر ب 99% الوجوه نفسها تترد كل فترة ولا تغادر السجن إلا لتعود إليه مرة أخرى. « قنوفة».. نصف عمر في السجن «قنوفة» شاب في عقده الثالث نشأ وترعرع ب»دار مي اهنية» منذ أن كان عمره 16 سنة يعرف كل زاوية من السجن بل بوسعه أن يتجول في الفضاء الضيق مغمض العينين. ألف التردد على المؤسسة لأكثر من مرة في السنة الواحدة بل إن الفترات التي قضاها ب»دار مي اهنية» تمثل زهاء نصف عمره، ما أن يلج السجن وهو معتقل احتياطي حتى يرتدي لباس ( الكونداني) ويستلم مهامه كمعاون يتولى النداء على السجناء للمحكمة أو الزيارة أو عيادة الطبيب، يستغل صفته هذه من أجل ترويج المخدرات وجلب الممنوعات، الشيء الذي يمكنه من قضاء فترة عقوبة دون الحاجة إلى زيارة ذويه المعوزين أصلا، بل إن ما يجمعه من مدخرات يمكنه من إيصال مبالغ مالية ومواد غذائية إلى أسرته، ينظر باستخفاف إلى شعارات التأهيل المعرفي والمهني، فالمندوبية غير قادرة على أن توفر له أجواء قضاء عقوبته في ظروف إنسانية تحفظ كرامته، فكيف لها أن توفر له إمكانيات التأهيل لحياة ما بعد الإفراج. واقع «قنوفة» هو نفسه واقع العشرات من نزلاء دار «مي هنية» التي تقف شاهدا على «فشل السياسة العقابية والتربوية والتأهيلية للسجون المغربية». «روبيش».. حرية داخل السجن وترويج للمخدرات بإحدى غرف حي المصحة بالمركب السجني عكاشة بالدارالبيضاء كان يقبع «روبيش» الذي اعتقل من قبل أمن الدارالبيضاء بتهمة الاتجار في المخدرات وتزوير أوراق سيارة، تم إيداعه بمصحة السجن لإصابته بداء السل وحول الغرفة بإيعاز من بعض الجهات حينها إلى نقطة لتوزيع الشيرا وأوراق التلفيف وعلب اللصاق «سيلسيون» على مختلف أجنحة عكاشة، في كل صباح كان يتولى ممرض حينها إيصال البضاعة ل»روبيش» الذي يوزعها على التجار بالتقسيط، حيث تتاح له إمكانية التجول بكل حرية وولوج مختلف الأجنحة دون الخضوع لأي تفتيش ذاتي. العملية نفسها تتكرر في الزوال، حجم ما كان يروجه «روبيش» يوميا يتعدى 5 كيلوغرامات وذلك مقابل إتاوات يدفعها كل جمعة واثنين وتختلف قيمتها حسب رتبة ومهمة الموظف. على الرغم من كثرة الإتاوات المدفوعة إلا أن «روبيش» تمكن من جمع مبالغ مالية هامة يسرت له اقتناء عقارات خارج أسوار السجن وما أن غادر المؤسسة حتى أغرته عائدات تجارة المخدرات المحمية للعودة من جديد، خاصة وأن « مالين الوقت» شجعوه على العودة فتجارة المخدرات داخل الفضاء السجني محمية وليست لها أي مخاطر مهنية أو متابعات قضائية باستثناء حالات محدودة يراد بها ذر الرماد في الأعين. دمج العقوبات..فصل قانوني «معلق» عبد الجبار»اسم مستعار»، تم اعتقاله بسبب إصداره لشيك بدون رصيد، فحوكم بأربعة أشهر نافذة، وبعدها تمت متابعته بعقوبة ثانية مدتها ستة أشهر، وبعدما تقدم بطلب إلى المؤسسة السجنية بدمج العقوبة طبقا للفصل 120 تم رفض طلبه، فأتم المدة المحددة في العقوبتين وزاد عليها بشكل «مجحف». حالة عبد الجبار هي فقط واحدة من حالات متعددة لسجناء يزيدون من حدة الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية بسبب سياسة «غير واضحة» و»عشوائية» في أحيان كثيرة. فكل سجين يكلف الدولة ميزانية معينة وأن هذه الميزانية تتحول إلى خسارة لها في حال انقضت مدة عقوبته ولم يغادر السجن، نظير حالة عبد الجبار الذي كان يفترض أن تدمج عقوبته. فالقانون الجنائي في الفصل المذكور سابقا يقول « في حالة تعدد جنايات أو جنح إذا نظرت في وقت واحد أمام محكمة واحدة، يحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقرر قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد. أما إذا صدر بشأنها عدة أحكام سالبة للحرية، بسبب تعدد المتابعات، فإن العقوبة الأشد هي التي تنفذ.غير أن العقوبات المحكوم بها، إذا كانت من نوع واحد، جاز للقاضي بقرار معلل، أن يأمر بضمها كلها أو بعضها بشرط ألا تتجاوز الحد الأقصى المقرر في القانون للجريمة الأشد.» وبالعودة إلى الهدف الثالث من ميثاق إصلاح منظومة العدالة نجد بأنه تم التنصيص على وضع نظام التخفيض التلقائي للعقوبة يعتمد على مقاربة تحسن سلوك السجين ومدى إصلاحه في برامج التأهيل لإعادة الإدماج. وإحداث هيئة أو وحدة للتنفيذ الزجري، تتولى التحصيل الرضائي والجبري للغرامات المحكوم بها، وغيرها من الآليات التي تساعد في إدماج السجناء وتأهيلهم. كما تم التنصيص على مراجعة النصوص القانونية التي تتضمن فوارق شاسعة بين الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة وإلزامهم بتعليل قراراتهم بشأن العقوبة المحكوم بها، وتبسيط شروط تطبيق الآليات القانونية المتوفرة لمراجعة العقوبة، سيما الإفراج المقيد بشروط ونظام ضم وإدماج العقوبات. وأيضا تبسيط الإجراءات والمدد المتعلقة برد الاعتبار، بما يساهم في تسهيل إدماج السجناء بعد الإفراج عنهم. ووضع نظام يساهم في الحد من حالات العود للإجرام، تشارك فيه جميع القطاعات الحكومية المعنية ضمن حدود اختصاصاتها. سجناء «الفشوش» «المحابسية عندنا مفششين بزاف « بهذه العبارة بدأ العربي «سائق طاكسي» حديثه على خلفية ذلك الحادث الذي ذهب ضحيته مسنان يقطنان بالحي المحمدي في الدارالبيضاء بعدما قام بقتلهما أحد الأشخاص من ذوي السوابق العدلية، فالسائق لم يتقبل كيف أن سجينا حديث الخروج من السجن يقوم بتلك الجريمة «البشعة» في حق عجوزين لا حول لهما ولا قوة، الأمر الذي جعله يتهم المجتمع بالتسبب في حالات العود، ففي نظره «الفشوش» الذي يعيشه السجناء في السجون هو الذي جعلهم يتمادون في الجرائم. وأضاف المتحدث كيف يعقل أن المسجون يطالب أسرته بالقفة كل أسبوع علما أن الكثير من الأسر ليس بمقدورها تدبر مبلغ تلك القفة، ورغم ذلك تستجيب لطلب المسجون إما خوفا منه أو حبا فيه، فالأم المسكينة التي حباها الله بالحنان لا تستطيع ترك فلذة كبدها في السجن دون أن تزوره، وقد تكلف نفسها أكثر من طاقتها لكي تشتري له ما يريد. وأكد المتحدث إنه في إحدى المرات التي كان يقل فيها إحدى الأمهات أكدت فيه أن ابنها المسجون طلب منها شراء حذاء يبلغ ثمنه 2500 درهم، فقال صدمت من قولها، خاصة وأن ابنها يهددها إن هي لم تشتريه، السيدة نفسها كانت ستكون ضحية لغطرسة وظلم ابنها الذي كان سيورطها في عملية إدخال المخدرات إلى السجن بدون أن تدري لولا فطنة المرأة التي قال السائق عملت على تفتيش علب «دانون» التي أتى بها صديق ابنها إليها بحيث وجدت فيها كميات من المخدرات قامت بإتلافها لتذهب إلى الابن بعلب عادية، الأمر الذي خلق صراعا بين الابن وصديقه، جعل المرأة تثور في الأخير في وجه ابنها وتقول له « ماحرامش عليك يا ولدي دخلتي للحبس وباغي دخلني معاك» . فقصص كثيرة تتحدث على أن مجموعة من المساجين يعيشون حياة «الرفاهية» في السجن وكل شيء متوفر لهم، الأمر الذي جعلهم لا يهابون دخول السجن مجددا، ومن القصص الطريفة التي حكيت لنا كيف أن أحد المجرمين كان داخل السجن يتابع علاج أسنانه ولما انتهت المدة السجنية اضطر إلى الخروج دون إتمام علاج أسنانه، فما كان عليه إلا أن يقترف جرما جديدا يعيده إلى السجن ليتمكن من استفادته من العلاج . السائق الذي يمثل نموذجا لرأي المواطن البسيط اقترح بأن تقام سجون في أماكن بعيدة عن محل سكنى المجرمين حتى لا تتمكن أسرهم من زيارتهم فيعرفوا بقيمتها، وأيضا أن يتم التنصيص على ضرورة اشتغال السجناء في الأشغال التي تحتاج إلى مجهود عضلي بدل تركهم في السجن يأكلون وينامون في رفاهية دون عمل. عقوبات بديلة باطلاعنا على نص ميثاق إصلاح منظومة العدالة نجد أن الهيئة العليا، أوردت في الهدف الرئيس الثالث من الميثاق مسألة « تعزيز الحقوق والحريات»، يضم ستة أهداف فرعية تضم 34 آلية تنفيذ، اشتغلت فيها الهيأة العليا بهدف مراجعة سياسة التجريم ونهج سياسة جنائية جديدة تتلاءم مع ما وقع عليه المغرب من اتفاقيات دولية متعلقة بمكافحة الجريمة وبحقوق الإنسان، وإقرار ضمانات جديدة للمحاكمة العادلة، وأنسنة ظروف العقوبات السجنية. وتهدف هذه الآليات إلى إرساء سياسة عقابية ناجعة وإقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية مع وضع آليات قانونية لتجنيح الجنايات ذات التأثير البسيط، بما يضمن التناسب بين الجريمة المقترفة والعقوبة المقررة لها. كما تم الحرص على توسيع صلاحيات قضاة تطبيق العقوبة في مجال التنفيذ الزجري لتشمل صلاحيات قضائية، ومراقبة مدى احترام ظروف أنسنة تنفيذ العقوبة وتحسين ظروف إقامة نزلاء المؤسسات السجنية بما يحفظ كرامتهم ويسهم في إعادة إدماجهم. وكان تقرير للمجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان قد أصدر سنة 2012 تقريرا حول المؤسسات السجنية بالمغرب، أظهر أنّ حوالي 7000 شخص من السجناء هم من المحكومين بمُدد أقلّ من ستة أشهر، في إطار مخالفاتٍ وجنح بسيطة، وهو ما يرى فيه المجلس ضرورة مُلحّة، إلى إدماج وتنويع العقوبات البديلة في المنظومة الجنائية الوطنية، بحيث شرع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في التشاور مع مختلف الفعاليات، للبحث عن عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، وذلك من خلال ندوة دوليّة بمدينة الرباط نظمها سنة 2013، شارك فيها خبراء وطنيون ودوليون مختصون في مجال العقوبات البديلة. ومن خلال هذه الندوة تم فتح نقاش حول آفاق تطبيق العقوبات البديلة في المغرب في ظل الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون. وتشمل التوصيات التي خرج بها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في هذه الندوة، التنصيص على عقوبات بديلة في القانون الجنائي، كالخدمة من أجل المنفعة العامة، بدون أجر، وعقوبة الحرمان من رخصة السياقة، مع مراقبة وتتبع تطبيق العقوبات البديلة والتأكّد من صحّة تنفيذها وفعاليته ومدى فائدتها في تقويم سلوك المحكومِ عليه. ومن بين الإجراءات التي تحدث عنها مجموعة من المتخصصين في المجال إجراء الوساطة الجنائية كإجراء لتدبير النزاعات في مسعى لبلوغ هدفين متكاملين، يتمثل الأول في تحقيق عدالة متفاوض حولها، ليست بالضرورة جنائية، والثاني في تحقيق عدالة علاجية تصب في مصلحة الضحية، إضافة إلى نهج الخدمة التي تصب في خانة المصلحة العامة، والغرامات المالية، وتقليص مدة العقوبات داخل أسوار السجون، وهو ما يساهم في تفادي مشاكل رعاية نزلاء السجون. قسوة المؤسسات والمجتمع تظل حالات العود لدى الكثير من السجناء حالة شبه طبيعية في المغرب، لكنها معادلة معقدة، فبالإضافة إلى مجموعة من العوامل والأسباب التي تساهم في ارتفاع هذه الحالات إلا أن هناك أيضا اختلالات تعتبر عاملا رئيسا وحاسما في تنامي هذه الحالات، خصوصا أن البعض تمكن من مراكمة ثروات خيالية من عائدات ترويج الممنوعات داخل السجون بشكل «لا يفهم إطلاقا». وفي الوقت الذي يفترض أن يكون السجن مركزا لإعادة التأديب والعقاب للمساعدة على إدماج السجين في المجتمع من جديد، تعتبر بعض المؤسسات بؤرا سوداء للاتجار في المخدرات وغيرها من الممارسات المخلة، الأمر الذي يجعل فئة من السجناء تعيش في زنازين مصنفة، أصبحت تسمى «زنازين خمس نجوم»، كما تساعدهم الحرية «المطلقة» على تحقيق دخل مالي مهم، لذلك فإن أغلب المنحرفين يفضلون «المكوث» داخل السجون، خاصة في فصول معينة «فصل الشتاء». فالسجين، حسب مصادر أمنية، «لا مشكل عنده في أن يسجن طول السنة باستثناء عيد الأضحى. وهناك بعض السجناء يفضلونه لأنه يمكنهم من الانخراط في ممارسات معينة-مخلة أحيانا- لا يمكنهم ممارستها خارج السجن». كما يفضل بعض السجناء قضاء مدد طويلة بالسجن لأنه يشكل «مصدر رزق لهم» ويجنون أرباح مهمة أفضل بكثير من الخارج. لا يجادل أحد في أن الكثير من المتهمين بارتكاب الجرائم سرعان ما يعودون إلى السجن، والغريب أنهم يتباهون بكثرة العقوبات التي قضوها بالسجون، وليس العكس، وهو ما يعني أن ظاهرة العود تكون بمحض رضا «العائد»، الذي يشعر بأن العالم الخارجي يضيق به فيفضل الرجوع سريعا إلى زنزانته، لأنها الأفضل. لكن للسجناء العائدين رأيا آخر، إذ يرى الكثير منهم أن المشكلة ترجع إلى قسوة المؤسسات والمجتمع، حيث ينظر الكثير منا إلى سجناء سابقين بكل احتقار وازدراء وكذا التخوف منهم، خاصة عندما يكون وجه السجين السابق وأجزاء من جسده تحمل بثورا لأسلحة بيضاء لا يمكن أن تندمل وتختفي يوما، مما يجعله مشتبه فيه لأول وهلة، حيث ترتسم على ملامح الكثير منا تعابير الخوف والانزعاج، وهذا أكبر عامل يساهم في ارتفاع حالات العود إلى السجون، لأنها ربما أصبحت في أعينهم أكثر رحمة من المجتمع الذي أنجبهم. فالسجين الذي يعود عشرات المرات إلى السجن يفقد المجتمع الثقة فيه ويهمله ويقصيه وهو ما يقوي فيه رغبة العودة إلى السجن في كل مرة. وخلاصة القول، حسب عارفين في المجال، إن بعض المؤسسات السجنية لم تعد مدرسة وفضاء للتربية والتأهيل، وإنما تحولت إلى معهد لتفريخ الجريمة والانحراف، مما يوجب إعادة رسم خريطة السجون وإجراء تعيينات جديدة تهم موظفين لهم الرغبة في العمل وإرادة حقيقية للإصلاح مع إقرار برامج تأهيلية وإصلاحية للتقليص من حالات العود التي تصل نسبتها في بعض السجون إلى 70 في المائة، مما يؤشر على أن الأمر يتعلق بخلل ما. بوبكر.. توبة بعد 14 سنة من السجن غزالي بوبكر شاب في عقده الثالث تحول إلى شاب وديع بعدما ضيع 14 سنة من عمره قضاها متفرقة بين ثلاثة سجون هي سجن العدير بالجديدة وسجن عين البرجة بالدارالبيضاء وسجن عكاشة.. كان الشاب ذو البنية الجسمانية القوية الذي يمارس رياضة الملاكمة، يزعج الحي الذي يقطن به بسبب خصامه الدائم و«مبارازاته» العنيفة التي يكون الشارع مسرحا لها، عراكه الدائم والحس الزائد بقوته وجبروته جعل جميع أبناء حيه يحتمون به وكأنه بطل قومي، إذ سرعان ما يعربد ويفقد جادة صوابه ويمطر غريمه بالضرب والجرح ويدخله إلى المستشفى في حالة خطيرة، وكل الاعتداءات التي كانت تصدر عنه يقول إنها كانت تتم بسبب استهلاكه لحبوب الهلوسة وللدفاع عن أبناء حيه الذي قال إنهم بمثابة أشقائه، فكان يحصد بها المزيد من سنوات السجن إلى أن راكم 14 سنة ضيعها خلف القضبان بسبب «الضسارة» ولحظات الطيش. بوبكر قرر الانصراف عن كل تلك التصرفات التي تجعل منه معربدا و»شمكارا» يهابه الجميع بعدما أضحى معروفا وسط الحي بإجرامه، إذ يدخل إلى السجن بالتهمة نفسها خلال 11 مرة. قرر أن يتحول إلى مواطن صالح وأن يلتزم بالصلاة ويتحلى بالأخلاق الحميدة ويعيش حياته العادية وألا يعود إلى السجن من جديد مهما كان مظلوما، وتحول إلى شاب وديع متخلق. اندمج الشاب في المجتمع وهو اليوم يمتهن حراسة الدراجات ببلوك الكدية 8 بالحي المحمدي بالدارالبيضاء لكنه يرجع الفضل كله لله ولعزيمته في التغيير وليس لشيء آخر. فلا موظف بالسجن يلقن الأخلاق، بل على العكس السجن يحول بعض المبتدئين إلى مجرمين محترفين بسبب الاحتكاك مع سجناء يحترفون السرقة بالعنف أو.. بوبكر قال إنه لم يسبق أن استفاد من أي محاربة للأمية ولم يلقن أي حرفة أو تكوين طيلة السنوات التي قضاها بالسجن، وأن برامج التربية والتكوين التي توجد بالسجن أبدا لم تكن وراء توبته النصوح بل إنه قرر من تلقاء نفسه الإقلاع عن هذه التصرفات، ومل من التردد على السجن وأحس بضرورة التغيير واستشعر معنى أن يكون شخصا مسلوب الحرية وكيف أن طيشه أفقده الحرية 14 سنة من عمره كان يمكن أن تكون سنوات ربيع له يحقق فيها أحلامه وطموحاته ويجني فيها ثمار التعليم ويكون فردا صالحا في المجتمع. حبوب الهلوسة يقول بوبكر هي السبب الأساسي في كل الجرائم التي ترتكب وأن الإقلاع عن استهلاكها يعني «تطليق السجن» طلاق الثلاث ودعا كل الشباب إلى عدم التعاطي للسموم حتى يكونوا مواطنين صالحين. بعض الدول لديها مدن سجنية يجبر فيها السجين على القراءة والكسب ويخضع لمراقبة «قاسية» - نلاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا لعدد السجناء الذين يعودون للفعل الإجرامي أكثر من مرة رغم قضائهم عقوبة حبسية معينة. ما هو تعريف العود في القانون؟ يقصد بحالة العود إلى الجريمة في القانون الجنائي ارتكاب فعل إجرامي بعد صدور حكم بات في جريمة سابقة، وهو من أسباب تشديد العقوبة تبعا لحالة العود ذاتها هل هو عود بسيط أم متكرر، ويتحقق العود باعتبار الجريمة الثانية مستقلة عن الجريمة الأولى موضوع الإدانة. - ماهي أسباب حالة العود في المغرب في نظركم؟ نحن هنا أمام مجرمين معتادين أو محترفين، يصعب إحجامهم عن ارتكاب الفعل الإجرامي، وهذا نتيجة عدة عوامل، منها التنشئة الاجتماعية، اللامبالاة، فالأمر لا يتعلق بمجرم بالصدفة أو نتيجة عوامل عاطفية، بل يقصد القيام بهذه الأفعال التي أدمن عليها، وكم من مجرم ضبط متلبسا بفعل إجرامي جديد فور خروجه مباشرة من السجن، فالأمر يتحول إلى نشاط عادي عند المجرم، خصوصا عند حاجته للمخدرات لتسكين إدمانه، فضلا عن غياب طرق تقويم السجناء داخل السجون. فالتقويم والتكوين هو الأساس سواء تم ذلك بشكل استباقي، أو بعد ارتكاب الفعل الإجرامي وفق منظومة دقيقة في أفق الحد من الجريمة. - هل المقاربة الردعية كافية لمحاربة العود لدى السجناء أم نحن في حاجة إلى مقاربة تأهيلية لإدماجهم في المجتمع؟ الجريمة تتغير بتغير الزمان والمكان، وطبيعي أن تظهر جرائم، نتيجة الجرأة والحماية بعد الربيع العربي، وما عرفته الكثير من الدول العربية بما في ذلك المغرب. كما أن البطالة وغياب أمكنة لتفريغ الطاقات واستشراء المخدرات له دور كبير هنا. ثم إن السجن لا يقوم بدوره كما يجب، بحيث أصبح مكانا للانتظار لا أقل ولا أكثر، إضافة إلى ظاهرة القفة، حيث يعيش السجين داخل السجن في أفضل حال، فهو ينعم بتغذية ممتازة غالبا ما توفرها له الأسرة، لهذا فطبيعي أن تتناسل الكثير من الجرائم التي قد تتسم بالذكاء كما هو الشأن بالنسبة للجرائم الإلكترونية. إذن لابد من إعادة النظر في المنظومة السجنية، والتركيز على العمل والإنتاج والتقويم والتعليم بشكل إجباري، ففي بعض الدول الآن هناك مدن سجنية، يعيش داخلها السجين كأنه في بيته، يشتغل، يكسب، يطبخ، يبيع ويشتري، ملزم بالقراءة، وفق منظومة صارمة، ومراقبة قاسية، حيث يتخرج المسجون وقد تربى على العمل والكسب وذاق نكهة النجاح، و يستمر النهج نفسه خارج السجن. محمد الأزهر* أستاذ في علم الإجرام عز الدين بلماحي *: السجون تعرف اكتظاظا كبيرا بسبب عدم تفعيل العقوبات البديلة - ماهي التدابير التي اتخذتها المؤسسة فيما يخص إدماج السجناء داخل المجتمع؟ إن إحداث مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء لا ينفصل عن مضامين المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي الذي ما فتئ جلالة الملك يرسي دعائمه من أجل بناء دولة الحق والقانون وتكريس مجتمع العدالة والمساواة، كما أنه يندرج في صلب التنمية البشرية التي تتأسس على مفهوم الاهتمام بالإنسان في مختلف المجالات، ومن أهم أهداف المؤسسة تحسين ظروف الإقامة بالمؤسسات السجنية وتتوزع تدخلات المؤسسة في هذا المجال إلى ثلاثة مستويات وهي البنيات التحتية، التجهيز، التكوين: ففيما يخص البنيات التحتية، فالمؤسسة تعمل على تأهيل بنيات الاستقبال من خلال الانخراط في مشاريع الإحداث والترميم والتوسيع، وبناء محترفات جديدة للتكوين المهني وباحات للاستقبال وقاعات العلاج والدراسة والتنشيط الثقافي والرياضي. أما التجهيز، وأملا في أنسنة الفضاء السجني وتوفير شروط الراحة وتقوية الاستعدادات الفردية للإدماج ، فالمؤسسة تعمل جاهدة، بفضل تدخلاتها وتدخلات شركائها على تدعيم مختلف التجهيزات التي تحتاجها مؤسسات السجون ومراكز حماية الطفولة. والمؤسسة تعتبر النزلاء مواطنين يتمتعون بجميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن المغربي خارج أسوار السجن، فالحرمان من الحرية لاقتراف خطأ في حق المجتمع والقانون لا يحرم من الكرامة والحقوق وهذا ما جاء في الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة القضائية في 29 يناير 2003 بالقول: « إن ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يكتمل، إلا بما نوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية». وبالإضافة إلى هذه التدخلات المركزية في اشتغال المؤسسة، نجد تدخلات أخرى تتخذ طابعا اجتماعيا خالصا في تقريب النزلاء من أسرهم والاهتمام بحل بعض المشاكل التي تعترض مسارات إدماجهم، كما تتخذ هذه التدخلات طابعا إنسانيا عبر الاهتمام بصحة السجناء وتسهيل عمليات الاستشفاء والتطبيب. - المؤسسة تمول مشاريع هامة لكل سجون المملكة سواء من خلال إحداث مراكز للتكوين المهني أو تجهيز مصحات أو تمويل مشاريع مدرة للدخل فمن أين تستمد المؤسسة مواردها المالية؟ تستمد المؤسسة مواردها من أريحية رئيسها جلالة الملك محمد السادس نصره الله مؤسسة محمد الخامس للتضامن تبرعات أعضاء المجلس الإداري خاصة الفاعلين الاقتصاديين منهم. تبرعات مساهمة القطاعات الشريكة حساب خاص بمساهمة الشركاء، هذا الحساب يدار من طرف المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل الذي له الخبرة والمهنية فيما يخص بناء مراكز التكوين وتجهيزها وتدبيرها حيث يشرف هذا المكتب على التكوين المهني داخل المؤسسات السجنية بالبرنامج نفسه والحصة الساعاتية نفسها، ويسلم الشواهد دون الإشارة إلى المؤسسة السجنية حتى يمكن تصريفها في البحث عن الشغل، كما أن خريطة التكوين المهني تضم المراكز الموجودة داخل المؤسسات السجنية. - هل ترون أن شعب التكوين المهني وفصول الدراسة ساهمت في الحد من حالات العود وسط السجناء؟ يتخذ التكوين مسارين من الفعل والحضور، فالأول مرتبط بتأهيل الموارد البشرية عن طريق تنظيم دورات للتكوين واستكمال التكوين لفائدة مختلف العاملين بهذه المؤسسات، وذلك داخل الوطن وخارجه، حتى تصبح هذه الموارد البشرية مؤهلة لترجمة فلسفة إعادة الإدماج على أرض الواقع ويصبح موظف المؤسسة السجنية مصاحبا اجتماعيا رسالته مصاحبة النزيل من أجل إعادة إدماجه داخل الوسط الاجتماعي والاقتصادي. أما المسار الثاني من التكوين فيتصل بالنزلاء الذي تنشغل المؤسسة بتمكينهم من فرص الاندماج السوي عن طريق تعلم حرفة ما خلال مدة الاعتقال أو استكمال الدراسة ومحو الأمية وبناء المشاريع الاقتصادية. وتعمل المؤسسة في اشتغالها وتعاطيها مع سؤال الإدماج وإعادة الإدماج في إطار تشاركي ومندمج وتولي أهمية بالغة لتدخل مختلف الأطراف المعنية بالسجون ومراكز حماية الطفولة، سواء تعلق الأمر بالقطاعات المكونة: وهي التعليم من طرف وزارة التعليم، التكوين المهني من طرف المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل، التكوين الفلاحي من طرف وزارة الفلاحة، التكوين في الصناعة التقليدية من طرف وزارة السياحة والصناعة التقليدية. أو القطاعات التي تسدي الخدمات وهي وزارة العدل، وزارة الشبيبة والرياضة، وزارة الصحة، وزارة الثقافة. المؤسسة عملت منذ البدء على توطيد علاقاتها المؤسسية مع القطاعات الوصية على تدبير مؤسسات السجون ومراكز حماية الطفولة، كما عملت على إشراك قطاعات أخرى عمومية وشبه عمومية وخاصة في تدبير هذه المؤسسات وتحسين بنيات استقبالها مع التركيز دوما على الإنصات لصوت المجتمع المدني لما له من دور بارز في إنجاح عملية الإدماج. - نعلم أن المؤسسات السجنية تشهد اكتظاظا كبيرا وأن أغلب السجناء هم من ذوي السوابق العدلية فكيف يتم التعامل معهم؟ صحيح، تعرف المؤسسات السجنية اكتظاظا كبيرا، ويشكل الاحتياطيون 45 إلى 50 في المائة من مجموع النزلاء، وهذا راجع إلى: عدم تفعيل العقوبات البديلة من قبيل: الإفراج المقيد بشروط، إيقاف التنفيذ، تغيير التدبير بالنسبة للأحداث، التدابير الوقائية الشخصية، الإفراج المؤقت التلقائي، السراح المؤقت بموجب كفالة عينية أو شخصية، ثم إن السجن هو الملاذ الأول في القضاء. كما أن برنامج إعادة إدماج نزلاء المؤسسات السجنية حد كثيرا من ظاهرة العود لدى النزلاء الذين تم تتبعهم واستفادتهم من هذا البرنامج، فآخر دراسة قامت بها المؤسسة عن حالات العود في صفوف النزلاء الذين استفادوا من التتبع أثبتت أن عددهم لا يتجاوز 3 في المائة من المستفيدين. وهذا يدل على نجاعة هذه المقاربة. فتأهيل النزيل ورد الاعتبار لشخصه ووضع الآليات بين يديه والإنصات إليه ومصاحبته لحل جميع المشاكل التي تعيق إعادة إدماجه، كل هذا يؤدي بالضرورة للتغيير والاندماج الفعلي. - كيف تقيمون في مؤسسة محمد السادس أداء مراكز التكوين المهني وهل تغطي حاجيات الفئة المستهدفة؟ تقوم المؤسسة بتفعيل برنامج مندمج يتمحور حول التكوين المهني والتعليم بمكونات عديدة تصب كلها في تهييء النزيل لإعادة إدماج فعلي في المجتمع وسوق الشغل وبالتالي جعل المؤسسة السجنية فضاء لاكتساب كل ما يمكن أن يسهل إعادة الإدماج، بحيث يصبح السجن مدرسة الفرصة الثانية، كل هذا بهدف مقاومة إعادة إنتاج ظاهرة العود. فمنذ وصول النزيل إلى المؤسسة السجنية تتكفل مصلحة التهييء لإعادة الإدماج بتقوية الاستعدادات الإصلاحية وتثمين المؤهلات الفردية والجماعية، وبحث مختلف الأسباب الكامنة وراء جنوحه، لفهم وتفهم النزيل، وتمكينه من مشروعه الشخصي، ومباشرة بعد انقضاء فترة العقوبة يتم ربط الاتصال به وتتبعه في إطار مركز الرعاية اللاحقة، بمصاحبته على إيجاد فرصة شغل أو تمويل مشروع في إطار الأنشطة المدرة للدخل، ومساعدته على تجاوز مشاكله الإدارية والقضائية والصحية، وكل ذلك في أفق إدماجه وضمان عدم عودته إلى الانحراف. - ما هي أهم إنجازات المؤسسة بخصوص إعادة إدماج حاملي دبلومات التكوين المهني من السجناء السابقين؟ الإدماج السوسيو مهني والذي يعتبر خريطة الطريق بالنسبة لمؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء لا يعني فقط الإدماج داخل سوق الشغل، بل يتعدى ذلك بالاشتغال في المحور الصحي وكذا العائلي والقضائي والإداري. أما بالنسبة لتمويل المشاريع المدرة للدخل فمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تقوم بعقد اتفاقيات شراكة مع اللجن المحلية للتنمية البشرية، (نظرا لأن هذه الشريحة تدخل في إطار خريطة الهشاشة)، وتقوم هذه اللجن برصد غلاف مالي لتمويل المشاريع الصغرى بشراكة مع مؤسسة التوفيق للقروض الصغرى التي تقوم بتكوين حاملي المشاريع في تقنيات تفعيل وتدبير وإنجاح المشاريع. - هل هناك تطور مالي فيما يخص الميزانية المرصودة لتأهيل وإدماج السجناء؟ طبعا تعرف مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تطورا ماليا فيما يخص الميزانية المرصودة، خصوصا وأن هناك تزايدا في عدد المراكز المنشأة سواء تعلق الأمر بمراكز التكوين المهني والتي يتم إنشاؤها داخل المؤسسات السجنية وكذا مراكز الرعاية اللاحقة والتي يتم إنشاؤها خارج المؤسسات السجنية. وقد استطاعت المؤسسة إعادة إدماج مجموعة من حاملي دبلومات التكوين المهني من السجناء السابقين داخل النسيج الاقتصادي سواء بوضعهم في مشروع فردي أو بإدماجهم داخل سوق الشغل عن طريق مقاولات أو شركات مواطنة وذلك كالأتي: بالنسبة للمستفيدين من المشروع الفردي:782 مشروعا. وبالنسبة للمدمجين في سوق الشغل:3142 مستفيدا. * منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء وعضو المجلس الإداري أعد الملف - نزهة بركاوي- هيام بحراوي