إذا كان الواقع في المحيط الخارجي هو المخدرات والكالا والشيرا وعقاقير الهلوسة المتداول في أوساط الشباب بالقرقوبي، فما عساه يكون داخل الزنزانات. المعطيات التي تقدم من حين لآخر حول السجون المغربية لا تبعث على الارتياح، وما في الأمر من تهويل إذا كانت الأرقام تنطق بما تنطق به ولا تحتاج إلى تبريرات بخطاب التهدئة. فآخر المؤشرات تؤكد أن 64 في المائة من نزلاء المؤسسات السجنيةعازبون، وهذا ربما ما يفسر التنبيهات التي وردت على تقارير الهيئات الحقوقية واللجنة الاستطلاعية عن مجلس النواب بشأن الشذوذ الجنسي والميولات الجنسية المنحرفة وما يترتب عنها من إشكاليات صحية ونفسية واجتماعية وأخلاقية، بل إن التقارير أكدت وجود زنزانات خاصة بالشواذ الجنسيين. معطى آخر مثار قلق وتخوف وهو أن 7 سجناء من أصل عشرة هم في حالة العود، أي يكررون الجرائم، معنى ذلك أنهم نزلاء ألفوا الزنزانات، وهذا الرقم يرد من كتابة الضبط بسجن عكاشة بالدار البيضاء، حيث تسجل نسبة 70 في المائة من مرتادي هذه المؤسسة السجنية كحالات العود، فيما 30 في المائة يلجون لأول مرة المؤسسة. وفي هذا السياق كان أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب قد نبهوا خلال مناقشة خلاصات اللجنة الاستطلاعية وبحضور المندوب السامي المكلف بالسجون إلى إشكالية الإدماج وإعادة الإدماج المطروحة بحدة فيما يخص النزلاء، حيث يؤكد الواقع احتراف المترددين على السجون الجريمة أكثر من البداية وتزايد حدة العدوانية والرغبة الانتقامية، ونادوا بضرورة الأخذ في الاعتبار الفصل بين النزلاء بناء على الجنح والجرائم والأفعال المرتكبة، موازاة مع الدعوةإلى اضطلاع المركبات السجنية بأدوارها الإصلاحية وتكثيف التكوينات القاصدة إلى انتشال السجناء من براثن الجريمة. نضيف إلى هذا الواقع أن 48 في المائة من السجناء يقبعون داخل السجون في إطار الاعتقال الاحتياطي، وهذا ما يسبب حالة الاكتظاظ داخل المؤسسات التي تأوي حاليا ما يفوق 70 ألف سجين. وترى عدة جهات أن مواجهة إشكالية الاعتقال الاحتياطي ومعها ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون تكمن في العقوبات البديلة سيما وأن حوالي 60 في المائة من السجناء يقضون عقوبات تقل عن السنتين. وتفيد مصادر أن وزارة العدل بصدد الاشتغال على تصور مندمج حول العقوبات البديلة للمتابعات التي يقضي فيها القضاء عادة بشهور معدودة أو سنوات محددة تقل حسب المصادر ذاتها عن الخمس سنوات وخاصة بالنسبة للذين يرتكبون أفعالا لأول مرة. وتتضمن الرؤية التي تعكف عليها مصالح الوزارة الحرمان من بعض الحقوق المدنية أو إنجاز بعض الأعمال في إطار المنفعة العامة، وهي استراتيجية يعرف فيها النظام العقابي البريطاني نجاحا كبيرا، وقد حذت عدة دول حذو هذا التوجه. وينتظر أن توقع هذه العقوبات البديلة على الأشخاص المتورطين في جرائم بسيطة ولا يشكلون خطرا على المجتمع، وتبقى السلطة التقديرية في ذلك لهيئة القضاء مع تحديد نوع الخدمة التي يفترض أن يؤديها الشخص المعني وأساسا حسب «البروفيل» التي يغطيه أو طبيعة النشاط الذي يزاوله.