جمال الدين بن العربي تعتبر النرويج من بين الدول التي تأثر اقتصادها بانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية. وسبق للسلطات الاقتصادية للنرويج، البلد الواقع في شمال أوروبا، أن شددت على أن انخفاض سعر البرميل الواحد إلى أقل من 70 دولارا قد يجعل الشركات النفطية بالبلاد تعيد ترتيب أوراقها الاستثمارية بفعل تراجع العائدات. وقد أدى التراجع في أسعار النفط إلى أن يبقي البنك المركزي النرويجي معدلات الفائدة بدون تغيير لعدة شهور. واعتبر مراقبون أن مظاهر الازدهار، التي بدت على النرويج في السنوات الأخيرة، والتي ارتفع بموجبها الدخل الفردي في بلد يبلغ عدد سكانه نحو خمسة ملايين نسمة، جعلت العديد من الأفراد يعيشون على الإعانات التي تقدمها الدولة بفعل الوفرة المالية، إلا أن ذلك سرعان ما تأثر بفعل تغير الظروف الاقتصادية والمالية للبلاد المعتمد على النفط والغاز. ولهذا سلط مسؤولون ماليون في البلاد الضوء على ما اعتبروه خروج مئات آلاف الأشخاص من دائرة الإنتاج وقوة العمل بالبلاد بفعل الرفاه الذي يعرفونه. وعلى الرغم من أن طلب الأسر ما يزال قويا وارتفاع أسعار النفط القليل الذي يحدث بين الفينة والأخرى يؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد النرويجي، إلا أن ارتفاع معدل البطالة والنمو الضعيف للأجور قد يتسبب في إثارة القلق بشأن الفترة المقبلة. وقد ألقت أزمة تدفق اللاجئين على القارة الأوروبية، وخاصة بلدان شمال أوروبا، ومن ضمنها النرويج، بثقلها على تفكير بعض الاقتصاديين الذين يتخوفون من تراجع قيمة الأجور في بعض المهن والخدمات، إذا ما تمت الاستعانة باللاجئين للعمل في هذه القطاعات برواتب أقل، وبالتالي تزايد معدل البطالة التي بدأت تسجل أرقاما غير مسبوقة. فبحسب معهد الإحصاء بالبلاد، سجل معدل البطالة أعلى مستوى له منذ عشر سنوات، إذ استقر في شتنبر الماضي عند 4.6 في المائة، نتيجة انخفاض أسعار النفط والغاز، وهو القطاع الذي يمثل أكثر من 50 في المائة من صادرات البلاد. وتم تسجيل 127 ألف عاطل في شتنبر الماضي، أي بارتفاع بنحو 5 آلاف عاطل مقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة. وكان عدد العاطلين عن العمل قد بلغ في يوليوز الماضي 120 ألف شخص، أي ما نسبته 4.3 في المائة، ونحو 3.9 في المائة خلال فبراير الماضي، بارتفاع بواقع 0.2 في المائة قياسا بالشهر الذي قبله. ومن تبعات تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية قيام بعض شركات الطاقة ببيع العديد من أسهمها وتخفيض مشاريعها الاستثمارية برسم السنوات المقبلة، وعلى الخصوص تلك المتعلقة بالابتكار الذي اعتمدت عليه لتحقيق إنتاج كبير في السنوات الماضية. كما سجلت صادرات البلاد، خلال شهر ماي الماضي، نحو 67.3 مليار كرونة نرويجية (8.65 مليار دولار)، ما يشكل انخفاضا بنسبة 5,5 في المائة مقارنة مع ماي 2014، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض الصادرات من المنتجات البترولية، في حين بلغت قيمة الواردات نحو 45.5 مليار كرونة نرويجية (5.85 مليار دولار)، أي بارتفاع بنسبة 0.9 في المائة. ورغم ذلك تبدو النرويج أقل قلقا على المستقبل الاقتصادي للبلاد، لكونها لا تعتمد كليا في تنشيط تجارتها ورأسمالها الاقتصادي على البترول، وكذا لتوفرها على صندوق سيادي يحتل المرتبة الأولى على المستوى العالمي. ويستثمر صندوق الثروة السيادي، المقدر قيمته بأكثر من 860 مليار دولار أمريكي، في العديد من القطاعات الإنتاجية، ويتوفر على أسهم كبيرة في مؤسسات وشركات عالمية، وهو يسيطر على نحو 1.3 في المائة من قيمة السوق العالمية لقطاع الفحم. وينتهج الصندوق سياسة توسيع مجالات نشاطه، إذ يؤكد الكتاب الأبيض، الذي وضعته السلطات المالية النرويجية لهذا الصندوق، على توسيع حصة الاستثمار في مجال الاستثمارات الصديقة للبيئة، وكذا تعيين مجموعة من الخبراء للنظر في تنويع الاستثمارات لتشمل البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات في القطاع العقاري. يذكر أن الصناديق السيادية تشكل في العديد من البلدان مصدرا للثروة والاستثمار في الخارج، وتمول على الخصوص من خلال عائدات الموارد الطبيعية، خاصة النفط. وبالرغم من خسارة الصندوق، خلال المدة الأخيرة لعدد من الاستثمارات في قطاعات مثل صناعة السيارات وتحديدا في شركة فولكسفاغن، فإن الخبراء يتوقعون تحقيقه أرباحا متزايدة في عدد من المجالات الاقتصادية. وقال تروند غراندي نائب الرئيس التنفيذي للصندوق، في تصريح له، إن فضيحة فولكسفاغن تسببت في خسارات مالية، مضيفا أن أسهم الشركة كان لها تأثير محايد تقريبا على محفظة الصندوق. وكان للصندوق حصة 1.22 في المائة من أسهم فولكسفاغن بقيمة 1.2 مليار دولار. وحقق الصندوق خلال السنة الماضية أرباحا بقيمة 544 مليار كرونة نرويجية (67 مليار دولار)، وذلك بفضل ارتفاع الأسهم والسندات بسبب دعم الإجراءات التيسيرية التي نفذتها عدة بنوك مركزية حول العالم. وبالرغم من أن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية له تأثير مباشر على الاقتصاد النرويجي، إلا أن تنويعه لمصادر نشاطه واعتماده على سياسة ادخارية مهمة، خاصة على مستوى الصندوق السيادي الذي يوصف بكونه "صندوق الأجيال القادمة"، يجعله يحتمل كل التقلبات الاقتصادية العالمية، ولا يؤدي إلى تراجع سياساته التنموية المسطرة للسنوات المقبلة.