المعلوم أن الأقوى دائما يفرض حزمة من أخلاقه وتقاليده وأفكاره على الدول المنهزمة أو الدول الأقل قوة منه، هذا مسلم وأكيد في عالمنا هذا منذ حروب القبائل وتناحر الدول فيما بينها، نهاية بالحروب العالمية الأولى والثانية والاستعمار الإمبريالي. وتتغير هاته الحزم الأخلاقية والقيم حسب خدمتها للدولة والنظام الجديد ولا علاقة لها بتغييرها بسبب الجودة، وان أخلاق وقيم اليوم أفضل من قيم الأمس وأول أمس. وهنا سيطر سؤالين هامين جدا وهما هل الحزمة الأخلاقية والقيمية تتطور أم تتغير؟ الخوض في هذا الموضوع يحتاج الكثير من التداخلات، لكن ببساطة إن سلمنا أن الأخلاق تتطور فهذا معناه أن أخلاق هذا الجيل أفضل حالا من أخلاق عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي نظري ان الأخلاق والقيم لا تتطور بل تتغير حسب رغبة النظام والدولة الأقوى. فوز ترامب في نظري هو التطور الطبيعي للنظام العالمي المتجه لرفض الآخر وعدم تقبل. منع اللاجئين والعنصرية، لا نريد مسلمين في أمريكا، بناء جدار عازل مع المكسيك، نريد من الأمريكيين السود أن ينضبطوا أكثر ويعرفوا حدودهم وأن لا ينسوا أيام العبودية، لا نريد زواج المثليين، كل هاته القيم الجديدة أضحت في تزايد ضد أي أقليات كلها تصب في فكرة إن الأقوى مادياً وثقافياً هو القادر على فرض الأخلاق والقيم الخاصة به، ومن تم يغير بها النظام الموجود، وبالتالي ينضم له أفواج من المؤيدين الذين بعد فترة سيتحولون لمتعصبين للقيم والأخلاق التي طرحها. كل ما سوق له النظام الأمريكي والعالمي السابق، انهار اليوم مع حدثين هامين، الأول تمثل في انفصال بريكزت -خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي-، وثانيها التصويت وفوز ترامب. ومن هنا صار من المؤكد أن حزمة الأخلاق والقيم السابقة صار الكثير من الأمريكيين يكفرون بها، وهم الأغلبية، لا يريدون تزايد الهجرة ولا يردون زواج المثليين ولا يردون دخول المسلمين لأمريكا، والأغلبية الآن مقتنعون بتفوق العنصر الأبيض، كلها تأكيدات لانهيار الحزمة الأخلاقية السابقة. وهذا الانهيار ليس نتيجة للصدفة بل هو تأكيد لفشل النظام الليبرالي الجديد واقتصاد السوق المفتوح والاقتصاد الحر. ترامب اليوم يقدم نموذج جديد عكس النظام السابق، نظام يريد كل ما في العالم للولايات المتحدةالأمريكية، يقدم نموذج دولة أمريكية تدعم مؤسساتها، يعود بنا ترامب للرأسمالية الخام، أي تراكم رأسمال بغض النظر عن السوق وحاجياته، عكس المطروح اليوم في تحرك الرأسمال حسب قدرة الشركات المتعددة الجنسيات. ببساطة نحن نشهد اليوم نحن نشهد انهيار نظام بحزمته الأخلاقية المجتمعية، والجزء الاقتصادي الأيديولوجي. ماذا سيحدث بعد فوز ترامب، لن يحدث الشيء الكثير، فالنظام الحالي مرن جدا لكي يسع ترامب وأفكاره كما استوعب قبله بوش، وسيتم استخدامه واستغلاله لتفريغ شحنة ما، في مكان ما. لكن المؤكد اليوم أن لدينا أغلبية أمريكية كافرة بالمنظومة الأخلاقية والاقتصادية الحالية سواء من الجنس الأبيض الذي كفر بها مؤخرا في بريطانياوأمريكا وباقي الأجناس الأخرى التي كفرت بها منذ عقود.