انتقد فاعلون مدنيون بإقليم تنغير، طريقة تعامل السلطات مع أزمة الرحل الذين حاصرتهم الثلوج، منذ أسبوعين، على الحدود الترابية بين إقليمي تنغير وميدلت، واصفين تدخلها ب"البطيء" وأنه "لم يكن بالشكل المطلوب"، متهمين إياها ب"التباطؤ في تقديم المساعدة لأشخاص في حالة خطر". وتتجلى تمظهرات "تقصير" السلطات، حسب هؤلاء، في قضية إغاثة وإنقاذ أزيد من 30 من الرحل الذين كانوا محاصرين بمنطقة "أغنبو نورز" بجماعة "تلمي" منذ أولى التساقطات الثلجية، لأزيد من 15 يوما، دون أن تأخذ السلطات أمر هؤلاء بالجدية اللازمة والمستعجلة، بالرغم من نداءات الاستغاثة التي أطلقها عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا احتجاجات ساكنة دواوير بجماعة "تلمي" التي ينحدر منها الرحل، أمام قيادة "أمسمرير". وظل حوالي 30 شخصا من الرحل بينهم رضع وأطفال موزعين على 6 خيام متباعدة محاصرين وسط الثلوج، مدة 15 يوما، حيث حاول عدد من المتطوعين الوصول إليهم غير أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب وعورة المسالك وكثافة الثلوج، قبل أن تقرر عمالة إقليم تنغير إرسال مروحية للجيش من أجل إنقاذهم حيث أخفقت في تحديد مكانهم في مناسبتين، ليتم تسخير مروحية للدرك، حيث تم العثور عليهم يوم الجمعة الماضي، وجرى توزيع بعض المواد الغذائية عليهم. وقبل ذلك بأسبوع، أطلق رئيس جمعية أمكسا للرحل بأمسمرير، موحى الغاشي، نداء استغاثة للتدخل لإنقاذ أسرة من الرحل مكونة من 5 أفراد، وصفت حالة أحدهم بالخطيرة، علقوا وسط الثلوج بمنطقة "أقا نوارك" بجماعة أمسمرير، حيث استجاب مواطنون بالمنطقة لنداء رئيس الجمعية المذكورة، وباشروا عملية البحث عن الرحل المفقودين بمعية عون سلطة، واستغرقت العملية ساعتين من المشي وسط الثلوج وفي مسالك وعرة للوصول إلى الكهف الذي كان يحتضنهم. أيام بعد ذلك، أطلقت ساكنة جماعة "تلمي" نداءات استغاثة للبحث عن رحل انقطعت أخبارهم منذ اليوم الأول من التساقطات الثلجية الغير مسبوقة التي عرفتها المنطقة، وعمم نشطاء النداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والتراسل الفوري "واتساب"، حيث أكدوا أن الرحل علقوا وسط الثلوج في منطقة جبلية بين جماعتي "تلمي" و"تامتتوشت". وفي الوقت الذي كان الكل ينتظر تدخلا جويا للبحث عن المفقودين، والتعامل بجدية مع نداءات الاستغاثة، باشر 7 متطوعين عملية البحث، وبعد أن قطعوا أزيد من 30 كيلومتر مشيا على الأقدام تسلقوا خلالها الجبال المكسوة بالثلوج، واجهوا خلالها مخاطر وصعوبات كادت تودي بحياتهم، عثروا على الرحل وهم أسرة مكونة من الأب والأم وابنتهما ذات ال 14 سنة ربيعا، حيث وصفوا حالتهم بالكارثية، كما سجلوا نفوق أزيد من 220 رأسا من الماشية. بطء وتأخر تدخلات الإغاثة نبارك أمراو، رئيس جمعية "تيرسال" للأسرة والتضامن والتنمية المستدامة، تساءل بدوره عن سر بطء وتأخر تدخلات الإغاثة، خاصة في بعض المداشر التي لا تزال معزولة إلى حدود اللحظة، وكذلك فيما يخص أسر الرحل المحاصرة والتي تكبدت خسائر جسيمة على مستوى نفوق رؤوس الأغنام والماعز، علما أن الملك، يضيف المتحدثّ، أعطى تعليماته للقطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية لتكثيف التدخل لفك العزلة على المناطق المحاصرة وتقديم المساعدة لساكنتها. وأكد أمراو، في تصريح لجريدة "العمق"، أن "بعض أسر الرحل كادت أن تفقد حياتها بعد أن علقت تحت الثلوج لأزيد من أسبوعين لولا تدخل فرق من الشباب المتطوع سواء في الجمعيات المدنية أو في إطار مبادرات إنسانية شخصية"، مشيرا أن "هذا ما يقتضي تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة بالأقاليم المعنية بهذا التقصير ومن بينها إقليم تنغير الذي لا تزال فيه بعض المناطق محاصرة إلى اليوم". ومن جانب آخر، يضيف الإعلامي نبارك أمراو أنه كان "ينبغي تفعيل خطط استباقية تفاديا للخسائر البشرية، والمادية التي لحقت بساكنة الجبال خاصة الرحل منهم، وذلك مواكبة للتقلبات التي أصبحت تؤثر على الطقس جراء تغير المناخ، عبر مواكبة توجيهات ونصائح الأرصاد الجوية الوطنية التي تقوم بمجهودات جبارة على مستوى الأخبار والمعلومات الاستباقية في هذا الشأن". ويشير المتحدث ذاته، "بما أن هذه المناطق قد عرفت تساقط ثلوج كثيفة فذوبانها، بقدر ما سيُغذي الفرشة المائية ويساهم في ملئ حقينات السدود، بقدر ما سيؤثر على البنيات التحتية الطرقية والمساحات المزروعة مما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة من لدن جميع القطاعات سواء الفلاحة أو التجهيز لتفادي مضاعفة الأخطار والخسائر المحتملة". غياب تدخل استباقي الناشط الأمازيغي موحى أولحاج ورئيس فرع منظمة "تمايونت" بتنغير، اعتبر أن "تدخل السلطات المحلية لم يكن بالشكل المطلوب في مثل هذه الظروف، فلم تتعامل مع النشرة الإنذارية لمديرية الأرصاد الجوية الوطنية بجدية ولم تقم بتدخل استباقي لتفادي الكارثة، ولم تسخر بصفة استعجالية إمكانياتها من الآليات لفتح الطرقات للوصول إلى الرحل المحاصرين وحتى المروحيات التي استعملت بعد أكثر من أسبوع من الحصار لم تعمل إلا على إيصال المواد الغذائية إلى بعض الرحل عوض إجلائهم". وبخلاف ذلك، يؤكد أولحاج في تصريح لجريدة "العمق"، "نجد هيئات المجتمع المدني والمتطوعين من قاموا بمغامرات من أجل الوصول إلى الرحل المحاصرين، وهناك أيضا من المجالس المنتخبة من بادر بإمكانياته البسيطة لإزاحة الثلوج، إلا أن كثافتها وعلوها الذي وصل أحيانا إلى ثلاث أمتار حالت دون ذلك فأطلقوا نداءاتهم إلى السلطات الإقليمية لكي تمدّهم بآلياتها حتى يتمكنوا من فتح الطرقات والمسالك لإغاثة الرحل المحاصرين لأكثر من أسبوعين". قساوة مزدوجة وأضاف الناشط الأمازيغي المذكور، أنه "بالإضافة إلى معاناة الرحل مع قساوة الطبيعة، نجد قساوة الدولة تجاههم حيث يعانون من التهميش والإقصاء، ولا تتذكرهم إلا حين تكون في حاجة إليهم خلال العمليات الانتخابية". وأكد أولحاج أن "الرحل تكبدوا خلال التساقطات الثلجية الاستثنائية التي عرفتها المنطقة خسائر مهمة من حيث نفوق مواشيهم ونفاذ مؤنهم الغذائية وأعلاف المواشي، مشددا على وجوب تعويضهم". وتابع أنه "لتفادي ما وقع، على السلطات اتخاذ جميع التدابير الاستباقية لتوفير أماكن وملاجئ إيواء الرحل ومواشيهم وتوفير المواد الغذائية وأعلاف ومواد تدفئة كافية والقيام بإحصاء الرحل ووضع خريطة لمواقعهم مرفوقة بإحداثياتها لتسهيل التعرف على أماكن تواجدهم، بالإضافة إلى بناء ملاجئ مجهزة لهم وتزويد الأماكن التي يتواجدون بها بآليات خاصة لإزاحة الثلوج". مقاربة احسانية من جانبه، يرى كريم اسكلا رئيس مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، أن "المناطق الجبلية ليست في حاجة إلى مقاربة احسانية لتكريس ثقافة الاستعطاف، وليست كذلك في حاجة إلى سياسة للإنقاذ وجرد الخسائر والضحايا بعد الكوارث، بل هي في حاجة إلى استراتيجيات استشرافية واستباقية وقائية للتقليل من الآثار السلبية للتقلبات المناخية". ويقترح مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، بحسب ما كشف عنه إسكلا في حديث مماثل مع الجريدة، "إنشاء مؤسسات وآليات عملية قائمة على القضايا المتعلقة بالجبال على وجه التحديد؛ معزولة عن القضايا المتعلقة بالعالم القروي والمناطق الغابوية، بالنظر لخصوصية هذا المجال، إضافة إلى زيادة الاهتمام بإدارة مخاطر الكوارث في المناطق الجبلية عبر سياسات مستقبلية استشرافية للوقاية والإنقاذ والتخفيف من الأثر، عوض الاكتفاء بالنشرات الإنذارية، وتأجيل التدخل إلى أن تقع الكارثة". ويطالب المرصد ذاته، ب"تشجيع الاستثمار في المناطق الجبلية وإعفاء سكانها والمستثمرين فيها من الضرائب. وإحداث مخيمات وملاجئ مؤقتة لإيواء الرحل والأشخاص في وضعية هشاشة في الفصول البرد القارص. وكذا إحداث مخازن محلية وإقليمية وجهوية احتياطية لتأمين التموين السريع بالمواد الأساسية ومصادر التدفئة والأغطية قبل موسم التساقطات المطرية والثلجية، وإعداد خريطة لتنقلات الرحل مرتبطة بالأقمار الاصطناعية لتسهيل تحديد اماكنهم والتواصل معهم". مسؤولون "هواة" وانتقد الحسين وحليس، وهو مغربي من أبناء إقليم تنغير مقيم بالديار الفرنسية ورئيس مركز صاغرو للدراسات والتواصل، انتظار تساقط الثلوج من أجل تحريك الإجراءات العاجلة مؤكدا أن بعض المسؤولين "هواة" ولا يبالون بما يقع في بعض المناطق، وتبريرهم ذلك أيضا بنقص في الموارد المالية خال من الصحة. واعتبر وحليس، أن "الانتظار لمدة أسابيع بعد تساقط الثلوج بشكل غير مسبوق بعدد من المناطق خصوصا الجنوب الشرقي هو أكثر من مجرد "عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر"، مضيفا أنه "الآن بعيدا عن تحميل المسؤولية لذا أو ذاك، يجب أن لا نقف مكثوفي الأيدي لفترة طويلة حتى تتساقط الثلوج مرة أخرى أو تحدث فيضانات أو كوارث طبيعية من أجل أن نتحرك، بل يجب أن نشمر على سواعدنا ونبحث عن حلول وإجراءات قادرة على منع تكرار كل المآسي التي وقعت". وتساءل المتحدث ذاته عن "ما هو دور صندوق التنمية القروية ذو الخمسين مليار درهم إذا لم تخنا الذاكرة، أليس من أجل هذه اللحظات يجب أن نظهر بعض التضامن مع ضحايا العزلة وحصار الثلوج، أليس هذا وقت تفعيل مخطط المغرب الأخضر بهذه المناطق والتضامن مع الفلاحين الذين فقدوا أراضيهم ومواشيهم، ما هو دور وكالة "أنزوا" إن لم تساعدهم الآن". وتابع قائلا: "ذكرت هذه المؤسسات، لأوضح أن المسألة لم تكن قط مسألة موارد مالية بقدر ما هي مسألة ترشيد تلك الموارد، وإن لم يتم استعمالها لمساعدة الفلاحين الصغار والرحل والمتضررين بشكل عام، فمتى سيتم استعمالها، ولتم استعمال بضع هذه الموارد المالية، لتم شراء كاسحات ثلوج وتوزيعها وبناء مخازن جماعية للأعلاف وأحواض لتجميع الماء للمواشي". وأضاف أنه لو تم تفعيل الشراكة البيجماعاتية وتفعيل التعاون بين الجماعات الترابية وترشيد آلياتها ومصالحها التقنية، لتم تفادي هذه المآساة التي تسيء لصورة المغرب، مشيرا أن مركز صاغرو الذي يترأسه سبق له أن وزع قرابة 7 أطنان من الملابس والأغطية على الرحل والأسر الفقيرة بربوع إقليم تنغير واستفاد منها أزيد من 1500 شخص. طقس استثنائي وبالمقابل، اعتبر النائب البرلماني عن دائرة تنغير، أن هناك تعاملا استباقيا، مبرزا ذلك من خلال عمله الرقابي، حيث سبق أن تقدم بتصور كامل لمجابهة إشكالات العزلة وتداعيات الظواهر والطوارئ المناخية القصوى، يتضمن إجراءات عملية خصوصا في مجال الطرق وفك العزلة وفي المجالات الاجتماعية المختلفة، وضمن ذلك خريطة الطرق المطلوب انجازها خصوصا في المناطق الجبلية. وأكد صدقي في حديث مع جريدة "العمق"، أنه "بعد سنوات من المتابعة الرقابية للموضوع أجزم أنه تحقق الكثير من حيث برمجة وإنجاز طرق في المجالات المعنية مع ارتقاب تدخلات عديدة مبرمجة أعطيت صفقاتها سواء من طرف وزارة التجهيز او جهة درعة تافيلالت في إطار برنامج محاربة الفوارق". وحول سؤال عن الحلول التشريعية لمشكل عزلة المناطق الجبلية خلال فترة العواصف الثلجية، أوضح صدقي أنه بادر بالتقدم بمقترح قانون للمناخ يراعي مثل هذه الوضعيات والأحداث الطارئة، مضيفا أنه يشتغل على "مقترح قانون للمناطق الجبلية، يهدف إلى إرساء سياسة عمومية خاصة بهذه المناطق وقد تم بالفعل بلورة نسخة أولى منه بعد العديد من الورشات المنظمة مع الفاعلين في هذا المجال". وأشار المتحدث إلى أن "تدخل السلطات المختصة مقدر رغم النقص في الإمكانيات، مع التأكيد على أن هذه التساقطات تجاوزت كل التوقعات والأمر تجاوز طاقة جميع المتدخلين، في إقليم تنغير مثلا تُغلق دفعة واحدة خمس أو ست محاور طرقية التي تمثل شرايين الإقليم وفي مواقع عديدة، مع إشكال التواجد الكثيف للرحل بالإقليم من غير ضبط دقيق لتحركاتهم وأماكن تواجدهم، وعشرات الآلاف من رؤوس الماشية التي لم تجد الكلأ منذ اليوم الأول للتساقطات ، فكان الوضع بالفعل جد معقد وصعب".