تزداد أثمنة المحروقات ارتفاعا بشكل مضطرد متجهة إلى تحطيم أرقام قياسية، فما الذي يبرر هذه الزيادة التي أحدثت مخاوف كبيرة لدى فئات واسعة من المواطنين التي تستعمل وسائل النقل العمومي في تحركاتها اليومية و مهنيي النقل والطبقات المتوسطة؟ الجواب قد يبدو سهلا، فالزيادة في ثمن برميل النفط وتحولات سعر الصرف تنعكسان بشكل أوتوماتيكي على ثمن المحروقات في محطات التوزيع، لكن هل هذا هو الجواب الذي يجب الاقتناع به؟ هذا الجواب غير مقنع، إذا ماتم اعتماد معطيات أخرى، منها أن شركات التوزيع تتوفر على احتياطي يجمع مخزونه في مراحل يتغير فيها ثمن برميل النفط في السوق الدولي، وهو ما يفرض اعتماد معدل أثمنة مرحلة الادخار كثمن حقيقي وجب احتسابه وكثمن أصلي يختلف عن الثمن الاخير الذي وصل إليه في السوق الدولي. وإذا ما بحثنا في سبب اختلاف أسعار المحروقات عند الدول، نجد أن الاختلاف الحاصل يرتبط بالأساس بحجم الرسوم المفروضة على المادة ووجود او غياب الدعم الحكومي وكذا هامش الربح الذي تضعه شركات التوزيع. وإذا كان المغرب قد خرج من نادي الدول الداعمة للمواد البترولية باتخاذه قرار تحرير الأسعار، يبقى عنصرا الرسوم المفروضة وهامش الربح بمثابة العاملين الأساسيين المؤثرين في الثمن النهائي للمحروقات عند الاستهلاك، لكن- ورغم ذلك- تبقى مسؤولية الحكومة قائمة في مراقبة مدى التزام شركات التوزيع بقواعد التنافس وعدم التواطؤ فيما بينها حول الأثمنة ، الشيء الذي يبدو غائبا في ظل انعدام آلية رقابة فعالة، وهذا ما اعترف به وزير الشؤون العامة والحكامة . ومن تداعيات هذا الواقع أن تتغول شركات التوزيع الموجودة ويرتهن معها الانتاج المحلي ويتأثر النمو في كثير من القطاعات وتتوالى الآثار السلبية لصدمات ارتفاع أسعار المحروقات بشكل مضطرد على ميزانية الأسر المتوسطة والمحدودة الدخل ، وتغيب قواعد المنافسة فيختل النظام العام الاقتصادي . إن الاستثمار وتحقيق الارباح في ظل اقتصاد ليبرالي اختارته بلادنا، وتم ارساء قواعده المرجعية ضمن الأحكام الدستورية ، جعل الدولة ضامنة لحرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر، وهو ما لا يمكن التنازع بشأنه أو الطعن فيه ، لكن وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تتغافل المقاولات الكبرى في بلادنا- ومنها شركات توزيع المحروقات- مبدأ التضامن والإسهام في التنمية في المحيط الذي أرست فيه مشاريعها وأوراشها، ورفع الضرر عن المناطق المحتاجة والجماعات القروية والتجمعات السكنية، التي تسجل عجزا بنيويا في بنياتها التحتية . كما لا يمكن تجاهل التعاقدات الكبرى التي أرستها الأحكام الدستورية ف " على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفر عليها ، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد ، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد " الفصل". إذ ليس المطلوب من الشركات أن يكون اسمها فقط داعما للتظاهرات الرياضية او المهرجانات التي تقام في الحواضر الكبرى ببلادنا ، بل المطلوب أن تبرهن هذه الشركات والقطاع الخاص بشكل عام، على روح المواطنة بالتدخل في الآفات التي تسجل هنا وهناك، وأن تقيم المشاريع في عمق جغرافية هذا الوطن وفي قراه الهامشية، والمطلوب أيضا أن تحترم الشركات المذكورة القانون، وتصون كرامة الأجراء العاملين لديها ، فمن العجب أن يراكم بعض أرباب الشركات والمقاولات الثروات على الاستغلال البشع لعرق جبين العمال ،و العيب كل العيب أن نجد شركات توزيع المحروقات التي انتشرت على جنبات الطرق السيارة تشغل العمال لمدد تزيد عن الساعات القانونية الأسبوعية، ولا تمكن هؤلاء من تعويضات عن الساعات الإضافية…… وكأن التشغيل منة في ظل البطالة المستشرية ….وهي التي تحقق الأرباح وتراكم الثروات بكد العمال والعاملات الضعفاء . وبكلمة ،إن تحقيق الأرباح وفق ما يسمح به القانون أمر لا جدال فيه ، لكن الاستغلال البشع للعمال أو الإضرار بالقدرة الشرائية للأسر المتوسطة والضعيفة سلوك لا يمكن قبوله و التطبيع معه …وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها الرقابية والضبطية للحفاظ على النظام العام الاقتصادي ، والاستقرار الاجتماعي .