ساعات بعد إعلانه نية الترشح لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها نهاية شهر مارس، وجد الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب الجيش المصري السابق، نفسه قيد الاعتقال بتهم تزوير محررات (وثائق) رسمية، الترشح للرئاسة دون أخد موافقة الجيش، والأخطر تقليب الشعب المصري ضد قواته المسلحة. أبسط تحليل للتهم المنسوبة للفريق عنان يخلص لهزالها و ضعف حجتها، فالرجل الذي يظل قيد الاستدعاء كونه عضو سابق في المجلس العسكري، لم يترشح رسميا بل أبدى نيته الترشح بعد استيفاء الإجراءات التي يفرضها منصبه و رتبته المميزة و أخد موافق القيادة العامة للقوات المسلحة. نية الترشح نفسها كان الفريق قد أبداها سنة 2014 ضد عبد الفتاح السيسي، و لم يتعرض له الجيش باتهام أو اعتقال. التهمة الثانية (تزوير محررات) للتسجيل في لوائح الناخبين دون وجه حق تظل مفاجئة في التوقيت و الطبيعة، حيث المفترض أن يلقى القبض على الرجل لحظة ورود اسمه في سجلات الناخبين باعتباره عسكريا تحت الاستدعاء، و ليس انتظار إعلانه عزمه الترشح "لإخراج" الملفات المخالفة للقانون و لي ذراعه بها. فيديوهات أظهرت عنان وهو يدلي بصوته في استفتاء 2014، ما يعني أن السلطات خبرت وجود اسمه في كشف الناخبين قبل سنوات و لم تتحرك! التهمة الأخيرة كانت تحريض عنان المواطنين ضد الجيش عندما طالب، في بيان ترشحه، الهيآت المدنية و العسكرية بالوقوف على الحياد و على مسافة واحدة من كل المرشحين. الجيش المصري انطبق عليه مثل العامية المصرية "إلي على رأسه بطحة بيحسس عليها"، (لي فيه الفز كيقفز)، حيث اعتبر أن كلام عنان موجه للقوات المسلحة التي تقف و تساند المشير السيسي في سعيه نحو الفوز بولاية ثانية. بغض النظر عن وجاهة أو عدم وجاهة التهم الموجهة للفريق عنان، و التي فُرضت بسببها عليه إقامة جبرية، قبل أن يسحب اسمه من سجل الناخبين (إقصاء من خوض الانتخابات) و يودع السجن العسكري، بغض النظر عن كل ذلك، فالحادثة تظهر مدى تشبث المؤسسة العسكرية بالمشير عبد الفتاح السيسي الذي مكَّن الجيش من مفاصل الدولة و الاقتصاد. فالعسكر الذي كان أيام حسني مبارك يشرف على 30% من اقتصاد مصر في الظل، أصبح اليوم يتفاخر علنا بكونه يدير كل المشروعات "الكبرى" بدعم و موافقة من السيسي. بدءا بتوسيع قناة السويس الذي كلف 50 مليار جنيه و لم يُدخل لخزانة الدولة جنيها زائدا عما هو معتاد، مرورا ببناء الطرق و الكباري و صولا لاستصلاح الأراضي الزراعية و إنشاء مزارع إنتاج السمك، أضحى الجيش المصري العمود الفقري للدولة المصرية، مقابل تهميش كل القوى و القطاعات المدنية. من جهة ثانية ظل الجيش و مخابراته الحربية يمسكون بالملفات الأمنية الكبرى، تاركين للشرطة المدنية (صاحبة الاختصاص) الملفات الجنائية فقط، ما أدى لفشل ذر يع طوال ولاية السيسي في القضاء على الإرهاب، الذي استهدف المدنيين و العسكر و الشرطة، المسلمين و الأقباط. فشل بدا واضحا للعيان في مجزرة العريش التي راح ضحيتها 320 مصل، و في ضرب طائرة وزير الدفاع لحظات بعد نزوله منها رفقة وزير الداخلية بأحد مطارات شمال سيناء. الجانب الثالث من الصورة يظهر في تقوية ميزانية الجيش خلال رئاسة السيسي، و هي الميزانية التي على كِبرها لم تحافظ على مكانة مصر الإقليمية، بدأ من الفشل في محاربة الإرهاب، وصولا لعدم التمكن من ثني إثيوبيا على بناء سد النهضة بالشروط التي ستقلص من حصة مصر التاريخية في مياه النيل، فتضرب أمنها القومي في مقتل. السيسي عمل على تزويد الجيش المصري بالطائرات (رافال) و الفرقاطات و حاملات المروحيات الفرنسية (ميسترال)، و الغواصات الألمانية و الأسلحة و الذخيرة الروسية و الأمريكية. الهدف كما يعلم خبراء الجيوش ليس الردع كما يصور الإعلام المصري، بل تضخيم الجيش و تسمين حسابات قياداته بالعمولات و الرشاوي، لتتحول مصر من دولة لها جيشها لجيش له دولته. الرئيس-المشير لم ينسى حماية مصالح كبار القيادات العسكرية، فأدرج في دستور مصر الجديد بندا يمنع رئيس الجمهورية من إقالة وزير الدفاع، الذي بالقطع سيوفر الحماية و الظل لأتابعه من الضباط. جزء يسير من المعلومات التي تفسر وقوف الجيش مع الضابط الذي خدم مصالحه (المشير عبد الفتاح السيسي) ضد ضابط غير معروف الاتجاه و النوايا في الحكم (الفريق سامي عنان). مصالح لم يجد أمامها الجيش من حرج فخص السيسي بما لم يخص به أقرانه. قبل الجيش المصري ترشح المشير عبد الفتاح سنة 2014 و هو يرتدي زيَّ وزير الدفاع وراءه خلفية خضراء، بينما اعتقل العقيد أحمد قنصوة و حكم عليه عسكريا بست سنوات عندما أبدى نية الترشح للرئاسة تحت شعار "هناك امل"، ليمنع بعد ذلك الفريق شفيق من دخول السباق الرئاسي تحت ضغوط و تهديد و ابتزاز، و ليفرض أخيرا الإقامة الجبرية ثم الاعتقال عسكريا على الفريق سامي عنان مهددا بسجنه من 3 الى 15 سنة. أيوب رضواني، باحث في الجغرافية السياسية و كاتب رأي مغربي.