لقد كانت محطة المؤتمر الوطني الثامن لحزب العدالة والتنمية محطة مفصلية في مسار هذا الحزب، قد يكون لها أثر عميق على مستقبله ومستقبل العمل السياسي ككل في هذا البلد. وهو الأمر الذي يستدعي قراءة متأنية وعميقة لمخرجات المؤتمر قصد الوقوف على إيجاياته لدعمها وتعزيزها، ورصد سلبياته قصد تجاوزها وتقليلها. 1- إيجابيات المؤتمر الثامن: إن من أهم إيجابيات هذا المؤتمر هو نجاحه المبهر في حسم النقاش والجدال الذي سبقه بشكل هادئ بعيدا عن أي نزاع أو صدام، ودون شك أن الكلمة التوجيهية التي افتتح بها بنكيران المؤتمر كان لها دور فعال في تحقيق هذا الهدف، وكذا الصرامة – المتشددة أحيانا – التي أدير بها المؤتمر ساهمت أيضا في تحقيق هذه النتيجة. من إيجابيات هذا المؤتمر أيضا التجديد والتشبيب الذي عرفته هياكل الحزب وخاصة المجلس الوطني الذي اختار أحد رموز الممانعة رئيسا له. لكن تبقى النتيجة الأهم التي أفرزها المؤتمر هو تتويج الدكتور سعد العثماني أمينا عاما بما يعنيه ذلك من حسم لما كان يوصف بإزدواجية القرار بين الأمانة العامة ورئاسة الحكومة مما سيسهل على العثماني رئيس الحكومة الإستمرار في تنزيل رؤيته دون مبررات التشويش من الحزب. 2- سلبيات المؤتمر: إن النقاش الذي طفا على السطح حول تعديل المادة 16 وما تبع ذلك من نقاش حول مجموعة من مواد النظام الأساسي والنظام الداخلي جعل الجميع أمام سؤال مهم إلى أي حد يعتبر المؤتمر الوطني فعلا أعلى سلطة تقريرية في الحزب؟ صحيح أن النظام الأساسي يؤكد في المادة 23 أن المؤتمر الوطني هو أعلى سلطة تقريرية ويوكل له أهم الاختصاصات الاستراتيجية المتعلقة بهوية الحزب ونظامه، غير أن النقاشات السابقة للمؤتمر و الطريقة التي مر بها، كشفت أن هذه الاختصاصات خاضعة لرقابة ووصاية هيئات تشريعية أدنى بل وأحيانا حتى لهيئات تنفيدية ومن تجليات ذلك: – أن تعديل النظام الأساسي لا يمكن أن يتم إلا بمبادرة من المجلس الوطني أو الأمانة العامة ( المادة 100 من النظام الداخلي) ولا يمكن للمؤتمر – ولو اتفق كله – على أن يدرج أي مقترح لتعديل النظام الأساسي، مما يعني عمليا أن سلطة التعديل الحقيقية هي بيد الأمانة العامة( هيئة تنفيذية)، أو مكتب المجلس الوطني ( هيئة تشريعية أدنى) وأن دور المؤتمر هو المصادقة فقط. -أن المصادقة على جدول أعمال المؤتمر الوطني هي من اختصاص المجلس الوطني، ولا يمكن للمؤتمر الوطني أن يحدث أي تعديل في جدول أعماله حتى لو أجمع كله على ذلك. – كما أن المؤتمر الوطني يفتقد لهيكلة مؤسساتية تسمح له بمناقشة الأوراق المحالة إليه مما يجعل دوره منحصرا في المصادقة على هذه الأوراق فقط دون استقصاء لأبعادها وآثارها لذلك من الطبيعي أن يمرر المؤتمر الوطني تعديلات تحد من اختصاصاته وتقيد حرية المناضلين الذين يمثلهم. – بالإضافة إلى ما سبق، فإن مسطرة انتخاب الأمين العام تجعل المداولات تنحصر في أشخاص المرشحين لا في رؤاهم السياسية وتصوراتهم لتسيير الحزب ببساطة لأنهم أصلا غير مطالبين بتقديم أي رؤية، فالتعاقد هنا بين المؤتمرين والأمين العام تعاقد بدون محل أو موضوع. التوصيات: لتجاوز هذه السلبيات أقدم المقترحات التالية: – عقد مؤتمر استثنائي وفق آليات مبتكرة للانتداب تضمن حضور نخبة الحزب ومختلف التمثيليات الفكرية والسياسية والمجالية الموجودة في الحزب. – بناء أطروحة فكرية وسياسية جديدة تنفتح على كل الأراء والأفكار المتواجدة في الحزب وكذا هيئاته الموازية والشريكة. – مراجعة عميقة للنظام الأساسي وما يتعلق به من أنظمة فرعية في اتجاه دمقرطة وفصل حقيقيان للسلط. -إقامة جهاز مرجعي مستقل عن الهيئات التنفيذية والتشريعية يفصل في القضايا الخلافية الكبرى.