مازالت تداعيات قضية تمديد الولايات تثير المزيد من النقاشات خاصة على المستويين القانوني والمسطري رغم بث المجلس الوطني في الاقتراح المحال عليه من قبل مكتب المجلس المتوصل بها من مبادرة تقدم بها عشرة أعضاء من المجلس نفسه. النقاش الذي تلا بت المجلس الوطني المنعقد يومي 25 و26 نونبر 2017 بسلا يتمحور حول وجهتي نظر: تنتصر الأولى إلى المادة 23 التي تنص على أن المصادقة على القانون الأساسي أو تعديله عند الاقتضاء يعد اختصاصا حصريا للمؤتمر كما ترتكز أيضا على مقولة أن المؤتمر سيد نفسه باعتباره أعلى هيئة تقريرية. بينما تعتبر وجهة النظر الاخرى أن الموضوع يهم بالأساس الجهة المختصة بسلطة اعتماد المشروع وإعداده ليكون جاهزا وقابلا لعرضه على سلطة المصادقة التي لا يجادل أحد في كون المؤتمر هو المختص بذلك، كما أن المجلس الوطني قد حسم وبصفة نهائية في إيقاف مسلسل إعداد مشروع هذا القرار بوصفه الجهة المخولة وحدها بسلطة اعتماد مشروع قرار التعديل والذي يعود له وحده سلطة إعداد جدول أعمال المؤتمر. الدفع الذي يتعلل به الرأي الأول، هو مبدأ الاختصاص في التقرير الذي تكون فيه الكلمة الأخيرة للهيئة التقريرية الأعلى ممثلة في المؤتمر الوطني، بينما تنحاز وجهة النظر الثانية لاعتبار يتعلق بكون مبدأ الاختصاص وحده من غير المسطرة التي تبين كيفيات وإجراءات تطبيقه وطرق مزاولته يبقى مسألة مجردة وغير قابلة للتنزيل. من جهة أخرى فإن المقابلة في هذا النقاش بين المؤتمر الوطني والمجلس الوطني في مسألة الصلاحيات والصفة التقريرية يعتبر مجانبا للصواب، لسبب بسيط هو أن النظام الاساسي هو المرجع الذي وزع الصلاحيات عليهما معا وأعطى للمجلس الوطني ما لم يعطيه للمؤتمر والعكس بالعكس، مع إبقاء الكلمة الأخيرة في المسلسل التقريري للهيئة العليا، لكن بعد أن تقول الهيئة الأدنى كلمتها الفصل في الموضوع المعني وتعد في شأنه قرارا وتصادق على إدراجه في جدول الأعمال. وأن المؤتمر يفعل هذا الاختصاص بناء على مبادرة هيئة من خارجه وليس من تلقاء نفس الهيئة العليا وبارادتها الانفرادية. من هنا فعوض التقابل بين هيئتين تداوليتين واثارة تراتبيتهما وسؤال جهة الاختصاص التقريري بينهما ينبغي الرجوع بالنقاش إلى أصله والمتمثل في التمييز بين الاختصاص والمسطرة، وهو ما ستتطرق له هاته المقالة في فقرة مستقلة لكل منهما: 1- الاختصاص التقريري بين الانفرادية والتشاركية في البداية لا بد من التأكيد على أن الصلاحية التقريرية النهائية في المصادقة على مشروع تعديل النظام الأساسي والتي لا تحتاج إلى تعقيب هيئة أعلى هي بدون منازع من اختصاص المؤتمر؛ غير أن مسطرة ممارسة هاته الصلاحية هي اختصاص المؤتمر بصفته المؤسساتية وليس اختصاصا للمؤتمرين في آحادهم أو مجموعاتهم؛ كما أن السلطة التقريرية ليست سلطة انفرادية محضة تعود للمؤتمر وحده ولكنها بالأساس سلطة تشاركية ومتقاسمة بين عدة جهات وموزعة على مجموعة من المراحل. إن أهم ما يؤاخذ على وجهة النظر التي تثير الصفة التقريرية العليا للمؤتمر عديدة ويمكن إجمالها على النحو التالي: – كون الاختصاص التقريري للمؤتمر هو اختصاص تشاركي وليس انفرادي وحصري؛ أي أنه متقاسم مع الجهات المخولة لها بموجب نفس النظام الداخلي صلاحيات المبادرة والدراسة والتصويت والاعتماد وهي صلاحيات تشكل في مجموعها المسلسل التقريري في تعديل النظام الأساسي؛ – كون مقولة المؤتمر سيد نفسه لا تكون صحيحة إلا في إطار النظام الأساسي نفسه وضمن نطاق القواعد التي يقررها لمؤسساته ومنها المؤتمر. كما أن هذا النظام الذي يخول المؤتمر هذه الصفة؛ هو نفسه الذي أحاط ممارسة ذلك بمجموعة من الضمانات من بينها تخويل أجهزة حزبية أخرى مجموعة من الاختصاصات في إطار توزيع السلط وتعاونها وتكاملها وتضادها أحيانا؛ ومن بين هاته الضمانات كذلك هو ممارسة المؤتمر لصلاحياته في نطاق جدول الأعمال الذي يحدد سلفا من قبل سلطة الإعداد لهذا المؤتمر والتي تكون الكلمة الأخيرة فيها للمجلس الوطني، حيث له وحده ترجع صلاحية "المصادقة على جدول أعمال الدورات العادية للمؤتمر الوطني ودوراته الاستثنائية إذا كان قرار عقدها صادرا عن المجلس الوطني (المادة 27 بند 6). كما أن المؤتمر لا يتوفر على أي اختصاص يتعلق بجدول أعماله بما في ذلك المصادق عليه. 2 – مسطرة التقنين (المسطرة التشريعية) تميز مسطرة التقنين الحزبية بين ثلاث مراحل أساسية وهي مرحلة المبادرة ومرحلة الاعتماد ومرحلة المصادقة: أ- المبادرة: خول النظام الأساسي الجاري به العمل حق المبادرة إلى ثلاث جهات حزبية حددتها المادة 100 من النظام الداخلي في كل من الأمانة العامة بناء على اقتراح من الإدارة العامة التي تمثل السلطة التنفيذية، ثم مكتب المجلس الوطني الذي يمثل الجهات التنفيذي لبرلمان الحزب، واخيرا عضو المجلس الوطني الذي يمثل برلماني الحزب. وإذا كان كل من الأمانة العامة ومكتب المجلس لهما صلاحية الإحالة على لجنة الدائمة المختصة (لجنة المساطر) فإن عضو المجلس الوطني ليس له هذه الصلاحية ويلزمه لأجل قبول مبادرته أن يحيلها على مكتب المجلس الذي يتولى إحالتها على اللجنة المذكورة . وهنا يكون النظام الداخلي للحزب قد اعتمد نفس المسطرة التي ينهجها البرلمان المغربي بخصوص المبادرة التشريعية التي يخولها إلى الحكومة في صيغة مشروع القانون وللبرلماني الذي يتقدم بمقترح قانون إلى جانب الملتمس التشريعي الذي يعتبر مستجدا منذ دستور 2011 ويحق للمواطن القيام به وفق الشروط والكيفيات التي نص عليها القانون التنظيمي المتعلق بذلك. غير أن المبادرة في التقنين لا تعتبر سوى أداة للشروع في مسلسل التقنين وتحريك مسطرته في انتظار المرحلة الثانية وهي مرحلة الاعتماد. ب – مرحلة الدراسة والمناقشة: هذه المرحلة تتم في إطار لجنة دائمة مختصة هي "لجنة المساطر"، إذ بعد إحالة المبادرة عليها من قبل الجهات المخول لها هذا الحق؛ تتم دعوة اللجنة المذكورة للانعقاد من أجل دراسة مضمون هذه المبادرة وذلك وفق شكليات تبين بدقة كيفية سير أشغالها وتقديم المبادرة من قبل من تقدم بها وكيفية إدارة النقاش فيها مع إعطاء الأسبقية في التدخل لعضو اللجنة على غيرهم من أعضاء المجلس الذين لهم حق الحضور والنقاش دون حق التصويت كما تعطى الأسبقية لعضو الأمانة العامة إذا طلب المناقشة. ثم التصويت على المبادرة بشكل علني ما عدا إذا طلب عضو واحد اللجوء إلى التصويت السري. وفي حالة التصويت بالإيجاب تقدم اللجنة بشأن المبادرة التي صوت عليها بالأغلبية مقترحا توصية ترفعها إلى المجلس في دورته القادمة. ج- مرحلة الاعتماد: بعد إحالة المقترح/التوصية من قبل اللجنة يتولى المجلس الوطني استكمال المسطرة وذلك بتقديم المقترح كما صوتت عليه اللجنة ويتداول فيه بإعطاء الكلمة لعضو موافق وعضو معارض ثم يتم المرور إلى التصويت العلني أو السري، إذا طالب به عضو واحد من المجلس. وإذا حصل المقترح على الاغلبية المطلقة لاعضاء المجلس يصبح المقترح معتمدا ويقدم المجلس بشأن مشروع قرار وذلك حسب ما جاء في المادة 100 من النظام الداخلي والمادة 90 من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني التي تنص على ما يلي: "يعتمد المجلس الوطني مقترح تعديل النظام الأساسي، ويقدم بشأنه مشروعا إلى المؤتمر الوطني المنعقد في دورة عادية أو استثنائية. وبعد ذلك تتم إحالة المشروع المعتمد على المؤتمر الوطني في إطار المشاريع المدرجة في جدول الأعمال من أجل المصادقة عليه. د- مرحلة المصادقة: المصادقة على مشروع القرار المعتمد والقاضي بسن مقتضى جديد أو تعديل مقتضى قائم من مقتضيات النظام الأساسي هو اختصاص حصري للمؤتمر الوطني. غير أن هذه المصادقة لا تكون إلا على مشروع سبق أن مر بنجاح بمسلسل لاعداده؛ يتكون هذا المسلسل الإعدادي من تقديم مبادرة بشأنه وهذه المبادرة تحظى بنقاش وتصويت من قبل اللجنة الدائمة المختصة وهي لجنة المساطر واعتمد من قبل المجلس الوطني بأغلبية مطلقة لأعضائه ثم الإدراج في جدول الأعمال. لذلك فإن من يثير مسألة أن المؤتمر هو الذي له صلاحية المصادقة على تعديل النظام الاساسي هو محق ومخطئ في الآن ذاته؛ فهو محق في أن الكلمة الفصل في الاجراء الاخير في التعديل هي بالفعل من صلاحية المؤتمر الوطني لكن هذه المصادقة لا تتم إلا على مشروع قرار معتمد حصريا من المجلس الوطني الذي تحال عليه المبادرة من قبل ثلاث جهات كما أسلفنا، وهي الأمانة العامة التي تمثل السلطة التنفيذية الحزبية؛ ثم عضو المجلس الوطني أو مكتب المجلس (المادة 100 من النظام الأساسي) وهما جهتان ينتميان معا إلى برلمان الحزب الذي يمثل السلطة التشريعية في الحزب الذي تكون له الكلمة الأخيرة في سن القوانين (من خلال المصادقة)، ومراقبة السلطة التنفيذية الحزبية أي الأمانة العامة. وفي هذا الصدد فإن ما يغفل عنه أصحاب حجة "السلطة التقريرية العليا للمؤتمر" هي أن عضو المؤتمر سواء قبل انعقاد المؤتمر أو في الجموع الجهوية للمنتدبين او حتى اثناء حضوره في المؤتمر لا يتمتع بحق المبادرة التشريعية كما هي مخول لعضو المجلس الوطني حسب المادة 23 من النظام الأساسي، مع العلم أن عضو المجلس الوطني الذي يكتسب عضوية المؤتمر بهذه الصفة يملك حق المبادرة في تحريك مسطرة تعديل النظام الأساسي إزاء المجلس الوطني بصفته تلك؛ لكنه لا يملك هذا الحق بصفته عضوا في المؤتمر إزاء المؤتمر الوطني. وهذا المعطى وحده هو الذي يجعل صلاحية المؤتمر في قول كلمته الأخيرة في شأن مشاريع القرارات ذات الصبغة التشريعية المعروضة على أنظاره مغلولة ومشروطة بتوفر هذه المشاريع أولا والتي يجب ان تجتاز كل هذه المسطرة بمراحلها الثلاث وان تحوز على الأنصبة المنصوص عليها بموجب إجراءات هذه المسطرة التشريعية وأن تدرج في جدول أعمال المؤتمر. ومن هنا يكون المؤتمر مختصا بالمصادقة على المشاريع المحال عليه والمدرجة في جدول الأعمال الذي يعتبر المجلس الوطني هو صاحب الكلمة الفصل في إعداده والمصادقة عليه بناء على اقتراح تتقدم به الأمانة العامة للحزب، بينما لا يملك المؤتمر صلاحية اضافة اي نقطة إلى جدول الأعمال المحدد من قبل المجلس للوطني ولا يحق لأعضاء المؤتمر أن يتقدموا بمبادرة يمكن أن تكون ذات طبيعة تشريعية من قبيل تعديل النظام الأساسي للحزب. يبقى أيضا أن المشاريع ذات الصبغة التشريعية التي تمر بجميع المراحل وتدرج في جدول أعمال المؤتمر وتحظى بمصادقة المؤتمر، فإن هناك مقتضى آخر تنص عليه المادة الأخيرة منه، وتؤكد على عدم تطبيق هذه المقتضيات بعد المصادقة عليها بأثر رجعي بما يفيد أن المؤتمر العادي عندما يصادق على مقتضى من هذا القبيل فهو يطبق على الوقائع التي تتلو المؤتمر وليس على الوقائع السابقة عليه. كلمة أخيرة عندما اثرنا عن حق وقبل انعقاد المجلس الوطني قضية اختصاص المؤتمر في قول كلمته الفصل في التعديلات التي كان من الممكن أن يعتمدها المجلس الوطني لم نكن غافلين عن إجراء المصادقة الذي يتمتع بها كشرط لاستكمال المسلسل التقريري الذي يخص تعديل النظام الأساسي؛ ولكن اشارتنا هاته كانت بهدف التأكيد على أنه حتى مع مرور مبادرة تعديل المادة 16 بجميع إجراءات المسطرة "التشريعية" الحزبية بما فيها المؤتمر العادي المقبل فإن ذلك لا يكفي لاعتماد التمديد وتطبيقه، وذلك لوجود إكراه قانوني تنص عليه المادة 105 من النظام الأساسي والتي تنص على أنه "يدخل هذا النظام الأساسي الجديد حيز التنفيذ بعد مصادقة المؤتمر الوطني عليه ولا يعمل به بأثر رجعي ….". وهذا يدل على أن القرارات التي يتخذها المؤتمر الوطني لا يمكن أن تطبق بأثر رجعي على الوضعيات السابقة على سنها ومنها وضعية الولايتين المنتهيتين، ليس فقط منذ المؤتمر ولكن قبل سنة من انعقاده. وهو ما كان يستوجب عقد مؤتمر استثنائي قبل انقضاء الولايتين لتعديل هذه المادة 16 وإقرار التمديد حتى يمكن سنّ مقتضى تشريعي بالتمديد وهو ما لم يتم. يذكر هنا أن حركة التوحيد والإصلاح وعلى سبيل المقارنة فقط، سبق لها اللجوء إلى عقد مؤتمر استثنائي لتعديل قانونها الداخلي عندما أرادت أن تطبق المقتضيات الجديدة على المؤتمر العادي.