قد يكون ما يقع الان من بلوكاج سياسي لتشكيل الحكومة الثانية لبن كيرانأمرا عاديا في الديموقراطيات العريقة. لكنه في حالة المغرب، في حالة دولة سائرة نحو الديموقراطية، في حالة دولة ما يزال النقاش الفكري فيها محتدما و بشكل عميق جدا حول مدى نجاعة الخيار الديموقراطي كوسيلة لإصلاح و تنمية البلد، في حالة بلد يعيش عزوفا سياسيا حيث لم تتعدى نسبة المشاركة السياسية فيه في آخر انتخابات تشريعية 43 في المائة، أمرا ليس عاديا ستكون له تداعيات سلبية لا على مستوى سمعة المغرب خارجيا و لا على مستوى سمعة الدولة داخليا و هو الاهم . ما يقع الان من محاولة انقلاب ناعم على الخيار الديموقراطي ليس بالبساطة التي نتصورها، محاولة الانقلاب الحاصلسيعيد الى الواجهة أسئلة عديدة ما زال المغاربة لم يجدوا لها اجوبة قطعية أهمها جدوى الخيار الديموقراطي كحل لإصلاح أحوال البلد، جدوى محاولة هذا الشعباو جزء منه على الاقل اختيار من ينوب عنهم لتسيير امور بلادهم. سيعيد النظركذلك في فكرة فئة عريضة من هذا الشعب ، فئة الداعين لمقاطعة الانتخابات والذين يعللون موقفهم هذا بكون أن العملية السياسية في المغرب ما هي الا مسرحية هزلية فقط. وعلى أن الدولة العميقة لن تسمح بنجاح من يريده الشعب و حتى إن تمكن من ذلك فلن تدعه يطبق ما جاء في برنامجه الانتخابي، و أن تشكيل الحكومة المنتخبة لا يكون على أساس نتائج الانتخابات بل على اسس آخرى و أن تشكيلها يبقى صوريا فقط لان الذي يحكم في المغرب هي الحكومة الموازية أو حكومة الظل. لذلك فهذه الجبهة تعتقد بل و تؤمن ان خيار الاصلاح من داخل المؤسساتما هو الا هدر للوقت فقط و لا جدوى منه أصلا و ان خيار الاصلاح الحقيقي هو خيارا اخر. الكثير من المحللين السياسيين بين قوسين يروجون و ببساطة انه في حالة استمرار البلوكاج المتعمد فان الملك قد يلجأ الى الفصل 42 من الدستور و الذي يقر بان الملك هو رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها ، و يشكل الحكومة عبر اقتراح رجل اخر لتشكيل الحكومة بكل بساطة و السلام على من اتبع الهدى، متناسين ان الهدف الرئيسي من العملية الانتخابية ليس هو تشكيل حكومة فقط بل الهدف منها هو تشكيل حكومة تكون لرئيسها الجرأة على القيام بالإصلاحات الضرورية، بل الهدف منها هو تشكيل حكومة تعبر عن ارادة المواطنين و يكون لها دعم سياسي في الشارع . بل الهدف منها هو تشكيل حكومة تظهر نتائج الانتخابات في تشكيل وزراءها، فلا يعقل ان يكون لحزب حاصل على 20 او 30 مقعدا نفس عدد وزراء حزب حاصل على 100 مقعد او اكثر ، و الا فما جدوى الانتخابات و من سيحاسب المواطنينفي حال فشل الحكومة؟ و على أي أساس اذاسنربط المسؤولية بالمحاسبة؟. إن تشكيل الحكومة خارج النهج الديموقراطي سيبعث برسالة عميقة مفادها أن الجبهة التيدعت و قاطعت الانتخابات كانت على صواب و ان العملية السياسية في المغرب ما هي فعلا الا مسرحية هزلية لا تفضي الى أي شيئ و انها ضياع للوقت و الجهد و المال فقط. و بالتالي ستتقوى هذه الفكرة بشكل لم يكن يحلم به حتى أكبر الداعمين لها. بأي وجه سنقنع المواطنين غدا بأن التصويت هو واجب وطني ان كان لا دور للعملية السياسية؟ بأي وجه سندعوهم غدا للأدلاء بأصواتهم؟ باي وجه سنقنعهم غدا انهم اذا جعلواعلى مدنهم و قراهم أناس فاسدين فلن تقبل منهم شكاية؟ . ما يقع الان لا يضر ببن كيران و حزبه او بحزب الاستقلال او بحزب التقدم و الاشتراكية، ما يقع الان يضر بالمسار الديموقراطي للبلد برمته، ما يقع الان يضر بمسار المغرب كبلد سائر نحو النمو يشق طريقه بصعوبة نحو التنمية و الديموقراطية. ما يقع الان يدفعنا الى فتح نقاش جدي و مستعجل حول فلسفة النظام الانتخابي المبني على التعددية الحزبية و مدى مسايرته للدستور الجديد الذي اصبح يعطي للحزب الفائز بأكبر عدد من الاصوات الحق بتشكيل الحكومة. ما يقع الان يدعونا الى التساؤل حول أي مغرب نريد و حول اية ألية ديموقراطية نريد أن نسير بها بلدنا. لذلك نأمل ان نفهم جميعا انه في الاخير،فلا بديل عن المنهجية الديموقراطية و لا بديل عن احترام ارادة المواطنين أيا كانت فتلك الايام نداولها بين الناس فقط. كما نأمل كذلك ان يكون لقدر الله عز و جل ثم لحكمة جلالة الملك عونا كبيرا لاجتياز هذه الازمة السياسية التي يمر بها البلد.