أصبح الحديث عن الفيلم الأمازيغي، والسينما الأمازيغية من المواضيع الكثيرة التداول في الملتقيات الفكرية ذات الصبغة السينمائية، في المغرب والجزائر، بل أصبحت موضوعا لأيام دراسية بالجامعة الفرنسية1، كما نجد حضورا لهذا النقاش في وسائل الإعلام بمختلف تلاوينها، وهو نقاش صحي يندرج عموما في النقاش العمومي الذي طرحته الحركة الأمازيغية في مجالات مختلفة منذ عقود، كالتاريخ وعلم الاجتماع و حقوق الإنسان. وإن كان التداول بكثافة في ما يخص الفيلم الأمازيغي قد جاء متأخرا، لأسباب مختلفة مرتبطة بتأسيس الحركة الأمازيغية وبالنظرة الدونية للسينما والفن عموما، إلا أن الاهتمام الكبير الذي توليه الكثير من التنظيمات الجمعوية لهذا الموضوع خاصة في منطقة سوس، كفيل بإزالة اللبس حول الإشكالات الكبرى التي يطرحها هذا الجنس الفيلمي، كما أنه قادر على تنوير الرأي العام وتقديم كل ما هو جديد في عوالمه بالاعتماد على التقنيات الحديثة في الاتصال واللقاءات الثقافية التي أصبحت دورية. وبالإضافة إلى أهمية هذه النقاشات في طرح إشكالات الفيلم الأمازيغي بين النقاد والسينيفليين والمهنيين، هناك تظاهرات كثيرة أولت اهتماما ملحوظا للإبداع السينمائي الأمازيغي من خلال تنظيم مهرجانات أو ملتقيات خاصة بالفيلم الأمازيغي، وفي هذا الصدد لابد من التنويه بالمبادرات الجمعوية المناضلة في مناطق مختلفة من المغرب وعلى رأسها تجربة جمعية إسوراف للفن السابع بأكادير، لأن الساحة تكاد تكون فارغة بدون هذه المبادرات، في ظل اهتمام رسمي محتشم بهذا الجنس الفيلمي، وعدم الاهتمام به من طرف منظمي الكثير من التظاهرات السينمائية المغربية التي تملك من الإمكانيات ما يمكن أن يقدم له الشيء الكثير، وتكمن أهمية هذه المبادرات الجمعوية الأمازيغية عندما نجدها مهتمة بالتكوين في مختلف المهن السينمائية بما فيها كتابة السيناريو و الإخراج والتصوير … وهو ما يمكن أن يحقق تراكما هاما ستكون له نتائج إيجابية على مستقبل الفيلم الأمازيغي. إن طرح وضع الفيلم الأمازيغي وعلاقته بالجمهور أو أشكال تلقيه يعتبر من هذه الإشكالات البارزة التي يعتبر تناولها من الأهمية بمكان، خاصة وأن الفيلم باعتباره وسيطا ومنتوجا لا يمكن أن يحقق أهدافه بدون جمهور. فالفيلم حتى وإن كان قد حصل على دعم معين قبل الإنتاج، أي قد لا تكون له أغراض ربحية تجارية بتبليغه للجمهور، إلا أنه يظل في حاجة إلى قنوات تجعله يصل إليه، وعلى رأسهم النقاد، لاكتشاف قضايا هذه الأفلام والتعريف بها ومناقشتها. يعنينا في هذا المقال التوقف أولا عند المقصود بالفيلم الأمازيغي، وثانيا عند أشكال تلقيه في ارتباط بالتنوع اللسني بالمغرب، على أن نختم ببعض الإشارات حول الرهانات التي يجب أن تتوفر في الفيلم الأمازيغي لتوسيع دائرة جمهوره. 1 _ في تعريف الفيلم الأمازيغي انعكس النقاش الهوياتي الذي يعرفه المغرب منذ ظهور الخطاب الأمازيغي في شقه السياسي والحقوقي، على النقاشات ذات الصبغة الثقافية، ففي الوقت الذي كانت فيه الثقافة الأمازيغية في مختلف أبعادها تحاول إثبات وجودها والتأكيد على هويتها واستقلاليتها، وفي إطار الخوف من احتوائها من طرف ثقافات أخرى، برزت على الساحة الثقافية بالمغرب تسميات جديدة لم تكن معهودة من قبل وعلى رأسها المسرح الأمازيغي، الأدب الأمازيغي، الفن التشكيلي الأمازيغي و الفيلم والسينما الأمازيغيين… كل هذه المفاهيم خلقت نوعا من نقاشات جديدة في الساحة الثقافية المغربية، دون أن يتم الحسم فيها نظرا للتداخل الحاصل في بنيات وعناصر هذه المجالات الإبداعية، وعدم استساغة فئة عريضة من المهتمين بالثقافة المغربية بروز هذه التسميات لأنهم تربوا في بيئة ثقافية مبنية على الأحادية الثقافية طيلة عقود ما بعد الاستقلال. لم يكن النقاش حول إشكالية تعريف الفيلم الأمازيغي مطروحا بقوة إلا بعد بروز طاقات أمازيغية إبداعية، وظفت اللغة الأمازيغية في الحوار داخل أفلامها، وذلك مع بداية الألفية الثالثة مع أفلام محمد مرنيش وعبد الله داري وعبد الإله بدر و عبد العزيز أسايح، وقبل ذلك كانت هناك أفلام أمازيغية في وسائط الفيديو بعدما استغل المنتجون نجاح تجربة الأشرطة المسموعة للانتقال إلى " إنتاج الحكايات المصورة ثم أصبحت تصور في أقراص dvd و vcd" 2، كما وجدت أفلام سينمائية في وسائط 35 ملمتر استعملت فيها اللغة الأمازيغية بشكل عابر مثل فيلمي " ملواد لهيه" 1983 و "كنوز الأطلس" 1997 للمخرج محمد عبازي، دون أن يظهر هذا الإشكال على سطح النقاش بين النقاد والمهتمين. وعموما نجد قراءات متعددة لهذا المفهوم، واختلافا في الرؤى بين النقاد والمهتمين، إذ يعتبر مثلا الأستاذ إدريس أزضوض أن السينما الناطقة بالأمازيغية جزءا لا يتجزأ من السينما المغربية 3 في حين يرى الناقد عمر إذثنين أن ما يحدد هوية كل فيلم هو إطاره الثقافي الناظم4 ، وهو إطار في نظرنا لن يخرج عن الثقافة الأمازيغية عند الحديث عن الفيلم الأمازيغي، ونجد آراء أخرى هنا وهناك تنفي وجود شيء اسمه الفيلم الأمازيغي بدعوى أن السينما فن إنساني يترفع عن مثل هذه التصنيفات التي يعتبر في نظرهم تصنيفات عرقية، لكن أصحاب هذا الرأي لا يخجلون من تصنيف السينما المغربية بما فيها الأفلام الأمازيغية ضمن السينما العربية5 وهو تناقض صارخ، على اعتبار أن نسبة هذا الإبداع السينمائي المغربي إلى العروبة يدخل ضمن النظرة العرقية والسياسية والجغرافية التي ينتقدونها. إن النقاش حول هوية الفيلم الأمازيغي يعتبر نقاشا صحيا وسليما ولا يمكن تصنيف الحديث عنه في خانة العنصرية إرضاء لبعض التصورات المثالية والأحادية للهوية، كما أن تداوله بين المهتمين حول هوية هذا الجنس الفيلمي نجده في بلدان أخرى تعيش ازدواجية لغوية مثل كندا أو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء … وما يهمنا نحن كمهتمين بالفيلم الأمازيغي هو خلق دينامية إبداعية سينمائية تنصف الثقافة الأمازيغية، وتعيد لها الاعتبار وتستثمر قيمها النبيلة لنشر التسامح والسلام في صفوف المتلقين له، باختلاف ألسنتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم. وسنركز حديثنا في هذا المقال حول الفيلم الأمازيغي الناطق بالأمازيغية، بشكل إجرائي لكي لا ينفلت النقاش إلى أشياء أخرى. لابد من الإشارة إلى صنف أخر من الفيلم الأمازيغي يقل الحديث عنه ويدخل في تجربة الهواة، وهو الفيلم الأمازيغي القصير، فهناك أفلام كثيرة تنافس في المهرجانات الوطنية والدولية أحيانا، إلا أنها لم تدخل غمار التجارة إذ يقتصر تداولها على السينيفليين، وغالبا ما تعرض في المهرجانات و مواقع النت المتخصصة. 2 _ تلقي الفيلم الأمازيغي داخل المغرب والتنوع اللسني ارتبطت السينما منذ ظهورها نهاية القرن التاسع عشر الميلادي بالجمهور، فحتى في بداياتها حين كانت الأفلام لا تتجاوز مدتها دقيقة واحدة، كانت أماكن العرض تغص بالجمهور الذي كان يحج إليها لاكتشاف ما يصوره المخرجون، وكان الجمهور في البداية ينبهر من تقنية عرض تلك الصور المتحركة على شاشة كبيرة، وبذلك بنت السينما منذ البداية علاقتها مع الجمهور على كل ما هو مثير وخارق، خاصة بعدما تطورت لتصوير حكايات وقصص من الواقع اليومي بطرق كوميدية ساخرة، وفي تلك المرحلة برزت بشكل قوي أفلام شاري شابلن الذي أبهر الملايين من مشاهدي أفلامه بحركاته ومواضيعه الساخرة، وستزداد قوة تأثير السينما بعد أول فيلم ناطق سنة 1927، إذ انضاف إبهار العين إلى إبهار السمع ومعهما الإحساس والوجدان، ومع التطورات التي عرفتها السينما في ما بعد مع إدخال الخدع السينمائية والألوان… أصبحت لها قوة كبيرة في التأثير واستعملت كأداة لتوجيه الرأي العام، وخدمة النزوع الإيديولوجي في الكثير من البلدان. كل هذا يؤكد ارتباط السينما بالجمهور، فبدونه لا يمكن الحديث عن شيء اسمه السينما، هذه الأخيرة بفضل إمكاناتها التقنية واعتمادها على الصورة أعطيت لها الفرصة لمعانقة جماهير واسعة حتى وإن لم تكن متعلمة، عكس فنون أخرى ذات إقبال جماهيري ضعيف ونخبوي بالأساس كالفن التشكيلي وأنواع معينة من الموسيقى كالجاز مثلا. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقارب موضوع الفيلم الأمازيغي وعلاقته بجمهوره داخل المغرب كمجال جغرافي غني على المستوى اللسني وسنميز في هذا التلقي بين مستويين. أ _ التلقي الشعبي : نقصد بهذا التلقي، استقبال الجمهور العام للفيلم الأمازيغي سواء تعلق الأمر بالفئات العريضة من المغاربة المتعلمين من الطلبة والأساتذة والتجار وغيرهم أو فئة غير المتعلمين، هذه الفئات لها تعاطي خاص مع الفيلم الأمازيغي رغم أن عمره لم يتجاوز ثلاثة عقود، إذا اعتبرنا أن نوع الأفلام المقصودة في هذه الدراسة هي تلك التي اعتمدت في حوراها على الأمازيغية بما فيها أفلام الفيديو، والحديث عنها يحتاج لمقاربات مختلفة، ولهذا سنميز في هذا العنصر بين تلقي أفلام الفيديو خلال التسعينيات كمرحلة أولى، وتلقيها في المرحلة الثانية، مع إضافة تلقي الأفلام الأمازيغية في وسائط كdvd وvcd و التلفزيون والسينما بعد سنة 2002 . المرحلة الأولى : تمكن الفيلم الأمازيغي منذ بداياته من أن يخلق قاعدة جماهيرية واسعة بل يمكن تسميتها ب" دراما أمازيغية لسانا وثقافة ذات جمهور يتنوع بين الفئات الشعبية العريضة والمثقفين والطلبة" 6 ، خاصة في منطقة سوس، التي برزت فيها المحاولات الأولى مع فيلم" تمغارت ن ورغ" للحسين بزكارن1989 و فيلم " تكيكلت " لحمد مرنيش، لتنطلق التجارب الأخرى خاصة مع فيلم " بوتفانست د ربعين أمخار" 1994 للمخرج أكرام أرشاش وإنتاج العربي ألتيت وبطولة المرحوم الحسين إبوركا، ويفسر الناقد السينمائي براهيم الحسناوي7 هذا النجاح بالسياق الذي أفرز فيه الفيلم الأمازيغي، حيث انتقل المنتجون في منطقة سوس والحوز عموما من إنتاج الأشرطة السمعية، أي من الاعتماد على القنوات الشفهية لتصريف الثقافة الأمازيغية إلى إنتاج الأشرطة المصورة مع الاحتفاظ بنفس التيمات والمواضيع ونفس اللغة بل وحتى نفس النجوم، إذ أن نجوم الأغنية الأمازيغية بسوس انتقلوا من الغناء إلى التمثيل، بل وكانوا في البداية يشاركون في تصوير كليبات أغانيهم ونذكر في هذا الصدد تجربة الفنانين إبراهيم أسلي وفاطمة تحيحيت. هذا الانتقال من الشفوي إلى المصور، جعل الإنسان الأمازيغي يكتشف ذاته، إذ أصبحت الصورة مرآة تعكس صورة الأمازيغي، ولم يكن الأمر يتعلق فقط باللباس و الفضاءات والديكور فقط ، بل انبهر الأمازيغ في سوس وفي مناطق أخرى من انتقال لغتهم من التداول اليومي إلى الشاشات الصغيرة مع فن الفيديو و أشرطة dvd وvcd ، بعدما كانوا يعتقدون أن لغتهم غير صالحة للإبداع وأن وظيفتها لا تتجاوز التواصل بين" أيت تمازيرت" في ما بينهم في الدوار أو القرية. قوبل الفيلم الأمازيغي بالانبهار الشعبي وانتشر بسرعة داخل المغرب بما فيها المدن الكبرى كالدار البيضاءوأكادير ومراكش وفي الخارج خاصة في فرنسا التي احتضنت منذ ما قبل الاستقلال جالية هامة من الأمازيغ القادمين من الجنوب المغربي، وهذا الموضوع ستتناوله الأفلام الأمازيغية في إطار حضور شخصية " فيلكس موغا" الفرنسي الذي هجر الآلاف من سكان المغرب نحو فرنسا للعمل في المناجم والضيعات الزراعية الفرنسية، هذا الانتشار سيشجع المبدعين وشركات الإنتاج للدخول في مغامرة إنتاج أفلام أكثر وتطوير تلك الحكايات الأمازيغية ولدينا نموذج فيلم " بوتفوناست" الذي بلغ الجزء الثالث. وما شجع المبدعين للمغامرة أكثر خلال مرحلة التسعينيات، عدم ظهور القرصنة و جنوح الدولة نحو الاعتراف بالأمازيغية من خلال بث أول نشرة باللغة الأمازيغية( نشرة اللهجات) سنة 1994، أي أنه لم تكن هناك عراقيل رسمية أمام اشتغالهم، ماداموا أنهم يشتغلون بإمكانياتهم الذاتية8 دون أن يطلبوا أو يحتجوا على الدعم، في الوقت الذي كانت الأموال العمومية توزع على شركات الإنتاج الأخرى التي تنتج أفلاما سينمائية في وسائط أخرى. لم يكن الاعتماد على اللغة الأمازيغية بلكنة الجنوب ( تاسوسيت) عائقا أمام الانتشار السريع للفيلم الأمازيغي في مختلف مناطق المغرب، لأن نسبة هامة من سكان المغرب(إلى غاية 1994 كان عدد سكان البوادي بالمغرب أكثر من سكان المدن) لهم أصول قروية، حتى وإن كان الكثير منهم ولد في المدينة إلا أن طبيعة التربية والعلاقات الاجتماعية جعلتهم مرتبطين بالقرية سواء كانوا من المتحدثين بالأمازيغية أو بالدارجة، ولهذا أقبلوا على استهلاك تلك الأفلام لأنها كانت تقدم لهم صورة حية عن قراهم بقيمها وخصوصياتها العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، كانت بالنسبة إليهم فرصة لإحياء صلة الرحم، ويكون الأمر أكثر تأثيرا حين يتعلق الأمر بأسر غادرت قراها من الجنوب أي أن أصولها من نفس الأمكنة التي كانت تصور بها تلك الأفلام، ولو أدمج المخرجون تقنية الترجمة " sous titrage " لتمكنوا من الوصول إلى جمهور أوسع، لأن الكثير من أبناء المنتمين للمناطق الأمازيغية في المدن، لم يتعلموا الأمازيغية ولكنهم حافظوا على علاقتهم الوطيدة بانتماء آبائهم وأجدادهم. لابد من الإشارة إلى أنه رغم كل يقال عن الاختلاف اللسني بين اللهجات الأمازيغية، فإن الفيلم الأمازيغي في وسائط dvd وvcd كشف عن وحدة اللغة الأمازيغية، فأفلام الجنوب لاقت انتشارا واسعا خصوصا في الأطلس الكبير الذي يشكل امتداد للكنة الجنوب، ولم يجد سكانه صعوبة في فهم مضامين الحوار بها، بل أصبح شبابها يقلد نجوم تلك الأفلام في أسمائهم وطريقة كلامهم ومن أشهر هذه الشخصيات التي عرفت انتشارا واسعا نجد " ساسبو " و"داحماد"، لكن كلما اتجهنا نحو الشمال إلا وقل الإقبال على استهلاك تلك الأشرطة بسبب البعد الجغرافي الذي يفرض صعوبات أمام الموزعين، إضافة إلى تزايد حدة الاختلافات اللسنية. لعبت الموسيقى التصويرية والمقاطع الموسيقية التي تتضمنها تلك الأفلام دورا هاما في الإقبال عل استهلاك تلك الأشرطة، نظرا لعشق الجمهور لتلك الأصوات التي تؤدي تلك الأغاني، بل هناك من انتقل من تتبعه لنجوم الغناء في الأشرطة السمعية إلى الأشرطة المصورة في الفيديو كليبات وأفلام الفيديو. المرحلة الثانية: يصعب تحديد تاريخ محدد للانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وعموما فقد كانت كلفة التصوير بالفيديو خلال التسعينيات وبداية الألفية الثالثة مكلفة على مستوى الإنتاج إذا يباع الشريط بثلاثين درهما، ولهذا تم الانتقال تدريجيا إلى تصوير تلك الأفلام بكاميرات رقمية توضع بعده في وسائط dvd وvcd ليباع بثلاثة عشر درهما، أي أنه بعد مرحلة التسعينيات استمرت الشركات في تصوير تلك الأفلام في وسائط الفيديو إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة مع تسجيل ملاحظة أساسية وهي استثمار التراث الأمازيغي الحكائي، بل هناك من وظف حكايات من الأدب العالمي كفيلم "أكال" للمخرج أحمد أمل الذي أخذ من الأدب المصري دون تحديد الرواية إذ وضع في الجنيريك إشارة إلى الكاتب يحيى حقي. يهمنا في هذه المرحلة أن نقف عند ظهور أفلام تلفزيونية ناطقة بالأمازيغية وهو ما فتح بابا جديدا أمام تداوله ومعانقة جمهور التلفزيون، وفي هذا الصدد يشير الحسناوي أن أول فيلم تلفزيوني تعرضه القناة المغربية الأولى هو " 7 ن تضنكوين" للمخرج عبد الله داري، في حين ستنتج أول فيلم سنة 2004 تحت عنوان" توف تنيرت" لنفس المخرج9. وفي نفس الفترة ستظهر أفلام سينمائية بدعم من المركز السينمائي المغربي وعلى رأسها فيلم" تيليلا" 2006 و "تمازيرت أفلا" 2008 للمخرج محمد مرنيش و فيلم "إيطو تتريت" 2008 لمحمد عبازي… استمر إنتاج الأفلام في وسائط dvd وvcd رغم دخول الفيلم الأمازيغي عالم السينما في صنف 35 ملمتر. لاستمرار الإقبال عليها رغم القرصنة التي خفضت بشكل تدريجي من أرباح المنتجين، وإلى يومنا هذا يواصل بعض المنتجين عملهم وإن كان ذلك بوتيرة قليلة مقارنة مع السنوات الأولى. ب _ التلقي النقدي: ونقصد به تلقي النقاد والمهتمين بالسينما، وخصوصا المنشغلين بالإنتاج الوطني مهما كانت لغته، هذه الفئة ركزت اهتمامها خاصة خلال التسعينيات وبداية الألفية الثالثة على نوع خاص من الأفلام اعتبرتها، تستحق النقد بمعناه العام، وأعطتها كل وقتها ودراساتها وهذا ما جعل الناقد أحمد السجلماسي يرى أنه" من المفارقات العجيبة كون كل ما قيل وكتب عن السينما بالمغرب، يكاد يفوق بكثير ما أنتجته أو سمحت بإنتاجه الوضعية السينمائية من أفلام وطنية "10، في إشارة إلى المبالغة في الكتابة على هذه الأفلام، وإذا كانت مبررات النقاد أن تلك الأفلام لا ترقى إلى مستوى الأفلام الإبداعية التي تستحق النظر إليها من زاوية الجماليات والتحليل الفيلمي، فإنه كان من الأجدر عليهم تناولها من زاوية النقد الصحفي بالبحث عن معلومات تخص المخرجين والممثلين ومشاكلهم وطرق إنتاج تلك الأفلام ولم لا البحث عن حجم أرباحها أو خسائرها باعتبارها عنصرا إبداعيا يدخل ضمن خانة اهتمامات النقد السينمائي. لا شيء من كل هذا حدث بل ظل الفيلم الأمازيغي إلى ما يقارب منتصف العقد الأول من القرن العشرين بعيدا عن كتابات واهتمامات نقاد السينما بالمغرب، اللهم إذا استثنينا مبادرات معدودة على رؤوس الأصابع لكتابات نقدية أشارت إلى هذا الجنس الفيلمي مع الناقد الراحل براهيم أيت حو، ولإشاراته ما يبررها على المستوى اللسني إذ ينتمي إلى منطقة الجنوب الشرقي وبالضبط منطقة قلعة مكونة، هذا الانتماء ربما كان سببا في إشارته في ثنايا كتابه " السينما المغربية ، الواقع والآفاق" الصادر سنة 2001 إلى الفيلم الأمازيغي، لتأتي بعده مبادرة الناقد عمر إذثنين ليصدر سنة 2006 كتابا تحت عنوان "آراء ومقالات حول الفيلم الأمازيغي" ليصدر سنة 2012 الناقد محمد بلوش كتابه المعنون ب" الفيلم الأمازيغي، أسئلته ورهاناته". وتوالت الإصدارات بعد ذلك في إطار نوع من الانفتاح على هذا الجنس الفيلمي الذي زكته التفاتة الجمعيات إليه وتقديمه للواجهة. وقبل هذه الصحوة إن صح القول، كانت هناك محاولات هنا وهناك حيث نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ندوة حول الفيلم الأمازيغي سنة 2007 لم تطبع إلا بعد مرور تسع سنوات على تنظيمها. والسؤال الذي نطرحه في هذا الإطار، ما علاقة التنوع اللسني بهذه الوضعية التي كانت للفيلم الأمازيغي في الكتابة النقدية؟ كانت لغة الحوار المهيمنة في الأفلام الأمازيغية إلى اليوم هي لغة الجنوب، أي "تاسوسيت"، إذ إلى يومنا هذا ظلت غالبية الأفلام الأمازيغية حسب التصنيف الإجرائي الذي اعتمدناه في البداية منتمية إلى الجنوب، ولهذا كان تلقيها من طرف النقاد فيه نوع من التحفظ، لأسباب مختلفة نذكر منها: _ النقص في الدعاية لتلك الأفلام من طرف المنتجين وبالتالي لم تكن تلك الأفلام في متناولهم وكم من ناقد في اللقاءات الثقافية السينمائية التي يطرح فيها الفيلم الأمازيغي للنقاش يحتج على طريقة التوزيع، ومن أبرز هذه الأفلام التي يصعب إيجادها، "واك واك واك أتايري" لحمد مرنيش، "أغرابو" و " وداعا كارمن" لمحمد أمين بنعمراي، أما أفلام الفيديو وvcd فهناك من يتحفظ من اعتبارها أفلاما تستحق الدراسة، أضف إلى ذلك عدم فهم الكثير من النقاد لمضمونها بسبب عدم إتقانهم للغة الأمازيغية، وعدم احتواء تلك الأفلام على الترجمة. _ تهميش الفيلم الأمازيغي، بسبب الوضعية الاعتبارية للغة والثقافة الأمازيغية بالمغرب منذ الاستقلال إلى بداية الألفية الثالثة. _ احتقار الأمازيغ أنفسهم لإبداعهم حتى بعض المنتمين لحقل النقد السينمائي أو الفني عموما. _ ارتباط الأمازيغية لاشعوريا بالطابو عند بعض المنتسبين لحقل النقد السينمائي وتأثرهم بالفكر البعثي الشرقاني الذي كان سائدا خلال العقود التي تلت الاستقلال. وإذا كنا قد تحدثنا عن نوع من التهميش خلال مرحلة الأولى لظهور الفيلم الأمازيغي، فإن السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ سنة 2007 عرفت منعطفا، إذ نظم نادي سيدي قاسم السينمائي أول ندوة حول الفيلم الأمازيغي، وبعده جاءت مختلف المبادرات من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومهرجان إسني ن ورغ من خلال فتح النقاش حول الفيلم الأمازيغي باستدعاء النقاد. كما أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الكثير من الأقلام النقدية تشتغل على الفيلم الأمازيغي وتجعله محورا لدراساتها وتصوراتها ونذكر على سبيل المثال كل من: محمد شويكة، محمد شملال، يوسف أيت همو دون أن ننسى الناقد حميد اتباتو الذي كان من أوائل الذين طرحوا الإشكالات التي تتعلق بهذا الفيلم. خاتمة يحتاج الفيلم الأمازيغي كجنس فيلمي مغربي فتي إلى تكاثف جهود كل المتدخلين، كل من زاويته، للدفع به إلى الأمام ليكون في مستوى تطلعات كل عشاق السينما، مهما كانت انتماءاتهم ولغاتهم. وأهم شيء في نظري لابد من توفيره لهذا الجنس الفيلمي ما يتعلق بضمان الدعم المادي لكل التظاهرات الثقافية التي تهتم به، بالإضافة إلى دعم إنتاج هذه الأفلام، فمن غير المنطقي أن تترك الدولة مخرجين أمازيغيين يغامرون بأموالهم الخاصة لإنتاج أفلام لن توفر لها حتى الحماية من القرصنة لو خرجت للسوق، وخير مثال على ذلك المخرج محمد بوزكو في فيلم" إبيريتا" 2016، وبقدر ما يحتاج الفنانون من ممثلين ومخرجين وتقنيين إلى تشجيع ودعم، فإنه لابد من توجيهات تتجنب عبارات الإطراء والمجاملة والوقوف من طرف النقاد على مكامن الضعف والقوة في الفيلم الأمازيغي، وأداء الممثلين بالخصوص. وأخيرا على المخرجين وكتاب السيناريو الاهتمام بمواضيع جديدة تخرج بالفيلم الأمازيغي من الاشتغال على تيمات متجاوزة إلى مواضيع ذات صبغة إنسانية يمكن أن يتفاعل معها أي مشاهد في أي مكان، مع الحرص على استثمار التراث الأمازيغي في أبعاده الفلسفية والقيمية دون السقوط في التكرار و الفلكلرة والتبسيط. الهوامش : 1_ La Journée d'études internationale "Les cinémas berbères : de la méconnaissance aux festivals nationaux. Comparaisons africaines" 19 octobre 2016 paris 2 _ براهيم حسناوي ، السينما الأمازيغية دليل المهنيين، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط ، سنة 2012 ، ص 7. 3 _ براهيم حسناوي، المرجع نفسه، ص 5. 4 _ عمر إذثنين، مقالات عن الفيلم الأمازيغي، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ورزازات 2006، ص 29 5 _ محمد زروال، إضاءات حول الفيلم الأمازيغي، منشورات جمعية إسني ن ورغ أكادير، 2013، ص 9 6_ عناصر الثقافة الأمازيغية في السينما المغربية، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ونادي إيموزار السينمائي، مؤلف جماعي، 2015 ، ص8. 7 _ براهيم حسناوي، مرجع سابق، ص 7. 8 _ أحمد عصيد ، ندوة اللغة السينمائية في الفيلم الأمازيغي إيموزار2016، مقال غير منشور 9 _ براهيم الحسناوي، مرجع سابق، ص 8. 10 _ أحمد السجلماسي المغرب السينمائي، سلسلة شراع، سنة 1999، ص 112.