يأتي المؤتمر الوطني الثامن لحزب العدالة والتنمية في ظرف حساس جدا يمر منه حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه من طرف الدكتور عبد الكريم الخطيب سنة 1963 وكذلك خلال مرحلته الثانية بعد سنة 1997،حيث مر الحزب من صعوبات وتحديات يمكن القول أنها الأولى من نوعها بالمشهد السياسي المغربي منذ الاستقلال خاصة ما يتعلق منها ب "البلوكاج الحكومي "الذي دام نصف سنة تقريبا وبعدها إعفاء الأمين العام للحزب الأستاذ عبدالاله بنكيران من مهام التكليف برئاسة الحكومة وتشكيلها،ناهيك أيضا عما صاحب فترة الإعداد لانتخابات أكتوبر2016 من تقاطب شديد بين حزب العدالة والتنمية والحزب المعلوم المدعوم من الإدارة وقوى التحكم والذي حصد الهزيمة التالثة في مواجهته لحزب المصباح خلال استحقاقات 2011 و 2015 و 2016…وإن كانت الصعوبات التي عاشها الحزب بعد 15 مارس 2017 داخلية بالدرجة الأولى بالنظر إلى مسار تشكيل الحكومة من طرف الدكتور سعد الدين العثماني والذي وصفه الكثيرون بكونه شهد الكثير من التنازلات،فإن الصعوبات الموضوعية التي واجهها الحزب تجلت أساسا في ضرورة المحافظة على الثقة بين الحزب والمؤسسة الملكية،وكذلك في الاستمرار في الحكومة وفق نفس الإصلاح الذي شهدته الحكومة السابقة..لينضاف بعد ذلك التحدي الكبير الذي أصبح عنوانه اليوم: ضرورة المحافظة على وحدة الحزب،خاصة بعد تصاعد دعوات التمديد للأمين العام عبر إضافة ولاية ثالثة في مقابل دعوات أخرى مخالفة تدعو لاحترام القانون الأساسي للحزب وعدم تعديل أي مادة فيه تمنح للأمين العام فرصة تجاوز ولايتين.. وإذا كانت أطروحة المؤتمر السابع قد تم تحديدها في عنوان "شراكة فعالة في البناء الديمقراطي" فإن المؤتمر الثامن اليوم في حاجة إلى استحضار مجموعة من السياقات لبلورة أطروحة تناسب المرحلة المقبلة التي دخلها المشهد السياسي المغربي عموما وحزب العدالة والتنمية كأبرز قوة سياسية بالمغرب خصوصا…ويمكن إجمال هذه السياقات فيما يلي: السياق الدولي: لايخفى على أي متتبع كيف أصبح الوضع في العالم الثالث وفي المنطقة العربية خصوصا يخضع لمنطق "الفوضى الخلاقة" التي نتجت عن تدخل القوى العالمية العظمى خاصة منها الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية للدول التي أصابتها الأمواج العاتية للربيع الديمقراطي الذي ابتدأ سنة 2011 ،وبعد تبوء الإسلاميين مقدمة المستفيدين سياسيا من نتائج الثورات المذكورة،تدخلت القوى العالمية ذاتها بتنسيق مع قوى إقليمية لاتريد نجاح نماذج ديمقراطية فتية فتم التدخل ضد الديمقراطية في مصر وفي تونس،كما تم دعم قوى أخرى بليبيا ضد الحكومة والهيئات المنتخبة ديمقراطيا،واستفحل الأمر بشدة بعد وصول دونالد ترامب لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي يؤمن بأفكار استئصالية ضد المسلمين عموما والممانعين منهم على وجه الخصوص خاصة مناوئي الكيان الصهيوني..وقد انعكس هذا السياق الدولي على الكثير من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي تخوض تجارب ديمقراطية فتية،حيث عادت قوى التسلط والجمع بين الثروة والسلطة لتجد في هذها السياق خير مبرر لاغتيالها للديمقراطية الفتية في ظل ما عرف ب "الخريف الديمقراطي". السياق الإقليمي: يمكن ربط السياق الإقليمي بما ذكرناه سابقا في السياق الدولي،حيث تعيش المنطقة المغاربية خصوصا والعربية عموما على إيقاع التمزق والصراعات،بدل التوحد والتكثل الذي تفرضه التحديات الإقتصادية والأمنية،وفي هذا السياق،فالمنطقة المغاربية تعيش في إطار استمرار الجزائر في تأجيج وتأبيد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية مما يكلف الدولة المغربية الكثير من النفقات في مجال التسلح ودوام اليقظة قرب جار دائم المكر والتخطيط للمس بوحدة البلاد، ومن ناحية أخرى وعوض جعل الديمقراطية ودعم التعددية الحزبية والعدالة الاجتماعية مفتاح كسب البلاد للتحديات التي تواجهها،تتجه بعض اللوبيات الاقتصادية والمصلحية لجعل التحديات التي يعيشها البلد مبررا لتكريس السلطوية ودعم الأحزاب الإدارية التي تجعل العمل السياسي مفرغا من مضمونه وغير ذي جدوى. أي أطروحة لأي حزب؟؟ بناء على ماسبق وبالنظر إلى التجربة الفتية التي راكمها حزب العدالة والتنمية منذ عشرين سنة مضت في المعارضة وفي التسيير،فإن الحزب اليوم ملزم بالتأسيس لأطروحة جديدة تنبني أساسا على مسارين: المسار الذاتي: فبعد تجربة مهمة في فصل الدعوي عن السياسي وذلك بتفعيل التمايز التنظيمي بين الهيئة الحزبية والحركة الأم التي أنجبت أغلب مؤسسي ومناضلي الحزب بإقرار حالات للتنافي في عضوية الهيئتين،لا بد اليوم تطوير هذا التمايز ليشمل الجانب النظري للحزب أيضا،عبر تحديد وتدقيق مفهوم المرجعية الإسلامية تحديدا دقيقا،إضافة إلى إبداع نظرية متكاملة في الإصلاح تقوم أساسا على العدالة الاجتماعية بنفس اجتماعي صرف بعيدا عن الليبرالية المتوحشة. المسار الموضوعي:المضي قدما في التوافق والتعاون مع المؤسسة الملكية كفاعل أساسي ومركزي في العملية السياسية المغربية،والانخراط بفاعلية أكثر في المشاريع الاستراتيجية الكبرى للمؤسسة الملكية،مع تنزيل وتطبيق برنامج الحزب المنصهر في إطار البرنامج الحكومي وفق رؤية تنموية مندمجة تتغيى أساسا إعادة الروح للطبقة المتوسطة وتقويتها،وكذا تشجيع المقاولة والاستثمار…وذلك حتى لا يتقزم مصطلح الإصلاح ويبقى له انطباع لدى الرأي العام في الإجراءات الكبرى لإصلاح المقاصة وصناديق التقاعد،والتي كانت فعلا مؤلمة للطبقة المتوسطة والفئات الهشة. من جهة أخرى وفي إطار هذا المسار الموضوعي ينبغي على حزب العدالة والتنمية فتح أواصر الحوار والتنسيق مع الأحزاب السياسية الوطنية..