في سياق تصريح وزير الخارجية الجزائري حول السياسة الإفريقية للمغرب والدي اتهم فيه الأبناك المغربية بتبييض أموال الحشيش وأن للخطوط الملكية المغربية علاقة بدلك، اذا كان رد الفعل المغربي مطلوبا فانه يعكس خللا في الإدراك المغربي لخلفيات هذه التصريحات، حيث اعتبرتها وزارة الخارجية المغربية غير منتظرة من رئيس الدبلوماسية الجزائري الذي يفترض فيه التعبير عن المواقف الرسمية لبلاده على الصعيد الدولي، علما أن هذه المواقف الراسخة بشكل مضمر هي التي أنطقت الوزير الجزائري على نحو غير معقول. إن الموقف الرسمي الجزائري من المغرب مهما تلطفت عباراته كما تنتظر الخارجية المغربية، لا يحجب حقيقة الاستعداء الاستراتيجي الجزائري للمغرب الذي يتجاوز محض تصريحات تهجمية بين الفينة والأخرى، بل يتجاوز حتى أطروحة الصراع المؤقت على النفوذ في الإقليم المغاربي أو في سائر القارة الإفريقية، حيث يعد العداء الاستراتيجي محددا لعلاقات الجزائر المغربية. فوفق التحليل التاريخي الذي يرجع إلى الأسباب التاريخية المنشئة لحالة التنافس بين الدول، فقد بدأ الخلاف بين البلدين بنزاع ترابي ناتج عن تصرف المستعمر الفرنسي في حدودهما. ثم أخذ النزاع بينهما بعدا دوليا حيث إصطبغ بصراعات الحرب الباردة واصطفاف المغرب لجهة الولاياتالمتحدة في مقابل إصطفاف الجزائر لجهة الإتحاد السوفياتي. وقد تصعّد الصراع فيما بعد إلى خلاف حول أنظمة الحكم حين أعلن الرئيس هواري بومدين مناهضته للملكية المغربية بقوله:"في الواقع يعتقد إخواننا المغاربة أنهم ساعدونا في تحقيق إستقلالنا عن فرنسا، الآن يتوجب علينا أن نساعدهم في التحرر من الملكية الإقطاعية التي باعتهم للغرب" . فتاريخ هذا الصراع هو الذي ساهم بعدا في تشكيل تصورات صانعي القرار لدى البلدين اتجاه بعضهما البعض، وهو الذي يضمن استمرار حالة العداء الاستراتيجي بينهما إلى عقود قادمة، وضمن هذا السياق جاءت تصريحات وزير الخارجية الجزائري المومأ اليها. ومع اتساع المدى الزمني لفترة العداء الاستراتيجي بين البلدين، تترسخ لدى صانع القرار الجزائري فكرة وجود تهديدات مستمرة من جانب الدولة المنافسة )المغرب(، فقد اعتبر مثلا بأن إعادة تموضع المغرب في إفريقيا ستمنحه وزنا إقليميا مما قد يجعل ميزان القوى بين الجانبين يختل لصالح المغرب، أي أن عوائد التحركات المغربية على الساحة الإفريقية ستكون على حساب الإضرار بمصالح الجزائر. وهذا العمى الإدراكي هو ما يزيد من الضغوط الداخلية على صانع القرار الجزائري، و يدفعه بالتالي إلى نوع من الجمود المعرفي، فينتج ردود أفعال غير عقلانية من مثل التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية. ومع التحليل التجريبي الذي يعتمد على البيانات المتعلقة بعدد النزاعات بين الدول لتعريف علاقات العداء الاستراتيجي،يلاحظ بأن البلدان انخرطا في عدد من النزاعات المسلحة وصلت فيها الفترة الزمنية لحالة التنافس لمدة ليست بالقصيرة. وحتى بعد انتهاء مرحلة المواجهة العسكرية بين الطرفين، فقد دخل البلدان في سباق تقليدي نحو التسلح، مما يجعل لدى كل منهما توقعات بوقوع صراع مستقبلي مع الطرف الآخر. ولعل لعامل الجوار الجغرافي دور مؤثر في علاقة العداء الاستراتيجي بين المغرب والجزائر، حيث استمر النزاع الترابي بينهما كما بدأ حول تبعية إقليم لأحدهما )في البدء طالب المغرب بتبعية الصحراء الشرقية له، وفيما بعد أخذت الجزائر تطالب المغرب ب"الصحراء الغربية" بالوكالة عن جبهة "البوليساريو" التي تحتضنها فوق ترابها. إن مستقبل حالة العداء الاستراتيجي بين المغرب والجزائر مرتبط بتطورات النظام العالمي، حيث سيولة مناخ الصراع الدولي صارت أنسب لإيقاظ التنافس بين البلدين بعدما خفت لسنوات مضت. اذ أن اتجاه العالم نحو تعددية قطبية وبروز حالات عداء بين القوى الكبرى، سيمنح الدول الصغرى الجرأة في التعامل مع الدول التي تجمعها بها علاقات تنافس استراتيجي، حيث أن الجزائر باستفزازها للمغرب تبدو وكأنها تقلد التحدي الروسي للولايات المتحدةالأمريكية، أو تقلد استراتيجية "كره المتحابين" في العلاقات الأمريكية الإيرانية. وختاما، لقد أصبح كل من المغرب والجزائر يعي جيدا بأنه لم يعد هناك مجال للطابع الماضوي في التنافس الاستراتيجي المرتكز على الصراع العسكري، وهكذا صارت علاقات العداء الاستراتيجي بين البلدين تدار عبر ما يسمى "الحرب الفاترة" التي لا تصل حد حرب ساخنة عسكرية، ولا تنحدر إلى حرب باردة إيديولوجية، لما تتضمنه من إجراءات هجومية باستمرار تسعى بشكل ممنهج إلى إضعاف الخصم وخفض كفاءته وإرباكه. وفي ضوء ذلك يسعى المغرب إلى بناء قوة إقليمية قائمة على أهمية الهيكل الاقتصادي فيها، والانخراط ضمن التنظيم الإقليمي القائم )الاتحاد الافريقي(، في الوقت الذي لا يسع الجزائر لامتلاك القدرة على ضرب المغرب باستمرار غير أسلوب الدعاية السياسية. د.نبيل زكاوي رئيس مركز تفكر للدراسات والأبحاث الاستراتيجية