كنت أفكر مثلك أخي جبرون في تقديم استقالتي .. لكن أشياء كثيرة كانت تمنعني .. و أظن أن كثيرون مثلي يفكرون في الاستقالة .. لكن هناك أشياء كثيرة و جميلة تمنعهم .. كنت أفكر مثلك أخي في الاستقالة .. لكن صعب جدا أن تغادر حزبا أو مشروعا قضيت فيه أكثر من 25 سنة من عمرك .. حتى أصبح جزءا منك .. صعب جدا أن أنسى أنني انتميت لهذا المشروع وسط رفض قوي للعائلة الصغيرة .. و لن أنسى أبدا أبي و أمي وهم يقولون لي بكل حب "أولدي بعد على داك صداع" .. و أتذكر جيدا كيف قاومت وناضلت .. و كيف راوغت .. صعب جدا أن أنسى عندما احتضنني هذا المشروع و أنا تلميذ يافع يبحث عن ذاته .. لن أنسى السبورة الحائطية التي كنا نزينها بالآيات و الحكم و الرسائل .. لن أنسى القصص و الكتب التي كنت أتبادلها مع رفاق المشروع .. صعب جدا أن أنسى عندما كنا نجلس في بيوت متواضعة نصلي و نقرأ القرآن و نتدبر معانيه و نتأمل حال بلدنا و شعبنا وأمتنا و نتساءل ماذا علينا أن نفعل .. كيف نساهم في إصلاح واقع بلدنا .. صعب جدا أن أنسى كيف بنينا هذا المشروع لبنة لبنة .. و يدا في يد .. بصبر و تعاون و أمل و حب .. صعب جدا .. جدا .. جدا .. أن أنسى رجالا جمعتني معهم جلسات تربوية إيمانية .. صلينا فيها معا و قرأنا القرآن وفسرناه تفسيرا يعمق فهمنا للحياة و الغاية منها .. و تدارسنا سنة الحبيب المصطفى .. رجالٌ منهم من قضى نحبه – و صورتهم لا تفارقنا أبدا – و منهم من ينتظر و ما بدل تبديلا .. صعب جدا أن أنسى شبابا و طلبة قمة في الحماس .. و قمة في الإخلاص .. و قمة في العطاء .. جمعتني معهم حلقات ونقاش و مخيمات و سفر و سمر .. صعب جدا أن أنسى عندما كنا قلة نخشى أن يتخطفنا الناس .. وكنا نخاف على مشروعنا كخوفنا على أطفالنا الصغار .. صعب جدا أن أنسى كيف كنا نفتخر دوما أن مشروعنا لم يكن يوما ملكا لشخص و لا حتى لبضعة أشخاص .. بل كنا دائما نفتخر – أمام الآخرين – أننا مختلفون عن كل الحركات و التيارات التي تشبهنا .. فمشروعنا هو ملك لجميع أبناءه و مناضليه .. كنا نفتخر بالجماعة و الفكرة و المشروع و المؤسسات .. كنا نفتخر بالديمقراطية و الشورى و التناوب و حرية الرأي ووو .. صعب جدا أن أنسى أنني أنتمي لمشروع كبير فيه رجال و نساء يتعاونون على الخير و على الإصلاح .. و لا يوجد في قاموسهم شيء اسمه الشيخ او السيد او الزعيم .. صعب جدا أن أنسى محطات من تاريخ مشروعنا .. مازالت راسخة في ذهني .. محطات فيها الفرح و فيها الحزن .. فيها النجاح و فيها الإخفاق .. صعب جظا أن انسى كيف كنا ننظم مؤتمراتنا .. و كيف كان يشيد العدو قبل الصديق بديمقراطيتنا و وحدة صفنا .. و قوة تنظيمنا .. و وضوح أفكارنا .. و صلابة منهجنا .. صعب جدا أن أنسى كيف كنا نقطع مئات الكيلومترات متلهفين للقاءات أو اجتماعات أو مشاورات .. أو للاستماع لتوجيه أحد قيادات الحزب .. وكانت تلك الاجتماعات و تلك التوجيهات عبارة عن وقود يحفزنا للانخراط بقوة و فعالية و أمل .. صعب جدا أن أنسى أن تلك الجلسات التربوية التي كانت تجمعنا في بيوت متواضعة هي التي أنتجت هذا المشروع الكبير .. و هي التي أعطت اليوم هذا الحزب الذي يعرفه الصغير و الكبير .. و هي التي أعطت هذا الحزب الذي يضم عشرات الألاف من الأعضاء و ملايين المتعاطفين .. هذا الحزب الذي يرأس الحكومة للمرة الثانية على التوالي .. هي التي أعطت هؤلاء الوزراء و عمداء المدن و رؤساء البلديات و المقاطعات .. هي التي اعطت هؤلاء المئات من البرلمانيين .. هي التي اعطت هؤلاء الألاف من المستشارين الجماعيين .. هي التي اعطت هذه الشبيبة الرائدة التي تضم الألاف من المناضلين الشباب و المنظمة الطلابية التجديدية الفاعلة في الحقل الطلابي .. و هي التي أعطت هذه النقابة و تلك المنظمة النسائية و كل الجمعيات التي تشغل في مجالات مختلفة .. صعب أن أنسى هذا و هذه و تلك و هؤلاء .. و لأن ذلك كله صعب علي .. و لأن البلد محتاج لهذا المشروع و غيره من المشاريع الوطنية الصادقة .. و لأن الأمل مازال يراودني في الحفاظ على هذا المشروع الرائد .. فسأبقى صامدا هنا .. ضد كل من يريد تحريف هذا المشروع عن مساره .. ولهذا أريدك اخي جبرون أن تتراجع عن استقالتك .. فما زال هناك أمل .. فلا يجب أن نستقيل من الحزب في لحظة انفعال – أو تفاعل – أو بسبب أذى عابر من أناس – و ليس من مؤسسات – انتموا في زمن الصراع و تأثروا بثقافة مواجهة التحكم .. و سنقول لهم ولأنفسنا ما قال علي بن طالب رضي الله عنه : ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه ..