واخيرا ارانا العقل الديبلوماسي المغربي من نفسه ذكاءا واستيقاظا من غفلة الوعي بالجغرافية المعنوية لامبراطورية بلغت غرب طرابلس شرقا والى ما وراء نهر السينغال جنوبا ولولا وجود البحر لكان الامتداد اوسع مما تتخيله كتب الجغارفة ,عن المغرب اتكلم وعن امبراطورية السماء اتحدث , العمق الافريقي ثم تغييبه منذ زمن استيقظ فيه الملك الراحل الحسن الثاني على حلم القرب من اوربا وجعل المغرب في وضع العضوية السياسية والاقتصادية في منظومة تغري بالتقدم والازدهار في المقابل كانت وضعية افريقيا مزرية ذهبت بالاذهان العلمية حد الجزم بحتمية الموت البطيء لقارة العراقة والعرافة في اطروحات غربية مقيتة كان الهدف منها تيئيس اسمر اللون وتعزيز الكفر الفطري اتجاه بلاد الدماء المغدورة , منذ ذاك الوقت مزقنا من كتب تاريخنا صفحات مهمة من المجد والنفوذ المعنوي اتجاه افريقيا المجاورة والتي الى حدود القرن التاسع عشر كان تعتبر بلاد الزوايا مهوى لكل مريد , توجهنا الى اوربا في موقف الضعيف وفي موقف الطالب للجوء جغرافي خوفا من جذام الفقر النابع من الشراكات الجبرية في اقتسام نفس المجال القاري مع دول كانت تعتبر مجالا وامتدادا طبيعيا للمغرب منذ المرابطين . في الدول المتمرسة يتم بناء المجال على اساس الامتداد لا بالاسلاك الشائكة بينها وبين الجوار , بل ان نظرية المجال الحيوي كانت دائما تطفو لسطح الاحداث مع كل توتر تاريخي ففي سنة 1939م بنت النازية الالمانية اطروحتها الاستعمارية على اساس الامتداد التاريخي وحين دقت الساعة انقض القارئ البارع للتاريخ المسمى " هتلر " على النمسا وبولونيا ودول اخرى معتبرا اياها حقا تاريخيا للعرق الاري الذي كان يسكن تلك المناطق قبل ان تحاصره انزلاقات المعاهدات لتحبسه في حدود الالزاس , نابليون وابان توسعه كان يراسل الدول ويامرها بالامتثال لاوامر وان تبايعه على التبعية في اطار المجال الحيوي للمشروع الامبراطوري النابليوني الذي رسم الحدود وفق معايير التاريخ لا وفق ضغوط الواقع السياسي .الدول اليقظة تقرأ التاريخ في الامهات والدول الساذجة تذهب للاحالات الكاذبة لتموضع نفسها في طابور التبعية دون ان تدرك ان التاريخ ورقة سياسية في يد من يحسن استنطاقها . نحن لسنا الالمان والمغاربة لا يؤمنون بالنزعات النازية والفاشية لكننا ابناء المرابطين الذين اغثوا ماوراء نهر السنغال ووصلت بهم الخيول الى قبائل الرحل الفريقي بل وتحكي الرواية الموثوقة في كتب الناصري والفتاش والزياني ان الملثمين المرابطين زاحموا امبراطورية كانم قرب بحيرة تشاد الاسطورية , اما حكاياتنا مع الاندلس فتلك قصة اخرى لم توقفها الا غرناطة حين سقطت , نحن ورثة الموحدين الذين دكت خيولهم جيوش النورمان واسالوا افريقية القديمة وتخوم طرابلس حيث بلغنا سنة 1160م حدود مصر ولم يمنعنا الا تعب الخيالة وبعض القلاقل في العاصمة اضطرت معها الجيش للرجوع لحماية المركز , التاريخ يقول اننا افارقة دما ونفوذا وان زيارتنا لاوربا تكون عابرة وغير مرغوبة وان افريقيا تمنحنا كل شيئ نبحث عنه خارجها واسالوا المنصور عن الذهب و بلاد مالي عن وزرائنا الذين استعانوا بهم في مملكاتهم بل ان الاسلام الافريقي ياخذ التاصيل والتاسير من النبع المتصوف لزوايا المغرب. اتفاقيات تصفية الاستعمار اخلفنا معها الموعد لاننا لم نستغل الامتداد والنفوذ المعنوي لحدودنا الفعلية كما فعلت مجموعة من الدول كالهند مثلا والتي توسعت حدودها بسبب ادراكها للعامل التاريخي في ترسيم حدودها , فلو كان لدينا نفس الوعي لما كانت وضعية قضية الصحراء المغربية مرتبكة في مواجهة اعداء الوطن ولكنا على الاقل نطالب بحدود في تخوم تلمسان واحواز سجلماسة بدل الخريطة غير الطبيعية التي ثبت نكاية بالتاريخ لاكبر امبراطورية في شمال افريقيا , الدول اليوم التي تعترف بنقصان خريطتنا وتعترف بالكيان المزعوم بلدان اكيد ان مادة التاريخ لا تدرس في جامعاتها وان رؤسائها لم يزوروا الارشيف الوطني يوما ليروا الاختام السلطانية في نهاية مراسلات العزة والكرامة. ان يخطب الملك من دكار ليس مفاجئا للباحثين في التاريخ لان خريطته ليست هي نفسها التي تذاع في النشرات , خطوة ذكية التي اقدم عليها سليل الامرابطين حين بدأ يتعامل بعقلية الامبراطورية والرجوع للمحضن الذي كان اساس العزة التاريخي والذي على اساسه ركعت لنا اوروبا في شقها الغربي مدة غير يسيرة من الزمن , وتكلم الملك على الحكومة وتشكيلها خطوة اذكى فالتحدث عن امر داخلي من عاصمة دولة اخرى ينم على اريحية استراتيجية وكأن الخطاب يقرأ من المشور السعيد . اليوم لم اكتب لاحلل الخطاب او امحص الفقرات او ارتب المضامين , اليوم اكتب لاننا اخيرا التقطنا التاريخ الذي انهار بمدافع الجيش الفرنسي في معركة ايسلي , وانغمس وجهه في التراب بعد معركة تطوان , باختصار انا اكتب لاقول للملك عن الخطوة الذكية ...انت معلم.