مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاندي في الذكرى 148 لميلاده
نشر في العمق المغربي يوم 04 - 10 - 2017


غاندي
1869-1948
في الذكرى 148 لميلاده: هل يمكن نقل نضاله السلمي؟
والعالم يحتفل بميلاد هذا الرجل 2 أكتوبر 1869 و الذي اغتيل في 1948 لأنه طالب الهندوس بمراعاة حقوق المسلمين في الهند، هل من الممكن نقل تجربة هذا الرجل السلمية إلى العالم؟ أم أن تجربة غاندي لمحاربة الاستعمار بالسلم و عدم استعمال المنتوجات الأجنبية و عدم الفعل هي منتوج خاص و استثنائي بهند غاندي؟
غاندي
في 30 يناير 1948 اغتيل غاندي من طرف أحد المتعصبين من أعضاء منظمة R.S.S الهندوسية، وكان زعيم الهند قد ولد في 2 أكتوبر 1869 لعائلة تنتمي إلى المذهب الجانتي و إلى طبقة "فيسيا".
وفي الذكرى 148 لميلاده و الذكرى 69 لوفاته أيضا نتذكر هذا الرجل العظيم، و لكي نتحدث عن "غاندي" و المهاتما أو الروح المقدسة أو السامية، لابد أن نتحدث عن المذهب "الديني" الذي انحدر منه و الذي هو أحد مذاهب الهندوس المتعددة، لأننا عندما نعرف المذهب الجينتي قد نستوعب فلسفة العصيان أو اللاعنف أو النضال السلمي أو عدم التعاون – البهميسا و الساتياغراها- فغاندي عبر بطريقته النضالية في مكافحة الاستعمار الإنجليزي عن قيم يكتنزها الشعب الهندي و هي ضمن معتقداته العديدة المتميزة.
لقد كان غاندي أحد "القديسين" الذين عرفهم التاريخ، و الأغرب أنه عاش في القرن 20 كان اسمه "موهنداس كارام شاند غاندي"، و كانت عائلته تنتمي إلى المذهب الجانتي و طبقة "فاسيا" وفق النظام الطبقي الديني عند الهندوس الذي يتميز بالطبقات الأربع وهو غير النظام الطبقي الاقتصادي المعروف في باقي العالم، فالهند تعرف نوعين من الطبقات فقد تكون غنيا لكن الانتماء يكون لطبقة المنبوذين الذين لا يجوز لمسهم حتى.وكان غاندي كريما مع هذه الطبقة حتى أنه خلع عليها اسما جديدا الهاريجان "الكرام".
في سنة 1869 ولد هذا الرجل الذي قاد أمة بعصا و نصف لباس خشن و صندال بسيط و نول و عنزة للحليب و الذي لم يأكل لحما إلا مرة واحدة في حياته تحديا أثناء فترة الشباب و الذي تحول إلى "براهما شاري" أي إلى "اعتزال الجنس و هو متزوج" و كان خطب زوجته الوحيدة "كاستور باي" في الثامنة من عمره و تزوج بها و هو في الثانية عشرة – زواج الأطفال لازال يتعثر في الهند حتى الآن-، وفي عمر 18 حصل على الشهادة التي تخوله الدخول إلى الجامعة و سافر لمتابعة دراسته القانونية في لندن بعد أن تعهد لعائلته و لطائفته باحترام عقيدته في المأكل و الملبس و العفة، إذ أن الهندوس من الطبقات العليا كانوا لا يسافرون إلى الخارج بسبب التحريمات و كان غاندي أولهم. وعاد إلى الهند حيث حاول فتح مكتب للمحاماة في مدينة بومباي الواقعة على بحر العرب إلا أنه فشل في ذلك و انتقل إلى مسقط رأسه "كوجرات" للعمل بمكتب شقيقه المحامي. و أثناء هذه الفترة كلف للذهاب إلى جنوب إفريقيا وكان الهنود قد كونوا جالية كبيرة في جنوب إفريقيا و بقي غاندي في جنوب إفريقيا حيث كافح الظلم الواقع على بني جلدته و غيرهم و هناك انبثقت عقيدة عدم التعاون.
20 عاما في جنوب إفريقيا
كان انتقال غاندي إلى جنوب إفريقيا التي كانت إحدى مهاجر الشعب الهندي أثرا كبيرا في حياته، فهو الذي كان مكلفا بالدفاع في قضية لمدة مؤقتة زمنيا أصبح مقيما في جنوب إفريقيا لعشرين عاما بعد ذلك، بل و هناك انبثقت في أعماقه خطة (الساتيا غراها) المرتبطة "باللاهميسا" و هناك كافح الظلم الاستعماري و التمييز العنصري و الأوبئة و دخل إلى السجن عدة مرات، ثلاثة على وجه التحديد في 1908 وفي 1913 وإن لم يكمل المدة التي حكم بها عليه لضغط الرأي العام و للطابع السلمي لنضاله. و كان إقليم "ناتال" هو المركز الذي قاد منه غاندي نضاله من اجل مكافحة الاستعمار و التمييز العنصري و أسس أول تنظيم سياسي و من أهم التأثيرات لغاندي في حركة جنوب إفريقيا تأسيس المؤتمر الوطني الإفريقي في 1912 ، ولم يكن الأمر بعيدا عن حركة غاندي. وعندما عاد إلى الهند ترك رصيدا نضاليا هائلا للحركة الإفريقية ، و حتى بعد وفاته فقد أعلن المؤتمر الوطني الإفريقي في 1952 حركة العصيان الكبرى التي شلت جنوب إفريقيا بتأثير الساتيا غراها ومن المعروف أن نيلسون مانديلا من أتباع الحركة.
و غاندي هو أول من أسس منظمة سياسية لمناهضة الاستعمار في جنوب إفريقيا "مؤتمر ناتال الهندي" عام 1894 و كان بحركته تلك قد أعطى للأفارقة و غيرهم فكرة عن التنظيم الجماعي الذي أسس لأول مرة. و إذا كانت حركة مناهضة الاستعمار هي دائمة عنيفة بطبيعتها فإن غاندي هو الذي أبدع فكرة مناقضة تماما، و هي أن مناهضة الاستعمار يمكن القيام بها بشكل سلمي، و السنوات التي قضى في جنوب إفريقيا كانت من أخصب سنوات حياته. و قد عاش مراحل الوباء الذي أصاب جنوب إفريقيا و أقسى مراحل التمييز العنصري تجاه السود و تجاه الهنود و مرحلة التنظيم السياسي لمناهضة الاستعمار في سنوات 1896 و 1902 و 1912، و عاد إلى الهند ليقود الكفاح الكبير الذي انتهى في 15 غشت 47 باستقلال الهند و باكستان. وكانت مرحلة صعبة واجه فيها غاندي الصراع الطائفي بين المسلمين و الهندوس و الخلافات بينهما بالإضافة إلى الاستعمار.
و الخلاف مع قادة حزب المؤتمر الهندي- تأسس في 1885 بعيدا عن غاندي- رغم أنه كان الزعيم الأول لهذا الحزب بفضل جماهيريته الواسعة جدا ورغم أن حزب المؤتمر من كان لا يرى نفس رؤية غاندي بل إن خلافات عديدة كانت تنشأ بينه و بين زعماء الحزب و من ضمنهم جواهر لال نهرو (1889-1964) رئيس وزراء الهند (47-64) ووالد أنديرا غاندي (1917-1984) إلا أن هذه الخلافات لم تؤثر في العلاقة بين الأطراف و بمكانة المهاتما غاندي.
المذهب الجانتي
جاءت الكلمة جانتي من "جنا" أي القاهر لا بمعنى المنتصر على الملذات فقط بل بمعنى المعلم أو الأستاذ أو المصلح، فكما كان "بوذا" مجرد تجلي "لبودات" كانوا في السابق و سيأتون فيما بعد، كذلك معنى "جنا" و كان زعيم المذهب هو "ماهافيرا" الذي وضع أسس المذهب في القرن السادس ق.م و الذي توفي بعد عمر 72 عاما و طائفة الجنتيين ترتكز على الأسس التالية:
 عدم إيذاء أي كائن حي. أن الحق مسألة نسبية ولا وجود لحق مطلق.
 أنه ليس هناك سبب أول.
 أن أسفار "الفيدا" وهي كتب الهندوسية المقدسة لا تنفع.
 أن الحياة ليست إلا عذابا و قيدا مقيما بما فيها التناسخ المتوالي إلى الأبد بدون خلاص.
والخلاص لا يكون إلا ب "الاهميسا" أو المبادئ الخمسة وهي:
أن لا تؤدي كائنا قط.
أن لا تكذب.
أن لا تأخذ حق الغير.
أن تمارس العفة وقد تصل إلى أن تكون "براهما شاري".
أن تلغي جميع اللذائذ الخارجية لباس-طعام-رغبات-والتي يمكن أن اضعف تجاهها.
لذلك كان الجانتي التقي يضع كمامة على فمه حتى لا يؤذي الكائنات اللامنظورة، لا يحرث لأن المحراث يمزق التربة، لا يأكل العسل لأنه غذاء النحل، يضحي من أجل الحيوانات، لا يزهق أي روح، و الحياة الوحيدة التي يمكن للجانتي أن يزهقها هي حياته. فالانتحار جائز عند الجانتيين حتى أن والدا مؤسس المذهب ماتا انتحارا … من الجوع. من هذا المذهب الذي اختصرناه جاء غاندي… و المذهب نفسه جاء من عالم الهندوسية الواسع الذي يقبل أي عقيدة و يدمجها في فكره الشاسع، لذلك فإن غاندي عندما نادى بالاهميسا (عدم الإيذاء) (والساتياغراها) اللاعنف كان يستند إلى قيم مكتنزة في الشعب الهندي الذي استجاب إلى دعوته الفريدة في تاريخ العالم و الجانتيون الذين ضاعوا في بحر الهندوسية، ولم يبق من أتقيائهم إلا القليل تعبيرا عميقا عن الفكر الفلسفي الذي يستمد منه الشعب الهندي و يغرف من معينه الذي لا ينضب وكان غاندي بانتمائه إلى هذا المذهب و إلى الهندوسية ككل و قراءاته الإسلامية و المسيحية العديدة و فضائله الشخصية و ثقافته الإنسانية … "جنا" أي قاهر القرن العشرين، و في اللحظة الزمنية المعاصرة كان قائدا استقلاليا في مواجهة الاستعمار البريطاني. ورغم انتمائه الفكري النخبوي و الاجتماعي فقد ألغى المسافة الفاصلة بين النخبة و الجماهير حتى يعجز المتتبع عن التمييز بينهما هل نزل غاندي إلى الجماهير أو صعدت هي إليه أم التقيا معا و اندمجا في "الساتياغراها" و أبدعا مع بالنظرية و بالتطبيق أحد أعجب الكفاحات لمقاومة الاستعمار حتى أن القانون الجنائي الاستعماري وقف عاجزا لمعاقبة هؤلاء فكان أن تتدخل المشرع لوضع قوانين جديدة تعاقب على النضال السلمي أو اللاتعاون. ومن تأثيرات ذلك أن صدر في المغرب مثلا ظهير 1935 الذي يعاقب على كل ما من شأنه أن يمس بالسير العام … و الذي ألغي فيما بعد….
في الهند:
رغم مقام غاندي الطويل في جنوب إفريقيا إلا أنه غادرها عدة مرات للعودة للهند لأسباب عدة… التعرف على الظروف التي تعيشها الهند آنذاك و التحاق الأسرة بجنوب إفريقيا و التي بقيت في الهند لان غاندي عندما رحل إلى ناتال كان الهدف الترافع في قضية و العودة إلا أن المقام طال 20 سنة وفي جنوب إفريقيا شكل غاندي التنظيمات الاجتماعية و السياسية التي كانت نواة لما كانت و ستكون عليه في الهند، كان حزب المؤتمر الهندي قد تأسس ف 1885 أي بعد ولادة غاندي بستة عشر عاما. وقد ضم الحزب مختلف الطوائف هندوس و مسلمين و غيرهم و كان هدفه في البداية تحسين أوضاع الهنود في وطنهم في ظل الاستعمار البريطاني الذي بدأ يزحف و يتراجع مع ضعف و قوة الدولة الإسلامية إلى أن استطاع القضاء على آخر أباطرة الهند المسلمين في 1858، علما أن الدولة الإسلامية في الهند عاشت حوالي 8 قرون ما بين 1193-1857.
وكان حزب المؤتمر الذي انتقلت مطالبه من المطالبة ببعض حقوق المواطنة إلى المطالبة بالاستقلال فيما بعد و تحت زعامة غاندي بجميع الطوائف كلها وأهم طائفتين هي المسلمين و الهندوس، إلا أن جزءا هاما من المسلمين أسسوا حزبا جديدا و انفصلوا عن حزب المؤتمر في 1906 وأعلنوا الجماعة الإسلامية التي أظهرت خوفها الشديد من الأغلبية الهندوسية و حاولت نشر الانتماء إلى الخلافة الإسلامية "تركيا" تم تطور الطلب إلى الانفصال عن الهند بعد مؤتمر لاهور في 1941 قبل ست سنوات من الاستقلال عن انجلترا…
عاد غاندي إلى الهند في هذه الظروف القاسية الصعبة في ظل خلاف شديد بين قادة الهندوس و قادة المسلمين حول كيفية حل المسألة الطائفية و هناك حزبان كبيران في البلاد، بالإضافة إلى جماعات سياسية عديدة و جماعات دينية و مذهبية هنا و هناك أيضا إمارات مستقلة، ثم الاستعمار البريطاني الذي يعتبر الهند جوهرة التاج و الحركة الشيوعية، بحزبها المخضرم الذي تأسس في 1920. وكانت كل الظروف الموضوعية تؤكد أنها تعمل لصالحه وأن الهند حقل خصب للاشتراكية كما الصين و فيتنام بماوتسي تونغ 1893-1976 وهوشي منه (توفي عام 1969) ، إلا أن الحركة الشيوعية في الهند كان ينقصها غاندي الذي بخلفيته الدينية العميقة جاء إلى حزب المؤتمر الوطني بعد أن كان عضوا مؤسسا لفرع الحزب في جنوب إفريقيا، رغم أن ولادة "البهميسا' و "الساتياغراها" بشكلها الجديد كانا في إفريقيا فإنهما سيجدان في الهند انتشارا هائلا قاده غاندي بصيامه المتكرر و بطريقته النضالية المتميزة …لذلك فإن حفيد "الجانتيين" الذي ترك كل شيء من أجل المبدأ السامي الذي نذر نفسه له اضطر الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى الجلوس معه في مائدة المفاوضات بعد أن انتشر العصيان المدني في الهند وتوقف الشعب الهندي عن استعمال و استهلاك المنتوجات البريطانية وعم النضال السلمي ذي الفعالية القوية في وسط الشعب الهندي.
اللاماسسية:
لقد واجه غاندي تعقيدات المجتمع الهندي رغم خلفيته الهندوسية فقد واجه المشكل الطائفي بين الهندوس ككل و المسلمين وهو أمر معروف و الذي انتهى بمأساة الانفصال وإنشاء باكستان، علما أن عدد المسلمين في الهند يبقى كبيرا، ثم واجه المشكل الطبقي بين الهندوس أنفسهم. فالهندوسية عقيدة تتسع حتى للإلحاد، فقد استوعبت عقائد سكان الهند الأصليين (=الدرافيديين) و الآريين الذين جاءوا إلى الهند و استوطنوا شمالها قبل الميلاد. و هم الذين وضعوا أسس الهندوسية و كتبها المقدسة "الفيدا" و ملاحمها "المهابهارتا" و "الرامايانا" و "الاوبانشياد" لكنهم أدمجوا عقائد الهنود الأصليين في الجنوب و آلهتهم.
ولكون الآريين كانوا أقلية فقد وضعوا و سودوا بينهم و بين باقي السكان حتى يمنعوا ذوبانهم ووضعوا إحدى أعجب الطبقيات التي عبر عنها قانون "مانو" واحتالو بذكاء يتميز به فقهاء الدين في كل مكان و زمان. فقانون "كارما" و معناه التناسخ فالكائن لا تموت روحه (بل وعاءه فقط أي جسده)وهي تنتقل إلى (وعاء) جسد آخر طاهر على أساس أن لا يرتكب الذنب في حياته السابقة لا بفكره ولا بجسده ولا بلسانه. فمن ارتكب باللسان أو بالجسد عوقب في حياته المقبلة حجرا أو حيوانا، و من ارتكب بفكره كما لو رفض واقعه كمنبوذ يولد في حياته المقبلة منبوذ أي جسد بلا روح و الجسد بلا روح معناه انعدام الطهارة و ارتكاب المعاصي في الحياة السابقة. ولا يجوز لمس المنبوذ أو الأكل معه أو السكن المشترك.
واللامساسية هذه هي التي حاربها غاندي وكانت في جنوب إفريقيا أخف منها في الهند حيث كانت-ولا زالت نسبيا في الريف الهندي-متمكنة من الشعب ورغم أن غاندي لم يعلن رفضه لقانون "مانو" فانه قبل التعاون في "الأشرم" الذي أسسه بأعضاء من المنبوذين علما أنه واجه رفضا مبطنا وأحيانا صريحا من باقي أعضاء "الاشرم". وقد واجه غاندي "اللامساسية" باعتبارها دخيلة على الهندوسية، وتعاون مع المنبوذين ورغم أنه نظرا لخلفيته الدينية لم يستطع إعلان المطالبة بإلغاء الطبقية الطائفية تلك و مساوئها، فقد استطاع التخفيف من قسوتها.
وبعد الاستقلال، فإن الدستور الهندي الذي أعلن في 26 يناير 1950 ساوى بين جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات، بل إن الرئيس الهندي الأسبق السيد "كوشريل رامان نارايان" من طائفة المنبوذة ولأول مرة في التاريخ الهندي وأن كان الريف الهندي لازال يعاني من هذه "الطائفية" المعقدة اجتماعيا…
رجل المبادئ:
إن الحديث عن غاندي الزعيم يرتبط أشد الارتباط بغاندي الإنسان، فالرجل كان متمسكا بمبادئه حتى في مواجهة الجماهير فعندما أعلن في الأربعينيات رفضه لسياسة بريطانيا في الهند وقامت الجماهير بترجمة هذا الرفض كل جماعة بطريقتها أدى ذلك إلى قتل العشرات فأعلن توقيف حركة اللاتعاون مما أدى إلى ردة جماهيرية و حزبية ضده لكن هذا لم يفت في عضده فالرجل كان كتلة من العظم و المبادئ، نفس الأمر عندما أعلن أثناء الحرب العالمية الثانية المساندة لبريطانيا وسط رفض عام إذ كيف تساند الهند مستبعدتها في مواجهة ألمانيا و المحور؟ و هو أمر يدل على ذكاء استثنائي.
وغاندي الإنسان الذي كان صريحا مع نفسه ومع الآخرين إلى درجة الإيلام فقد اعترف طوال حياته بارتكابه الأخطاء وكان يقولها بكل بساطة بل وسار الأمر حتى في حياته المهنية كمحام فقد أكد أنه في أول قضاياه أمام المحكمة لم يستطع حتى الكلام وارتج عليه واعترف بأكل اللحم مرة واحدة في حياته ومحاولته ممارسة الدعارة والتي لم تنجح، فالرجل الذي كان يمشي حتى 30 يناير 1948 و الذي اعتبر أحد أبرز شخصيات القرن العشرين كان سهلا ممتنعا وكان أشبه بالقديس منه بالإنسان، وكان تأثيره عالميا ليس فقط على مستوى الحركات التي أخذت عنه كحركة نلسون مانديلا في جنوب إفريقيا و عبد الغفار خان في باكستان، ولكن على المستوى العالمي في شعوب الأرض بأسرها.
وعلى مستوى القوانين الجنائية فبريطانيا اضطرت أثناء العصيان المدني الذي قاده إلى تعديل القانون ليواكب هذه الحركة لكون القانون الجنائي قبل "البهميسا" والساتيا غراها" كان يعاقب على الفعل وليس على عدم الفعل لكن المشرع البريطاني تدخل لإصدار قوانين جديدة في هدا الصدد وانتقلت هذه القوانين إلى الاستعمار الفرنسي وكمثال فقد صدر في المغرب قانون عرف بقانون 1935 يعاقب على كل ما من شأنه إثارة الرأي العام وكان هذا القانون السيئ الذكر قد الغي في تسعينيات القرن الماضي من تأثيرات نضال المهاتما غاندي السلمي.
هوامش:
 غاندي تعني البقال
 براهما شاري (الصائم جنسيا) بإرادته المعتزل للجنس باعتباره رغبة جسدية توهن وتعرقل الإنسان ليصبح أكثر شفافية و حرية وأقرب للنرفانا أو الفناء في الذات العليا.
 سافر غاندي في 1887 إلى لندن وعام 1891 وذهب إلى جنوب إفريقيا في 1893.
 يشكل المسلمون في الهند حاليا حوالي 250 مليون نسمة أي 20 من مواطني الهند الذي يبلغ عددهم مليار نسمة، و هناك المسيحيون الذين يشكلون 2و البوذيين حوالي 1 والسيخ نفس النسبة والباقي هندوس
. الأشرم: مدرسة أو زاوية تتعايش فيها مجموعة من الأسر أو الأفراد يشتركون في السكن والعمل و التعليم و الأنتاج بغض النظر عن خلفيتهم المذهبية فكأننا أمام كومونة من نوع خاص.
 لا قرابة بين المهاتما غاندي و رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي فالأخيرة نجلة جاوهر لال نهرو الزعيم الهندي الكبير وقد أخدت لقب غاندي عن زوجها فيروز غاندي والد نجليها سانجاي وراجيف.
 الرامايانا: ملحمة تحكي قصة "راما" ومعركته من أجل انقاد "سيتا". المهايهاراتا: ملحمة تحكي صراع عائلتين ملكيتين من أجل السيطرة على شمال الهند.
 الاوبانشياد: "الجلوس قرب الأستاذ" كتاب الحكمة الهندي. الفيدا "المعرفة" الكتب المقدسة الهندية وهي أربع في مختلف نواحي الحياة.
 R.S.S منظمة المجلس الهندوسي العالمي وهو تنظيم يعتبر أن الهند للهندوس فقط و قد تفرعت عنه منظمات عديدة ولازال يعمل في الهند وفي التجمعات الهندوسية في الخارج. وحزب جاناتا الحاكم في الهند حاليا احد نتائجه.
 حكم نظام الطبقات المغلقة ظهر مع حكم الآريين للهند في القرن 6 قبل الميلاد يتفرع إلى أكثر من 2700 طبقة إلا أنها حرف أكثر منها طبقات، أما الطبقات الأربع الأساسية فهي: البراهما-الكشاتريا-الفايشا-الشودرا أما المنبوذين ففي أسفل السلم الاجتماعي و تشكلوا في البداية من العبيد والقبائل و الأسرى وهم في الهند حوالي 260 مليون نسمة وأن ما يشكل خطورة غرائبية هو إيمان الناس بهذا النظام بما فيهم المنبوذين أنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.