أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    قتيل وخمسة جرحى في هجوم طعنا بفرنسا والمشتبه به مدرج على قائمة "الإرهاب"    الوداد يتعثر أمام النادي المكناسي بتعادل سلبي    في تنسيق بين ولايتي أمن البيضاء وأسفي.. توقيف شخص متورط في النصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    البيضاء: توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض عليه من القضاء الفرنسي    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    غرق ثلاثة قوارب للصيد التقليدي بميناء الحسيمة    الركراكي: اللاعب أهم من "التكتيك"    مهرجان دبلن الدولي للسينما يحتفي بالسينما المغربية    مبادرة "الحوت بثمن معقول".. أزيد من 4000 طن من الأسماك عبر حوالي 1000 نقطة بيع    المنتخب السعودي يتأهل لكأس العالم للشباب بفوزه على الصين    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    الملك يبارك يوم التأسيس السعودي    القبض على شخص استغل حريق سوق بني مكادة لسرقة بضائع التجار    تشبثا بأرضهم داخل فلسطين.. أسرى فلسطينيون يرفضون الإبعاد للخارج ويمكثون في السجون الإسرائلية    نهضة بركان تسير نحو لقب تاريخي    دنيا بطمة تلفت أنظار السوشل ميديا    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    زخات مطرية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من المناطق المغربية اليوم    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    لاعب الرجاء بوكرين يغيب عن "الكلاسيكو" أمام الجيش الملكي بسبب الإصابة    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    استشفاء "بابا الفاتيكان" يثير القلق    "العدل والإحسان" تدعو لوقفة بفاس احتجاجا على استمرار تشميع بيت أحد أعضاءها منذ 6 سنوات    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    فيديو عن وصول الملك محمد السادس إلى مدينة المضيق    الصحراء المغربية.. منتدى "الفوبريل" بالهندوراس يؤكد دعمه لحل سلمي ونهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسي يكتب: حراك الريف .. خصوصية الاختبار (الحلقة الخامسة)
نشر في العمق المغربي يوم 30 - 09 - 2017


اختلاف التقدير داخل محيط القرار في الدولة
أبان الحراك عن وجود تباين في الرأي بين مؤسسات الدولة وداخل محيط القرار نفسه، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال عنصرين اثنين: العنصر الأول هو بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني الذي ينتقد محتوى التقرير المنجز من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي يعتبر بأن ثبوت التعذيب من عدمه هي صلاحية خالصة للسلطات القضائية، وفي ذلك إشارة إلى أن المجلس ربما ترامى على اختصاص غيره وسمح لنفسه بممارسة مالا يخوله له القانون؛ فالتناقض، بين موقف المديرية وموقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ليس بسيطاً. ونحن، هنا، أمام تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يخلص إلى استنتاجات بناءً على خبرة طبية أُجريت على المعتقلين، ومن جهة ثانية أمام رفض قاطع لهذه الاستنتاجات من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، والتأكيد على أن موظفي الأمن يحرصون على تطبيق القانون.
هذا النوع من التباين في المواقف، الذي يصل إلى حد المنازعة في نظامية السلوك الذي قام به كل من الطرفين، لم يسبق أن عرفه المغرب، بكل هذه الحدة.
العنصر الثاني هو المواقف التي عبر عنها الإعلام المقرب من حزب الأصالة والمعاصرة، عموماً، بخصوص حراك الريف، فهو أبدى درجة من "التفهم" لمطالب الحراك، وقدم تقديرات يُستشف منها، ربما، التسليم بشرعية الحراك، وعدم سلامة الاتجاه إلى اعتقال قادة الحراك وقمعهم، علماً بأن الأمر يتعلق بحزب يُنْظَرُ إليه على أنه خرج من رحم الدولة ونشأ في ظروف وملابسات اعتبر المتتبعون أنها تعكس مشروعاً من داخل الدولة لمواجهة أطراف سياسية بعينها، وكانت الانتخابات الأخيرة في 2015 و2016 مناسبة تَبَيَّنَ فيها بشكل ملموس حجم الروابط بين أجهزة الدولة وبين هذا الحزب.
خطاب عيد العرش: التأشير الملكي على خطة التشدد
أثناء بداية الحراك، لم يكن الرأي العام المغربي مجمعاً على التعاطف مع الحراك. هناك من كان له نوع من التحفظ. لكن لما اقترب موعد خطاب العرش، أصبحنا نلمس سيادة تيار عام يأمل أن يكون الخطاب مناسبة لإطلاق إشارة رأفة وعطف وتهدئة ورحمة؛ لكن الخطاب اعتبر، ربما، بأن هذه الإشارة ليست ضرورية الآن، كما أنه اندرج ضمن جيل الخطب النارية و"المعارضة" التي تركب لهجة نقدية إزاء مؤسسات الدولة الأخرى وعملها.
أكد الخطاب بأن القوات العمومية قامت بكل ما كان يجب أن تقوم به، وأنها التزمت بالقانون، وأنها لم تكن لتواجه الأمر بشكل مباشر لو لم يكن هناك فراغ تتحمل مسؤوليته أطراف ومؤسسات أخرى.
الخطاب لم يضع أي هامش، ولم يفتح أي قوس بخصوص نظامية أو عدم نظامية سلوك الأجهزة الأمنية. فلم يَقُلْ، مثلاً، إن هناك بعض الممارسات المحدودة، التي لا أثر لها على السلوك العام، والتي يمكن أن يكون فيها تجاوز، وسيتم تتبع الأمر وإنصاف من يستحق الإنصاف.
الخطاب ركب لغة تعميم مطلقة لا تستحضر أي استثناء، ونفى الخطاب وجود تباين في وجهات النظر بين تيارين، أحدهما متشدد والآخر معتدل على مستوى أعلى أجهزة الدولة. وهذا النفي هو طريقة للتأكيد على الانتصار لرأي أو تيار، وتزكية له، ولو إلى حين، واعتبار أنه يشخص الموقف الذي يجب أن تلتئم حوله كل مؤسسات وأجهزة الدولة في هذه الظرفية. والخطاب حمَّلَ المسؤولية، بالنسبة إلى كل ما وقع في البلاد وما يقع فيها، إلى الأحزاب السياسية والإدارة والمنتخبين؛ فالفراغ الذي تَحَدَّثَ عنه الخطاب، والذي وجدت القوات العمومية نفسها، بسببه، وجهاً لوجه مع الساكنة، هو، في نظر الخطاب، ناجم عن عدم قيام هذه الأطراف بأدوارها على الوجه المأمول. هناك خلل ما على مستوى إدارة الشأن العام، ولكن هذا الخلل لا يتحمله القصر بل تتحمله الأطراف الأخرى.
والخطاب الملكي أكد على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن هذا المبدأ، في نظام ملكي وراثي، لا يمكن، في نظرنا، أن يكون إلا في ظل نظام ملكية برلمانية، لأن المحاسبة درجات، وأقصى درجات المحاسبة هي الإقالة أو تغيير الحاكم، فإذا كان يمتلك سلطته وراثياً، فلا محاسبة إذن.
وأكد الخطاب الملكي على جودة نظامنا المؤسساتي، مما يعني أنه لا يحتاج إلى أية مراجعة في المدى المنظور، بينما نرى أن نموذجنا المؤسسي يكرس اللامسؤولية المنظمة. و لَوَّحَ الخطاب الملكي بإمكان اتخاذ قرارات من طرف الملك شخصياً. ففي حالة تخلف المسؤولين عن القيام بواجبهم، يرى الملك أن مهامه الدستورية تلزمه بضمان أمن البلاد واستقرارها وصيانة مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم. ففي سبيل سد الفراغ، المتحدث عنه سابقاً، والذي تتحمل مسؤوليته الأطراف الأخرى، حسب الخطاب الملكي، فكل الطرق ممكنة. الملك، إذن، يريد أن يحتفظ لنفسه بحق اتخاذ الإجراءات الملائمة والاستثنائية التي يمكن أن يفرضها الظرف، ما دام هناك فراغ، والخطاب أكد على وجود هذا الفراغ؛ وقيامه، حالياً، يعنى أنه ليس هناك أي عائق، أمام الملك، لاتخاذ الإجراءات التي يراها ضرورية لضمان أمن البلاد واستقرارها وضمان مصالح الناس.
الخطاب أقام نوعاً من المفاضلة بين القطاعين العام والخاص، فاعتبر بأن القطاع الخاص يسير سيراً مثالياً، والقطاع العام، في الكثير من أوجهه، يشكو من ضعف الحكامة والنجاعة والجودة.
وعلى العموم، يمكن أن نستخلص من الخطاب الملكي بأن مشاكل المغرب هي مشاكل إدارية وليست سياسية، وأن الاختيارات الرسمية التنموية هي عموماً صائبة، وأن المشكلة هي فقط في التنفيذ، وأن المشاكل الحقيقية تتمثل في سوء التنفيذ وليست مشاكل متعلقة بطبيعة القرارات والاختيارات والبرامج والأولويات. فربط المسؤولية بالمحاسبة بهذا المعنى هو ربط للمسؤولية بالمحاسبة الإدارية فقط، أي أن المحاسبة، التي يشير إليها الخطاب، ستجري على مستوى التنفيذ لا على مستوى التقرير. لن نحاسب، إذن، من يقرر ولكن سنحاسب من ينفذ، وعن كيفية تنفيذه. فإذا قررنا محاسبة رئيس الحكومة عن برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، مثلاً، فإننا سنحاسبه عن تنفيذ برنامج لم يعلم بوجوده إلا عبر جهاز التلفاز، ولم تُتح له، بالتالي، فرصة تقدير مدى نجاعته.
حراك من نوع خاص
حراك الريف يمتلك بعض مظاهر الخصوصية، وهي متأتية من خصوصية المنطقة، وجراح الماضي، التي استفاقت مع حادث مقتل محسن فكري، ومن تراكمات الحاضر أيضاً. ولذلك، فهناك من صَنَّفَ الحراك ضمن جيل جديد من الحراكات. وهكذا يختلف حراك الريف عن الحراكات السابقة التي عرفها المغرب، ومن بينها طبعاً حركة 20 فبراير، والحركات الاحتجاجية الأخرى. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن حركة 20 فبراير كانت، بالنسبة لعدد من نشطاء حراك الريف، مصدراً لتلقي الدربة الأولية ولاستخلاص الدروس من أخطائها ولتطوير تقنيات الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي في تحضير وإعداد المشاريع النضالية في الشارع، والتعريف بها على أوسع نطاق.
ومن المعلوم أن المغرب يعرف حركات احتجاجية، على طول البلاد وعرضها، لها طابع اجتماعي أو قطاعي أو فئوي أو حقوقي أو محلي، بدون أن تنخرط في أفق سياسي شامل. وهناك حراك 20 فبراير الذي انطلق بأفق سياسي وطني، ولكنه لم يستوعب الحركات الاحتجاجية الأخرى. وبمعنى آخر، هناك، في المغرب، مجريان إثنان : مجرى الحراك الاحتجاجي المتنوع ذي النفس الاجتماعي والمحلي والفئوي والقطاعي. وهناك مجرى حركة 20 فبراير، الذي كان له دور كبير على المستوى السياسي وخلخل كثيراً من البنيات، وزَوَّدَ البلاد بطاقة فعل، وخلق الحدث السياسي، حتى وإن لم ينجح في إقناع الكتلة الحرجة بالالتحاق به.
أما حراك الريف، فقد انبثق من مجموعة من العوامل، منها عوامل تهم المغرب كله بمختلف مناطقه، ومنها عوامل خاصة بمنطقة الريف. تتلخص العوامل العامة في الشعور بالظلم "الحكرة"، وضيق سبل العيش أمام فئات واسعة من المواطنين، ووجود خلل عميق في التواصل مع الدولة. وهناك عوامل خاصة بالمنطقة باعتبارها منطقة نائية ومهمشة جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، من جهة، وباعتبارها كانت مسرحاً للحدث الشرارة المتمثل في مقتل محسن فكري، من جهة أخرى. الحدث الشرارة في حراك الريف كان وطنياً والحدث الشرارة في حراك 20 فبراير كان خارجياً (بدايات ما سُمِّيَ بالربيع العربي).
وتتجلى المشاكل الخاصة التي تفاقمت في المنطقة، والتي هيأت جواً من الاحتقان، في تعامل مؤسسات الدولة مع حدث الزلزال، ومع القضية الأمازيغية، وتراجع الموارد المتأتية من الهجرة، والصعوبات المستجدة على هذا الصعيد، وطبيعة المنتخبين والمسؤولين المحليين، وواقعة مقتل مجموعة من شباب المنطقة على هامش حراك 20 فبراير 2011، والسخط المتنامي في المنطقة، والمنصب على بعض الشخصيات والرموز اليسارية، التي كانت في الماضي ناطقة باسم آلام الساكنة، ومعبرة عن معاناة أبنائها، والتي دخلت في تسويات وترتيبات تخدم الاستراتيجيات الفردية ولا تفي بمتطلبات المصلحة العامة، مما دفع أجيالاً جديدة من الشباب إلى النزول للميدان للتعبير عن المعاناة المحلية بشكل مباشر، وخارج وصاية تلك الرموز والأسماء والشخصيات.
خصوصيات الحراك
ومن مظاهر خصوصيات حراك الريف، نذكر ما يلي:
– المعطى الزمني (طول مدة الحراك) : يستعد الحراك لتخليد ذكراه السنوية الأولى في أكتوبر المقبل. هذا النفس الطويل مُتَأَتٍّ من مصادر مختلفة، وهو عنوان بارز على الإحساس العميق بضرورة التغيير في المنطقة، والشعور بجدية القضية التي التأم حولها المتظاهرون والنشطاء الذين تشكلت لديهم إرادة وعزيمة قوية وإصرار على السير بالحراك حتى النهاية. أصبحت هناك قضية يمكن أن نسميها اليوم قضية الريف، ونجح الرافعون للواء هذه القضية في التأقلم مع القمع، وجمعوا بين عدة مسارح وساحات للفعل، من أسطح البيوت إلى البحر، ومن الإضراب إلى تشغيل منبهات السيارات، ومن مقاطعة صلاة الجمعة إلى مقاطعة عائلات المعتقلين لطقوس العيد…إلخ.
– وجود ملف مطلبي متكامل : تمت صياغة الملف المطلبي للحراك بسهولة وبدون تعقيدات أو مشاكل، فلم تُطرح خلافات من قبيل تسقيف أو عدم تسقيف المطالب، وتَمَّ الوصول إلى حد أدنى توافقي رغم التنوع القائم داخل بنية الحراك، وهذا منحه قوة معنوية، وفي نفس الوقت، كان الملف المطلبي حجة على غياب أية نزعة انفصالية أو مطلب يُستشف منه عدم الولاء للدولة المغربية.
– أفرز الحراك قيادة موحدة ذات كاريزما، وهكذا حظيت قيادة الحراك بحب الناس، وفرضت نفسها كناطقة باسم الحراك كله، الشيء الذي افتقدته حركة 20 فبراير، إذ ظل نشطاؤها يتحدثون بأسمائهم كأفراد فقط. أما على مستوى حلبة الحراك الريفي، فقد ساد الشعور بأن الزفزافي ورفاقه يعبرون عن الحراك، وهؤلاء في ممارستهم وتدبيرهم لفعل القيادة، كانوا يستحضرون محمد بن عبد الكريم الخطابي، ويستحضرون القضية الأمازيغية، ويستحضرون التراث الديني، ويستحضرون تاريخ المنطقة، ويستعملون الأمازيغية والعربية الدارجة والفصحى. ولا شك أن قائداً ميدانياً، مثل الزفزافي، كان واعياً، مثلاً، بالنجاحات التي حققها بنكيران بفضل قدراته التواصلية. ففي تواصل الزفزافي نعثر على شيء ما من البنكيرانية بالمعنى الإيجابي. هناك، اليوم، وعي بأهمية التقنيات البلاغية التي استُخدمت في خطاب القائد السياسي الإسلامي، ولكن تصوراتهما للأشياء مختلفة، طبعاً، رغم بعض عناصر التماهي على المستوى التقني والتواصلي.
ويجب الاعتراف بأن الزفزافي قَدَّمَ خدمة كبيرة للمغرب والمغاربة. فهو وَحَّدَ حراك الريف، وهَمَّشَ أصحاب الطروحات المتطرفة. لكن النظام، رسمياً، وبعد انبثاق هذه القيادة الكاريزمية، رفض التفاوض معها من منطلق أنه لا يتفاوض مع قيادة "غير معترف بها"، ولكن هذه القيادة نفسها ترفض التفاوض مع القيادات "المعترف بها "من طرف النظام (أحزاب، منتخبون، حكومة)، لكنها اشترطت التفاوض مع ممثل مباشر لرأس النظام أي ممثل مباشر للملك.
– كثافة المظاهرات التضامنية بالخارج. إن اتساع حركة التضامن مع حراك الريف بالخارج، من خلال المظاهرات والمسيرات والوقفات المتعددة في البلدان المختلفة، هو دليل على حيوية الدور الذي يلعبه المهاجرون الريفيون في مختلف تلك البلدان. فمن المعروف أن هناك شخصيات من أصول مغربية ريفية، تتولى مناصب هامة في مؤسسات دول الهجرة. ويجب الاعتراف بأن المظاهرات التضامنية في الخارج خلقت صدى عالمياً لمطالب الريف ولحراك الريف.
– بروز دور المرأة في الحراك. طبعاً في حركة 20 فبراير كانت الوجوه النسائية حاضرة بقوة، لكن هناك، مع ذلك، نقطتا خلاف وتمايز مع الحضور النسائي في حراك الريف. نساء الريف كان لبعضهن حق الحديث كقيادة حائزة على نوع من الاعتراف العملي في الميدان. ونستحضر هنا، على وجه الخصوص، شخصية نوال بنعيسى، التي اعتُبرت "خليفة الزفزافي". ومن جهة ثانية، هناك تنوع، أكثر، في بروفايلات ومسارات وحياة النساء المشاركات في حراك الريف. فهن من أعمار ومن انتماءات سوسيومهنية وتعليمية مختلفة؛ بينما في حركة 20 فبراير كانت الوجوه النسائية الأبرز، في النواة الأصلية للحركة، تنتمي للفئة العمرية من 20 إلى30 سنة، وأغلبهن عازبات، طالبات، ومنحدرات من الطبقات المتوسطة.
بالنسبة إلى حالة نوال، نلاحظ أن وضعها كمتزوجة وأم لعدة أبناء لم يمنعها من أن تكون ضمن الصف الأول لقادة حراك الريف. وبعد الاعتقال، سيبرز، أيضاً، دور أمهات وقريبات المعتقلين، وسوف تنطلق دينامية للفعل النسائي، من داخل الحراك، في شكل مظاهرات ووقفات نسائية. وهذا كله زَوَّدَ الحراك بطاقة إضافية، وَوَفَّرَ له شروط الاستمرارية.
– التئام النشطاء حول قَسَمِ الريف. فكرة أداء قسم جماعي هي من "المستجدات"، فلم تشهدها، مثلاً، حركة 20 فبراير. لا شك أن هذه الفكرة تسهم في تصليب اللحمة الرابطة بين نشطاء الحراك، وتعطيها بعداً دينياً وتعاقدياً. وإذا أضفنا إلى هذا سلسلة الأغاني والأناشيد التي تُدُوولت بمناسبة الحراك على نطاق واسع، فيعني ذلك أن قضية الحراك أو ما سيسمى قضية الريف، هي في طور الاستقرار في النفوس، باعتبارها قضية مصيرية وذات أولوية، وأن درجة الالتزام بها والانضباط لمتطلباتها تتصاعد باستمرار. وأداء القسم تَمَّ في مرحلة تَوَّفَرَ فيها للحراك زخم غير منتظر، فأصبح قضية شبه إجماعية، ولهذا فإن الهدف من ذاك القسم كان هو الحرص على ألا يتبدد هذا الزخم قبل الوصول إلى نتائج ملموسة.
– موقف رفض الحوار مع الأحزاب والمنتخبين والحكومة. قد يبدو هذا الموقف متصلباً ومفاجئاً، علماً، مثلاً، أن حركة 20 فبراير كانت قبلت التعاون مع بعض الهيئات السياسية. لكن إذا تأملنا عناصر السياق، الذي جاء فيه هذا القرار وجاء فيه الحراك ككل، سيبدو الأمر عادياً. فنشطاء الحراك يريدون، من خلال هذا الموقف، التأكيد على أنهم ليسوا مستعدين لكي يُلْدَغُوا من الجحر مرتين. بمعنى أن لهم أزمة ثقة مع المؤسسات، ولا يمكن لهم أن يثقوا بسهولة في الوعود، لأن هناك سوابق تثبت صواب موقفهم المتحفظ من تلك المؤسسات.
الأحزاب، بالنسبة إلى نشطاء الريف، هي على العموم مجموعة دكاكين ليس إلا. الأمر، هنا، يتعلق بنشطاء، ربما، لم يشاركوا في الانتخابات، ولم يصوتوا على أي من تلك الأحزاب، وبالتالي فهم غير معنيين بكل ما ينبثق عن هذه الانتخابات من مؤسسات وأجهزة. وهذا المعطى ليس غريباً، فالأغلبية الساحقة من الشباب تقاطع الانتخابات، والملك سبق أن قال إنه ملك جميع المغاربة، سواء الذين شاركوا في الانتخابات أو الذين لم يشاركوا فيها. هؤلاء الذين أحجموا عن التصويت نزلوا إلى الشارع، إذ لا يمكن أن يحرموا أنفسهم من وسائل النضال والفعل للتعبير عن مطالبهم، والسعي إلى تغيير وإصلاح أوضاعهم، وهم يريدون مد قناة حوار غير مباشر مع الملك الذي اعترف لهم بالمواطنة وبأنه ملكهم أيضاً، ولا يستثنيهم من الشعب. إنهم عموماً يخشون من أن الحوار مع بعض المؤسسات التي لا تملك القرار، قد يكون مصيره مثل مصير الوعود التي أُعطيت، بمناسبة حركات احتجاجية سابقة، ولم تُنَفَّذْ.
– اضطرار فروع الكثير من الأحزاب إلى مساندة الحراك، ولو ظاهرياً، وذلك في تناقض، أحياناً، مع المواقف التي عبرت عنها القيادات المركزية. حراك الريف، إذن، أفضى إلى ظهور حالات لأحزاب تحفظت قياداتها الوطنية، في وقت من الأوقات على الحراك، وتبنت قياداتها، محلياً، مطالب الحراك واعترفت بشرعيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.