تعود أصول العلاقات المغربية الإفريقية جنوب الصحراء تاريخيا إلى القرن العاشر قبل الميلاد. حيث لعبت كل من الجغرافية والتركيبة السكانية دورا محوريا في تأسيس هذه العلاقة وتعميقها عل صعد مختلفة. فقد كان للمغرب علاقات قديمة مع كل من مملكة غانة، ومملكة مالي ومملكة سنغاي. وقد تطورت هذه العلاقات في العهد الإسلامي، حيث شكل المغرب البوابة الرئيسة لنشر الإسلام بإفريقيا الجنوبية والغربية، مستثمرا بذلك أصول ساكنته الإفريقية والأمازيغية. كما سهل تحول المغرب، في عهد المرابطين والموحدين، من دولة صغيرة في شمال غرب إفريقيا إلى إمبراطورية كبيرة؛ تحكمها أسر أصولها "جنوبية صحراوية"، وقائمة على أسس دينية، إضافة إلى أن هذه العلاقة التاريخية، واستثمار موارد المغرب الطبيعية وموقعه التجاري الرابط بين إفريقيا وأوروبا، للعب دور الوسيط بين الشمال والجنوب. مباشرة بعد الاستقلال حاول المغرب استرجاع دوره المحوري بإفريقيا، وساند بالسلاح والمال والتدريب الحركات التحررية الإفريقية، وربطته بالزعيم نيلسون مانديلا علاقات قوية جدا؛ كما ساند الحركات التي نهجت أسلوب التفاوض، كما هو الشأن بالنسبة لكينيا مع البريطانيين، وأرسل جنوده للكونغو بعد حصول هذه الأخيرة على استقلالها دفاعا عن وحدتها الترابية. ولمواجهة مشكلة التنمية عبر الملك الراحل الحسن الثاني عن استعداده لتمويل الدول الإفريقية بالفوسفاط لتنمية اقتصادها وفلاحتها. من جهة ثانية، عمد المغرب على مأسسة الجهود الدبلوماسية على المستوى القاري. وقد بذل مجهودا مهما لجمع الأطراف الإفريقية في مؤتمر الدارالبيضاء 1961م، حضره رؤساء بارزون من أمثال، جمال عبد الناصر عن مصر، كوامي نكروماه عن غانا وفرحة عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجزائر، ورئيس المالي موديبو كيتا، وأحمد سيكو توري الرئيس الغيني. وقد كانت هذه المبادرة لبنة أساسية في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية بإثيوبية 1963م، والتي تحولت بدورها لمنظمة الوحدة الإفريقية. هذه الأخيرة سينسحب منها المغرب سنة 1984م، بسب قبولها لعضوية البوليساريو الانفصالية، وقد جاء هذا القبول بضغوطات كبيرة من العقيد القذافي، الذي لعب دورا كبيرا في تأجيج الصراع حول الصحراء المغربية، خاصة بعد انضمام الجزائر لطرح القذافي العسكري، واحتضانها إلى اليوم للبوليساريو فوق مدينة تندوف ونواحيها. وفي الوقت الذي ترك المغرب منظمة الوحدة الإفريقية، عاد للتركيز مجددا على دول الخليج خاصة السعودية، فقد كانت العلاقة بين البلدين قوية تاريخيا. وقد قطعت العلاقات الثنائية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز شوطا في غاية الأهمية٬ حيث كانت نموذجية وعائلية. ويمكن القول أن اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني الموقعة في 1976 واللجنة العليا المشتركة بين البلدين كانت أحد أقدم آليات التعاون البيني والذي تطور بسرعة كبيرة. وهو ما يفسر دعم العربية السعودية ودول الخليج للمغرب طيلة مواجهاته مع البوليساريو والجزائر إلى حدود 1989م؛ كما دعمت جهود المغرب العسكرية لمنع تسلل الانفصاليين المسلحين من الجزائر، وذلك من خلال المساهمة في تمويل بناء أكبر جدار عازل بالألغام في الجنوب المغربي بمحاذاة مع الجزائر. فقد بذل الملك فهد جهداً كبيراً لتحقيق مصالحة مغربية جزائرية، منذ عام 1984، في لقاء بمدينة وجدة المغربية، وذهب الملك فهد أبعد من ذلك حيث نجح في جمع انفصاليي جبهة البوليساريو في لقاء نادر بوفد مغربي في مكةالمكرمة. هذا وتجدر الإشارة أن كل من الإماراتوالبحرين ظلت تربطها بالمغرب علاقات جد متينة، يصفها الجانبان بالأخوية والعائلية، وهي لا تتعلق فقط بقضية الوحدة الترابية، بل أضيف للتعاون التقليدي في الجانب العسكري والأمني، الجانب الاقتصادي التجاري، والديني الثقافي. من جهته شارك المغرب عسكريا في حرب الخليج الأولى 1991م؛ ولا يزال يقدم دعمه العسكري، والأمني لكل من البحرينوالإمارات والسعودية، شارك في الهجمات الجوية العربية على تنظيم "داعش" سنة 2014م. أكثر من ذلك فإن المغرب لم يتأخر في إرسال جنوده للمشاركة في "حماية" حدود المملكة العربية السعودية سنة 2009، بمنطقة جازان ونواحيها، حيث تمكن من دحر الحوثي في المناطق الحدودية السعودية اليمنية، وبمشاركته اليوم في التحالف العربي الذي يقود حربا من أجل الشرعية باليمن يكون بذلك وفيا لتحالفاته التاريخية في زمن تشهد فيه العلاقات الدولية صداما عنيفا، يصعب معه التكهن بمستقبله على مستوى بناء المحاور الإقليمية والدولية. ويبدو أن التحركات المغربية الأمنية والعسكرية بالخليج وإفريقيا، المتعلقة بالمشاركة الحربية، أو التدريب، أو الاتفاقيات، لا يمكن فهمها بشكل منفصل، ليس لأنها مرتبطة من حيث موضوعها، ولكن لاعتبارات استراتيجية أصبحت أكثر وضوحا في السياسة الخارجية المغربية، في زمن أصبحت فيه هذه السياسة تتحرر ببطء من الهيمنة الفرنسة. وإذا كان منطق الشراكة وأحيانا التحالف يفرض نفسه بين الأطراف المتعددة؛ أي بين المغرب، و حلفائه بمجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا. فإن واقع العلاقات الدولية لا يلعب في صالح باريس التي تعتبر نفسها "دركي إفريقيا"، والتي تتراجع سطوتها أمام التحديات الاقتصادية، والأمنية التي تواجهها داخليا وفي إفريقيا على وجه أخص؛ مما يفسح المجال أمام المغرب لمزيد من استخدام عاملي القوة التاريخية لديه، وهما البعد الجوستراتيجي والبعد الديني. ويبدو أن التقدم المضطرد الذي يحرزه المغرب دوليا سيكون على حساب فرنسا؛ وستواجهه بإفريقيا صعوبات تتعلق بكيفية الجمع بين تناقض المصالح الإستراتيجية لشركائه الخليجين (الإمارات، وقطر، والسعودية) من جهة، وتناقضات الرباطوباريس من جهة ثانية.