لايمكن فهم العلاقات المغربية اللليبية الإ بوضعها ضمن السياق التاريخي و المتغيرات التي عرفها المشهد العربي، بعد هزيمة سنة 1967م سقط النظام الملكي في ليبيا وبرز نظام عسكري بزعامة "معمر القدافي"، هذا الأخير إستلهم من الفكر الناصري مشروعيته بإرتكازه على ضرورة تحقيق الوحدة العربية كسبيل لا غنى عنه لتحقيق نهضة الشعوب العربية وذهب في توجهه لضرورة إزالة الحدود بين الدول العربية التي خلفها الإستعمار. هذا النظام الجديد أعلن عدائه للأنظمة المحافظة "الرجعية" التي تمثل – حسب نظره- عائقا أمام مطلب الشعوب العربية التواقة لتحقيق الوحدة العربية. وتصور "القدافي" ثلاث سبل اعتبرها كمداخل لتحقيق الوحدة العربية وهي: 1) السبيل الأول: أعتبره السبيل الأمثل وهو تحقيق إتحاد عربي يضم الدول الثورية. 2) السبيل الثاني: تحقيق وحدة عربية بين كافة الدول العربية بغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي. 3) السبيل الثالث: الإطاحة بالأنظمة المحافظة (الرجعية) كي تتحقق الوحدة العربية. 1- ليبيا ودعم البوليساريو: شكلت ليبيا أول دولة إحتضنت البوليساريو- قبل الجزائر-وذلك يدخل في إطار رغبتها بالإطاحة بالأنظمة المحافظة التي إعتبرتها عميلة للإستعمار وعائقا أمام تحقيق فلسفة معمر القدافي للوحدة العربية. وقد إعترف "القدافي" بإنشائه للبوليساريو في خطاب ثورة الفاتح من شتنبر1987م بقوله: «.... أستطيع أن أتكلم عن قضية الصحراء أكثر من أي طرف آخر لأن البوليساريو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، نحن الدين أسسناها عام 1972م، ونحن الذين دربناها وسلحناها لتطرد الاستعمار الإسباني من الساقية الحمراء وواد الذهب، ولم نسلحها لإقامة دولة، ولم نقل لهم إنظموا إلى موريتانيا أو الجزائر أو المغرب أو لا تنظموا، دربناها وسلحناها لتحرير الأراضي العربية من الإستعمار الإسباني...». إن الموقف الليبي من قضية الصحراء إتسم بالتناقض ففي الوقت الذي إعترف فيه "معمر القدافي" بدوره في تأسيس البوليساريوº نجده أنه لم يواكب مواقف أطراف النزاع. فهو لم يتبنى موقف البوليساريو والجزائر القاضي: بضرورة خلق جمهورية صحراوية جنوب المغرب، كما أنه في نفس الوقت لم يتبنى طرح التقسيم، ولا الطرح المغربي الراغب في إستكمال الوحدة الترابيةº فالموقف الليبي عرف تأرجحا في تعاطيه مع ملف الصحراء إذ تبنى الزعيم القدافي خلال أواسط السبعينيات مواقف معادية للإستعمار، مما جعل لبيبا من أكثر الدول الداعمة للموقف المغربي إبان طلب المغرب الدعم في القمة العربية بالرباط 1974م من الدول العربية الوقوف بجانبه قصد الضغط على إسبانيا لإنهاء إستعمارها للصحراء الغربية. وفي هذا السياق قام "القدافي" بزيارة للمغرب في 16 يونيو 1975م، عبر فيها عن مساندته اللا مشروطة للمغرب حيث صرح بأن: «... القوات الليبية المسلحة رهن إشارة المغرب لتحرير صحراءه» . غير أن الموقف الليبي عرف تأرجحا بين أطراف النزاع حيث يصعب قراءة مواقف القدافي خلال نشوب الصراع بين المغرب و موريتانيا من جهة و الجزائر و البوليساريو من جهة أخرى. ففي الوقت التي كانت القيادة الليبية تعلن رفضها لإقامة كيان جديد في الصحراء الغربية كانت في الوقت نفسه تمد جبهة البوليساريو بالدعم العسكري ضد المغرب، في حين دعت القيادة الليبية خلال 24 دجنبر 1977م إلى ضرورة تجاوز مطالب أطراف النزاع عبر تحقيق الوحدة بين الدول المغاربية من خلال إقامة كونفدرالية تضم كلاً من ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا. ويمكن تفسير التأرجح في المواقف الليبية في هذه الفترة و إتجاه ليبيا إلى دعم البوليساريو برغبة معمر القدافي بتحقيق تصوراته الوحدوية إضافة لموقفه من طبيعة النظام المغربي الذي وصف معمر القدافي بأنه: «... أحد رؤوس الرجعية العربية الموالية للإستعمار والمعادي لحلم الوحدة...» رغم موقف القدافي هذا فإنه ظل حريصا على التواصل مع المغرب. وقد ظهر ذلك من خلال بعته برسالة للملك الحسن الثاني مباشرة بعد إعلان الجمهورية الصحراوية( بعد يوم واحد) في 28 نونبر 1976م أبلغ القدافي الملك الحسن الثاني جهوده لإقناع قادة البوليساريو بالع�د�ول عن ذلك والإنضمام إلى المغرب في إطار مشروع وحدوي، لكنه ذهب في نفس الوقت إلى أن موقفه هذا لا يعني أي تأييد للملك الحسن الثاني في قتاله ضد الصحراويين. كما يمكن إرجاع تناقض السلوك الليبي إتجاه قضية الصحراء، وتأرجحه بين مواقف أطراف النزاع بطبيعة الفكر السياسي "لمعمر القدافي" المهووس بتحقيق تصوراته الوحدوية. هذا ما أدركته الجزائر مبكرا وحاولت الإستفادة منه، عبر تركها الباب مفتوحا مع طرابلس لإيهامها بإمكانية تحقيق وحدة بين الجزائر وليبيا. مستفيدةً من موقف القيادة الليبية من طبيعة النظام الملكي. وقد أدرك الملك الحسن الثاني هذا الم�عطى وعمل على توظيفه من أجل إبعاد ليبيا عن الصراع من خلال عقد وحدة مغربية- ليبية فيما سمي بالاتحاد العربي الإفريقي. 2- الوحدة المغربية الليبية،- الإتحاد العربي الإفريقي-: خلال بداية الثمانينات تخبط المغرب في أزمة اقتصادية من جراء سياسة التقويم الهيكلي في وقت كثفت فيه الجزائر ضغوطا كبرى على المغرب على مستوى المنظمات الدولية كما إتجهت الى تطويق للمغرب وعزله بتوقيعها معاهدة الإخاء والتعاون مع تونس وموريتانيا في 19مارس 1983 من جهة وتكثيف هجمات البوليساريو الذي نهجت حرب العصابات في مواجهة القوات الملكية المسلحة المرابطة في الصحراء و من جهة أخرى. حاولت سياسة المغرب فك محاولة عزله إقليميا عبر توقيعه معاهدة الوحدة المغربية الليبية في 13 غشت 1984م وهي التي عرفت بالإتحاد الإفريقي والتي برر الملك الحسن الثاني عقدها بقوله: "... كان أبنائي يتعرضون آنذاك لقصف مدفعين أحدهما جزائري والثاني ليبي وكان من واجبي إسكاتها، فبتوقيع هذه المعاهدة تمكنت من جعل القدافي محايدا، وحصلت على إلتزامه لي بعدم الإستمرار في تقديم أدنى مساعدة لأعدائي وللبوليساريو. وقد قال لي العديد من المسؤوليين آنذاك « لقد أوقع بكم» وكنت أرد عليهم « إذا كان الأمر كما تصورتم فستكون غلطتي ولكن عليكم بالتريث قليلا قبل الحكم علي بالإخفاق»" . يظهر من خلال حديث الملك الحسن الثاني أن وحدته مع ليبيا كانت عبارة عن تكتيك قصد منه ضمان حياد ليبيا. إن الوحدة مع ليبيا وضعت المغرب في محك صعب، فصراع النظام الليبي مع الغرب خاصة الولاياتالمتحدة (التي تملك الأوراق في حل نزاع الصحراء) سبب الحرج للمغرب، ناهيك عن تعارض طبيعة النظامين السياسيين. عقب العدوان الأمريكي على طرابلس وبنغازي في 15 أبريل 1986م وجد المغرب نفسه محرجا بين إعلان مساندة ليبيا طبقا لبنود معاهدة التحالف، الذي يمكن أن يعرض المغرب للإنتقادات أو ربما إنتقام الولاياتالمتحدة وبين فك الإرتباط بليبيا، إتجه المغرب خلال هذه الفترة لتبني موقف متوازن، بالإعلان عن تضامنه الكامل مع الشعب الليبي، ودعوة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى تغليب منطق الحوار والطرق السلمية في تسوية الخلافات القائمة بينها وبين ليبيا º لقد أظهر العدوان الأمريكي على هذه الأخيرة صعوبة التحالف مع نظام القدافي، إذ أن هذا التحالف يمكن أن ي�تِير غضب الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد إستغل الملك الحسن الثاني فرصة الإستقبال العلني لرئيس الوزراء الإسرائيلي "شمعون بيريز" 21-22 يوليوز 1986م الذي اعتبره الزعيم الليبي �خيانة عظمى للقضية العربية وتصرف لا يطاق» .ووضع حد من طرف واحد لاتفاقية الاتحاد العربي الإفريقي، التي أعادت للمغرب حريته في التصرف وفقا لمصالحه الوطنية بعيدا عن أجندة معمر القدافي . بذلك إستطاع المغرب عبر إبرامه إتفاقية الإتحاد العربي الإفريقي ضمان حياد ليبيا في ظرف صعب كان يمر منه المغرب على المستوى الاقتصادي والعسكري وفي نفس الوقت ضمن سحب الإعتراف الليبي بالجمهورية الصحراوية وإخراجها من الصراع الدائر في الصحراء.