كان بإمكان حزب الاتحاد الدستوري وهو الحاصل على 19 مقعدا أن يتحالف مع شريكه في مجلس المستشارين الحركة الاجتماعية الديمقراطية (3 مقاعد) ويشكلوا فريقا نيابيا، لكنه فاجأ الجميع واعلن رغبته في تشكيل فريق مع التجمع الوطني للاحرار (37 مقعد) لتشكيل فريق من 56 مقعدا، وفي نفس الوقت يتقدم الرجل القوي والنافذ عزيز اخنوش لرئاسة هذا الحزب الليبرالي الذي أسسه أحمد عصمان من نواب مستقلين فازو سنة 1977 ب144 مقعدا من أصل 267 عضوا، اخنوش اليوم هو "الجوكر" أو بشكل أصح "حصان طروادة" بالنسبة لكل من كانوا يأملون فوز البام بالانتخابات الاخيرة، ولكل البرجوازية ورجال الاعمال واصحاب المصالح الذين لن يحتملوا البقاء لخمس سنوات "يتشمسو" بدون حصتهم من الكعكة، لان البام "جمعهم" كلهم في حزب واحد كان يمني النفس بالتصدر وتطبيق رؤيته "الخاصة" والتي تنطلق من المؤسسات وصولا لعلاقة الانسان بربه. لم يعارض الناس الاحزاب التي دعت للعدالة الاجتماعية والمساواة وغيرها من المبادئ الانسانية النبيلة بناء على ايديولوجياتها، وكانو يختارون بين النزاهة والاقل فسادا، ولكنهم حين تمت المجاهرة بان المجال الديني سوف يعرف تغييرا بعد نتيجة الانتخابات ظهر فيهم ذلك الحس المحافظ والوطني. فسابقا لم يكن التصويت مع او ضد حكومة التناوب ومكوناتها مبنيا على عنصر الدين بتاتا، ولم يحدث أي تنافر بسبب العقيدة والمعتقد بين مكونات الكتلة الديمقراطية التي ضمت حزب الاستقلال المحافظ وحزبي الاتحاد الاشتراكي اليساري والتقدم والاشتراكية وريث الحزب الشيوعي، لأن الجميع كانو يتنافسون من خلال برامجهم ولم يجاهر أي منهم برغبته في تغيير القيم الدينية أو المس بالمعتقد، وهذه كانت ولاتزال ركنا متينا في برنامج البام وخطيئته التي عجلت بفشله. دخل البام انتخابات 7 أكتوبر وهو متأكد من أن جميع الظروف مهيأة لفوزه بها، فكان أول قراراته هو استرداد مقاعده المضمونة التي منحها في انتخابات 2011 للتجمع الوطني للاحرار، ولذلك تراجع عدد مقاعدهم بشكل مهول، لكن البام اكتشف أنه لن يربح الانتخابات مادامت صفة العداء للدين لصيقة به وبقيادته، فكان لابد من تغيير فرس الرهان، وذلك بتغيير البام بالاحرار. منذ أن تم تأسيس التجمع الوطني للاحرار الديمقراطيين من قبل عصمان بعد انتخابات 1977 شكل الحزب تجمعا جذابا لكل التكنوقراط والاعيان والنخب المحلية، لذلك ورغم تأسيس الاتحاد الدستوري من طرف المعطي بوعبيد لم يتخلى المخزن عن الاحرار، ورغم بعض النتائج المخيبة للآمال إلا أن الحزب وفي كل مرة كان يتلقى هدية تهبه الحياة، وليس آخرها دخوله للحكومة بعد انسحاب الاستقلال وبعد تجربة قصيرة ومريرة في المعارضة التي لا توجد في قاموس هذا الحزب، كما هو الشأن بالنسبة للدستوري الذي لم يدخل الحكومة منذ عهد التناوب التوافقي ومع ذلك بقي رقما مهما في الانتخابات التشريعية لأنه يعتمد على رجال الأعمال. اليوم يتحالف حزبا ما كان يصطلح عليه ساعتها "كوكوت مينوت" نسبة لآلة الطبخ السريعة ( وترجع التسمية لكون كل منهما فاز بمقاعد هائلة بعد تشكيله مباشرة) وذلك لدخول الحكومة وضمان عملية المناولة بنجاح لإمداد رجال الاعمال، الذي دعموا أو فازو باسم البام، بالمشاريع والانشطة للاستمرار في الحياة لأن فترة خمس سنوات صعبة جدا على التجار والمقاولين، إذا فالامر يتعلق بجسر لإنعاش هؤولاء الذين يضربون اليوم كفا بكف حسرة على رهانهم الخاسر على سراب يحسبه الظمئان ماء. كما أن الاحرار الذي يستعد الآن لإبتلاع الاتحاد الدستوري، يلقى قبولا لدى الفاعلين السياسيين الذين طبعوا مع وجوده، على عكس البام، واصبحوا يعتبرونه حزبا حقيقيا ومتجذرا ونسي الجميع ظروف ولادته، وإن كانت لهم ملاحظات على قيادته، وهو ما عجل باستقالة مزوار واللجؤ لشخص مقبول من طرف الجميع ك"اخنوش" والذي هو الى جانب مزوار أحد مؤسسي حركة لكل الديمقراطيين التي انبثق عنها تجمع "البام". سيقود اخنوش الاحرار لابتلاع الاتحاد الدستوري ومن بعده بقية الأحزاب تباعا وسينتهي بابتلاع البام نفسه بعد ان يكون اخنوش رقم 1 في الحكومة الحالية ويقدم خدماته للفاعلين الاقتصاديين الباميين والدستوريين، وسيصبح الاحرار هو البام بنسخة أخرى مقبولة لدى النخب السياسية والمواطنين. لا زلنا نتذكر أن البام في أول خروج انتخابي له في شتنبر 2008 خسر الانتخابات الجزئية التي همت ساعتها 5 مقاعد شاغرة، وتلقى صفعة قوية من قبل الناخبين الذين رفضوا منح الثقة لقياداته اليسارية ومنظريه أمثال صلاح الوديع وبلكوش مما جعله يتوجه لترشيح الأعيان وذوي القدرة على الفوز بعيدا عن المنظرين والنخب المعزولة عن المجتمع. والفرق بين عزيز اخنوش والياس العماري يجد تجسيده في قصة قديمة قرأها أبناء جيلي وسمعوها كثيرا من خلال حكايات الجدات، حين تراهنت الشمس والريح على من يستطيع نزع معطف رجل، فصرت الريح وبذلت قصارى جهدها لنزع المعطف فلم يزد ذلك الرجل الا تمسكا بمعطفه خوفا من الهلاك، وحين أتى دور الشمس اطلقت اشعة ربيعية خفيفة فنزع الرجل معطفه عن طيب خاطر، فكانت العبرة باللين وليس بالشدة.