فجأة، وبدون مقدمات كبرى وجد مصطفى المنصوري نفسه وسط عاصفة سياسية وتنظيمية وأمنية قوية. ووجد نفسه بين كماشة الوزير مزوار و.. فريق التحقيق في المخدرات يتأرجح بين مطرقتين وسندانين: الحزب والحكومة.. بدأ كل شيء ببلاغ مقتضب من وزارة الداخلية ، عممته وكالة الانباء المغرب العربي. وفي ما يشبه انفجار العجلة الخلفية لسائق يتجول بسرعة معتدلة، اهتز المقود في يد الرئيس المنتخب للتجمع الوطني للأحرار.. في 29 غشت ، من منتصف النهار، نزل البلاغ الصادر عن الداخلية يقول« تم إيقاف برلماني سابق متورط في قضايا الاتجار في المخدرات وخاصة منها القوية، وذلك حسب ما أفاد به بلاغ للإدارة العامة للأمن الوطني. وأوضح بلاغ توصلت وكالة المغرب العربي للانباء بنسخة منه، أنه «في إطار الجهود التي تبذلها المصالح الأمنية لمكافحة ظاهرة الاتجار في المخدرات وخاصة القوية منها، واستغلال المعلومات التي تم تجميعها والتحريات الميدانية، تم إيقاف المسمى محمد جوهري الملقب ب«الرايس» البرلماني السابق عن حزب التجمع الوطني للأحرار والممثل لجهة زرهون-غرب سايس». وأضاف المصدر ذاته أن المعني بالأمر، الذي يعتبر من كبار تجار المخدرات القوية، يخضع للبحث تحت الإشراف المباشر للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء . اعتبر المنصوري أن البلاغ موجه إلى الحزب . ولم يتأخر طويلا في الرد عندما جمع قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، أو جزء منها، صباح الأحد، الموالي لنشر البلاغ الرسمي في اجتماع طارئ للرد، حيث عممت وكالة المغرب العربي في اليوم الموالي تلخيصا للبلاغ ، يقول التجمع فيه :« المدعو محمد جوهري لم تعد له أية صلة أو اتصال بالحزب منذ أزيد من7 سنوات الرباط». ثم فصلت الوكالة بالقول :«ذكر بلاغ لحزب التجمع الوطني للأحرار أن المدعو محمد جوهري, برلماني سابق والذي يخضع حاليا لبحث قضائي بتهمة الاتجار في المخدرات القوية، لم تعد له أية صلة أو اتصال بالحزب منذ أزيد من7 سنوات. وأضاف البلاغ الذي توصلت وكالة المغرب العربي للانباء بنسخة منه اليوم الأحد بخصوص اعتقال البرلماني السابق، أن الحزب «رفض رفضا قاطعا أن يزكي طلبه من أجل الترشح باسمه في الانتخابات التشريعية لسنة2002 ». الوكالة، وهذا بيت القصيد، أسقطت أقوى ما في الرد القوي للمنصوري ومن معه، وهو الاشارة إلى تورط هياكل الدولة في ذلك .. ولمح في ما لمح إليه إلى تدخل أياد متحكمة في القرار الأمني. هذا التلميح هو الذي جر ردود فعل قوية من أحد وزراء الحزب ، صلاح الدين مزوار، الذي اختار يومية المساء واوجوردوي لوماروك للرد. التفاعلات الداخلية والاعلامية، تجد جذورها في الواقع قبل البلاغ، أي في سياق ، ونقول سياق ، توتر العلاقة بين المنصوري والهمة. في ضربة حظ رد قوية كان الهمة قد قرر رفع يده عن دعم عباس الفاسي في وزارته الاولى..وخرج الى المعارضة بدون سابق إنذار. وكان المفروض، زو هكذا اعتدنا زن يصاحبه في نزوحه هذا حليفه في القبة وصنوتها، التجمع الوطني، لكن سارع المنصوري الى نفي الرحلة المشتركة، واصر على البقاء في الحكومة وفك الارتباط بالحليف القوي. في السياق ذاته، كان الحليف قد قاد حملة شديدة الللهجبة علي وزير من الاحرار، اخنوش متهما اياه بكونه لا يساير السياسة الملكية في الفلاحة. ربا لأن ويزر الفلاحة اراد زن يحافظ على التزامه الحزبي بدون الخوض في الوصفات التجريبية، أو لأن الهمة أراد أن يضرب شخصية وازنة في الحزب لتهتز قناعات الآخرين. المهم، كان لهذا الفصل فصل يليه. ففي عز المواجهة بين الهمة واخوة بنكيران، قرر زعيم الاصالة تهديد رئيس التجمع بالمحاكمة، لأنه« اعتبر بأن المنصوري اعتبره عرقلة في وجه المستقبل وعودة الى الماضي». وهي العبارة التي وردت في بيان الاصالة والمعاصرة وفتحت المواجهة على مصرعيها. فتوالت البيانات والبيانات المضادة، الى حين انفجرت قضية الجوهري، وبعدها قضية بعض افراد عائلة المنصوري في قضية مخدرات غير مشوقة تماما. في السياسة خرج مزوار يتوعد المنصوري ،ويطلب ازاحته من تدبير الحزب بدعوى الفردانية والتسيير الاحادي.. والتحالف مع العدالة والتنمية..! وهو ما اعاد الى اذهان الكثير من التجمعيين سيناريو ... احمد عصمان!! الأحرار، الرئيس ، الثورة والانقلاب في الماضي القريب للتجمعيين، لم تسلم الذاكرة من شريط سابق لاحمد عصمان وهو يواجه العاصفة. فقد واجه الرئيس المؤسس العاصفة،فازيح مع ذلك عن قبة البرلمان، ثم توالت الى حين الرحيل عن السدة الرئاسية. كانت للرجل حياته وهفواته المرتبطة بالسلطة، لكنه دفع ثمن الحروب التي تقع بين جدران السلطة. في مرحلة ما بعد 1975، عندما دخلت المعارضة القوية للاتحاد إلى المسلسل الديموقراطي، وخروج النظام السياسي المغربي من نقاهة انقلابين سياسيين، كانت جدلية الفشل المتبادل تفرض على الدولة القبول بالأطراف التي أرادت القضاء عليها. انتخابات 1977 البرلمانية كانت فرصة للدولة لدخول الصراع بأدوات المسلسل الديموقراطي عوض الاضطهاد والقتل-نسبيا- فدعمت الدولة، عبر أجهزتها المتنوعة، وعلى رأسها الداخلية والادارة الترابية ، الأعيان والاطر المنسوبة اليها، والتي احتلت مناصب قوية أو سامية فيها. بعدها عمّدها المرحوم الحسن الثاني حزبا سياسيا ، دعاه التجمع الوطني للأحرار . الرئيس كان موضع ثقة، بالاضافة إلى الصداقة التي جمعته مع عاهل البلاد، فالراحل كان صهره، وهو أيضا زميله في المدرسة المولوية وفي الحياة الجامعية بجامعة بوردو، ورئيس ديوانه لفترة من الفترات . وقد أبرز عصمان كفاءته التوافقية عندما حضر النقاش مع المرحومين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد في سنة 1972 من أجل وثيقة دستورية .. وتقول حوليات تلك الفترة التي تلت انقلابين اثنين، إن المرحوم الحسن الثاني عرض المشاركة في الحكومة على كلا الحزبين و كان عبد الرحيم قد أجابه والاتحاد الوطني في مذكرة شهيرة «الى رئيس الدولة».. وكانت الوظيفة التي من أجلها جادت السياسة فيهابالتجمع، هي ضبط الحقل الحزبي وتوجيه توازناته و الوقوف أساسا في وجه القوى الوطنية مشخصة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.. فقد اتخذ الملك الراحل قرار التأسيس ، ثم نفذه ، وبعد خلق الحزب ، بحث عمن يكون على رأسه. فكان أحمد عصمان. فهو جاء بعد الحزب الذي ترأسه،و حقق في سنة 1977، 140 مقعدا ، لكنه تأسس من بعد أن فاز! وبذلك يبدو أن عصمان لم يكن يعلم بالحزب الذي ترأسه! عصمان له شخصيته الوطنية ومساره الخاص، فهو لم يعارض تأسيس منظمة حقوقية بدعم من اليسار المغربي وكان مناضلون منه في تسييرها وتأسيسها سنة 1988 ، ولعل انفتاحه على المعارضة كان سببا في التخطيط للانقلاب عليه، من طرف الثنائي ادريس البصري ورضا اكديرة.. « في ذلك الوقت اعتبر صناع القرار أن حلم الحسن الثاني في بناء قطب منافس للمعارضة التقليدية قد انهار، وسارع وزير الداخلية في التسعينيات الى تقديم الموضوع وكأنه التحاق لحزب الاحرار بالمعارضة. ورغم ان رئيس الحزب كان رئيسا لمجلس النواب، فقد تكتلت المصالح وراء وزير الداخلية انذاك من اجل حث الملك على توجيه امر لرئيس السلطة التشريعية احمد عصمان بايقاف النقاش خلال الجلسة التي كانت جارية ، وهي الجلسة المخصصة انذاك لانتقاد حكومة كريم العمراني . وكان احمد عصمان قد عبر، حسب ما ورد في كتاب احمد الجزولي، الذي كان من اطر الاعلام الحزبي ، عن مساندته لملتمس رقابة ضد الحكومة.. وقتها عرفت ردهات البرلمان حادثة سجلتها حوليات السياسة البرلمانية بالبلاد. حيث خرج جلال السعيد يصرخ في الممرات بأعلى صوته مطالبا بالوقف الفوري للنقاش الذي كان جاريا في جلسة دستورية مشروعة!! بعبارة الجازولي. التبعات من بعد اوصلت جلال السعيد الى قمة البرلمان مكان عصمان. وقتها أيضا تم اجبار الحزب على مغادرة الحكومة وتأسيس احزاب من جلبابه... وزادت الكثير من متاعب الرئيس عندما كان الملك الراحل يستدعيه في تلك الفترة ويستفسره عن مواقفه. يرى الباحث الجازولي ، من زاوية صائبة أن الكثيرين حاولوا تقديم تعامل الرئيس مع حزب معارض على اساس انه اخلال بتعهد بين الرئيس والملك»، في حين اعتبر هو ذلك تفسيرا لما طلب منه الملك الراحل ذاته. هل يتم الآن تقديم نفس الشيء عن المنصوري؟ تناسلت الاحزاب من جلباب الاحرار، فكان الاتحاد الدستوري، برئاسة المعطي بوعبيد، وزير الشغل في حكومة عبد الله ابراهيم ثم وزير العدل في ما بعد ، ثم ولد حزب عرشان .. في الثمانينيات، عندما اندلعت احداث 1981 وقف عصمان موقفا يحسب له، وكان في مصاف الدفاع عن التعددية. وهو يرى أنه «خلال هذه الحقبة بدأ مسلسل التخطيط للقضاء على التجمع».. بعد انسحاب الاتحاد وبرلمانييه من تلك السنة ، اجتمع ، حسب رواية احمد عصمان « تحت رئاسة الوزير الاول، بحضور جميع اعضاء الحكومة وحضور الجنرالات والقيادات العسكرية والامنية و شخصيات نافذة في مختلف مواقع السلطة استدعى احمد عصمان بصفته رئيسا لحزبه الذي كان يؤيد الحكومة. وكان النقاش يدور حول ما يجب أن «تتخذه الدولة ضد الاتحاد الاشتراكي الرافض لتطبيق الدستور ونتائج الاستفتاء» . وكان الاتجاه السائد هو حل الحزب وكان رأي عصمان، كما ورد في وثائق الحزب« لا يمكن في دولة ديموقراطية يسوسها ملك عبقري وتعيش في ظل ملكية دستورية ان تقمع الافكار وتحارب المواقف بحل الاحزاب والقضاء عليها...». وقد أخذ الملك الحسن الثاني بهذا الرأي.. من سوء صدفه، أن يكون التجمع بين معارضتين اليوم، الاصالة والعدالة، يستعمل فيه ورثة الرئيس في حرب مواقع تبدأ من البرلمان ولا تقف عند الحكومة أو الموقف منها. ولعل في صلب العراك اليوم مستقبل التجمع الجديد ، الذي يراد للتجمعي الأول أن يكون عصبه ..!