يبدو أنه من الطبيعي أن يحدث للإنسان في مساره الذاتي أو المجتمعي احتكاكات معينة تجعَلهُ يقف لحظات مع نفسه، وفي بعض الأحيان مع غيره لتقييم هذا المسار من أجل تحسين السير فيه أو لتغيير الوجهة إذا تبدّى له عدم صَوَابيَة ما يَفعل.. إن هذا السلوك هو عادي في اعتقاد كل من دَأب على إخضَاع تصَرُفات ذاته للتقويم والتعديل وفق ما تقتضيه عدالة السلوك وحُسن التصرف وما ينتج عنهما، ومن جهة أخرى ربما يكون غير ذلك لمن أدمن ثقافة هوى النفس وأنانية الوجود تأكيداً على وقاحة الأنا "بالتسنطيح" التفاعلي مع من يُسجلون ملاحظات تخصُ مقترحات معينة، الهدف منها تجويد العمل والإبداع فيه دون السقوط في إستصنام الوسائل وجعلها غاية في ذاتها وهي كما تعلمون لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة لا غير لتحقيق الغايات الإيجابية والخيرّة.. هنا أيها السادة، تتعدد وجهات النظر وتكثر التعليقات وتتناسل"الجيمات" وتبدأ اللقاءات "التي تعوّدَ بعض الأعضاء فيها السير على منهج السابقين في سوء التعامل مع الوقت"-نسأل الله أن يقلل من أمثالهم- على عللها، يُلمس فيها بركة المولى عز وجل كسابقاتها يُبنى البرنامج ويُصمم المطلوب، وفي الاختلاف ستُوجه لك يا صديقي أسئلة معطلة ومحبطة ثقافيا، أما التكاليف يصعُب ويعسُر مباشرتها على "قلتها أحياناً" أما لغة الإعتذارات فهي مرض يؤجل الإنجاز، في تأخر "الإبلاغ عنه" أما إن كان هناك ظروف معينة وخاصة "لا بأس إن فعلت ذلك"، فقط القليل من الجدية في التعامل مع الثقة التي "كلفوك بها" ممَن يرون فيك الشخص المناسب والأصلح لها، على حسن ظنهم -وربما تكون كذلك- المهم هنا، كيف تتعامل أنت مع الموضوع التطوعي وفق وجهة نظرك التي يتبين للآخرين من خلالها الجواب على سؤال ما مدى التطابق بين الشفهي والتطبيقي...؟ كما أسلفنا فالإعتذار سلوك راق، والجميل أن يكون في وقت مناسب كذلك، والأجمل هو الالتزام والتحلي بالصبر رغم قسوة الظروف، وأحيانا رغم شرورها الاجتماعية والاقتصادية التي قد يكون "المكلف بها بين خيارين" إما الاستمرار والمقاومة أو الاعتذار الجميل، هذا إذا لم يكن خيار إطفاء الهواتف -دون سبب أو عدم الجواب على كثرة الاتصالات والتساؤلات- مقترحا مُوفقاً لديه أو لديها.. نسأل الله السلامة.. إلى حدود الآن يمكن اعتبار ما سبق طبيعي نوعاً ما، بحكم تشخيصات تجارب الواقع المختلفة في تعدُدها التي نتعلم منها -ولا زلنا نتعلم- كيفية التعامل مع هذه الأمور وإدارتها وفقا لهذا المعطى غير الإيجابي عمليا وتنظيميا، وهذا أمر عادي يعرفه عوام الأعضاء، لكن السلبي وغير المقبول في هذا الإطار هو أن يتم النسيان أو "التناسي" بشكل مقصود أو غير مقصود بواعث العمل التطوعي الخيري ابتداءً من المسؤول تنظيميا أو المُكلف إقتراحيا، خاصة في وسط تنظيم نشاط معين، وهنا يمكن طرح بعض الأسئلة التالية : لماذا أنا في هذا التنظيم وليس في غيره ؟ وما الغاية بالضبط من وجودي به...؟ وما حدود إمكانية الإسهام فيه إن اقتنعت بفكرة مشروعه..؟ لا أعتقد أنه يمكننا أن نجد جوابا آخر يختلف عن السعي لتزكية النفس وإصلاح الذات وتهذيبها وتخليقها بما يجعل منك تبتعد نسبيا عن إمكانية السقوط في المحظور اجتماعيا وذاتيا مع تحقيق التكوين والاستفادة من الفرص والفضاءات التي يوفرها التنظيم وتساعدك على ذلك.. أرجح أن اغلب المنتمين إذا لم أقل الكل، هذا هو الهدف الأساسي من انتمائهم.. هذا جيد، و لحدود الآن لا مشكلة.. طيب، لكن ما الذي قد يجعلك تصادر أراء الآخرين وتعتبر كل من يختلف معك أنه يختلف معك لذاتك وليس للفكرة وطرق تنزيلها والوسائل الأكثر مُناسبة لتحقيق الأهداف التي دَعت إلى تَسطيرها وبرمجتها؟ هنا تبرز مدى فاعلية الباعث للعمل، وطبعا قد لا تبرز، ولكن بلا شك ستبرز فاعلية ما..؟ قد تكون هذه الفاعلية كلاماً معيناً قد يفهم منه بشكل مباشر وهذا حاضر في أغلب الأحيان على شكل سوء نية أو سوء تقدير في أول محاولة أو ثاني محاولة لك في هذا الاختبار الأخلاقي.. نعم وقد تصدم أو تتعجب أو تنزعج أو تأخذ موقف ما..؟ وأحيانا يكون بشكل غير مباشر يصل صَداه إما عن طريق المنتمين في إحدى المناسبات.. أو فيسبوكيا تكتشف نوعية النُموذج التفكيري الذي يستَسقي منه الآخر الذي "تحب له ما تحبه لنفسك"، وقد يبدو لك بعد هُنيهة أن الموضوع لا يستحق كل هذا.. الإشكال ليس هنا، الإشكال أيها السادة يكمُن بالضبط في التكرار الملازم "كزيجة غير متفاهمة" تُسيء التقدير في جل أنشطتها.. طبعا ليس كلها فأحيانا قد ترى "هذه الزيجة" الابتسامة تغزوا من حولها.. على العموم هنا الأمر يستدعي بلا شك لحظة توقف، أليس كذلك..؟؟ بلى، لكن السؤال الأهم هنا : ماهي السمة التي ينبغي التوقف بها وتُحقق لنا الهدف والغاية من هذا التوقف..؟ ليس عمليا على مستوى التنظيم، لأن التنظيم بك وبغيرك أعتقد أنه سيستمر لأنه فكرة سارية الحيوية، لا نشاط معين، وأيضا مهما حاولت أن تقول أنك قدمت شيئاً لهذا التنظيم فالأكيد ما قدمته لك فكرته -مهما حاولت- ستجد أنه له فضلا كبير عليك على مستويات عدة ومختلفة -يكفي فقط أن تتربى في مجالسه التربوية لتقوّم نفسك أسبوعياً- وأشياءً أخرى لا يتسع المقام لذكرها.. نعود ونقول الأخوة قبل التنظيم والتنظيم وسيلة والأنشطة زائلة وأنتَ أخي وأنت أختي هي مجرد فترة وستنتهي -على الأقل مَرحليا- أما الباقي فهي العلاقات الإنسانية والأخوية التي قد تذهب، وتبقى دائما تُذكر على ألسنة مما حالفهم الحظ أن يكونوا إلى جانبك في فترة زمنية تعتبر في مقياس العمر -ذهبية جداً- وجب التعامل فيها على هذا الأساس كما سمعنا ونعلم أيضا قدر هذا الأمر.. لا شك أننا ندرك هذا الأمر جيداً على -الأقل أغلبنا- لكن لم نعلم ونفعل الخطأ..؟ ونحرص بوعي أو بدون وعي على تكراره..؟ أخبرونا الإخوة الذين جالسناهم لساعات-ولا زلنا نجالسهم- أن هذا الأمر يُعطل الإنجاز ويُشتت الجهود ويُنتج البطالة التنظيمية ويُوتر العلاقات الإنسانية ويعكر صفوة القلوب ويقوي خلق "الأعذار" وأشياء أخرى... وطبعا كل هذه الأمور سلبية للغاية وانعكاساتها تكون على الجميع ولا تبعث على الاطمئنان في كافة الأحوال.. أعتقد أن جل الأشخاص معرضون لهذا - نسأل الله أن يُجنبنا ذلك- فحينما ترى أشخاص ما لهم من مكانة في قلبك وعشت معهم كإخوة لك ،على عكس الإخوة الذين هم من نسبك الذين لم يسعفهم الحظ والظروف وربما لا يستطيعون القيام بذلك لأوضاعهم الخاصة، هذا الأمر يجعلك تستشعر في كل لحظة وحين، أن هذا الأخ تنطبق فيه رسالة -الجسد الواحد- نموذج التضحيات والانتصار لقيمة الأخوة والصداقة والإنسانية أيضاً- ما عليك في هذه الحالة إلا أن تعتز بهذا النموذج اعتزازا مهما أردت التعبير عنه ستكون جميع اللغات والمفردات قاصرة على توصيف هذا الإعتزاز.. وهناك أموراً أخرى تستدعي الاعتزاز وما أكثرها، لكن في السياسة التعاملية-خاصة التنظيمية منها- أعتقد أنه مطلوب منك أن تكون واضحاً دائما وصريحاً، هذا السلوك شبه "المفقود" قد يجلب لك المشاكل مع العديد ممن هم أقرب إليك.. نحن لا نتحدث عن هنا عن هؤلاء النماذج، بل عن أشخاص يصعب التشبيه أو المقارنة بينهم.. وهم كذلك ليس بالضرورة أن يكون نسخ مطابقة للأصل، وليس مطلوب منهم أن يكونوا كذلك.. كما أنه ليس مطلوب منهم أن يتصرفوا على ذلك النحو.. إذن ما العمل في هذه الحالة..؟ خاصة أنك مُتيقن أنه لازالت هناك عقليات معينة تشتهي السباحة في اللغو الذي قد يكون مدمراً لكثير مما هو جميل، والآخر قد يكون بالنسبة له "عادياً" وربما تعَود عليه، هذا حاصل ... في تقديري أن كلمة " لا" مُهمة جداً في هذه الحالة، خاصة إن كانت مكسوة بلباقة "تمنيت لو أستطيع الحضور معكم لكن "سيتعذر علي " أعتذر منكم بشدة لا أستطيع" لا يمكنني اعذروني أيها الإخوان" لدي التزامات لا يمكنني التوفيق بينها"... أقدر أيضا أن ثقافة الاعتذار "بدون سبب مُقنع وشرعي ومعقول، قد يكون كذبا على الذات وعلى الآخرين" كل إنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره" إذا على الجميع إحسان الظّن بالجميع لأن إحسان الظّن "كما تعلمون"سلوك أخلاقي عالي ومهم جداً، لكن الآخر يعلم أن عذره لا يستقيم شرعيا وعقلياً، لكن مادام انك تشتغل تطوعيا فالأمر يبقى مُرتبط بمقدار رغبة الآخر في تحصيل الخير ومضاعفته، وهناك الحمد لله ممن تلمس فيهم هذه القيمة الربانية -نسأل الله أن يُكثّر من أمثالهم- ويجعلهم ممن قال فيهم الرسول الأكرم صلوات ربي عليه "أقربكم إلي مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاَ". صحيح أن لكل واحد منا التزامات عدة تجعله غير قادر على مواكبة البرنامج المتفق حوله، وهذا أمر جد عادي حيث أنه لا يمكن أن نلوم الإنسان فوق طاقته وهو يؤدي عمل تطوعي يبتغي به وجه الله. إن هذا الأمر لا يمكن أن يختلف عن حقيقته اثنان على اعتبار أننا لا نشكك في مصداقية أي أحد لأنه ببساطة عمل تطوعي أخوي.. طيب، إذن نحن نتفق حول هذه القضية، على هذا الأساس اسمحوا لي أن أتقاسم معكم إشكال معين للنقاش وللإستفادة المشتركة، وهو مدى استيعابنا للفرق الجوهري بين مفهومي "الإلتزام والإلزام"..؟ الإلتزام : مصدره الرغبة في فعل شيء ما على طيب خاطر "رغبة مشاركة في نادي أو مبادرة ما.. الإلزام : هنا يكمن المشكل أحبتي في الله، ففي الوقت الذي يوافق فيه المتطوع على برنامج ما أو مبادرة فهو ينتقل من مرحلة الإلتزام إلى مرحلة الإلزام الأخلاقي.. كي لا أطيل عليكم بات يتأكد لي أن ترتيب الأولويات شرط أساسي في صلاح جميع البرامج، كما أن ثقافة الصمت مطلوبة بشدة في هذا الباب خاصة في علاقاتك التنظيمية والدراسية والعائلية، نسأل الله أن يرزقنا إياها ويُوفقنا لأن نتملكها في الوقت الذي يُصلح استعمالها.. وطبعا كما يقول الغربيون "من غير الحكمة أن تقول كل شيء فهناك أمور كثيرة يُستحسن الإحتفاظ بها في ذاكرة الحياة لأن المستقبل قد يكون جدير اً بأن يعاش بها"..