يعتبر العمل التطوعي سلوكا متجدرا في وجدان وحياة الأمة العربية منذ القدم . إذ عرف تاريخ هذه الشعوب أنواعا وألوانا من التطوع، تمثلت في مظاهر التكافل الاجتماعي وأنواع شتى من الخدمات التطوعية الفردية والجماعية ، ساعدت فئاته في أيام الشدة على التغلب على أنواع الفقر والعوز والحاجة التي تخلفها الحروب والمجاعات والاضطرابات. وقد ازداد هذا السلوك التطوعي أصالة وتجدرا على امتداد تاريخ الإسلام بهذه البلدان، إذ عرف هذا التاريخ أنواعا كثيرة من التطوع تشهد بها عشرات ومئات من الآثار العمرانية ودور العبادة والتعليم والطرق والمنشآت الخيرية ،التي تم تأسيسها من خلال أعمال التطوع والتي لازال بعضها قائما إلى الآن ، ناهيك عن استمرار العمل ببعض الأشكال التطوعية عبر عمليات تقليدية في الفلاحة والحرف وغيرها . تأثر العمل التطوعي بما شهده العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة من تحولات فكرية وسياسية واقتصادية، تمثلت في الاهتمام الأممي المتزايد بقضايا الحقوق والحريات وقضايا المرأة وتبلور نظريات جديدة في الفكر التنموي.إذ تطورت النظريات والممارسات التنموية عالميا في اتجاه التأكيد على استقطاب الفئات المهمشة ، للانخراط والمشاركة في التنمية ،وتثمين الدور الذي يمكن أن تضطلع به جمعيات ومؤسسات العمل التطوعي والمجتمع المدني عموما؛ كما عرف دور الدولة تراجعا ملحوظا في ميدان السياسات الاجتماعية خاصة في البلدان النامية. لقد ساهمت هذه التحولات في إكساب العمل التطوعي المنظم خلال العقدين الأخيرين أهمية خاصة ، حيث تضاعفت أعداد منظماته وهيآته والمتفاعلين معه ، و زاد ذلك من تأثيراته على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.وسأحاول في هذه الورقة بسط مفهوم التطوع وتأصيله في الحضارة الإسلامية وأنواعه وآفاقه والأدوار المنوطة به وموقع وأدوار المرأة من هذا الحراك المدني. مفهوم التطوع تعددت تعريفات التطوع والعمل التطوعي بحسب السياق الذي استعمل فيه هذا المفهوم ، وتطورت هذه التعريفات تبعا للتغيرات التي مست ظاهرة العمل التطوعي والمنظمات التطوعية والمجالات المحيطة بها .وسأقتصر في هذه المداخلة على تعريف لجنة خبراء الأممالمتحدة للتطوع وتعريف الموسوعة العربية للمجتمع المدني وهو تعريف موحد تقريبا بين هاتين الجهتين :ورد في هذا التعريف أن الطوع هو «تخصيص بعض الجهد والوقت، دون توقع عائد مادي، نحو أنشطة منتظمة (وأحيانا غير منتظمة) تحقق مصالح الجماعة ككل، أو تسهم في رعاية وتمكين بعض المهمشين في المجتمع ». ويمكن استخلاص الخصائص المميزة للعمل التطوعي عن غيره من خلال هذا التعريف كالآتي : ● الخاصية الأولى :العمل التطوعي هو بذل جهد أو تكريس وقت معين، كيفما كان نوع وحجم هذا الوقت والجهد لفائدة الآخرين . بمعنى أن التطوع يمكن أن يكون بالجهد العضلي أو الفكري أو بالوقت أو أي منفعة أخرى للفرد أو الجماعة . ● الخاصية الثانية : هي أن يكون التطوع دون توقع لأي عائد مادي ، ويفهم من هذا أن العائد إذا كان غير مادي، كأن يكون طلبا للأجر في الآخرة أو مرضاة الله بالنسبة للمسلمين أو طلبا لمحمدة أو غيرها مما هو معنوي، فهو يدخل ضمن التطوع. هنا لابد من الإشارة إلى أن تقرير لجنة الأممالمتحدة السابق الذكر، يشير إلى اختلافات ثقافية بين بعض الدول في العالم في أمرين: أولهما إمكانية حصول المتطوع على مقابل، لكنه لا يتوازى أو يتساوى مع قيمة الجهد والوقت المبذولين، وهو ما ترفضه الثقافة العربية على سبيل المثال حيث أن المتطوع من حيث المبدأ لا ينبغي أن يحصل على مقابل مادي. ثانيهما أنه لا يوجد توافق عالمي حول التطابق بين العطاء والتطوع ، فالأول هو تخصيص مال أو التبرع به، بينما الثاني هو تخصيص وقت وجهد (وليس بالضرورة مال). ● الخاصية الثالثة : استيعاب المفهوم لظاهرة التطوع في المجتمع المدني الحديث . فالتطوع من أبرز المفاهيم المرتبطة بالمجتمع المدني، فأحد مكونات تعريف المجتمع المدني هو التطوع أو المبادرة الإرادية الحرة، لفعل شئ ما في إطار مجموعة من البشر.. من ناحية أخرى فإن مجمل المنظمات يعبر عنها في هذا السياق بالقطاع التطوعي، باعتبار أن ما يميز هذه المجموعة من المنظمات هو التطوع.ثم إن التطوع والعمل التطوعي بهذا المعنى ركيزة من ركائز المواطنة . ● الخاصية الرابعة : هو بذل الجهد أو النشاط اختيارًا وانطلاقا من الإرادة الحرة للأفراد دون إلزام أو فرض . أهمية التطوع وآثاره الاقتصادية النفسية والاجتماعية يكتسي التطوع أهمية بالغة بالنظر إلى آثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع : فعلى المستوى الاقتصادي: تتمثل آثار التطوع في : كونه قوة اقتصادية متجددة وغير محدودة ، وفى الدول المتقدمة يجرى قياسها من خلال عدد من المؤشرات منها: قدرة التطوع على توفير وتنمية فرص العمل. القيمة المضافة لساعات عمل المتطوعين غير مدفوعة الأجر. المساهمة فى توفير الخدمات الاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية. المساهمة فى النفقات السنوية الجارية. وتشير عدد من الدراسات إلى أن القطاع التطوعي في الدول الصناعية السبع المتقدمة ساهم فى توفير 11.8 مليون فرصة عمل واستوعب 4,7 مليون متطوع، كما ساهم فى توليد الدخل بنسبة 5 % لهذه البلدان . ومن جهة أخرى وعلى مستوى الجمعيات الأهلية: يشكل المتطوعون مصدر معلومات هام لعمليات التخطيط والتقييم كما يعتبر التطوع مصدرا هاما لتنمية الموارد البشرية للجمعيات والمنظمات الأهلية وأحد الخيارات الهامة لمواجهة عجز التمويل لديها ،كما تعد القدرة على كسب المتطوعين مؤشراً على نجاح الجمعية في تحقيق أهدافها كمنظمة تطوعية. أما الآثار النفسية للتطوع على الأفراد المتطوعين فتتجلى في: -- شعور الفرد بالراحة النفسية عند قيامه بأي عمل تطوعي . - شعور الفرد بتحقيق مكسب ديني بالنسبة للمتدينين وهو الأجر والثواب عند الله . - شعور الفرد بأهمية الترابط بين أفراد المجتمع ،مما يؤدي إلى السعي نحو المشاركة. - إقناع الفرد بأن ما يؤديه هو خدمة وطنية إنسانية لأفراد مجتمعه . زيادة وتقوية الانتماء الوطني بين الأفراد . القضاء على أوقات الفراغ ووجود ما يشغل ذلك الفراغ خاصة بالنسبة للنساء ربات البيوت . - زيادة الإحساس بذات الفرد وأهميته في المجتمع فيود رد المعروف لمن ساعده. - التأثير المباشر على أفراد الأسرة والمعارف بالمشاركة في هذه الأعمال. أما على المستوى الاجتماعي، فإن العمل التطوعي يزيد من القدرات التواصلية والتفاعلية بين أفراد المجتمع، ويساهم في تنمية الحس الاجتماعي لدى المتطوعين ،كما ينشر قيم الطمأنينة والثقة بين ألأفراد ،و يخفف من الشعور باليأس والعزلة . وإجمالا فإن للعمل التطوعي المنظم فوائد متعددة تبدأ بالفرد وإشباع حاجته لتحقيق الذات وتقدير النفس والانتماء وتمتد إلى تحقيق حاجات الأمان الاجتماعي والإحساس بالعدالة والحاجات الوظيفية. مشاركة المرأة في العمل التطوعي: لا ينفصل دور المرأة ومشاركتها في المنظمات المدنية عن وضعها العام داخل المجتمع ، وهو وضع يتحدد بدوره بتطور البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ،فالعلاقة بينهما علاقة تفاعلية، إذ يصعب تطوير أدوار المرأة وتعزيز موقعها داخل المجتمع ، لتصبح شريكاً كاملاً في التنمية، دون تطوير البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع تشير البيانات والإحصاءات المتوفرة على الصعيد العربي إلى ضعف المشاركة النسائية بصورة عامة في التنظيمات والجمعيات الأهلية.وحتى في الحالات التي تشارك فيها المرأة في هذه التنظيمات يلاحظ اقتصار تواجدها على المستويات القاعدية دون القيادية . جاء في دراسة حديثة للشبكة العربية للمنظمات الأهلية ، «انحسار التطوع بين النساء ، كاتجاه عام ، رغم أن العمل التطوعي في المنطقة العربية كان «المنطقة الحيوية» لحركة المرأة ومشاركتها في العمل العام .. وقد حدث ذلك بسبب ضغوط ثقافية متزايدة ، لتحديد دور المرأة من جانب ، وبسبب ضغوط اقتصادية من جانب آخر، أدت لانشغال المرأة في تلبية الاحتياجات الأساسية .» ولا شك أن هناك أسبابًا كثيرة تفسر هذه الوضعية ، منها: أولا :استمرار ارتفاع معدلات الأمية في العالم العربي : ثانيا : الفقر : ثالثا : ضعف المشاركة في الحياة العامة فإلى جانب ضعف الخدمات الموجهة للنساء في التعليم والصحة وارتفاع معدلات العنف ضد النساء وتزايد عدد النساء المعيلات للأسر، فإن اكتفاء المرأة بالأدوار الأسرية والفردية يحجب طاقاتها ويحرمها من المشاركة في إدارة الشأن العام ومن تم ضعف مشاركتها في المنظمات الأهلية وفي العمل التطوعي. وإذا ما أردنا أن نعرف موقعنا على خارطة العمل التطوعي المنظم في العالم فأقرب وسيلة لتقريب الصورة الذهنية عن هذا الموقع هو المقارنة. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية - على سبيل المثال - يصل عدد ساعات التطوع إلى (19.9) بليون ساعة في السنة. وتبلغ قيمة وقت المتطوعين (225.9) بليون دولار سنوياً، وعدد من يعملون بأجر في قطاع التطوع (106) ملايين موظف وموظفة. وفي العالم العربي لازال مستوى مساهمة التطوع عموما ومستوى مساهمة النساء المتطوعات أقل بكثير من هذه المستويات . لذلك لابد لواضعي السياسات العمومية ،والتشريعات النظر بجدية في كيفية رفع مستوى مساهمة العمل التطوعي في الناتج الداخلي ، والعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للنهوض به . خصائص العمل التطوعي عند المرأة العربية : يلاحظ المتتبع لمشاركة المرأة في المجال العام في الدول العربية ضعف هذه المشاركة ، ويعتبر حضور المرأة في العمل التطوعي أحد مظاهر هذا الضعف . جدير بالذكر أننا لازلنا نفتقد لمعطيات دقيقة مبنية على دراسات وأبحاث تعمل على رصد أداء وأدوار المرأة العربية في العمل التطوعي؛ إذ لازالت كثير من هذه الدول تغلب النظرة الأمنية في التعامل مع هذا القطاع . وباستعراض مجموعة من التجارب النسائية في المجال التطوعي بالمنطقة العربية ، يمكن الوقوف على مجموعة من السمات والخصائص تميز مشاركة المرأة العربية في العمل التطوعي. وفي ما يلي أهم هذه السمات والخصائص : ضعف العمل المؤسساتي: ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمات الاقتصادية ويتسع نطاق المشكلات الاجتماعية، ويتضاءل فيه دور الحكومات في تقديم العلاج والحلول الناجعة للتغلب على تلك الأزمات والمشاكل، تبدو الحاجة إلى وجود مبادرات تأخذ بعين الاعتبار الدور الطلائعي للعمل التطوعي ولنخبته الواعية ولما يمكن أن يضطلع به من أدوار تنموية رائدة في مختلف المجالات. غير أن القيام بهذه الأدوار يستلزم توفر التنظيمات التطوعية على إدارة متطورة وبنية مؤسساتية ،تؤدي إلى الانتقال من الطابع الهواياتي التقليدي الذي يغلب على أداء أغلب هذه التنظيمات إلى عمل أكثر مهنية واحترافية: عمل يستحضر ويتمثل المفاهيم المرتبطة بالشفافية والفعالية والنجاعة داخل أجهزته وطرق عمله وخاصة في التدبير المحاسباتي والتسيير المؤسساتي. ومع اعتماد مفهومي «الحكامة» و»التنمية البشرية» ودخول مفهوم الشراكة كآلية أساسية في تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج التنموية، يبدو تأهيل الجمعيات التطوعية النسائية تأهيلا مهنيا في مجال صياغة المشاريع وتنفيذها وتتبعها أمرا ضروريا، خاصة وأن التحدي الكبير الذي يواجهه العمل التطوعي هو التوفر على قدرات مهنية وبنيات مؤسساتية حقيقية ونظام محاسباتي دقيق يمكنه من تحقيق أهدافه وإنجاز مشاريعه على الوجه المطلوب. ولاشك أن هذه الصفات تفتقدها العديد من التنظيمات التطوعية النسائية في العالم العربي ، لاعتبارات متعددة منها ما يرتبط بحداثة أغلبها ومنها ما يرتبط بندرة الأطر المتطوعة المتخصصة بها، مما يجعل عملها بعيدا عن الاحترافية والمهنية المطلوبة . غلبة العمل الخيري والرعائي : اتسم نشاط مجموعة من الجمعيات النسائية منذ عقود بالتركيز على الأنشطة الاجتماعية والخيرية، كالعناية بالأيتام والأرامل ومواساة الفئات الفقيرة والمعوزة وتوفير الخدمات الطبية وبعض الاحتياجات الملحة ، إلى جانب أنشطة أخرى موجهة إلى الأسر والنساء، و كلها ذات طابع خيري و رعائي . وقد أملى هذا التوجه اعتبارات دينية وأخلاقية ووطنية وكذا الأزمات الاجتماعية ، بسبب الكوارث الطبيعية وتعثر السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة في كثير من هذه الدول. لقد أكد جانب من الدراسات العربية التي تم تطبيقها على متطوعين ، للتعرف على دوافع التطوع لديهم أن أكثر من 50% من العينة (ذكور وإناث) قد اكتسبوا قيمة حب العمل التطوعي من الأسرة ومن عمق الوازع الديني . ضعف حجم العمل التطوعي النسائي: يمكن معرفة حجم العمل التطوعي النسائي في العالم العربي بالنظر إلى الأبعاد الآتية: حجم التنظيمات النسائية بالنظر إلى عدد الساكنة. حجمها بالنظر إلى أعداد النساء المتزايدة و تنامي معدلات تخرجهن من الجامعات والتحاقهن بأسلاك العمل. حجمها بالنظر إلى مستوى انتشارها وتغطيتها لمختلف المناطق والجهات وحجم مبادراتها ضمن تدخلات مختلف الفاعلين في الحقل التطوعي . وعلى العموم فإن حجم العمل التطوعي النسائي رغم تطوره واتساع دائرة نشاطه وتنوع أشكاله ، مابين إطارات نسائية مغلقة وبين لجن نسائية داخل منظمات مفتوحة ، فإنه لازال ضعيفا إذا تمت مقارنته بحجم التحديات التي تواجه االمرأة العربية على عدة مستويات. عوائق المشاركة في العمل التطوعي عند المرأة وآليات النهوض بدورها : يمكن إجمال أهم العوائق التي تحول دون تفعيل دور المرأة في العمل التطوعي المنظم فيما يلي : العوائق الثقافية والاجتماعية: يأتي في مقدمة هذه العوائق تمثل المرأة لدوها في المجتمع: فكثير من النساء يحملن صورة سلبية للدور الذي يمكن للمرأة أن تقوم به في المجتمع؛ وقد ساهم في ترسيخ هذه الصورة السلبية لدى جمهور النساء عوامل عدة منها : أ طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تخضع لها المرأة. ب طبيعة الثقافة الرائجة في الأوساط الشعبية عن المرأة . ج عدم وعي المرأة بحقوقها الأساسية وعدم تقديرها لقدراتها المختلفة . د الدور السلبي الذي يقوم به الإعلام من خلال تنميط صورة المرأة واختزال وظيفتها في الإغراء والإشهار. أما العوائق الاجتماعية فهي المرتبطة بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش فيها المرأة. ويدرج هنا من جهة تأثير مظاهر الإقصاء الاجتماعي والتهميش وانتشار الأمية وتدني الخدمات الصحية وغيرها من مظاهر الإقصاء والفقر التي تجعل الفرد رجلا كان أو امرأة لا يأبه بالمشاركة في الحياة العامة ، ولا يربط بينها وبين تحسين وضعيته الاقتصادية والاجتماعية. فالفقر والتهميش يجعلان الفرد لا شغل له إلا البحث عن لقمة العيش وتدبير المعاش اليومي . كما أن مظاهر الاستهلاك تبعث ثقافة اللامبالاة داخل المجتمع . مما يؤدي إلى عدم الانخراط في حركية المجتمع . - غياب بنيات داعمة للمرأة العاملة: تعيش المرأة العاملة والموظفة توزعا مرهقا في الأدوار بين ماهو مطلوب منها من القيام بوظيفتها وعملها خارج البيت بتفان وإتقان وبين وظائفها الأسرية التي تنتظرها بعد الرجوع من العمل ، وذلك بسبب غياب التسهيلات في العمل وقلة المؤسسات التربوية والاجتماعية الداعمة لدور المرأة في الأسرة مما يسهم في التقليص من إمكانية مواكبة المرأة للحياة العامة ومشاركتها فيها . والملاحظ أنه رغم تنصيص قوانين بعض الدول على توفير دور الحضانة ومجموعة من التدابير الحمائية للأمومة بمقرات العمل ، إلا أن أغلب المشغلين من خواص وقطاع عام لا يلتزمون بتوفير هذه الشروط. ومن جهة أخرى يسهم عدم توفير توقيت مرن في العمل في صعوبة موازنة المرأة بين متطلبات الحياة الأسرية الخاصة ومتطلبات الحياة العامة، وكذا الالتزام بواجبات العمل المهنية لضمان الترقي ومواصلة العطاء . العوائق السياسية : إن المناخ السياسي العام الذي تعيشه العديد من المجتمعات العربية اليوم، يفرض استحضار اللحظة التاريخية التي تعيشها الأمة بالتفاعل مع التحولات الجارية في المنطقة العربية، وتطلعات شعوبها إلى قيم الحرية والكرامة والعدل و المساواة و الديمقراطية، لقد شكل العائق السياسي لقرون وعقود مضت عائقا أمام كل المبادرات الرامية إلى النهوض بالمرأة وإشراكها في مختلف مجالات الحياة العامة ، ولا يمكن أن تتحقق هذه الرهانات اليوم إلا بإصلاحات سياسية وقانونية حقيقية تعجل بتحقيق التغيير المنشود ، باعتبار الترابط بين هذه المجالات و انعكاساتها المباشرة على أوضاع المرأة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . إن تصورنا لرفع المشاركة النسائية في المنظمات التطوعية هو تصور شمولي يستحضر كل مكونات التأثير في الفعل الثقافي والسياسي، بدءا من ترسيخ ثقافة التطوع وتحويلها إلى اتجاه مجتمعي عام ،يساهم في ترسيخها كل من الأسرة والمدرسة والإعلام ، مما يعيد الاعتبار للإنسان عموما والمرأة خصوصا ،ودوره في البناء الاجتماعي والحضاري. فلا مشاركة حقيقية بدون منظومة تشريعية متطورة مؤطرة .ولا تمثيلية نسائية بدون بيئة تشريعية مساندة ،ولا مشاركة نسائية بدون إعلام هادف يروم بناء عقليات ووعي مجتمعي جماعي يؤمن بالمشاركة النسائية ودورها في كل مجالات التنمية . وتبرز هذه القيم و تؤثر – إعلاميًا – ليس من خلال أساليب خطابية مباشرة ، ولكن من خلال مراعاتها في أشكال الدراما والفنون والبرامج المتميزة . جدير بالذكر أنه من الآليات التي يمكن اعتمادها على المستوى القضائي من أجل تشجيع العمل التطوعي :إصدار أحكام بديلة متمثلة في أحكام الخدمة الاجتماعية كبديل لعقوبة السجن . إذ تعتبر عقوبة الخدمات الاجتماعية من العقوبات البديلة التي يجب تفعيلها والأخذ بها، بهدف الاستفادة من نشاط وحيوية النساء و الشباب في خدمة المجتمع، بدلا من تعطيلها في السجن.إن هذا النوع من العقوبات البديلة معمول به في العديد من دول العالم و له آثار إيجابية كثيرة ، منها تنمية العمل التطوعي وتفعيل الانتماء والولاء للوطن ، إضافة إلى فوائد وإيجابيات اجتماعية واقتصادية أخرى كثيرة .