ينتصب السؤال شاهقا كيف نفهم الذي يحصل من احتجاجات بالريف وفي باقي المغرب.؟و هل الإجابة الرسمية التي انبنت على اتهام الحراك بالنزعة الانفصالية مختزلة مضمون الإحتجاج تمتلك كفاية تفسيرية مقنعة.؟أسارع إلى نعث المقاربة الرسمية بالإختزال و الإفتقار إلى منهجية تفكيك الظاهرة و ذلك بالبحث عن أسبابها الضاربة في تربة اجتماعية و سياسية واقتصادية. وفي عملية النبش أمسك بلحظة احتجاجية مفصلية هي 20 فبراير لدلالتها على طبيعة المطالَب المجتمعية و جذريتها لقد اتجهت إلى اعتبار الإصلاح السياسي مدخلا لباقي الأوراش و هو ما استجاب له خطاب التاسع من مارس .و أخذ صورته الممكنة بالتصويت على الدستور الذي كفل الحقوق الضرورية للمواطنين و حدد اختصاصات السلط.لقد سجلت تلك المحطة افتقاد النخب السياسيةللإقتدار الإستشرافي و تحركها الخجول تحت سقف المسموح به و اكتفاؤحها بدور التابع المتحرك بإيماءات الدولة الضوئية.مع تميز نسبي لبعض الفاعلين في تصريحاتهم الناصحة لمن يعنيهم الأمر. ما ميز المرحلة التالية لهذه اللحظة الفارقة اتسم بالتأرجح بين ما يستلزمه الإصلاح و بين كوابح انطلاقه.و ظلت الولاية مسكونة بهواجس الانقلاب بنعومة عن المسار الإصلاحي و بمماراسات هابطة لتقزيم الحزب القائد لتجربة 2011.(تأخير الانتخابات الجماعية،مسيرة زروال،الدوباج الإنتخابي بالمال و دعم السلطة لحزب بعينه) و الجديد الذي لم تتوقعه جيوب الردة عن الإصلاحات المنطلقة مع الدستور الجديد هو استعصاء الحزب القائد للتجربة عن التآكل الذي يعد سمة شبه مطردة لممارسة التدبير. إن انتقال منطق التدافع السياسي من الحلبة الديمقراطية إلى الحيلة المفرغة للنتيجة الانتخابية من معناها شكل ضربة موجعة لجذوة الأمل الفتية (انتخابات الجهة /البلوكاج ….) و منطقة الريف تلقت جرعة مركزة من هذا العبث الممنهج.هل يمكن تحقيق التنمية دون مؤسسات سياسية تعبر عن الإرادة المجتمعية؟استفهام ينقسم بشأنه الباحثون مقدمين تجارب دول شاهدة لكن حاضر الأمم شاهد أن الديمقراطية صارت رديفا لازما لإنجاز التنمية.لأن النخب المسيرة المنبثقة من ضمير الشعب هي المؤهلة للحفاظ على تطلعاته و هي المطالبة بتقديم كشف الحساب. حيثما غاب ربط المسؤلية بالمحاسبة تجد الإنتهازية منافذ للعبور.وهنا تتمدد تجليات العبث بمصالح المواطنين و تسمن سلالات الثراء التاريخي (مثال أراضي خدام الدولة.،التأخر في إنجاز المشاريع المدشنة،تأخر تصاميم المدن و الاشتغال بالمادة 28 من قانون التعمير،…)إن تراكم الوهن السياسي و الحيف الاجتماعي والإقتصادي يؤدي الى ارتفاع منسوب اليأس و الثقة في العملية السياسية و الأخطر يغتال المؤسسات الوسيطة و يجعل الاحتجاج مجابهة ميدانية تتسم بالتحدي المفزع.في ظل هذه الشروط تتشكل الزعامات خارج رحم المؤسسات المحكومة بالإطار النضالي القانوني و تتحرر من محددات القانون لصالح الضغط المكشوف و الخطاب الصريح الفاضح.يتأكد -إذن-أن الإجهاز على المعنى السياسي يؤدي الى يتم الجماهير ورفعها شعار "دعني أبادرها بما ملكت يدي" و من ثم فإن تبخيس العملية السياسية جريمة مولدة لنوازع الإنتقام الجماعي (الإحتجاج،السخرية،تدنيس المقدس إذا تمت حوسلته أي تحويله الى وسيلة،استعمال مواقع التواصل الاجتماعي للرد على خطابات الغباء في الإعلام الرسمي،التحرر من الخوف)إن صُم الآذان عن سماع رسائل الشارع بحكمة مماثلة لإشراقة 9مارس2011 سيكون خطأ استراتجيا لا يقرأ إشارات اللحظة بالعمق المطلوب. التوقف عند أخطاء قادة الحراك شجرة لا يجب ان تحجب الغابة المخيفة و كل الخطابات القافزة على صلابة الوقائع الميدانية رهان التفافي لم يعد المجتمع يستسيغه.والمطلوب عاجلا وضع خطة وطنية استعجالية للاستجابة للحاجات الملحة،و شحذ الإرادة الوطنية لمساهمة القادرين على المساهمة في عمليات التنمية بكل أبعادها حماية لسقف الوطن من الإنهيارو ما يستتبع ذلك من هرولة نحو الفشل الأكيد.و صيانة المكتسبات الديمقراطية من كل أساليب الإلتواء و مراوغة الضمير الإنتخابي.الحل خلطة ذكية من المكونات التالية :الديمقراطية،التنمية،التواصل.نحن جميعا في قارب مشترك و يجب ان نعبر النهر بسلام. و المكون الثالث شبه غائب إذ لا بد من أطراف ذات مصداقية تيسر الحوار مع الحراك. و الحكومة مدعوة إلى تمحيص دقيق للمعلومات المتدفقة لبناءالجواب الضروري للأحداث المتشابكة.إن واجبها تتبع الأسباب لاالانشداه أمام هول الاحتجاج أي إطفاء الحريق لا البحث عن فاعل هلامي ،و اجتراح المساءلة للسياسات العمومية المعتمدة و إطلاق جيل جديد من الإجراءات المحددة الدور والهدف والتمويل و الزمن مع إشراك للفعاليات المختلفة في تتبع مراحل الإنجاز بما فيها المجتمع المدني .و الأحزاب بدورها مدعوة لمراجعة عميقة تنقذ روحها من الارتهان و التبعية فإن عجزت تحل نفسها كي لا تساهم في رفع منسوب اليأس و تفسح الطريق لدماء جديدة لا تخشى العبور..