المغرب بعد 25 نونبر 2011 هو حتما لن يكون كمغرب ما قبل هذا التاريخ، هذا على الأقل ما يبدو لبعض المتتبعين و المحللين السياسيين إن لم نقل غالبيتهم، المتتبعين للشأن السياسي المغربي، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. ذلك لأن المغرب يكون قد قطع مع مرحلة سياسية، تميزت بمماراسات سياسية غير ديمقراطية لما كانت تعرفه من تدخل الإدارة السافر في نتائج العمليات الانتخابية طوال الستين سنة الماضية وهو عمر دولة الاستقلال . في الواقع، فإن ما اصطلح عليه ب " الربيع العربي " كان له الفضل في ما يعرفه المغرب من رضوخ الدولة المغربية للمنطق الديمقراطي، ولاحترام إرادة الناخب المغربي، التي طالما كانت محل تزوير وتحريف، الأمر الذي تسبب في خسائر سياسية فظيعة للدولة المغربية، ظهرت أخطر تجلياتها في ظاهرة العزوف السياسي لشرائح واسعة من المجتمع المغربي في الانتخابات البرلمانية لعام 2007. اليوم يمكن أن نقول: أن النظام السياسي المغربي قد بدأ عملية الخروج من عنق الزجاجة التي وضعته فيها ممارسات نخب سياسية و إدارية واقتصادية متحالفة و نافذة محسوبة عليه طوال السنين الماضية، تلك النخب كانت تعتقد أنها تحسن للنظام المغربي، وهي في الواقع كانت أكبر مسيء له، الأمر الذي كاد أن يعرض الدولة لهزات سياسية واجتماعية عنيفة تجني تبعاتها اليوم أنظمة سياسية ودول عربية عديدة مارست نفس منطق الاستبداد السياسي الذي مارسته تلك النخب السياسية والإدارية والاقتصادية. لكن هل يمكن اعتبار التغيير السياسي الذي بدأ حدوثه في المغرب، بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، نجاحا كافيا يمكن أن يجنب النظام السياسي المغربي مطبات سياسية قد تكون قاتلة في المستقبل؟ الجواب لا، إذا أخذنا بعين الاعتبار جيوب المقاومة للنخب السياسية والإدارية و الإدارية القائمة التي تستفيد من استمرار مسلسل الاستبداد والفساد، حيث ستعمل جاهدة على أن لا تكون لعملية التغيير السياسي الذي يحصل في المغرب الآن تلك القوة وذلك العمق الكفيلين بإحداث قطيعة مع الممارسات السياسية السابقة. وعليه يجب على النظام السياسي المغربي، ممثلا في القصر العمل على كبح جماح لوبيات الفساد السياسي والإداري والاقتصادي القائمة، بما له من سلطات يخولها له الدستور المغربي الجديد تجعل منه ضامنا للتغيير السياسي الذي طالما أكد عليه الملك في خطاباته العديدة. لا يمكن للمغرب رفع التحديات المطروحة وكسب الرهانات السياسية القادمة دون استحضار مسؤولية القصر على ضمان جدية مسلسل التغيير السياسي الذي انطلق فعلا بعد نتائج اقتراع 25 نونبر، وهي مسؤولية جسيمة وحاسمة في آن، على اعتبار أن الملك المغربي على معرفة ودراية بحقيقة النخب السياسية والإدارية والاقتصادية الموجودة، وذلك عبرة عملية فك الارتباط بين السلطة والثروة. كما أن الملك وحده القادر على الضغط على تلك النخب و" اللوبيات " المتحالفة فيما بينها، و العمل على توجيه بوصلتها نحو خدمة الشعب المغربي، ودفعها للتخلي عن أنانيتها ومصالحها الضيقة التي كادت أن تسبب للمغرب والمغاربة في كوارث لا أول لها ولا آخر. وعليه فإن الفوز التاريخي لحزب العدالة والتنمية المغربي، في انتخابات 25 نونبر 2011 أيضا ليس سوى خطوة أولى، في مسلسل من الخطوات السياسية الجريئة، التي ينبغي لقيادة الحزب أن تقوم بها، في سبيل إثبات مصداقيتها وواقعيتها للشعب المغربي، الذي ينتظر منها قيادة المرحلة السياسية الجديدة مع حلفاء الحزب المرتقبين بكل جدية ومسؤولية.