يعتبر حزب العدالة والتنمية أكبر حزب مرشح للظفر بانتخابات 25 نوبر الجاري. المؤشرات الدالة على ذلك متعددة. فهناك أولا السياق العربي المتسم بمطالب التغيير، والذي أدى إلى تكريس مطلب الدمقرطة. هذا السياق أفرز الصوت الإسلامي كفائز رئيس بثقة الشعب. والنموذج التونسي يشكل عناون المرحلة. في السياق الدولي هناك تحولات في الاستراتيجيين الأمريكية والأوروبية تعزز مطلب ضرورة أن تراعي تلك السياسات ولو في حدها الأدنة مطالب وتطلعات الشعوب العربية المنادية بوضع حد لاستمرارية دول الاستبداد والفساد. أما العطى الداخلي، فيمكن القول بأن الطبقة السياسية تكاد تجمع على أن حزب العدالة والتنمية يشكل التشكيلة الحزبية الأولى في مغرب اليوم، ولعل انتخابات 2007 والاستحقاقات الجماعية ل 13 يونيو 2009 أكبر دليل. في ذات السياق أيضا، يسجل أن مطالب الحراك الشعبي في المغرب تكاد تتماهى في أكبر عناوينه(الدمقرطة، محاربة الفساد، بناء اقتصاد تنافسي يكرس العدالة الاجتماعية...) مع برامج الحزب الاسلامي المتضمنة في وثائقه المرجعية، أو في برنامجه الانتخابي المطروح أمام ناخبي 25 نونبر. في هذا الإطار، تطرح تساؤلات حول رهانات الدولة بخصوص استحقاقات 25 نوبر؟ وماهي احتمالات تصدر العدالة والتنمية للمشهد الانتخابي المقبل؟ وماهي القيمة المضافة لحكومة يترأسها حزب العدالة والتنمية؟ انتخابات 25 نونبر وتحدي النزاهة والشفافية دعا الملك محمد السادس، مساء الأحد 6 نوفمبر، الفاعلين في العملية الانتخابية إلى الارتقاء إلى مستوى ما يقتضيه العهد الدستوري الجديد لكي تكون «المؤسسات التشريعية والتنفيذية، بمصداقيتها ونجاعتها، قاطرة للديمقراطية والتنمية، جديرة بالثقة الشعبية، ومحققة للمصالحة مع المواطن». وأكد في خطاب بمناسبة ذكر المسيرة الخضراء، أن انتخابات مجلس النواب المقبل تستمد أهميتها، ليس فقط من كونها الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد، وإنما أيضا باعتبارها المحك الأساسي لتفعيله الديمقراطي. مصيقا أن التعبئة الوطنية الشاملة « تظل عماد رفع التحدي الكبير، لإنجاح انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية، على أساس برامج مجتمعية واضحة وخلاقة، تستجيب للتطلعات المشروعة للمواطنين، وتفرز أغلبية حكومية تتحمل بكل شجاعة وانسجام وإقدام والتزام، مسؤولية تدبير الشأن العام، وتحاسب عليه من طرف معارضة بناءة، بقوتها الاقتراحية، معارضة برلمانية لها مكانتها الدستورية والفعلية وليس مجرد أقلية مهمشة أو مقصية لا تأثير لها، تنتظر نهاية الولاية النيابية لتعرض برنامجها البديل». هذه إذن رهانات الدولة قبل 20 يوم من يوم الاقتراع. وفي قرائته لهاته الرهانات وحول أهمية المحطة الانتخابية المقبلة، قال المحلل الاقتصادي على إن الرهان الأساسي هو على الأقل تنزيل جوهرالدستورالجديد، وإعادة الاعتبار للسياسة بعمقها النبيل، ليخلص إلى أن المغرب، في السياق الإقليمي الضاغط، ليس من حقه أن يخطئ «لأن البدائل ستكون كارثية». العدالة والتنمية واحتمالات تصدر المشهد الانتخابي أعرب أحمد مفيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عن اعتقاده بضرورة إشراك حزب العدالة و التنمية في الحكم، ل»وضعه على محك الممارسة ومواكبة التحولات التي تعرفها المنطقة العربية والمغاربية». مشددا على أن المغرب « يتواجد في منعطف هام و حساس من تاريخه، فإما أن تضمن نزاهة الانتخاب، ويتم وضع سياسات عمومية قادرة على التجاوب مع حاجيات وتطلعات المواطنين، وإما أن يكون العكس، بمعنى مزيد من الاحتجاج والتظاهر.» من جهته استبعد محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن يحقق العدالة والتنمية إنجازا مماثلا لما حققته النهضة لأن «نمط الإقتراع في المغرب لا يسمح لجهة ما باحتكار المشهد السياسي، وطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية في المغرب تساعد على عدم تركيز الأصوات وهو ما لا يخدم العدالة والتنمية. وبالتالي فالحزب قد يحصل على أغلبية لكنها لن تكون كاسحة. ويرى محمد الشقيري الديني، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وفي سياق قرائته للانعكاسات المحتملة لنتائج الانتخابات التونسية على استحقاقات 25 نونبر المقبلة بالمغرب، أن ما جرى في تونس من تصدر الإسلاميين لنتائج الانتخابات الأخيرة لا يختلف عمّا يمكن توقعه في باقي دول المغرب العربي إذا جرت انتخابات نزيهة وشفافة. وإذا كان المغرب سيخوض أول انتخابات تشريعية في ظل دستور جديد يعطي مجالا أوسع لرئيس الحكومة، وفي سياق ما بات يعرف بالربيع الديمقراطي، والشعارات التي ترفعها حركة شباب 20 فبراير، فإننا نتصور ثلاثة سيناريوهات تأخذ فيها الدولة بعين الاعتبار ما جرى في تونس من اكتساح إسلامي لنتائج الانتخابات وسقوط نظام مجنون ليبيا: أولا : مزيد من التحكم في الخريطة السياسية حتى لا يتمكن حزب العدالة والتنمية من تصدر نتائج الانتخابات التشريعية التي تمكنه من رئاسة الحكومة المقبلة، وبالتالي إعطاء صورة سلبية عن إمكانية الإصلاح في ظل الاستقرار التي راهن عليها الحزب ذي المرجعية الإسلامية، و بالتالي فإن هذا السيناريو سيؤدي إلى تقوية المقاربة القائمة على ضغط الشارع. ثانيا : الدخول في مفاوضات مع حزب العدالة والتنمية من أجل ترتيبات وضعه ما بعد تشكيل الحكومة المقبلة، بحيث يكون له دور جديد في الانتقال الديمقراطي الذي فشل مع حكومة اليوسفي، أو لم ينجح في الدور المنوط به على الأقل، وهذا السيناريو في تقديرنا أصبح متجاوزا بسبب الغليان الذي يعرفه الشارع المغربي، وقد يضرّ بصورة الحزب الشعبية إلى حد كبير إذا ما استجاب له. ثالثا : حرص الدولة على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعيد الأمل للشعب المغربي وتنقله إلى مصاف الدول الديمقراطية كما أكد على ذلك الملك في أكثر من مناسبة، بغض النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، وهذا السيناريو هو الإجابة الوحيدة على أسئلة الشارع المقلقة. أما إدريس بنعلي فيشدد قائلا: أكيد أن التغيير لن يتأتى عن طريق تحالف بعينه، أيا كان عدد مكوناته، لأن الصفر إذا أضيف إلى مثله يبقى صفرا. ولا يمكن استعادة ثقة المواطنين وإعطاء انطلاقة جديدة للحياة السياسية المغربية إلا إذا تمت تعبئة قوى جديدة ودعم ركائز مجتمع مدني مستقل واحترام قواعد اللعبة السياسية. بهذه الطريقة وحدها، يمكن أن نخلق تجديدا في المصالح ونشجع المواطنين على المشاركة والقطع مع زمن العزوف. باختصار، بهذا الأسلوب وحده يمكن أن يولد ويتقوى مسلسل ديمقراطي يأبى أن يرى النور. بتعبير آخر، ما جدوى تنظيم انتخابات في غياب الأمل في تغيير النخب؟ أي قيمة مضافة لحكومة مابعد 25 نونبر بقيادة العدالة والتنمية؟ أما عن سؤال القيمة المضافة التي يمكن أن يأتي بها حزب العدالة والتنمية في حالة قيادته للتحالف القادم، تتعدد القراءات لكن في ظل شبه إجماع على أن منح قيادة الحكومة المقبلة لحزب العدالة والتنمية هو «الكفيل بضمان الحد الأدنى للاستجابة المغربية للربيع العربي، وكذلك التناغم مع طبيعة التحولات الجارية في المجتمع. ستة معطيات تفرز ضرورة أن يكون للعدالة والتنمية موقع قدم في تدبير الشأن العام في مرحلة مابعد 25 نونبر حسب عدد من المتتبعين. أولها باعتبار الانتخابات آلية لعكس ما يعتمل وسط المجتمع. ثانيا، تولي العدالة والتنمية السلطة التنفيذية يدخل في سياق استراتيجية إذماج الإسلاميين بعد 15 سنة من حضورهم على المستوى العمل السياسي المباشر. ثالث العوامل الدافعة في ضرورة الإشراك هو الاستجابة للحد الأدنى من مطالب الشارع. هاته المطالب التي تجد تجسيدها في برنامج الحزب الاسلامي. رابعا، أن الحزب أن الحزب يمتلك بحسب مرجعيته القوة الدافعة لتخليق الحياة العامة بالمغرب. أما العامل الخامس فيتجسد في أن تولي الاعدالة والتنمية دفة رئاسة الوزراء سيعد تناغما طبيعيا مع المحيط العربي الإسلامي في اللحظة التاريخية الراهنة. وهنا نصل إلى العامل السادس الذي يجذكرس ضرورة إفراز بديل حكومي في مغرب اليوم يراعي مطلب التغيير الذي يرفعه كل المغاربة. في هذا السياق، يرى ادريس بنعلي، أن حزب العدالة والتنمية « يمكن ان يشكل صمام أمان في الحفاظ على التوازنات في مغرب اليوم» مشددا من جهة أخرى، على أن الحزب الاسلامي، بغض النظر عن التحالف الحكومي، يمكن أن يشكل دعامة في جانب تخليق السياسات العمومية ونهج سياسات تدعم استراتيجيات الشفافية ومحاربة الفساد. ولا مفاجأة إذا قلت إن الإصلاح الدستوري، وكل اللغط الذي أحاط به، لن يغير في واقع الأمر شيئا، إذا لم يبرز سياسيون جدد قادرون على إيقاد جذوة الأمل لدى سكان فقدوا الثقة في الطبقة السياسية. ومن خلال السياق المحلي والعربي والدولي يتضح أن العدالة والتنمية من خلال قيادتها الحكومة المقبلة باستطاعته رفع عدد من تحديات المرحلة. أولا هو الحزب الأكثر قدرة بحكم مرجعيته وبرامجه وأطره البشرية على الاستجابة لمطال الجماهير المطالبة «بإسقاط الفساد». ثانيا هو الحزب الذي شكل إطار للحفاظ على التوازنات السياسية خلال المرحلة السابقة، وهو القادر على تعبئة جزء كبير من النخب السياسية والمدنية لإنجاز مطلب التغيير. ثم إن طبيعة ما يجري قي دول الجوار تساعد حزب العدالة والتنمية على استثمار تلك التحولات لصالح بناء التنمية السياسية والاقتصادية في مغرب مابعد 25 نونبر 2011.