رغم إقراره أن مزج الديني بالسياسي يسيء للدين، دافع المؤرخ والباحث حسن أوريد عن ضرورة حضور الدولة في ما هو وجداني وفي المجال الديني بمختلف شؤونه، سواء تعلق الأمر بالمساجد أو الفتوى أو غيرهما، متسائلا بالقول: "كيف نطلب من الدولة أن تحضر في ما هو اجتماعي ورياضي ولا تحضر في ما هو ديني"، مشيرا في محاضرة له اليوم الجمعة بوجدة إلى أن الدولة وظفت الزوايا دون أن تقفز عن الأدوار الاجتماعية والروحية لهذه الأخيرة. الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، والذي كان يحاضر عن كتابه "الإسلام السياسي في الميزان - حالة المغرب" في كلية الآداب بجامعة محمد الأول، قال إن "التعليم فشل بالمغرب لأننا لم نوفر له الفكر، الذي من شأنه التعامل مع الواقع لتجاوز معضلاته بحوار عقلاني"، وهو الأمر حسب أوريد الذي لا يمكن أن يقوم به المعتقد لأنه عبارة عن مسلمات، مشيرا في هذا الإطار إلى أن التطور لا يكون فقط بالتقني والمهندس بل بمن يفكر ويطرح السؤال، محيلا عن الإسلامي التونسي عبد الفتاح مورو الذي قال "إن المجتمعات لا تتطور بالتقنية وحدها بل بالعلوم الإنسانية". وعن تجربة حزب العدالة والتنمية قال أوريد في اللقاء الذي أشرف على تنظيمه "فريق البحث..الهوية والاختلاف"، إن البراغماتية تعد أهم سمة ميزت تجربة هذا الحزب، مؤكدا على ضرورة إبعاد السياسة عن الدين لأن الأخير يعني الأخلاق والمعتقد الذي ينبغي التسليم به، في حين أن السياسة تعني من بين ما تعنيه أن الغاية تبرر الوسيلة. أما عن تجربة جماعة العدل والإحسان فقد اعتبر أوريد أن جهود زعيمها الراحل الشيخ ياسين انكبت على محاولات أسلمة الحداثة بالاستفادة من إيجابياتها والتحلل من ماديتها، غير أن خطاب الشيخ ياسين لم يزكيه الواقع على أكثر من مستوى وصعيد، مؤكدا أن الحركة الإسلامية إجمالا جاءت كرد فعل عن الحداثة الغربية. صاحب العديد من المؤلفات بالعربية والفرنسية شدد على أنه لا يقول بعلاقات صدامية مع الدين "ولا أقول باستيراد الحداثة بشكل ميكانيكي، وأنه ليس هناك منتوج أو مرجعية تطبق على المجتمعات، بلنسعى لنخيط ثوبنا وفق حجم جسمنا وخصوية مكوناته أي لا بد من المواءمة"، يورد أوريد. مؤرخ المملكة السابق، وفي قاعة عجت بالحضور، حاول رصد ظاهرة الإسلام السياسي مع جهد كبير في الحياد وهو ما عكسته العديد من العبارات التي اعتبرها محايدة، مشيرا أنه قدم تصورا للتعامل مع الدين بين من ينطلق من التقاليد ويسترجعا، ومن يوظفها ومن يريد تحديث الإسلام ومن يريد أسلمة الحداثة ومن يتعامل مع النصوص بشكل جامد. يشار إلى أن "فريق البحث الهوية والاختلاف" التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، ينسق أشغاله كل من العربي طواف وسمية بوتخيل وشروق ناصري، الأساتذة بنفس الكلية. كما يذكر أن المحاضرة عرفت محاولة للتشويش والعرقلة، غير أنها باءت بالفشل بعدما فَوّتَ المحاضر والحضور الفرصة عن بعض الشباب الذين زعموا الحديث باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.