العقلية اليهودية وراء تدمير حارة المغاربة يعتبر الاحتلال و الاستيطان الإسرائيلي عبر بناء المستوطنات وهدم مباني وعقارات بيت المقدس اغتصاب واحتلالا، بل ومحو أثار الأراضي والمقدسات التاريخية الحضارية طمسا وطرسا لكل هوية دينية وحضارية ، هو التطبيق العملي للفكر العقائدي الديني السياسي المتطرف للغاية. وإن هذا الاستيطان في اعتقاد اليهود هو تحقيق إرادة السماء بتحرير اليهود لمزيد من الأرض التي منحهم إياها الرب كوعد لشعبه المختار، وما الشعب الفلسطيني بنظر هؤلاء إلا مغتصب لهذه الأرض. وبناء عليه يجب بناء المستوطنات في كافة الأراضي التي منحهم إياها الرب، وطرد الغرباء منها. والتقاء الفكر الديني المحرف الأسطوري مع الرؤية السياسية للحكومات الإسرائيلية يقدم الضرورة الملحة لتنفيذ الحركة الاستيطانية الواسعة في الأراضي المحررة (وفق المفهوم الإسرائيلي) لحماية الأمن العام والخاص لدولة إسرائيل وللشعب الإسرائيلي الهادف إلى حريته في أرضه وبلاده. وتعتبر القدس المنطقة التي عليها إجماع يهودي وصهيوني فضلا عن الإسرائيلي، باعتبارها العاصمة الأبدية للدولة العبرية، وقلبها البلدة القديمة لوجود المقدسات الديني، وقلب البلدة القديمة هيكل سليمان الذي تطلع إليه النفوس اليهودية لبنائه في المسجد الأقصى بعد هدمه، لاعتباره المقدس التاريخي السامي في عقلية اليهود وتعد ساحة البراق ( المبكى) وهي موضع حارة المغاربة معبر وطريق بداية حلمهم المزعوم ومحل أساطيرهم العقدية، بل هي الأكذوبة اليهودية والافتراءات الصهيونية تنشر وتعمم كلما أرادوا السيطرة على موضع إسلامي وتحويله إلى موضع يهودي مقدس. حارة المغاربة من الأسطورة إلى الواقع ومن أجل ترجمة الفكر اليهودي الصهيوني المبني على إقصاء الآخر وإبادة تاريخه على أرض الواقع والأرض، فقد وضع استراتيجية واضحة تماماً، لتنفيذ هذه السياسات من أجل أن تبقى القدس عاصمة أبدية موحدة تم اتبع مجموعة من الأساليب لتحقيق هذه الأهداف. ولأن نقطة حائط البراق وساحة البراق المجسدة لحارة أو حي المغاربة تشكل في أساطيرهم الحجر الأول لمخيلة مقدسهم وهيكلهم المزعوم هيكل سليمان، باعتقادهم أن حائط البراق (حائط المبكى) يضم حجارة قديمة تأكد أساطيرهم المزعومة، فقد كانت هذه المنطقة موضع ومعبر انطلاق مشروعهم ومخططاتهم التهويدية والاستيطانية، ومحل الصدام الأول بين الحق الإنساني والاسطورة الخربة بين المقدس الإسلامي والهوس اليهودي الصهيوني، ومطية تنفيذ حلم عاصمتهم الأبدية المقدسة. فبدؤوا أول ما بدؤوا به بعد نكسة 1967 التي اجتاح فيها العدو الصهيوني الأراضي المقدسة، هو تدمير حارة المغاربة ومصادرة الأراضي، ومصادرة العقارات الوقفية باعتبارها أملاك الغائبين، و قاموا بسياسية هدم المنازل وزرع سياسة الأرض المحروقة بتوظيف كل وسائل التهجير والتشريد والإرهاب، لتبقى ساحة البراق أو المغاربة مكانا خاليا إلا من تنفيذ مشروعهم اليهودي المكذوب، بداية بالصلاة في الساحة وإقامة مباني تعبدية فيها ونواحيها ، ثم تخطيطا مستقبليا للاقتحام الأكبر للمسجد الأقصى وتدميره لإقامة الهيكل المزعوم. تجربم : هدم حارة المغاربة جرم إنساني وتاريخي بعد سقوط القسم الباقي من القدس سنة 1967، سارع العدو الإسرائيلي وبأمر من سلطاته العليا إلى هدم 138 معلمة أثرية حضارية في الحي المغربي أو ما يسمى منذ عهد الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي حارة المغاربة، معظمها تابع لأوقاف المغاربة، كما طرد وشرد تهجيرا المئات من المغاربة، وبعضهم قتل تحت أنقاض الردم والجرافات. ونتج عن هذا الهدم طمس وإزالة معالم الأوقاف المغربية الإسلامية التي ترتبط بتاريخ المغرب الإسلامي ببيت المقدس، والتي دامت قرابة سبع قرون، فضلا عن تشريد سكانها ومعظمهم من أحفاد السلالات المغاربة الذين رافقوا صلاح الدين الأيوبي وأعجب بهم في مراحل الجهاد والعلم في القدس. إن الكيان الإسرائيلي بطبيعة نشأته الاحتلالية التوسعية الاستيطانية القائمة على اغتصاب أرض فلسطين وأراضي عربية أخرى بالمنطقة، ورجوعا إلى عقيلته الخبيثة -المتجذرة في ملاحات وجيتوات عفنة- القائمة على ارتكاب الجرائم المتتالية ضد الإنسانية وعلى المجازر والتزييف الممنهج للمعالم والمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، والتهجير القسري لملايين اللاجئين والنازحين، فهو كيان إجرامي عنصري إرهابي، ترعى السياسات الاستعمارية وجوده واستمراره من خلال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي، ويشكل التطبيع معه خصوصا مع حكام العرب هو الرافد الأهم الذي يمده بأسباب البقاء والتوسع والعدوان والهيمنة على شعوب ومقدرات المنطقة. وهذه كانت لب الأسباب الدافعة إلى الاحتلال والإرهاب الصهيوني، وأول ما بدأ به احتلاله تنفيذا لنبوءاته هو احتلال القدس وخصوصا ساحة البراق عبر مسح تاريخ حضارة مغربية دامت سبعة قرون بالأدلة التوثيقية والقانونية والتاريخية. حارة المغاربة بين الجريمة الكبرى وحق المطالبة لقد شكل احتلال أوقاف المغاربة ومصادرتها وتدمير جلها خصوصا الجزء المهم من تاريخنا وهو حارة المغاربة، وقتل مجموعة من المغاربة الشهداء و الصامدين الذين هدمت منازلهم بالجرافات على رؤوسهم لأنهم أبوا أن يستسلموا ويتركوا مساكنهم فضلا عن تخريب 138 مبنى أثري مغربي دام لسبع قرون، جريمة كبرى في التاريخ الإنساني لازالت تداعياتها القانونية التي تدخل في قفص "جرائم الحرب" لا تسقط بالتقادم، ولازالت العوائل المغربية وأوقافها في القدس بل وفلسطين مدعاة للمطالبة والدفاع والحماية استكمالا للذود عن حقوق المغاربة المقدسيين وعن أوقافهم سواء المسلوبة أو المهددة بالغصب والاحتلال. نعم أقول ينبغي أن يوصف الحدث الأليم الذي يأبى النسيان جريمة نكراء وجرما لا يغتفر، بل ونكبة للفلسطيين والمسلمين عامة وللبشرية جمعاء، والمغاربة خصوصا. تدمير حارة المغاربة بل وأوقاف المغاربة وتاريخهم العلمي والعمراني والتربوي والجهادي والتراثي الذي دام لمدة سبع قرون جريمة نكراء، تلت حرب ونكسة 1967 المجسدة للنكبة الثانية كما اصطلح عليها المؤرخون بعد نكبة 1948. إن تدمير حارة المغاربة حق مغتصب ونكبة أخرى تضاف إلى باقي النكبات، هدد فيها الإرهابيون الصهاينة بتدميرها على رؤوس الأشهاد والمجاهدين القدماء المغاربة المحافظين على وصية صلاح الدين الأيوبي بحماية بيت المقدس حتى الشهادة، فضلا عن تشريد سكان حارة المغاربة وأوقاف المغاربة وتهويد مقدساتهم من قبل الاحتلال الصهيوني، بتواطؤ مع قوى الاستعمار والإمبريالية وحتى العربية المتخاذلة. من محنة المغاربة إلى قضية المغاربة من أجل ذلك جعلت في دراستي من مسألة تدمير حارة المغاربة خصوصا والاعتداء على عوائل المغاربة و أوقاف المغاربة عموما، جريمة نكراء لا تغتفر ولا تنسى، بل أدعو المنظمات والمؤسسات الحقوقية وكل الغيورين إلى العدول عن توصيف وتشخيص محنة حارة المغاربة و العائلات المغربية، بل تحويلها إلى قضية حارة المغاربة بل وقضية أوقاف المغاربة بشكل عام، و اعتبارها عنوانا مركزيا في موضوع القضية الفلسطينية والصدام التاريخي بين الكيان الصهيوني بل بين النظام الدولي التكالبي والأمة الإسلامية ، ومدخل أساس في نضال الإنسانية العالمية بنشاطائها ومؤسساتها التراثية والحقوقية للتذكير بقضية حارة المغاربة وأوقافهم كسبيل لاسترجاعها من أيدي المغتصبين الغاشمين. خاتمة إن قضية حارة المغاربة وأوقافهم قضية المغاربة والأمة، فهم لم يشكلوا سوى سورا دفاعيا عن سور المسجد الأقصى وهما موحدا إيمانيا لينفذوا سور القرآن خصوصا سورة الإسراء التي أوصت بالذود عن الأرض المباركة والمقدس، والحفاظ عليها من كل الظالمين والفاسدين لتكون أرض الطهارة والعبادة والبركة والمعرفة. كان هذا، و لا يزال، شعارا راسخا في وجدان الشعب المغربي بكل أطيافه ومكوناته في إطار استمرار متجدد بعمق العلاقة الإسلامية المغربية والصلة القرآنية و الحضارية التي تجمعها بفلسطين، أرضا وشعبا ومقدسات. حيث لا ينفك المغاربة عن إثارة انتباه العالم بمواقفهم الثابتة في الدفاع عن قضية فلسطين و دعم نضال شعبها ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد من رسخه وعبد له الطريق تزفيتا و زراعة في قلب الأمة. هشام توفيق/ باحث في التاريخ المغربي المقدسي