غالبا ما ينطفئ وهج الحلم الشخصي إذا ما ربطناه بعوامل خارجية ، أعرف الكثير من الناس وربما أنا منهم تأخرت أحلامهم ووضع الحد لأمانيهم ، فتوقفوا عن تحسين أعمالهم الشخصية و مبادراتهم الإيجابية لأنهم لم يجدوا الأرضية المناسبة والدعم اللازم ، ربما نسوا أن الأحلام و الطموحات ، كما الأشياء الصغيرة حديثه العهد بالحياة إدا لم تسقها بماء التفقد و ترويها بالسؤال و السير نحو الأمام تقلصت وغدت شيئا من الذاكرة المنسية . كثيرا ما نردد كلمة " بلدنا أكبر قاعة للإنتظار " ، في إشارة لسياسة التعطيل و التأجيل التي نجدها عند ولوج لأي مرفق خاص بالخدمات العمومية ، وقد لا نشعر أن أحلامنا و تطلعاتنا من الحياة سارت في نفس المسار ، وغدت ضحية تسويف و خوف و تراجع شخصي متكرر نتحمل فيه كأشخاص عاقلين كل المسؤولية ، فكم يلزمنا من الشجاعة و الإرادة للوقوف و الانطلاق من جديد ؟ قد نتسائل بشكل جماعي ، ما السبب ؟ ومن المسؤول ؟ ، سأترك لكم المجال للتفكير و التأمل في المسألة ، فلست هنا في مقام تقديم تحليل دقيق وعلمي ، فالأمر يحتاج لدراسة موضوعية . وقد تجدون أعزائي القراء الآلاف من الأعذار منها ما هو ذاتي و ما هو خارجي كمسؤولية الأسرة و المجتمع و طريقة التربية و التعليم ، والدور السلبي الذي تلعبه الثقافة المجتمعية في تشكيل شخصية الإنسان ووعيه الذاتي . منا من يستسلم للوضع الذي هو عليه ، ويحكم على نفسه بالنوم العميق ، ومنا من يقاوم و يستنهض الهمة ، و يطرح السؤال ، و يختار أن يستعين بمجالات التدريب و تطوير الذات و التخطيط للنجاح و التميز التي تتوفر فيها طبعا معايير المصداقية و العلمية و الإبداعية . رغم هذه الخطوة الشجاعة بالإقدام على الانتفاع بهذا العلم الجديد ، لا يكيفنا لنتغير أن نشارك في دورات تدريبية مكتفة ، فالمتميز أصلا تكون لديه صورة واضحة عن ماذا يريد ، فكما قال سقراط " اعرف نفسك بنفسك " ، فتلك السويعات الخاصة و اللحظات الصامتة و المكاشفة مع النفس هي نقطة البداية أولا ، فأغلب المتميزين نجحوا في استثمار أشياء عميقة بدواخلهم هي الإرادة و الحلم و الرغبة و الشغف بالحياة . وهنا أشير إلى نموذج من رجالات المسلمين المتميزين ، الذي جمع بين تحقيق الطموحات الدونوية و الرغبة الدائمة في تحصيل المقامات العالية في الدنيا الآخرة ، و هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي وصف بنفسه وصفا دقيقا فقال: " إن لي نفسا تواقة ، ما تمنت شيء إلا نالته ، تمنت الإمارة فنالتها وتمنت الخلافة فنالتها ، وأنا الآن أوق للجنة وأرجو الله أن أنالها " ذكرت هذا النموذج لأشير إلى مسألة أعتبرها مهمة ، فاعتبارنا ننتمي لمجتمعات مسلمة حري بنا أن يكون لنا طموح للنجاح و الرقي كبير ، فلا يستوي نجاحك الدنيوي و تميزك المادي وأنت فارغ الروح ، مهمل لعلاقتك بخالقك ومتخلف عن تحسين أخلاقك و طريقة تعبدك ، فالله خالقنا جميعا قد كتب الإحسان في كل شيئ ، ولنرجع للخليفة عمر عبد العزيز الذي لم ينسى علاقته بربه وهو يتسلق سلالم النجاح ، ولنتفكر في واقعنا اليومي كيف يبيع المرء مبادئه و ربما صداقته وحتى أقرب الناس إليه لأنه أدخل نفسه في دائرة المصلحة الذاتية و الأنانية الفردية ، فنسى أولا ربه و عمق روحه فكيف به أن يتذكر الآخرين . وهنا أشير إلى قضية تغييب البعد الروحاني و الإيماني في أغلب خطابات التنمية البشرية ، فأي تأهيل للإنسان يستبعد الجانب الإيماني فهو إلى زوال و سينتهي مفعوله بعض أيام ، وهنا العالم الغربي فطن و أدرك أهمية هذا العامل في إحداث التوازن و الإستقرار النفسي ، فبدأنا نسمع بتدريبات تعتمد على طريقة " اليوكا " ، وتوجيه المتدرب إلى زيارة المعابد الدينية ليحصلوا الراحة النفسية . فنحتاج و نحن نوقف قطار أحلامنا ، لنعيده للسكة الصحيحة لينطلق بقوة من جديد ألا ننسى وظيفتنا الإستخلافية و العمرانية في هذه الأرض الكريمة.